الفصل الرابع: اختبار قوة الصلاة
حدث هذا الاختبار العجيب للرئيس الأمريكي ايزنهاور، ونشرته مجلة ريدرز دايجست سنة 1949: كان ايزنهاور في الثالثة عشرة من عمره حين زلقت قدمه وهو يعدو في طريقه إلى البيت عائداً من المدرسة، وقد أصيبت ركبته بخدوش حسبها في أول الأمر يسيرة ولكن ساقه آلمته في المساء، فراح يغالب إحساسه بالألم ويتجلد كما عوده أبوه. وقبل أن يأوي إلى فراشه في تلك الليلة، ركع وأخذ يصلي كعادته كل ليلة، ثم صعد إلى سريره لينام. ولما استيقظ في صباح اليوم التالي، كان ألمه ما زال شديداً، ولكنه أخفى الأمر، وراح يتأهب للخروج إلى المدرسة، بينما كان والداه منصرفين إلى أعمالها الصباحية في المزرعة ... وبعد يومين كانت العلة قد تفاقمت فعجز عن السير، وكان اليوم يوم عطلة أسبوعية. فخرج إخوته مبكرين إلى المزرعة مع والديهم، بينما اضطر هو إلى التخلف في البيت وحده ولم يفطن أبواه إلى غيابه إلا ساعة الضحى، فأرسلا من يبحث عنه، فوجده في البيت يتلوى من الألم بعد أن طفح الكيل ولم يعد في وسعه أن يكبت شعوره، ولما سأله عن علته أشار إلى ساقه وقد تورمت إلى ما فوق ركبته واكتست بلون أزرق داكن. وأسرع الرسول إلى والديه في المزرعة ينبئهما بما رأى، فعادا على عجل، وحاولت الأم أن تخلع حذاء ولدها فلم تستطع واضطرت إلى تمزيقه، ثم راحت تغسل الساق بماء ساخن إلى أن يحضر الطبيب الذي أرسل الأب يدعوه. وكانت كلما مرت بيدها على الساق صرخ الصبي بحدة ونضح وجهه بالعرق، ولكن الأم لم تضعف إزاء صرخات ابنها، وراحت تؤدي عملها في صمت!
وحضر الطبيب، وفحص الساق، ثم قال في صوت خفيض "لست أعتقد أننا نستطيع الآن إنقاذ ساق الغلام" فحملق الولد في وجه الطبيب ثم قال: "ماذا تعني يا سيدي؟" فأجاب وقد أراد أن يتحين الفرصة ليواجهه بالحقيقة: "أعني أننا قد نضطر إلى بتر الساق إذا ساءت الأمور" فصاح الصبي في حزم: "لا .. لا يمكن أن يحدث ذلك. إنني أوثر الموت على أن أعيش بساق واحدة" فقال الطبيب: "كلما انتظرنا يا عزيزي ... اضطررنا إلى بتر جزء أكبر" فقال الولد – وكانت الأم قد أدارت وجهها لتخفي عنه عبراتها المنهمرة، وعجز الأب عن مغالبة عواطفه فخرج إلى الردهة الخارجية: "لا. لن تقطعوا رجلي".
وخرج الطبيب من غرفة الصبي بعد أن أشار إلى الأم أن تتبعه وبينا كان واقفاً في صالة البيت، يشرح لوالدي الصبي ما يحتمل حدوثه إذا توانيا في بتر ساق ابنهما، سمعوا الصبي يقول لأخيه الأكبر في صوت متقطع حاد النبرات: "ادجار، ادجار، تعال هنا .. إذا ضعفت ولم أتمكن من المقاومة وحدي لا تدعهم يقطعون رجلي هل تعدني بذلك؟". وشاهدت الأم ولدها ادجار يسرع نحو المطبخ فلما خرج منه سألته: "اردجار .. ماذا يطلب أخوك؟" فقال: "إنه يطلب شوكة ليضعها في فمه كي يعض عليها ساعة اشتداد الألم، فلا تسمع تأوهاته". ثم حدج الطبيب بنظرة تحد عجيب، وقال في صوت أجش: "لن يجرؤ مخلوق على قطع رجل أخي" فقال له الطبيب: "ولكنك سوف تندم على هذا، إن ذلك ليس إكراماً لأخيك، فتأخير إجراء الجراحة قد يودي بحياته" أجاب ادجار: "لعل ما تقول صحيح، ولكنني أعطيته كلمة شرف. ولن أخلف وعدي مهما تكن النتيجة".
وذهل الأبوان لهذه الجرأة من ولدهما الأكبر، ولا سيما أن تحدي الصغار لمن يكبرونهم كان أمراً لم يتعوده أبناؤهما من قبل، على أنهما ما لبثا أن تأثرا بموقفه. ورفضا هما الآخران أن يذعنا لرغبة الطبيب وإلحاحه ... وخرج الطبيب، ولكن ادجار – برغم ذلك أصر على ألا يغادر باب غرفة أخيه، وظل كذلك يومين ارتفعت أثناءهما حرارة الصبي، ولم تهدأ فيهما نوبة الألم الحاد لحظة واحدة وأخذت زرقة الساق تزحف إلى أعلى كما تنبأ الطبيب تماماً، ولكن ادجار ظل ثابتاً على رأيه، ولما حضر الطبيب وحاول إقناعه وإقناع والديه مرة أخرى بضرورة الإسراع في بتر الساق، ثار الولد في وجهه وأصر على الرفض، فخرج الطبيب غاضباً وهو يقول: "إنكم تقتلون الغلام، لا شيء يمكن أن ينقذ الولد الآن سوى معجزة من السماء ..." ورنت كلمة "معجزة" في آذان الأب والأم والأخ، فإذا بهم في غمرة الحزن واليأس والارتباك، ينهضون من أماكنهم ثم يركعون بجوار الفراش وترتفع أصواتهم في صلاة حارة ضارعين إلى الله أن ينقذ فتاهم الصغير العزيز ... وكانت صلاتهم ممتزجة بالدموع والإيمان.
وفي الصباح التالي حضر الطبيب ووقف إلى جوار الصبي فإذا به يلاحظ أن التورم قد بدأ يخف، كما بدأت الزرقة تنحسر ولما أظهر الطبيب دهشته، وعرف من الأم قصة الصلاة، أغلق عينيه ثم تلا صلاة شكر قصيرة وقد فاض السرور في وجهه ... وقال لأفراد الأسرة الملتفين حوله: "إن حالة الولد بدأت تتحسن، وقد غيرت رأيي الآن، فلست أرى ما يدعو إلى بتر الساق، إن المعجزة قد جاءت من السماء" واستغرق ايزنهاور لأول مرة منذ وقوع الحادث في نوم عميق، ولما حل المساء وأضيئت المصابيح فتح عينيه ثم أدارهما فيمن حوله وهمس قائلاً: "شكراً لله، ولأخي ادجار ولكم جميعاً، لقد ذهب عني الألم وإني الآن أشعر بأني قد ولدت من جديد!" ولم تمض أيام حتى كان في استطاعته أن يقف على قدميه، ثم لم تمض أيام أخرى حتى عاد سيرته الأولى، ومضى الحادث كأنه ما كان!!
بحق رنم داود في مزموره الجميل قائلاً "يا سامع الصلاة إليك يأتي كل بشر" مز 65: 2، فالصلاة هي "الموصل" الذي يوصل بين الإنسان وغير المنظور، وهي "الجسر" الذي يعبر غمر الأبدية وهي "الطريق" الذي يجعل قلب الإنسان يردد صدى صوت الله، ومتى انعدمت الصلاة انعدم معها الدين الحقيقي الحي.
شروط استجابة الصلاة
ولنتقدم الآن معاً لندخل إلى مقادس كلمة الله، لنعرف شروط استجابة الصلاة:
1- الشرط الأول لاستجابة الصلاة هو الإيمان:
قال السيد المسيح له المجد لتلاميذه "لذلك أقول لكم كل ما تطلبونه حينما تصلون فآمنوا أن تنالوه فيكون لكم "مرقس 11: 24، وقال يعقوب الرسول "إن كان أحدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير فسيعطى له ولكن ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة لأن المرتاب يشبه موجاً من البحر تخبطه الريح وتدفعه فلا يظن ذلك الإنسان أنه ينال شيئاً من عند الرب" يع 1: 5 – 7 وقال أيضاً "أمريض أحد بينكم فليدع شيوخ الكنيسة فيصلوا عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب وصلاة الإيمان تشفي المريض والرب يقيمه وإن كان قد فعل خطية تغفر له" يع 5: 14 و 15
فالإيمان إذاً هو الواسطة الكبرى لاستجابة الصلاة "ولكن بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه لأنه يجب أن الذي يأتي إلى الله يؤمن بأنه موجود وأنه يجازي الذين يطلبونه" عب 11: 6
سجلت لنا كلارا فيدلر في كتابها الجليل "الأخت ابيجايل" الاختبار التالي: كانت ابيجايل ابنة أحد خدام الإنجيل الأتقياء، وكان والدها يسكن إلى جوار ملجأ جورج مولر رجل الإيمان الأشهر، وكان جورج مولر صديقاً حميماً لوالد ابيجايل، يساعده في خدمة مدرسة الأحد، وكانت الطفلة ابيجايل تحب جورج مولر، لما تسمعه من والديها عن الكيفية العجيبة التي يستجيب الله بها صلاته، ويسدد جميع حاجاته، وامتلأت شوقاً أن تكون مثل جورج مولر في صلاته المقتدرة ... وذهبت ابيجايل تحب جورج مولر، لما تسمعه من والديها عن الكيفية العجيبة التي يستجيب الله بها صلاته، ويسدد جميع حاجاته، وامتلأت شوقاً أن تكون مثل جوج مولر في صلاته المقتدرة ... وذهبت ابيجايل ذات يوم إلى جورج مولر، وكان عمرها وقتئذ ثلاث سنوات، وقالت له في لغتها البسيطة: مستر مولر، أريد أن الله يسمع صلاتي مثلما يسمع صلاتك! وابتسم رجل الصلاة وقال لها: إنه سيسمع لك يا صغيرتي. ثم أجلسها على ركبتيه وقرأ لها هذا الوعد "كل ما تطلبونه حينما تصلون فآمنوا أن تنالوه فيكون لكم" وشرح لها معنى هذه الكلمات في عبارات بسيطة يستطيع عقلها الصغير أن يفهمها، ثم سألها قائلاً: والآن ماذا تريدين أن تطلبي من الله؟ فأجابت الطفلة في يقين: أريد أن أطلب كمية من الصوف!! فطلب إليها أن تركع معه للصلاة، وأن تردد الكلام الذي يقوله، ثم ركع وصلى قائلاً: يا رب من فضلك أرسل لابيجايل صوفاً، فكررت بعده ذات الكلمات، ثم قفزت وهي فرحة لتلعب وقد امتلأت ثقة بأن الله سيرسل لها الصوف الذي طلبته. وفي أثناء لعبها تذكرت فجأة بأن الله لا يعرف لون الصوف الذي تريده، فكيف يرسل لها ما تريد فأسرعت إلى مستر مولر وهي تقول: مستر مولر، أريد أن أصلي ثانية. أجاب الرجل التقي: ليس الآن يا عزيزتي لأني مشغول. أجابت بجد: لكنني نسيت أن أقول للرب على لون الصوف الذي أريده.
وأجاب مستر مولر: آه، دعينا نصلي كما تريدين واذكري في المرة الثانية أن تحددي صلاتك! ثم تابع حديثه قائلاً: والآن ما هو لون الصوف الذي تريدين؟ أجابت أريد صوفاً ملوناً، وصلى مولر طالباً من الرب أن يرسل لابيجايل صوفاً ملوناً، ورددت الصغيرة الصلاة بعده.
وكان فكر ابيجايل مشغولاً بكلمة "حددي صلاتك" فذهبت إلى أمها وسألتها عن معناها فأفهمتها أمها المعنى المقصود، وفي اليوم التالي كادت ابيجايل تطير من الفرح، عندما حمل إليها البريد صندوقاً مليئاً بخيوط الصوف الملون ... لكن كيف جاء هذا الصندوق؟ لقد أرادت إحدى المدرسات في مدرسة الأحد أن ترسل هدايا لأطفالها بمناسبة زواجها، وكان عندها بعض بقايا من الصوف الملون، فأرشدها الله أن ترسلها إلى ابيجايل وهكذا أرسلتها ...
فهل لك هذا الإيمان البسيط أيها القارئ العزيز!! إن الله مستعد أن يعطيك كل ما تطلب بالإيمان.
2- الشرط الثاني لاستجابة ا لصلاة هو أن تكون باسم يسوع:
"مهما سألتم باسمي فذلك أفعله ليتمجد الآب بالابن إن سألتم شيئاً باسمي فإني أفعله" يو 14: 13و 14 "الحق الحق أقول لكم إن كل ما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم. إلى الآن لم تطلبوا شيئاً باسمي اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملاً" يو 16: 23 و 24
لكن ما معنى الصلاة باسم يسوع؟! إن معنى ذلك أن نصلي الصلاة التي تتوافق مع إرادة يسوع، وتنسجم مع صفاته، وتتناسب مع محبته وقداسته، ففي هذه الحدود المركزة في شخص المسيح لك الحرية أن تطلب ما تشاء وسيستجيب لك الله كل طلباتك.
يحتفظ لنا التاريخ بقصة امرأة كانت لها علاقة غير شريفة مع رجل متزوج وكانت تصلي لكي يعطيها الله ذلك الرجل زوجاً. وكانت تختتم صلاتها باسم يسوع! لكن كيف يستجيب الله صلاة هذه المرأة؟ هل تتفق الصلاة مع طهارة المسيح، وقداسته، ومحبته؟ لنحترس ونحن نطلب بهذا الاسم الكريم من أن نطلب ما لا يوافق صفاته القدسية.
تروي لنا السيدة هوارد تيلر قصة عن فتاة صينية صغيرة، كان جدها الوثني معتاداً أن يضربها لأنها تصلي باسم الرب يسوع، وكان ذلك الوقت عصيباً مليئاً بأخطار عصابات البوكسير التي قاسى منها ذلك الجد الشيء الكثير، حيث سبق أن احتلت المسكن الذي يملكه. ولشد ما كان فزعه في يوم من الأيام حينما شاهد عن بعد وهو يسير على سور المدينة رجال تلك العصابات، يعودون في ملابسهم الخاصة لاقتحام بيته، وعبثاً حاول أن يبحث عن مخرج من ذلك المأزق ولكنه تذكر فجأة حفيدته الصغيرة المصلية فأسرع إلى البيت حيث وجدها فهزها بعنف لينبهها إلى حرج الموقف وصاح بها: "إذا كان الله يسمع صلاتك، فنحن الآن أحوج ما نكون إلى الصلاة، لقد عاد رجال البوكسير، وقد رأيتهم اليوم من فوق سور المدينة وسيكونون هنا حالاً ... وأنت تقولين أن الله يستجيب الصلاة، فادخلي إلى الغرفة وصلي لكي لا يأتوا إلى بيتنا" ثم دفع بالفتاة إلى غرفة خالية وأغلق الباب .... ركعت تلك الفتاة التي تناهز الثامنة من عمرها منفردة أمام الله! وقلبها عامر بالثقة في أمانته ... وسمعتها أمها وهي تسكب قلبها للرب في هذه الصلاة "أيها الآب السماوي، إني مسرورة وشاكرة جداً لأن جدي طلب مني أن أصلي بينما كان من قبل يضربني دائماً ويركلني إذا ما صليت، أيها الآب السماوي، إنها فرصتك الآن، فأرجوك أثبت لجدي أنك تجيب الصلاة، أرجوك لا تدع رجال البوكسير يأتون إلى بيتنا". وكانت صلاتها باسم الرب يسوع المسيح. دخل رجال البوكسير المدينة، وأتوا إلى نفس الشارع، وكان باب بيت الجد مفتوحاً إذ كان يعلم أنه لا فائدة من قفله، واقترب القائد الذي يتقدم العصابة وأدار حصانه ليدخل إذ كان يقصد هذا البيت!! لكن الفرس بلا سبب ظاهر أبى في عناد أن يدخل، فأدار ظهره وهو يتجه إلى هنا وهناك، ويضرب الأرض برجليه، والقائد ينخسه بشدة، ولكن عبثاً حاول أن يجعله يدخل ... وأخيراً تغلبت على القائد المخاوف الخرافية المنتشرة في بلاد الصين، فأدار وجهه إلى رجاله قائلاً "إن هذا البيت مليء بالشياطين، إننا لا نستطيع أن نراهم، ولكن الحصان يراهم، فلا يدخل أحد منكم إلى هنا" قال هذا، وقاد رجاله إلى الطرف الآخر من المدينة ... ونحن لا نعلم ماذا رأى الحصان، ولماذا لم يدخل، ولكننا نعلم ما رآه حمار بلعام قديماً حين انحرف عن الطريق، ونثق أن الرب قد فعل شيئاً كما فعل من قبل، استجابة لصلاة تلك الفتاة الصغيرة باسم المسيح ... وقد حدثنا مرسل في تلك المدينة أن هذا الجد قد أتى إلى مقر الإرسالية في اليوم التالي وقال والدموع في عينيه "لقد كانت حفيدتي الصغيرة على صواب وأنا على خطأ طول ذلك الوقت، فعلموني عن ذلك الإله الذي يسمع الصلاة" وهكذا جاء الرجل إلى المخلص. إن الصلاة باسم المسيح هي الصلاة المقتدرة التي تفتح لنا كنوز السماء وتعطينا كل ما نطلب من الآب.
3- الشرط الثالث لاستجابة الصلاة أن تكون بحسب مشيئة الله:
يقول يوحنا الحبيب "وهذه هي الثقة التي لنا عنده أنه إن طلبنا شيئاً حسب مشيئته يسمع لنا" 1 يو 5: 14
حسب مشيئته؟! كيف نقدر أن نعرف مشيئة الله؟! يجيب رب المجد على هذا السؤال في القول "إن شاء أحد أن يعمل مشيئته يعرف التعليم هل هو من الله" يوحنا 7: 17، فمن يريد أن يعرف مشيئة الله ينبغي أن يدقق في بحثه، وأن يعود إلى الكتاب "الكتاب المقدس" الإعلان الوحيد لهذه المشيئة كما يقول عنه بطرس الرسول "عالمين هذا أولاً أن كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" 2 بط 1: 20 و 21، فهل تدرس الكتاب يا أخي المؤمن، ويا أختي المؤمنة؟؟ إنني لا أقصد مجرد قراءة الكتاب، هذه القراءة العابرة، بل أعني دراسة الكتاب، دراسة أسفاره، وشخصياته، وموضوعاته، وآياته، لمعرفة مشيئة الله والصلاة بموجبها. عبثاً يحاول المرء أن يصلي صلاة مقتدرة وهو ليس تلميذاً للكتاب، يحبه، ويفحصه، ويسير بحسب النور الذي فيه.
يحدثنا القس كلارنس آشر عن حادثة اختبارية حدثت في حياته الشخصية قال:
حدثت هذه المعجزة سنة 1915، وكنت أيامئذ أشتغل في مركز تبشيري على حدود روسيا، وقد مكنتني العناية أن أؤدي خدمات جليلة للجيش الروسي، حتى أن جلالة القيصر كتب لي توصية لكي أعامل كأي جنرال روسي في الجيش.
أصبت بحمى التيفوس، وفي ذات الوقت أصبت بالدوسنطاريا الحادة، وقد نقلتني عربة الإسعاف إلى مستشفى روسي للعلاج ... اجتمع حولي عدد من الأطباء ليتشاوروا في حالتي، وقد رأوا أن وقت إنقاذي قد فات، فقلبوا شفاههم، وكتبوا ورقة العلاج، ولكنهم أمروا الممرضة أن لا تمنع عني أي طعام، وأن لا ترغمني على تعاطي الدواء، ثم تكلموا إلى أختي التي رافقتني أن تستعد لإجراءات الدفن.
ازدادت حالتي سوءاً يوماً بعد الآخر، ونقص وزني حوالي تسعين رطلاً، وفقدت شهيتي لمدة أربعة أيام، ونزفت الدماء مني من جراء الدوسنطاريا الخبيثة، وصرت من الضعف بحيث لم أكن أقوى على عمل أي شيء لنفسي.
تذكرت فجأة أني أحمل كتاباً مقدساً في جيب سترتي، فطلبت من أختي أن تحضره لي، ولما أمسكته في يدي، رفعت صلاة لله أن يقودني إلى الموضع الذي يعزي قلبي، ثم ألقيت الكتاب على صدري وتركته يفتح من ذاته ثم وضعت إصبعي في مكان ما بالصفحة التي فتحت أمامي وشرعت اقرأ ما وضعت عليه إصبعي وإذ أجد هذه الآيات في سفر الأعمال 28: 8 "فحدث أن أبا بوبليوس كان مضطجعاً معتري بحمى وسحج (أي دوسنطاريا). فدخل إليه بولس وصلى ووضع يديه عليه فشفاه" ... تعجبت أن أجد أن الآية تتحدث عن مرضي وقلت في نفسي، هل مشيئة الله إذاً أن يشفيني؟! وهمست مصلياً لإلهي "يا رب إنني أضعف من أن أضع إيماني فيك" ... لم يكن بالغرفة أي شخص يعرف الإنجليزية، لكنني لدهشتي سمعت صوتاً واضحاً يرن في أذني قائلاً "ليس إيمانك أنت بل إيمان يسوع المسيح هو الذي يخلص ويشفي". كدت أبعد هذا الفكر عني، ولا أصدق الصوت الذي كلمني، لكنني تذكرت اليوم الذي كنا ندرس به في كليتنا بفيلادلفيا، وتذكرت أننا في درس اللغة اليونانية وصلنا للآية الموجودة في غلا 2: 20 وهي الآية القائلة "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا في. فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه في الإيمان إيمان ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي" وتذكرت أنني سألت أستاذي الدكتور ماكس مولر – "ألا يمكن أن نترجم الجزء "إيمان ابن الله" إلى "الإيمان بابن الله؟" فأجابني الأستاذ الكبير "كلا. إن الترجمة الحرفية تعني إيمان يسوع المسيح" هدأت في سريري ووثقت أن الصوت الذي كلمني هو صوت الرب، ووثقت في أن مشيئته أن يشفيني فرفعت إليه هذه الصلاة: "أيها الرب يسوع اعمل كل شيء. فالإيمان هو إيمانك والشفاء شفاؤك وصلاتي إليك الآن بحسب مشيئتك".
مرت بضع دقائق، وإذا بي أحس بآلام الدوسنطاريا، وخشيت أن ألوث سريري ففكرت في أن أمد يدي إلى الجرس الذي إلى جواري حتى تأتي الممرضة لمساعدتي، لكنني سمعت صوتاً يهمس في داخلي "ألم تثق في يسوع للشفاء، فلماذا تطلب الممرضة؟".. شعرت بقوة غريبة تدفع يدي ناحية الجرس، وأحسست بمعركة شديدة بين قوات الظلمة وبيني أنا المريض الضعيف، وبمعونة الرب انتصرت، ولم أمد يدي إلى الجرس وقلت في قلبي "سأترك كل شيء ليسوع ولن أستدعي الممرضة مهما حدث" ومن تلك الساعة أحسست بالشفاء يدب في جسدي.
عادت شهيتي، وانتهت نوبات الدوسنطاريا، وشفيت من الحمى، وبدأت أشعر بالجوع الشديد كلما جاء ميعاد الأكل ... ظل الأطباء أربعة أيام لا يعيدوني، وأخيراً جاء أحدهم وكتب لي "الأفيون" كعلاج لحالتي، لكنني عندما علمت ذلك قلت للممرضة "قولي للطبيب أنني قد شفيت وأن يسوع قد شفاني من كل أمراضي، وإنني لست في حاجة إلى الأفيون بل إلى الفاكهة". ولما قالت الممرضة هذا الكلام للطبيب، هز رأيه تعجباً وأمر بأن يرسلوا لي طبقاً ملآناً "بالبطيخ"، ولما جاء البطيخ أكلت كل قطعة في الطبق.
في صباح اليوم التالي دخل غرفتي عدد من الأطباء، ونظر إلي أحدهم ثم قال بالفرنسية التي كنت أجيد التحدث بها "ألم تمت بعد؟ لقد أرسلنا إليك البطيخ لكي تموت"
كنت قد أحضرت بضع نسخ من العهد الجديد باللغة الروسية لإهدائها لأطباء المستشفى يوم خروجي، فناولت الطبيب نسخة بعد أن فتحتها عند أعمال 28: 8 وطلبت منه أن يقرأها، ثم طلبت من آخر أن يقرأ جزءاً من الموعظة على الجبل في إنجيل متى، وقصة نيقوديموس في إنجيل يوحنا، وأمام قوة المعجزة قرأ الطبيبان باحترام ما طلبت منهما قراءته، وبعد أن انتهيا من القراءة هتف أحدهما قائلاً "يا له من كتاب جيمل، ما كنت أعتقد أن في الكتاب المقدس كلمات حلوة كهذه" من ذلك اليوم تعلمت بالاختبار، أنه ليس إيماني أنا الذي يفتح لي مخازن الآب، بل إيمان يسوع المسيح، فقد يكون إيماني ضعيفاً فلا أقدر أن أطلب ما أريد، لكنني أثق أن إيمان ابن الله يمكنه أن يحصل لي على كل شيء ما دمت أصلي حسب مشيئته المعلنة في كلمته؛ وأثق في مواعيده ... ووعده الكريم لناب "إن طلبنا شيئاً حسب مشيئته يسمع لنا"
ويجدر بنا أن نذكر هنا أن مواعيد الله لا يمكن أن تكذب، لأنها ترتكز على أربعة أعمدة العمود الأول هو أمانة الله "لأنه مهما كانت مواعيد الله فهو فيه النعم وفيه الآمين لمجد الله بواسطتنا" 2 كو 1: 20؛ والعمود الثاني هو محبة الله "الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين كيف لا يهبنا أيضاً معه كل شيء" رو 8: 32 والعمود الثالث هو صدق الله "ليس الله إنساناً فيكذب؛ ولا ابن إنسان فيندم هل يقول ولا يفعل أن يتكلم ولا يفي" عدد 23: 19 والعمود الرابع هو قدرة الله "والقادر أن يفعل فوق كل شيء أكثر جداً مما نطلب أو نفتكر بحسب القوة التي تعمل فينا" أفسس 3: 20 فلنثق في مواعيد الله، ولنطلب بحسبها لأنها الإعلان الكامل عن مشيئته.
يحتفظ لنا التاريخ بقصة عن امرأة أمريكية جاهلة تركها ابنها وسافر إلى مدينة بعيدة، وهناك فتح الله له أبواب الرزق وأغدق عليه من بركات الحياة، فشرع يرسل لأمه الفقيرة "شيكات" على أحد المصارف، لتصرف قيمتها وتعيش حياة مريحة، لكن الأم المسكينة كانت تجهل أن هذه الأوراق الملونة تحمل الخير والمال، وكانت تظن أنها مجرد صور جميلة أرسلها لها ولدها الحبيب، فتحفظها في جيبها، وتدفعها الحاجة فتمر على المقاهي تطلب إحساناً، وظلت المرأة كذلك حتى استوقفها في يوم ما رجل طيب القلب وسألها: أليس لك من يعولك يا امرأة؟ قالت: لي ولد تغرب عني منذ زمن طويل لكنه لا يرسل لي سوى بعض الأوراق الجميلة الملونة، التي احتفظ بها في جيبي لذكراه، ولما أخرجت هذه الأم "الشيكات" ورآها الرجل، هتف في دهشة: أيتها المرأة الطيبة، هذه الأوراق ثروة ضخمة، وأنت تحملينها في جيبك وتتسولين طالبة الإحسان؟ اذهبي يا سيدتي إلى البنك وصرفي هذا المال وعيشي الحياة التي يريد ولدك أن تتمتعي بها.
وكثيرون يتصرفون مع الله بهذه الكيفية، لهم مواعيد الله وهي أعظم من "الشيكات" لأنها محولة على "بنك السماء" الذي لا يفرغ ومع ذلك فهم لا يطلبون ولا يصلون لنوال هذه المواعيد في حياتهم. فالله قد وعد بالخلاص وهم يعيشون في الخطية، ووعد بملء الروح القدس وهم يعيشون حياة الجفاف، ووعد بالفرح والسلام وحياتهم مجموعة من الأحزان .. فلنطالب الله بإتمام مواعيده، لأنه إن طلبنا شيئاً حسب مشيئته يسمع لنا.
بقي أن نقول، أننا يجب أن نحترس من الصلاة ضد مشيئة الله المعلنة، فلقد أعلن الله مشيئته لبلعام أن لا يذهب مع رجال بالاق ولكن الرجل أحب أجرة الإثم فصلى ثانية عندما عادوا إليه ليسأل الله، والواقع أنه كان في صلاته يضرب الهواء ويعيش في الظلام والأوهام. فاحترس من السقوط في هذه الخطية.
إن مشيئة الله أن لا يتزوج المؤمن بفتاة غير متجددة. فإن ذهبت لخطبة فتاة غير مخلصة فلا تطلب إرشاد الله ومعونته. إنه قد قال كلمته.
ومشيئة الله أن لا يشارك المؤمن غير المؤمن في التجارة فإن انحرف قلبك نحو المال وأردت مشاركة رجل شرير فلا تذهب لاستشارة الرب. إنه قد أعلن كلمته!!
وعلى هذا القياس سر، واجعل شعارك "سراج لرجلى كلامك ونور لسبيلي".
4- الشرط الرابع لاستجابة الصلاة هو حياة الأمانة والطاعة:
إصغ إلى كلمات يوحنا الرسول "ومهما سألنا ننال منه لأننا نحفظ وصاياه ونعمل الأعمال المرضية أمامه" 1 يو 3: 22 فحياة الطاعة للرب شرط ضروري لاستجابة الصلاة، والسلوك في الأعمال المرضية أمامه أمر جوهري لنوال طلباتنا منه.
عندما أرسل الرب أشعياء النبي إلى حزقيا الملك بالقول "أوص بيتك لأنك تموت ولا تعيش" يقول الكتاب المقدس "فوجه حزقيا وجهه إلى الحائط وصلى إلى الرب وقال آه يا رب أذكر كيف سرت أمامك بالأمانة وبقلب سليم وفعلت الحسن في عينيك وبكى حزقيا بكاء عظيماً.."
وعندئذٍ رق قلب الرب لعبده فأرسل إليه أشعياء قائلاً "اذهب وقل لحزقيا، هكذا يقول الرب إله داود أبيك. قد سمعت صلاتك وقد رأيت دموعك. هأنذا أضيف إلى أيامك خمسة عشرة سنة" أشعياء 38: 1 – 5
وهكذا سمع الله الصلاة الممتزجة بالطاعة، وحياة الأمانة، والدموع، ورأى هذه الدموع واستجاب هذه الصلاة ..
فعلى قدر نوع حياتك تكون كذلك صلاتك.
لماذا لا يستجيب الله كل صلواتنا؟
هناك عدة أسباب تجعل الله لا يستجيب الصلاة، نذكرها بكل إيجاز
1. السبب الأول هو محبة الذات: "تطلبون ولستم تأخذون لأنكم تطلبون ردياً لكي تنفقوا في لذاتكم" يع 4: 3
2. السبب الثاني هو البخل في العطاء: "من يسد أذنيه عن صراخ المسكين فهو أيضاً يصرخ ولا يستجاب" أم 21: 13
3. السبب الثالث هو المعاملة القاسية للزوجة: "كذلكم أيها الرجال كونوا ساكنين بحسب الفطنة مع الإناء النسائي كالأضعف معطين إياهن كرامة كالوارثات أيضاً معكم نعمة الحياة لكي لا تعاق صلواتكم" 1 بط 3: 7
4. السبب الرابع هو وجود الخطية في الحياة: "ها إن يد الرب لم تقصر عن أن تخلص ولم تثقل أذنه عن أن تسمع بل آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع" أش 59: 1 و 2
وقد يسأل أحدهم قائلاً: لكن هب أن هذه الأسباب غير موجودة فلماذا بعد أن نتمم كل الشروط لا يستجيب الله كل صلواتنا؟
والواقع أنه ليس هناك مشكلة تحير المؤمنين أكثر من مشكلة الصلوات غير المستجابة، وكثيرون من المؤمنين يضعف إيمانهم لأن الله لم يستجب كل صلواتهم.
ويقيناً أننا لا نستطيع أن ندرك كل ما يحدث في السماء عندما ترتفع صلواتنا إلى الله، ومع ذلك فقد شاء الرب في محبته أن يعلن لنا في ثنايا كلمته المعزية لماذا لا يستجيب كل صلواتنا، وسنحاول فيما يلي من حديث معالجة هذا الموضوع الخطير.
1- إن الله لا يستجيب صلاتنا يقصد امتحان إيماننا أو إعلان عظمة هذا الإيمان:
نجد في إنجيل متى قصة تلك المرأة الكنعانية التي خرجت صارخة وراء السيد له المجد "ارحمني يا سيد يا ابن داود" ونقرأ "فلم يجبها الرب بكلمة" مت 15: 22، 23 وليس شك في أن الرب لم يسكت لأنه قصد أن يمنع رحمته عن هذه الأم البائسة. بل كان يقصد أن يعلن مدى قوة إيمان هذه المرأة، ومدى عظمة واتساع هذا الإيمان الصابر الظافر المنتصر، ولذلك فلما استمرت المرأة في طلبها ورأت وعداً جليلاً في كلمات يرى فيها أغلب الناس قسوة، التفت إليها الرب قائلاً "يا امراة عظيم إيمانك ليكن لك كما تريدين فشفيت ابنتها من تلك الساعة"
فهل سكتت السماء عن استجابة صلاة رفعتها إلى الله؟ وهل همس العدو في أذنك أن الله قد تخلى عنك ولم يعد يسمع صوتك؟ لا تفشل أن الله يمتحن إيمانك، ويريد أن يعلن للملأ عظمة هذا الإيمان وفي الوقت المعين سيقول صاحب القلب الكبير المحب "عظيم إيمانك ليكن لك ما تريد"
2- إن الله لا يستجيب صلاتنا لأنها ترفع في ظروف لا تعني فيها ما قلناه ولا نعيه بل على العكس تفسد ما قصده الله لحياتنا:
إصغ إلى صلاة أيوب وهو في عمق آلامه "يا ليت طلبتي تأتي ويعطيني الله رجائي أن يرضى الله بأن يسحقني ويطلق يده فيقطعني" أيوب 6: 8 و 9، لقد دفع الإحساس بالألم ذلك الرجل التقي أن يصلي هذه الصلاة، ويتمنى هذه الأمنية، ولو استجاب الله طلبته لمات في غمرة تجاربه وأحزانه، ولكانت قصة حياته مأساة مؤلمة بدلاً من تلك النهاية السعيدة التي أعدها له الله في عنايته.
وتعال معي لتسمع تلك الصلاة التي رفعها إيليا النبي في ساعة خوفه من الملكة الشريرة إيزابل وهو ينادي الله قائلاً ومتوسلاً "قد كفى الآن يا رب خذ نفسي لأنني لست خيراً من آبائي" 1 مل 19: 4 ولو أن الله استجاب صلاة إيليا وهو في ساعة ضعفه وخوفه، لحرم إيليا من الذهاب إلى المجد في المركبة النارية ولما استطاع أن يمسح حزائيل ملكاً على آرام، ولا أن يمسح ياهو ابن نمشى ملكاً على إسرائيل، ولا أن يمسح أليشع بن شافاط نبياً عوضاً عنه، ولكن الله لم يسمع صلاة أيوب ولا صلاة إيليا لأنها رفعت إليه في ظروف كانت هي الدافع للنطق بهذه الصلاة، ويا لها من رحمة كبرى أن الله لا يستجيب صلوات كهذه وإلا لانتهت حياة الكثيرين نهايات مريرة وأصبحت الحياة مجرد مأساة محيرة.
3- إن الله لا يستجيب صلاتنا لأن استجابتها قد تعنى ضرراً روحياً يهدم حياتنا:
تأمل ذلك الرجل بولس، لقد كان رجلاً فريداً من طراز ممتاز، يحق قال عنه مودى "لقد هزم الاسكندر بلاد العالم بجحافل جيوشه، وهز نابليون أركان الدنيا بجبروت عقله، لكن ذلك الخيام الفقير بولس قد قلب العالم رأساً على عقب بقوة إيمانه" ومع ذلك فإن الله قد شاء أن يعطي ذلك الخادم الجليل القدر شوكة في جسده، يكتب عنها الرجل قائلاً "ولئلا ارتفع بفرط الإعلانات أعطيت شوكة في الجسد ملاك الشيطان ليلطمني لئلا ارتفع من جهة هذا تضرعت إلى الرب ثلاث مرات أن يفارقني فقال لي تكفيك نعمتى لأن قوتي في الضعف تكمل" 2 كو 12: 7 – 9
لقد أعطى الله الشوكة لبولس لحفظه، ذلك لأن الرجل قد تمتع بإعلانات سماوية رائعة، رأى الفردوس، ورأى تاجه اللامع، وسمع كلمات لا ينطق بها ولا يسوع لإنسان أن يتكلم بها .... وكان بعد هذا كله في خطر الانتفاخ، والارتفاع، والكبرياء، فكان ملاك الشيطان يلطمه لئلا يرتفع، ولد تضرع الرجل إلى الله ثلات مرات أن يفارقه هذا الملاك، لكن الرب لم يستجب هذا الصلاة، لأن معنى استجابتها أن يتعرض بولس لخطر روحي هدام، ولكنه ملأ الفراغ الذي في قلبه وقال له "تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل" وهنا هتف الرجل بفرح "بكل سرور أفتخر بالحرى في ضعفاتي لكي تحل على قوة المسيح. لذلك أسر بالضعفات والشتائم ولاضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح لأني حينما أنا ضعيف فحينئذٍ أنا قوي" 2 كو 12: 9 و 10
فيا أخي ألا تكتفي بنعمة المسيح الغامرة، وتشكره إن لم يستجب صلاة ترفعها إليه، إن استجابة صلاتك بد تكون المقص الذي يقص حياتك الروحية، ويمزق قواك المعنوية.
4- إن الله لا يستجيب صلاتنا لأن وقت استجابتها لم يحن بعد أو لأنه رتب طريقاً أفضل لهذه الاستجاب
ة: صلى زكريا الكاهن كثيراً لكي يعطيه الله ولداً، مجرد ولد، لكن الله لم يستجب صلاته في الوقت الذي أراده، بل انتظر عليه حتى وصل إلى سن الشيخوخة ثم أرسل إليه جبرائيل الملاك ليقول له بعد هذا الوقت الطويل "زكريا ... طلبتك قد سمعت وامرأتك اليصابات ستلد لك ابناً وتسميه يوحنا" لوقا 1: 13 ولكن من هو يوحنا هذا؟ هل هو مجرد ولد عادي كما أراد زكريا؟ كلا! فقد قال عنه رب المجد "الحق أقول لكم لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان" مت 11: 11
فهذه الصلاة المعطلة، جاءت إجابتها بصورة بهية جميلة رائعة!!
وهل يمكن أن نذكر زكريا ولا نذكر موسى الذي طالما توسل إلى إلهه قائلاً "يا سيد الرب أنت قد ابتدأت ترى عبدك عظمتك ويدك الشديدة. فإنه أي إله في السماء وعلى الأرض يعمل كأعمالك وكجبروتك. دعني أعبر وأرى الأرض الجيدة التي في عبر الأردن هذا الجيل الجيد ولبنان". لكن الرب لم يسمع صلاته بل قال له "كفاك. لا تعد تكلمني أيضاً في هذا الأمر" تث 3: 23 – 26
أجل، لم يسمع الرب تضرعات موسى ليدخله الأرض الجيدة ولكنه في محبته استجاب هذه الصلاة بصورة أكمل وأجمل، يوم جاء موسى وإيليا ووقفا على جبل التجلي مع الرب يسوع، وكانا يتكلمان عن خروجه الذي كان عتيداً أن يكلمه في أورشليم ... وهكذا رأى موسى الأرض الجيدة وهو في ثياب المجد والجلال.
فهل بعد هذا كله نتذمر لأجل صلواتنا المعطلة؟ لقد صلت مونيكا أن أوغسطينوس لكي لا يذهب ولدها العزيز إلى ميلانو خوفاً عليه من شر ميلانو، ولكن الرب أرسله إلى هناك وخلصه بنعمته من خطاياه، فأفكار الله غير أفكارنا وطرقه ترتفع عن طرقنا.
5- قد تتعطل استجابة صلاتنا بسبب قوات الظلام التي تحاربنا:
هذه حقيقة لامعة تظهر في سفر دانيال، فلقد وجه الرجل المحبوب قلبه لطلب الرب، وللصلاة لأجل نفسه ولأجل شعبه، وناح ثلاثة أسابيع أيام، ولم يأكل طعاماً شهياً، لكي يعلن له الله إرادته ومستقبل شعبه، وانتظر الرجل كل هذا الوقت حتى جاءه رجل يلبس كتاناً وحقواه متنطقان بذهب أوفاز وجسمه كالزبرجد ووجهه كمنظر البرق وعيناه كمصباحي نار وذراعاه ورجلاه كعين النحاس المصقول وصوت كلامه كصوت جمهور ... وقال له "لا تخف يا دانيال لأنه من اليوم الأول الذي فيه جعلت قلبك للفهم ولإذلال نفسك قدام إلهك سمع كلامك وأنا أتيت لأجل كلامك. ورئيس مملكة فارس وقف مقابلي واحداً وعشرين يوماً وهوذا ميخائيل واحد من الرؤساء الأولين جاء لإعانتي وأنا أبقيت هناك عند ملوك فارس. وجئت لأفهمك ما يصيب شعبك في الأيام الأخيرة لأن الرؤيا إلى أيام بعد" دانيال 10: 12 – 14
وفي هذه الكلمات يصور لنا الوحي معركة الصلاة الكبرى في السماويات، فمن اليوم الأول الذي صلى فيه دانيال، سمع الرب كلامه، وأراد أن يجيب صلاته لولا أن الشيطان رئيس مملكة فارس وقف معطلاً وصول هذه الاستجابة!! كيف يمكن أن يحدث هذا؟ ليس في وسعنا نحن سكان التراب، أن نعرف أسرار السماء ... لكننا نحني هاماتنا أمام إعلانات القدير، إلى أن نصل إلى المجد ونفهم كل الأسرار
فيا نفسي اهدأي في محضر الله، وارفعي إليه هذه الصلاة
"يا رب لم يرتفع قلبي، ولم تستعل عيناي
ولم أسلك في العظائم ولا في عجائب فوقي
بل هدأت وسكت نفسي كفطيم نحو أمه.
نفسي نحوي كفطيم" مزمور 131: 1 و 2
وليتشدد وليتشجع قلبك وانتظر الرب
- عدد الزيارات: 23918