مَصْدَر قوَّة القائد - الصلاة
الصلاة:
إن العنصر الذي تتألف منه الشركة مع الله هو الصلاة. إذ أن الله يتكلم معنا من خلال كلمته، ونحن نتكلم معه من خلال الصلاة، على أن نتذكر أن هناك صلوات تحِّك يد الله، وأن هناك صلوات لا تأثير لها إطلاقاً. فما هو الفارق؟
لقد قدَّم يسوع مثلاً على أنواع الصلاة المختلفة فقال: "إنسانان صعدا إلى الهيكل ليصلّيا، واحد فرّيسيّ والآخر عشّار. أما الفرّيسيّ فوقف يصلي في نفسه هكذا: "اللهم إني أشكرك أني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة، ولا مثل هذا العشّار. أصوم مرتين في الأسبوع، وأعشّر كل ما أقتنيه". وأما العشّار فوقف من بعيد لا يشاء أن يرفع عينيه نحو السماء، بل قرع على صدره قائلاً: "اللهمّ ارحمني أنا الخاطئ". أقول لكم أن هذا نزل إلى بيته مبرِّراً دون ذاك، لأن "كل من يرفع نفسه يتَّضع ومن يضع نفسه يرتفع" (لوقا 18: 10- 14).
أتيحت لي الفرصة في أحد أيام الصيف لحضور حفلة موسيقية على نهر باتوماك في واشنطن. وكانت الفرقة الموسيقيّة تؤدي الافتتاحية المسماة "1812". في أحد المقاطع أطلقت طلقة مدفع. وطبعاً لم تكن طلقة المدفع لإصابة هدف بل فقط لإيجاد تأثير صوتيّ، الأمر الذي يضفي على الموسيقى إثارة عنيفة.
وعلى نقيض هذا تذكرت أياماً قضيتها في البحرية خلال الحرب العالمية الثانية، وكنت أعمل كمراقب في المدفعيّة. كانوا يطلقون طلقة من أحد المدافع حيث أراقب موقع سقوطها بالنسبة للهدف، وعندئذ كنت أبرق رسالة أحدّد بها الإتجاه المطلوب: أهو أبعد أم أقرب، أو بالإنحراف يميناً أو يساراً. ثم بعد كل طلقة كنت أعطي تعليمات إضافية حتى نصل أخيراً إلى النتيجة، فأبرق بعدها "أطلقوا للتدمير". كانت المدفعية هنا تصب نيرانها كلها على الهدف لتجعله أثراً بعد عين.
وهكذا كان المثل الذي قدَّمه يسوع عن الصلاة، فإن الفريّسيّ كان يصلّي للمظهر الخارجي. وقال يسوع عنه أنه كان يصلّي وكأنه كان يخاطب نفسه. أما العشار فكان يتكلم من الأعماق في صلاته. لم يهمَّه الظاهر بل كان منشغلاً بالداخل كان يتمِّم عملاً جدِّياً. هذه هي الصلاة المثلى التي ينبغي تقديمها إلى الله. "طلبة البار تقتدر كثيراً في فعلها" (يعقوب 5: 16). لأن الصلاة يجب أن تكون حارّة لتصبح فعّالة.
وقد توّضح ذلك بحدث في الكنيسة الأولى (انظر أعمال 12: 1- 12). بدأ هيرودس الثالث حكمه بالإرهاب اضطهاد المسيحيين، فقتل يعقوب أخا يوحنا، وكان على وشك أن يقتل بطرس أيضاً. كان بطرس في السجن، تحت حراسة ستة عشر جندياً. ولكن المسيحيين صلّوا في تلك الليلة من أجله. استجاب الله للصلاة إذ أرسل ملاكاً ففتح باب السجن وأطلق بطرس.
هناك ترجمات عديدة استعملت كلمات مختلفة لوصف الصلوات التي قُدِّمت، جدِّية، متحمسة، حارّة. إن الكلمة المستعملة لوصف حرارة الصلاة، هي الكلمة المستعملة لوصف شدّة الشعور الذي يشعر به الإنسان عندما تتمزَّق أطرافه على أداة التعذيب.
إن السبب لهذه الصلاة الحارّة واضح. أولاً كان هرب بطرس من السجن مستحيلاً من الوجهة المادّية. والشيء الأساسي الذي حثّ على تلك الصلاة المتحمّسة كان ماضي بطرس. فقد عُرف عنه أنه أنكر المسيح في ساعة الخطر. فهل سينكره الآن؟ هل سمع الله لصلواتهم؟ نعم بوفرة. ففي الليلة السابقة لموعد تنفيذ حكم الإعدام كان بطرس نائماً في السجن كطفل وهو مقيّد بالسلاسل بين جنديّين. إن الصلاة الحارّة الفعّالة التي قدّمها جماعة من المسيحيين من أجل بطرس في تلك الليلة كانت ذات قيمة. فقد نجا بطرس من الموت.، بل كان خروجه من السجن، على الرغم من الحراسة المشدّدة، حادثاً معجزياً عجيباً.
ذهبت لزيارة أحد الأطباء قبل عدة سنوات فوجدته يفحص مريضاً. وبعد أن انتهى وانصرف المريض قال لي: "هذا الرجل مصابٌ بقلبه". ولقد سألت نفسي: كيف عرف ذلك؟ لقد كان الرجل يقول أنه في أحسن حال، وأنه لا يحسّ بأي ألم أو تعب، لكن على الرغم من كل ما قاله المريض فقد عرف الطبيب أن ذلك الرجل مصابٌ بقلبه. كيف؟ إن الأمر بسيط للغاية. كان الطبيب يسمع قلب الرجل بالسمّاعة الطبيّة، ولم يهتم بما كان يدّعيه من كمال الصحة.
هذه هي حالنا مع الله. فإننا عندما نصلّي لا تنطلق صلاتنا إلى الله عبر تموُّجات هوائية أو لاسلكية فيسمعها بالأساليب التي يسمع بها البشر بعضهم بعضاً. إن الله يهتم بل يعرف ما تختلج به قلوب المصلّين. "يقترب إليّ هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه، وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً" (متى 15: 8). ودعوة أرميا في مراثيه" اسكبي كمياه قلبك قبالة وجه السيد" (مراثي 2: 19). إن الصلاة التي من القلب يستمع إليها الله.
هل سمعت بعض المسيحيين يقولون بعضهم لبعض عند الافتراق "سأصلّي من أجلك"؟ هذا عظيم لو كانوا يصلّون فعلاً. ولكن أكثر هذه العبارات ليس إلا نوعاً من المجاملة اللطيفة كالقول "إلى اللقاء". كم يختلف هذا عما قاله بولس الرسول "فإن الله الذي أعبده بروحي في إنجيل ابنه شاهد لي كيف بلا انقطاع أذكركم في صلواتي" (روميه 1: 9).
لكي تكون الصلاة حارّة، يجب أن تكون محدّدة، فغالباً ما نقع في التقليد اللفظيّ فنصلّي طالبين أن يبارك الله الكنيسة أو أن يقوّي الواعظ أو أن يبارك أفراد الصف. يجب أن تكون صلاة القائد محدّدة من ناحيتين، أولاً- يجب أن تكون صلاة القائد مركّزة على نموّ كل من الأفراد الذين يرشدهم وعلى تقدّمهم. لقد أعطانا بولس المثال على ذلك. "من أجل ذلك نحن أيضاً منذ يوم سمعنا، لم نزل مصلّين وطالبين لأجلكم أن تمتلئوا من معرفة مشيئته في كل حكمة وفهم روحيّ، لتسلكوا كما يحق للرب في كل رضى، مثمرين في كل عمل صالح ونامين في معرفة الله" (كولوسي 1: 9- 10). تأملوا كذلك صلاة أبفراس "يسلم عليكم أبفراس، الذي هو منكم عبدٌ للمسيح، مجاهد كل حين لأجلكم بالصلوات لكي تثبتوا كاملين وممتلئين في كل مشيئة الله" (كولوسي 4: 12).
ثانياً- يجب أن يصلي القائد من أجل النضج الروحي لأتباعه حتى يقيم الله من بينهم عُمَّالاً ليذهبوا إلى حقول العالم.
إن يسوع نفسه علَّمنا أن نفعل ذلك. "ولما رأى الجموع تحنَّن عليهم إذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها. حينئذ قال لتلاميذه: "الحصاد كثير ولكن الفعلة قليلون، فاطلبوا من ربّ الحصاد أن يرسل فعلة إلى حصاده" (متّى 9: 36- 38).
- عدد الزيارات: 14040