الخروج الثالث: تألم الرب يسوع خارج أبواب أورشليم - انتهاء اليهودية وإعلان الإنجيل
انتهاء اليهودية وإعلان الإنجيل
وهكذا تنتهي بالطبع الديانة اليهودية. ولماذا؟ لأن اليهودية هي الديانة التي فيها يطلب الله شيئاً لعله يجده في الإنسان. صحيح يعرف الله مُسبقاً ويعرف تماماً أن لا شيء لله في الإنسان، ويعرف كيف ينتهي المطاف. لقد نطق بحكمه على الإنسان من قبل أن يكون هناك ناموس على الإطلاق. لقد قال عنه "إن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم" (تكوين6: 5) وإنما كان الامتحان لإبراز هذه الحقيقة، والإنسان لم يُرد أن يصدقها، لكنه قسراً جعلها تظهر اختبارياً. وكما قلنا فإن الديانة الناموسية التي رُتبت لأجل امتحانه- التي وُضعت لتكون واسطة لإثبات بره، إن أمكن ذلك، انتهت. وكان لابد أن تذهب وتنتهي (لأنها أظهرت وكشفت عجزه المطلق ولم تُقدم له أية قوة على الإطلاق). كان لابد أن تنتهي لأنه لم يكن في الإنسان شيء لله تبرزه هذه الديانة غير ذلك الذي حكم عليه الله قبل هذه الديانة بزمان طويل وهو "إن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم" (تكوين6: 5).
والآن، لنُلق نظرة فاحصة على تلك الديانة اليهودية. لقد كان فيها كل شيء يخلب قلب الإنسان الطبيعي. كان فيها كل شيء يجذب العيون مثل الطقوس والمراسم بمظاهرها اللامعة. وكان فيها كل شيء يجذب الآذان مثل أصوات آلات الغناء وألحان التسابيح. وكان فيها كل شيء يجعل الإنسان متديناً لأن جميع العلاقات الطبيعية كانت تُحرضه على ذلك فالأمة كلها، الأبناء والآباء، الشعب والقضاة كان مطلوب منهم أن يتبعوا الرب معاً. كان فيها كل دافع مؤثر على الإنسان. فالعواطف الطبيعية ومقتضيات العرفان بجميل الله عليهم وإحسانه إليهم بل ومصلحتهم الذاتية، لأنهم إذا هم أطاعوا تباركوا في السلة وفي المخزن، في المعجن وفي المعصرة. وإن كانت لهم آذان لتسمع وإن كان لهم قلب ليفهم وإن كان فيهم أي شيء لله، لصنع الله منهم ثمراً لنفسه. لأن كل شيء انتهى بالفشل. وكان الصليب هو حكم القضاء الرهيب على الإنسان بأنه ليس فيه أي من طبيعته البشرية أي شيء صالح. ولا بر وأكثر في ذلك لا قوة على الإطلاق. وأكثر وأكثر، لا جواب في قلبه على نعمة الله الكاملة. لقد صلب الإنسان رب المجد.
ومن هنا نفهم كيف أن الله احتمل بصبر أولئك الذين تشبثوا باليهودية رغم أنه قد أصدر حكمه عليها، وكيف كان بطيئاً في قطع كل الروابط التي كانت تشدهم إلى تلك الديانة. لكن وبالضرورة حتماً كان لابد أن يأتي الوقت الذي فيه تقطع هذه الروابط إلى الأبد. كان لابد أن يأتي وقت الفطام. وعند فطام اسحق مثلاً طُردت بعيداً طبيعة إسماعيل. إسماعيل وأمه كان يجب أن يُطردا من البيت. الناموس وبنو الناموس ينبغي أن يذهبوا. والآن كلمة الرسول لأولئك المؤمنين من العبرانيين تقول "لنخرج إذاً إليه خارج المحلة" بلا تأخير وبلا إبطاء. لنحس الأمر الآن. لنخرج كلنا معاً. والرب قد خرج خارجاً، فلنخرج إذاً خارج هذه الأطلال الخربة.
- عدد الزيارات: 9543