الفصل الخامس: اختبار قيادة الله - شروط التمتع بقيادة الله
شروط التمتع بقيادة الله
يجدر بنا ونحن نطلب معرفة إرادة الله، أن نذكر أنه لا يستطيع كل واحد أن يحظى بهذه المعرفة، أو يتمتع بهذه القيادة، فالله يطلب شروطاً واضحة حتى يتنازل في محبته فيهدي الإنسان برأيه، ومشورته وحكمته، فما هي هذه الشروط:
1- الشرط الأول للتمتع بقيادة الله هو التكريس الكامل للحياة:
ويبدو هذا الشرط واضحاً في كلمات بولس الرسول حين قال "فأطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة" رومية 12: 1 و 2، وفي هذه الكلمات يطالبنا الرسول بتكريس أجسادنا على مذبح الصليب بدافع الإحساس بمراحم الله، وكذلك يطلب إلينا أن لا نشاكل هذا الدهر في تصرفاته العالمية الأثيمة. وحكمته الإنسانية الغاشمة، وعندئذٍ ستختبر في حياتنا ما هي إرادة الله، الصالحة، المرضية، الكاملة ... ونتعلم من هذا أن الله لا يعلن إرادته إلا للنفس التي تسلم له كل التسليم لأنها في هذه الحالة تكون مطيعة للقيادة الإلهية.
يحدثنا ف.ب ماير أنه أراد مرة أن يختبر قيادة الله، فصلى مسلماً حياته للرب ونام، وفي نومه رأى حلماً، رأى أن الرب في جمال شخصه جاء إليه، وسمع صوته يناديه "أعطني مفاتيح حياتك يا ماير" يقول ماير: كنت أعتز بمفتاح خاص في حلقة مفاتيحي، فظننت أني أستطيع أن أغافل السيد وانتزعه من الحلقة، وفعلاً انتزعت المفتاح وقدمت للسيد بقية المفاتيح، وأمسك السيد حلقة المفاتيح بأطراف أصابعه ثم نظر إلي نظرة موبخة وقال وهو يتجه بعيداً عني "المفتاح الأخير يا ماير" أحسست أن الرب قد طعنني في قلبي، وشعرت بألم لأني سأسلم آخر مفاتيحي، لكنني خشيت إذا لم أفعل أن يبتعد الرب عني، فأخرجت المفتاح الأخير من جيبي وأعطيته لسيدي. ولما تسلم السيد ذلك المفتاح الأخير العزيز بدأ يقودني في حياتي وأحسست بفرح لا ينطق به ومجيد.
2- الشرط الثاني للتمتع بقيادة الله هو الصلاة المسلمة لإرادته:
إن العناد يتعارض مع طلب قيادة الله، أما الوداعة فترحب بها ولذا فإن الرب يحذرنا من العناد قائلاً "أعلمك وأرشدك الطريق التي تسلكها أنصحك عيني عليك. لا تكونوا كفرس أو بغل بلا فهم بلجام وزمام زينته يكم لئلا يدنو إليك" مزمور 32: 8 و 9، فقبل أن تشرع في طلب قيادة الله، دع قلبك يتفرغ من رغباته من جهة الأمر الذي تطلب القيادة فيه، ليستطيع الله أن يقودك برأيه وحكمته فهو "يدرب الودعاء في الحق ويعلم الودعاء طرقه" مزمور 25: 9
والعلامة الأكيدة على وجود روح الطاعة والتسليم هي الراحة الداخلية التي بها نواجه الصعاب التي تعترض حياتنا، فلا تنزعج منها بل نفرح لأننا نسير وراء عمود السحاب الذي أعده الله لنا.
تعلم جورج مولر رجل الإيمان هذا الدرس فقال: "لقد كنت أحس في داخلي بشعور خفي باللذة بسبب عظم الصعوبات التي كانت تعترضني، فهي لم تروعني أبداً بل كانت مبعث السرور لنفسي أليست هذه الصعاب مرتبة بمشيئة إلهي؟ وألست تواقاً لأن أعمل مشيئته وحدها؟ إذن فما الذي يزعجني ويشوش سلامي؟! إن كل من يجعل الرب أمامه في كل حين، وكل من يجد مسرته في علم إرادة الله، يفرح ويصير الفرح عادة في نفسه، ولا بد أن يقوده الرب بروحه لحل أصعب المشاكل وأعقد المعضلات، لأن إرادته ستكون متوافقة مع إرادة إلهه".
إن سر توقف السماء عن إرشاد أبناء الأرض، هو أنهم يعدون برامج حياتهم ثم يطلبون من الله أن يبارك هذه البرامج، وهذا هو الخطأ الأكبر في الحياة.
كم من شاب يذهب وراء عينيه، وعقله، وشهواته وهو يختار شريكة حياته، فيجذبه بريق الذهب، أو تخدعه المظاهر الخلابة فينطبق عليه ما قيل عن يشوع ورجاله عندما خدعهم سكان جدعون "فأخذ الرجال من زادهم ومن فم الرب لم يسألوا" يشوع 9: 14 وهكذا بعد أن يضع شروطه ويملي رغباته، ويجهز أثاثات بيته يطلب من الله البركة والسعادة لأسرته، مع أن الشرط الضروري لقيادة الله هو الصلاة المسلمة الخاضعة لإرادته، وهذا ما فعله عبد إبراهيم عندما ذهب ليخطب زوجة لإسحق إذ قبل أن يذهب وراء عينيه أو يثق في فهمه صلى للرب قائلاً "أيها الرب إله سيدي إبراهيم يسر لي اليوم واصنع لطفاً إلى سيدي إبراهيم ها أنا واقف على عين الماء وبنات أهل المدينة خارجات ليستقين ماء فليكن أن الفتاة التي أقول لها أميلي جرتك لأشرب فتقول اشرب وأنا أسقي جمالك أيضاً هي التي عينتها لعبدك اسحق وبها أعلم أنك صنعت لطفاً إلى سيدي" تكوين 24: 11 – 14 وبهذه الصلاة البسيطة المسلمة أرشد الله العبد الأمين إلى الزوجة التي عينها لابن سيده، وسهل قدامه الطريق فعاد برفقة إلى اسحق وكان زواجهما زواجاً سعيداً موفقاً .... وهذا ذات ما فعله موسى أكبر قائد عرفه تاريخ البشر، إذ أدرك عظم المسؤولية الملقاة على عاتقه في قيادة جماعة غير منظمة مكونة من عبيد نالوا حريتهم حديثاً، فتوسل إلى إلهه قائلاً "إن كنت قد وجدت نعمة في عينيك فعلمني طريقك حتى أعرفك" خروج 33: 13 وقد استجاب الله صلاته المتواضعة فنقرأ في مزمور 103: 7 "عرف موسى طرقه وبني إسرائيل أفعاله" فموسى عرف طرق الله في معاملاته، أما بنو إسرائيل فعرفوا أفعال الله فقط، وخفيت عن إدراكهم المبادئ التي كانت تسير عليها هذه الأفعال، حتى جاء اليوم الذي فيه نسوا أعمال الله العظيمة مزمور 78: 11 لأنهم لم يطلبوا معرفة إرادته.
ولقد كاد آساف يبعد عن طريق الله، وكادت مشيئة الله تغيب عن عينيه عندما رأى نجاح الأشرار، وكادت تزل قدماه، ولكن الرجل في عمق حيرته يقول "دخلت مقادس الله وانتبهت إلى آخرتهم حقاً في مزالق جعلتهم أسقطتهم إلى البوار" مز 73: 17 و 18 ففي المقادس الإلهية حل لجميع المشاكل، وعن طريق الصلاة المسلمة يقودنا الله قيادة حكيمة.
وقعت أثناء الحرب العالمية الأولى حادثة لرجل من رجال الله، اعترض حياته مشكلتان معقدتان، فركع الخادم أمام الله وصلى في حرارة طالباً قيادة سماوية لحل هاتين المشكلتين، وكانت إحداهما تتعلق بطبع كتاب، فصلى الخادم للرب قائلاً "يا إلهي إني أخشى أن لا يوافق الناشر على طبع كتابي" فأتاه جواب الله "اترك هذا بين يدي" أما المشكلة الثانية فعرضها أمام الله وطلب إليه أن يرشده لحلها، وحالاً هدى الرب فكره إلى رجلين يقدمان له الحل المطلوب ولكن ذلك الخادم المصلي قال: "يا رب إن واحداً من هذين الرجلين يعيش شمالاً، والآخر جنوباً، والمسافة بعيدة بينهما، والمشكلة يجب أن تحل اليوم" فأتاه جواب الرب الطيب "اترك هذا بين يدي" .. وقام الخادم من صلاته مطمئن القلب، وركب القطار المعتاد قاصداً مدينة نيويورك، وإذ وصل إلى هناك وبلغ العمارة التي كان مكتبه فيها التقى بالناشر في مصعد العمارة، وإذ قدم إليه مسودة الكتاب الذي كان ينوي طبعه أقره الناشر على طبعه فامتلأ الرجل سروراً إذ استجاب الرب صلاته، ثم مضى إلى اجتماع لجمعيات الكنائس التي كانت تنظر شؤون الحرب، وهناك صرف ساعات الصباح، وفي نحو الساعة الثالثة بعد الظهر داخله اقتناع قوي بأن يقفل راجعاً إلى مكتبه بأول فرصة، فخرج متجهاً إلى المكتب، وإذ وصل إلى المصعد وجد فيه الرجلين الذين أوحى إليه وقت الصلاة أن يستأنس برأيهما فكانت هذه أول مرة عرف فيها أن الرجلين يقطنان معاً مدينة نيويورك فلو اتفق أنهما دخلا المصعد قبل ذلك الوقت أو بعده بدقائق قليلة لما أمكنه أن يلتقي بهما إذ لم يكن في نيتهما مقابلته، فدعاهما إلى مكتبه وأصغى إلى نصحهما وبعد وقت قصير انحلت مشكلته الثانية، وهكذا عن طريق الصلاة يقودنا الله في وسط مشاكل الحياة.
3- الشرط الثالث للتمتع بقيادة الله هو العطاء بسخاء:
اصغ إلى كلمات الرب في سفر أشعياء "إن أنفقت نفسك للجائع وأشبعت النفس الذليلة يشرق في الظلمة نورك ويكون ظلامك الدامس مثل الظهر ويقودك الرب على الدوام" أش 58: 10 و 11 فالسخاء في الإنفاق على الجائع، والتضحية في كساء الجسد العاري، والعمل على إطلاق المسحوقين في الحرية، هذه كلها شروط ضرورية في سبيل التمتع بقيادة الله، فبعد أن نتممها عملياً في حياتنا "يقودنا الرب على الدوام" ... إن في قلب كل مؤمن عاطفة جياشة بالحنان، وهذه العاطفة لا تنضح إلا إذا أضفينا عليها الألوان التي تظهرها، فالمثال يختار ألوان لوحته من الزيت، والشاعر يختار ألوان شعره من الكلمة. والموسيقى يختار ألوان لحنه من النغمة، ولكن عاطفة المسيحي الحقيقي لا تظهرها هذه الألوان متفرقة أو مجتمعة، فإن لونها المختار هو الفضة، والذهب، ومعادن العملة المتداولة، وهذه العملة وحدها هي التي تجعل العاطفة المسيحية طاقة ذرية، تحول البؤس سعادة، واليأس أملاً، والظلام نوراً، ويوم تظهر فيك هذه العاطفة "يقودك الرب على الدوام".
4- الشرط الرابع للتمتع بقيادة الله هو الانتظار بصبر:
ليس شك في أن الوقت الذي حدده الله ليعمل فيه عمله، هو أفضل وقت لنا، لكننا كثيراً ما نتسرع بعدم صبرنا فنفقد السير في طريق إلهنا، ولنا في حياة شاول الملك مثل رائع، فقد كان موقفه غاية في الحرج عندما تجمع الفلسطينيون بعددهم الهائل وقوتهم المروعة وأوشكوا أن يبدأو القتال، وعندئذ تفرق رجال شاول عنه، وحتى صموئيل تأخر في ا لمجيء إليه ليقرب المحرقة ويسأل من الله عوناً له، ولم يشأ شاول أن يحارب دون معونة الله، ولكنه لم ينتظر حتى يحين وقت الرب، فعمل شيئاً لإنقاذ الموقف، وكان العمل الذي عمله تطاولاً منه على ما ليس من وظيفته، فقد قدم المحرقة وهو ليس كاهناً لله قبل أن يحين موعدها، وبعد ذلك دنت ساعة الله، وجاء خادم الله. وكثيراً ما تأتي اللحظة التي عينها الرب، بعد اللحظة التي عيناها نحن بقليل. فتعلم أن تنتظر بصبر أمام الله، لئلا تخسر كشاول الملك الذي خسر بتسرعه سلطانه ومركزه ورضي الرب عنه، وأطع الكلمة القائلة "انتظر الرب ليشدد وليتشجع قلبك وانتظر الرب" مز 27: 14 وعندئذٍ ستردد مرنماً "يحفظني الكمال والاستقامة لأني انتظرتك" مز 25: 21 لأنه "طوبى لجميع منتظريه" أش 30: 18
5- الشرط الخامس للتمتع بقيادة الله هو وضع الأمور الروحية في المرتبة الأولى:
لقد أوصانا السيد له المجد أن نطلب أولاً ملكوت الله وبره مت 6: 33، وهذا يعني أن نعطي لله ومطاليبه المكان الأول في حياتنا، فلا نتصرف في شيء يعارض مع هذا المبدأ المبارك.
ذهب أخ مسيحي تقي إلى ج.هـ. لانج طالباً نصيحته بخصوص قبول مركز ممتاز في مدينة لندن، عرض عليه دون أن يسعى وراءه كان الأخ يعول أسرة كبيرة، وكان المنصب الجديد سيضمن له ربحاً مادياً وفيراً يريح أولاده وزوجته ويمتعهم برفاهية أكثر في معيشتهم! يقول الأخ لانج: قدمت لهذا الصديق المسيحي هذه الأسئلة: هل هذا المنصب الجديد يعني دخولك في معاملات جديدة قد يأباها ضميرك المسيحي؟ وهل ما يتطلبه هذا المنصب من زيادة في الجهد. وقلة في ساعات الفراغ، وإرهاق للأعصاب، من شانه أن يعطل خدمتك المسيحية ويضعف صحتك الجسدية؟ وإلى أي مدى تؤثر الزيادة في دخلك وأعبائك في حالتك الروحية؟ وهل إذا قبلت هذا المنصب يكون لله المركز الأول في حياتك؟! وعندما فحص ذلك الأخ المسيحي الموضوع في نور هذه الأسئلة وضحت له إرادة الله فرفض ذلك المنصب الكبير.
فإذا كنت تطلب القيادة الإلهية، فينبغي عليك أن تضع الله وعمله أولاً، ولا شك أنه سيقودك بعد ذلك بحكمته
- عدد الزيارات: 15326