الفصل الرابع: اختبار قوة الصلاة
حدث هذا الاختبار العجيب للرئيس الأمريكي ايزنهاور، ونشرته مجلة ريدرز دايجست سنة 1949: كان ايزنهاور في الثالثة عشرة من عمره حين زلقت قدمه وهو يعدو في طريقه إلى البيت عائداً من المدرسة، وقد أصيبت ركبته بخدوش حسبها في أول الأمر يسيرة ولكن ساقه آلمته في المساء، فراح يغالب إحساسه بالألم ويتجلد كما عوده أبوه. وقبل أن يأوي إلى فراشه في تلك الليلة، ركع وأخذ يصلي كعادته كل ليلة، ثم صعد إلى سريره لينام. ولما استيقظ في صباح اليوم التالي، كان ألمه ما زال شديداً، ولكنه أخفى الأمر، وراح يتأهب للخروج إلى المدرسة، بينما كان والداه منصرفين إلى أعمالها الصباحية في المزرعة ... وبعد يومين كانت العلة قد تفاقمت فعجز عن السير، وكان اليوم يوم عطلة أسبوعية. فخرج إخوته مبكرين إلى المزرعة مع والديهم، بينما اضطر هو إلى التخلف في البيت وحده ولم يفطن أبواه إلى غيابه إلا ساعة الضحى، فأرسلا من يبحث عنه، فوجده في البيت يتلوى من الألم بعد أن طفح الكيل ولم يعد في وسعه أن يكبت شعوره، ولما سأله عن علته أشار إلى ساقه وقد تورمت إلى ما فوق ركبته واكتست بلون أزرق داكن. وأسرع الرسول إلى والديه في المزرعة ينبئهما بما رأى، فعادا على عجل، وحاولت الأم أن تخلع حذاء ولدها فلم تستطع واضطرت إلى تمزيقه، ثم راحت تغسل الساق بماء ساخن إلى أن يحضر الطبيب الذي أرسل الأب يدعوه. وكانت كلما مرت بيدها على الساق صرخ الصبي بحدة ونضح وجهه بالعرق، ولكن الأم لم تضعف إزاء صرخات ابنها، وراحت تؤدي عملها في صمت!
وحضر الطبيب، وفحص الساق، ثم قال في صوت خفيض "لست أعتقد أننا نستطيع الآن إنقاذ ساق الغلام" فحملق الولد في وجه الطبيب ثم قال: "ماذا تعني يا سيدي؟" فأجاب وقد أراد أن يتحين الفرصة ليواجهه بالحقيقة: "أعني أننا قد نضطر إلى بتر الساق إذا ساءت الأمور" فصاح الصبي في حزم: "لا .. لا يمكن أن يحدث ذلك. إنني أوثر الموت على أن أعيش بساق واحدة" فقال الطبيب: "كلما انتظرنا يا عزيزي ... اضطررنا إلى بتر جزء أكبر" فقال الولد – وكانت الأم قد أدارت وجهها لتخفي عنه عبراتها المنهمرة، وعجز الأب عن مغالبة عواطفه فخرج إلى الردهة الخارجية: "لا. لن تقطعوا رجلي".
وخرج الطبيب من غرفة الصبي بعد أن أشار إلى الأم أن تتبعه وبينا كان واقفاً في صالة البيت، يشرح لوالدي الصبي ما يحتمل حدوثه إذا توانيا في بتر ساق ابنهما، سمعوا الصبي يقول لأخيه الأكبر في صوت متقطع حاد النبرات: "ادجار، ادجار، تعال هنا .. إذا ضعفت ولم أتمكن من المقاومة وحدي لا تدعهم يقطعون رجلي هل تعدني بذلك؟". وشاهدت الأم ولدها ادجار يسرع نحو المطبخ فلما خرج منه سألته: "اردجار .. ماذا يطلب أخوك؟" فقال: "إنه يطلب شوكة ليضعها في فمه كي يعض عليها ساعة اشتداد الألم، فلا تسمع تأوهاته". ثم حدج الطبيب بنظرة تحد عجيب، وقال في صوت أجش: "لن يجرؤ مخلوق على قطع رجل أخي" فقال له الطبيب: "ولكنك سوف تندم على هذا، إن ذلك ليس إكراماً لأخيك، فتأخير إجراء الجراحة قد يودي بحياته" أجاب ادجار: "لعل ما تقول صحيح، ولكنني أعطيته كلمة شرف. ولن أخلف وعدي مهما تكن النتيجة".
وذهل الأبوان لهذه الجرأة من ولدهما الأكبر، ولا سيما أن تحدي الصغار لمن يكبرونهم كان أمراً لم يتعوده أبناؤهما من قبل، على أنهما ما لبثا أن تأثرا بموقفه. ورفضا هما الآخران أن يذعنا لرغبة الطبيب وإلحاحه ... وخرج الطبيب، ولكن ادجار – برغم ذلك أصر على ألا يغادر باب غرفة أخيه، وظل كذلك يومين ارتفعت أثناءهما حرارة الصبي، ولم تهدأ فيهما نوبة الألم الحاد لحظة واحدة وأخذت زرقة الساق تزحف إلى أعلى كما تنبأ الطبيب تماماً، ولكن ادجار ظل ثابتاً على رأيه، ولما حضر الطبيب وحاول إقناعه وإقناع والديه مرة أخرى بضرورة الإسراع في بتر الساق، ثار الولد في وجهه وأصر على الرفض، فخرج الطبيب غاضباً وهو يقول: "إنكم تقتلون الغلام، لا شيء يمكن أن ينقذ الولد الآن سوى معجزة من السماء ..." ورنت كلمة "معجزة" في آذان الأب والأم والأخ، فإذا بهم في غمرة الحزن واليأس والارتباك، ينهضون من أماكنهم ثم يركعون بجوار الفراش وترتفع أصواتهم في صلاة حارة ضارعين إلى الله أن ينقذ فتاهم الصغير العزيز ... وكانت صلاتهم ممتزجة بالدموع والإيمان.
وفي الصباح التالي حضر الطبيب ووقف إلى جوار الصبي فإذا به يلاحظ أن التورم قد بدأ يخف، كما بدأت الزرقة تنحسر ولما أظهر الطبيب دهشته، وعرف من الأم قصة الصلاة، أغلق عينيه ثم تلا صلاة شكر قصيرة وقد فاض السرور في وجهه ... وقال لأفراد الأسرة الملتفين حوله: "إن حالة الولد بدأت تتحسن، وقد غيرت رأيي الآن، فلست أرى ما يدعو إلى بتر الساق، إن المعجزة قد جاءت من السماء" واستغرق ايزنهاور لأول مرة منذ وقوع الحادث في نوم عميق، ولما حل المساء وأضيئت المصابيح فتح عينيه ثم أدارهما فيمن حوله وهمس قائلاً: "شكراً لله، ولأخي ادجار ولكم جميعاً، لقد ذهب عني الألم وإني الآن أشعر بأني قد ولدت من جديد!" ولم تمض أيام حتى كان في استطاعته أن يقف على قدميه، ثم لم تمض أيام أخرى حتى عاد سيرته الأولى، ومضى الحادث كأنه ما كان!!
بحق رنم داود في مزموره الجميل قائلاً "يا سامع الصلاة إليك يأتي كل بشر" مز 65: 2، فالصلاة هي "الموصل" الذي يوصل بين الإنسان وغير المنظور، وهي "الجسر" الذي يعبر غمر الأبدية وهي "الطريق" الذي يجعل قلب الإنسان يردد صدى صوت الله، ومتى انعدمت الصلاة انعدم معها الدين الحقيقي الحي.
- عدد الزيارات: 23807