مَصْدَر قوَّة القائد - الشركة
الشركة:
قال بولس الرسول في رسالته إلى فيلبي: "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقوّيني" (فيلبي 4: 13). وسبق داود فقال "الإله الذي يعززني بالقوة ويصيِّر طريقي كاملاً" (2 صموئيل 22: 33). إذن الله هو مصدر قوَّتنا. ولكن الشركة مع الله هي التي توصِّل التيّار وتجعل الطاقة عاملة ومؤثرة في حياتنا. ويعتبر أعظم استعداد لوصول داود إلى سدَّة الملك ذلك الوقت الذي قضاه مع الله، عندما كان يرعى قطعان الغنم في مرتفعات بيت لحم.
إن السنوات التي قضاها داود مع الله أتمَّت استعداده للقيادة تحت إشراف الله. ولعله، بالدرجة الأولى، راقب عمليات القيادة عندما كان شاباً يحيا في القصر. ولكن حياته مع الله، كانت ذات قيمة أعلى من حياته مع البشر. وكقائد للجيش ومنظِّم للشعب كان تهيُّؤه ضعيفاً من وجهة نظر الإنسان. فهو لم يتلقَّ دروساً جامعية، ولا حصل على دبلوم في إدارة الأعمال، لكنه كان يعرف الله.
في هذه النقطة بالذات، يكمن شر هجوم الشيطان. فهو يهتم بعملية انتسابك إلى قسم العلوم بالكلِّية، أو التحاقك بالجامعة. وعندما تصبح جادَّاً في معرفة الله، خلال شركة حيوية معه، يحاول الشيطان أن يشنّ أقسى هجماته ليمنع بلوغك الهدف. وعندئذ تجد جدول أعمالك معطَّلا ًوعدداً من المواضيع الهامّة معلّقة، فتصبح كثير المشاغل ولا وقت لديك للشركة مع الله.
لماذا يحاول عدو نفوسنا محاربة الوقت مع الله بهذه الضراوة؟ لأن للوقت قيمة أساسيَّة في حياة القائد. قد نسأل عن ماهيَّة المكافآت الروحية التي تنتظرنا كنتيجة لسيرنا بأمانة مع الله. وللإجابة عن هذا السؤال، يجب طرح سؤال آخر: ما هو الهدف النهائي للإنسان على الأرض؟ والجواب هو "بكلّ من دعي بإسمي، ولمجدي خلقته وجبلته وصنعته" (أشعيا 43: 7). "إن هدف الإنسان النهائي هو أن يمجِّد الله وينعم به إلى الأبد". إن هذا مقطع مشهور من تعليم وستمنستر الديني، ونجد أن كثيراً من الناس يحفظونه غيباً دون أن ينتبهوا لمعنى محتوياته وما يعني لحياتهم اليومية.
أذكر أني ناقشت مرة هذا الأمر مع بعض طلبة اللاهوت، وكانوا يعرفون أن هدف حياتنا على الأرض هو تمجيد الله. وكنت قد سألت أحدهم عما يجب على الإنسان القيام به من عمل، وكيف يمكنه أن يمجِّد الله. وهنا بدت على وجهه علامات الدهشة والخجل، وبابتسامة صفراء اعترف بأن ليس لديه أية فكرة عن الطريقة المثلى. فتصوَّروا أن يقف أمامكم عدد من الطلاب المتخصّصين في دراسة القيادة الروحية دون أن يكون لديهم فكرة محدَََّدة عن هدفهم المبدئيّ في الحياة.
دعوني أقدم درساً تعلَّمته في بداية حياتي كمسيحي. خلق الله الإنسان في البداية لكي يمجِّد إسمه. خلق الإنسان على صورته لكي تكون له شركة معه. وقد كان للرب صلة بالإنسان في جنة عدن، ولكن الإنسان أَخطأ وعَصَى الله. وهذا جلب العار على إسمه، وانطمست الصورة وفسدت الشركة. وعندما حان الوقت المناسب، قرَّر الله أن يجدِّد القوة الكامنة في الإنسان، كي يعود فيمجِّد إسم الله.
فهل كان هناك إنسان اجتمعت أفكاره وأقواله وأعماله لتمجيد إسم الله في كل ساعة من كل يوم من كل سنة في حياته؟ نعم، هناك إنسان واحد، هو الرب يسوع المسيح. ففي صلاة يسوع إلى الآب يقول عن نفسه: "أنا مجَّدتك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته" (يوحنا 17: 4). لذلك، إن كنت أرغب في بلوغ هدفي النهائي في الحياة، والذي هو تمجيد الله، فعليَّ أن أتحوّل أكثر فأكثر إلى صورته. أي أن أصير مشابهاً المسيح.
إن رغبة قلب الله هي أن يجعلنا مثل ابنه. "لأن الذين سبق فعرفهم، سبق فعيَّنهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه، ليكون هو بكراً بين أخوة كثيرين" (رومية 8: 29). وهكذا يتمجَّد الله.
كيف أصير مثل المسيح؟ كيف يمكن لإنسان أن يصير مشابهاً لإنسان آخر؟ إن خير ما يفعله، هو أن يبقى قريباً منه، يتكلَّم معه ويعمل معه. هل عرفت زوجين عاشا معاً خمسين عاماً في محبة ووئام، واحتفلا بعيد زواجهما الذهبي؟ إنك لتجدهما يسلكان ويتصرفان بطريقة واحدة، ولهما ذوق واحد. وأن ما يسرَّ الواحد يسرَّ الآخر، بل قد ترى أنهما متشابهان في الهيئة أيضاً.
إني أذكر اليوم الذي تزوَّج فيه الملازم آل فايل، في البحرية الأميركية، بالآنسة مارجي أغو، وهي الفتاة اللطيفة الذكيّة، خريجة جامعة ستانفورد. لقد إلتقيا في مؤتمر مسيحي في كولورادو، وكان الملازم فايل قد أُعجب بالفتاة، وصار يكاتبها بعد انتهاء المؤتمر وأخيراً طلب يدها. وبعد بضعة أشهر اطمأنت مارجي إلى أن تلك خطة الله لحياتها فقبلت، واتفقا على موعد لزواجهما وتزوَّجا. وبعد ما يقرب من سنة، قمت بزيارتهما في منزلهما بفرجينيا.
عندما وصلت اعتذرت مارجي عن تأخيرها إيَّاي بضع دقائق إذ كانت تقوم بتنسيق غرفتي. وسمعتها تستخدم كلمة تستخدم عادة في البحريّة وتعجَّبْتُ. إذ كيف يهتم من تخرَّج من جامعة ستانفورد أن يستخدم تعبيراً كهذا. ثم تذكَّرت أن خريجة ستانفورد هذه قد أمضت سنة من الحياة الزوجية مع زوجها الملازم في البحرية. لقد أخذت عن زوجها أسلوب التنسيق وصارت تتصرَّف في حياتها ضمن هذا الإطار.
ثم عاد آل زوجها إلى المنزل ففوجئت إذ رأيته هو أيضاً قد تأثَّر كثيراً بزوجته. لقد عاشا معاً في شركة، وأصبحا يشبهان أحدهما الآخر.
إن هذا بالضبط ما يحدث معنا في علاقتنا بالله. ولكي نصير مشابهين صورة يسوع المسيح، يجب أن نمضي الكثير من وقتنا على إنفراد معه في شركة شخصية. فالقائد الذي يعيش حياة تعبُّدية ثابتة بدلاً من سلوك الطريق المتعرِّج يجد نفسه على اتصال حيّ بالله ويستخدمه الله بقوة. الواقع أن الله يريد أشخاصاً من هذا النوع، كما جاء في الكتاب المقدس "وطلبت من بينهم رجلاً يبني جداراً، ويقف في الثغر أمامي عن الأرض لكيلا أخربها فلم أجد" (حزقيال 22: 30). إن هذا البحث جديد كالطفل الذي لم يولد بعد، وقديم مثل فجر الإنسانية. وعندما يجد الله إنساناً يكون همّه الأوّل في الحياة العلاقة الحميمة الشخصية للشركة مع الله، فإنه، أي الله، يوجِّه قوَّته وإرشاده وحكمته نحو ذلك الإنسان. يكون الله بهذا قد وجد إنساناً يمكن بواسطته تغيير العالم.
- عدد الزيارات: 14039