Skip to main content

مَصْدَر قوَّة القائد - كلمة الله

الصفحة 3 من 5: كلمة الله

كلمة الله:

هناك ثلاثة عناصر رئيسية تميّز الشركة مع الله. فهو يتَّصل بنا أولاً بواسطة الكلمة. "كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البرّ، لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهّباً لكل عمل صالح" (2 تيموثاوس 3: 16- 17). كلمة الله هي العنصر الأول.

وعليه يجب أن نكون في الكلمة، وأن تكون الكلمة فينا. أن نكون في الكلمة يعني أن نسمعها إذ تُلقى علينا، وأن نقرأها، وندرسها، ونحفظها. وأن تكون الكلمة فينا يعني أن نتأمل فيها. فعندما نتأمل فيها تتخلَّل أفكارنا وتغيِّر حياتنا الروحية. إنها كالغذاء الطبيعي، فليس كل ما نبلعه ينفع أجسامنا بل ما نهضمه ونستوعبه. هذا هو التأمُّل، إذ أن التأمل هو أن نتعمَّق في معنى الكلمة، وأن نقلِّبها في ذهننا مليَّاً، تاركين ما هو سطحيّ ومتمسكين بما هو عميق. "كم أحببت شريعتك، اليوم كلَّه هي لهجي" (مزمور 119: 97).

ذهبت سنة 1963 إلى لندن في دورة تبشيرية، وكان البرنامج يتضمَّن يوماً لزيارة معالم المدينة. لقد كلّف دافيد لايمبير، أحد أفراد الجامعة ليكون دليلنا، فكان متشوِّقاً ليطوف بنا ويرينا معالم المدينة. لقد حضر في الصباح الباكر، ومعه لائحة بالمواقع التاريخيّة، وخطوط القطار النفقي. ولقد خطَّط مواعيد وصول القطار إلى كل موقع، وكم سنقضي من الوقت، ومتى علينا الإنتقال إلى المحطة التالية.

أما أنا فقد اندمجت في زيارة المعالم بنوع من الإثارة جدير بشاب مثلي يشاهد مدينة كبرى. وكان دافيد شاباً رياضيَّاً في حالة ممتازة جعلتنا ننطلق في حركة دائمة، فهرولنا داخل الكاثدرائيّات، وأسرعنا عبر المتنزّهات، ووقفنا قليلاً أمام التماثيل، وألقينا نظرات خاطفة على الأبنية التي ترشح بالعظمة والتاريخ. رأينا لندن، ولكن هل رأيناها حقاً؟

ذهبت بعد ذلك ببضع سنين إلى لندن ومعي زوجتي في مهمّة مماثلة. وأمضينا اليوم الأخير مع بعض الأشخاص في رؤية المعالم. سرنا هذه المرة متمهّلين، فشاهدنا على راحتنا متأملين جمال تلك الكاثدرائيات وجلالها، وهي نفسها التي هرولنا حولها قبل ذلك بسنوات. لقد كان لديّ هذه المرة الوقت الكافي للتأمل والإعجاب بما رأيت، وتقدير المعاني السامية الكامنة في الأعماق.

إن هذا بالذات ما يشعر به الإنسان وهو يتأمل كلمة الله. فإذا أسرعنا في قراءة السطور في الكتاب المقدس، أو حضرنا درساً مستعجلاً لمقاطع من الإنجيل في إحدى مدارس الأحد، أو كنا في اجتماع كنسيّ للعبادة وواصلنا التطلُّع إلى ساعتنا، متشوِّقين لبلوغ الخدمة نهايتها كي نمضي إلى شأن آخر، فإننا لن نحصل على شيء ذي قيمة لحياتنا الروحية، ونكون كمن يهرول داخل الكاثدرائية فيلقي نظرة سريعة ولكنه لا يراها حقاً. أما إذا فتحنا الكلمة وأخذنا الوقت الكافي كي يؤثر روح الله في حياتنا، واستوعبنا ما فيها فإننا نرى جمال الكلمة وعظمتها ونكون في شركة حقيقية مع الله.

إن الله يرغب في الإتصال بنا من خلال كلمته. فلو خصَّصنا وقتاً كافياً للتأمل، فسوف نختبر عمق الرسالة وعظمتها، وبذا يكلِّمنا روح الله ويؤثر في حياتنا، وهنا نقطة هامة جداً: إن الذي يؤثر فينا هو الله نفسه، أما الكلمات المطبوعة التي نقرأها فليست إلا وسيلة، إنها الأداة التي يستخدمها الله ليتَّصل بنا: "لصقت بالتراب نفسي فأحيني حسب كلمتك" (مزمور 119: 25). لاحظ أن الله نفسه هو الذي يقدر أن ينفح الحياة في المرنِّم صاحب هذا المزمور. إنه يستخدم كلمته كأداة للقيام بالعمل.

إننا في حاجة لأن ننمِّي في حياتنا حبَّاً لكلمة الله. "كم أحببت شريعتك، اليوم كلَّه هي لهجي" (مزمور 119: 97). لقد كان الحب لكلمة الله هو الذي حثَّ المرنم على التأمل في الكلمة. وهذه هي نقطة البداية كي تطلب من الله فيعطيك حبَّاً وبهجة في كلمته. "درِّبني في سبيل وصاياك لأني به سررت" (مزمور 119: 35) "هلّلويا، طوبى للرجل المتَّقي الرب المسرور جداً بوصاياه" (مزمور 112: 1) "وأتلذَّذ بوصاياك التي أحببت" (مزمور 119: 47). فالقائد الذي يستحق أن يكون قائداً ومرشداً روحياً للآخرين يجب أن يكون رجل الكلمة.

الصلاة
الصفحة
  • عدد الزيارات: 14041