Skip to main content

الفصل الثالث: اختبار خلاص الله - يقين الخلاص

الصفحة 3 من 3: يقين الخلاص

يقين الخلاص

بعد أن ينال الفرد الخلاص يحاول الشيطان أن يشككه في اختباره، ولذا فلا بد من أن يمتلئ المؤمن بيقين الخلاص.

دعتني جمعية خلاص النفوس بالمنيا للوعظ بالمجمع الذي أقامته هناك يوم الجمعة 16 يوليو 1954، وما كنت أستقر في الغرفة التي أعدتها الجمعية لي، حتى جاءني شاب تبدو عليه علائم الهدوء والحياء وقال في أدب جم: هل يمكن أن تعطيني جزءاً من وقتك؟ قلت: بكل تأكيد. جلس الشاب على حافة مقعده وقال بصوت خافت: تجددت سنة 1948، ولكنني لم أذق طعم السرور أو السلام منذ ذلك التاريخ لأن الشيطان يشككني من جهة خلاصي، ويحرمني من التمتع بيقين الخلاص، فهل لك أن تزيل شكوكي وتريح قلبي.

تحدثت إلى ذلك الشاب بما أراح قلبه، ودفعني ذلك الحديث أن أكتب للمخلصين عن يقين الخلاص، فمما لا شك فيه أن الشخص المخلص ينبغي أن يتيقن خلاصه، وليس هناك كبرياء أو غرور في الاعتراف بنوال الخلاص، ولو كان الاعتراف بيقين الخلاص كبرياء وغروراً لكان الرسل أول من نضعهم على رأس قائمة المتكبرين المغرورين لأنهم اعترفوا بخلاصهم بكل ثقة ويقين.

فبولس يقول "فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله" 1 كو 1: 18 ثم يعود فيقرر "لأنني عالم بمن آمنت وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلى ذلك اليوم" 2 تي 1: 12. وأكثر من ذلك يعلن ثقته بنواله إكليل البر فيقول "وأخيراً قد وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل" 2 تي 4: 8.

وبطرس يعلن خلاصه في الكلمات "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الأموات" 1 بط 1 - 3

ويوحنا يقرر يقين خلاصة قائلاً "أيها الأحباء الآن نحن أولاد الله" 1 يو 3: 2 "نعلم أننا نحن من الله" 1 يو 5: 19

وأكثر من هذا يكتب للمؤمنين ليؤكد لهم خلاصهم قائلاً: "أكتب إليكم أيها الأولاد لأنه قد غفرت لكم الخطايا من أجل اسمه" 1 يو 2: 12 "كتبت إليكم أنتم المؤمنين باسم ابن الله لكي تعلموا أن لكم حياة أبدية ولكي تؤمنوا باسم ابن الله" ا يو 5: 13 والرب يسوع نفسه يقول لتلاميذه "افرحوا ... لأن أسماءكم كتبت في السموات" لوقا 10: 20

هذه الإعلانات الكتابية ترينا، أن الاعتراف بيقين الخلاص، من امتيازات المؤمن الحقيقي، وذلك لأن هذه اليقين يهدئ عواطف القلب، ويعطي للإنسان بهجة وسلاماً فياضاً.

فكيف يتيقن الإنسان من خلاصه؟ هناك أدلة كثيرة تؤكد للمرء تمتعه بالخلاص، وتغمر قلبه بهذا اليقين الثمين.

1- الدليل الأول شهادة كلمة الله:

إن سر عذاب الكثيرين من أولاد الله هو اعتمادهم على عواطفهم ومشاعرهم من جهة خلاصهم، مع أن العواطف متقلبة، والمشاعر متغيرة، والدليل الأكيد على نوالنا الخلاص ليس هو الشعور البهيج الذي يملأنا، بل هو كلمة إلهنا الثابتة إلى الأبد! وقد كان العبرانيون الذين وضعوا الدم على بيوتهم وهم في أرض مصر في يقين كامل من نجاتهم، لا على أساس عواطفهم ومشاعرهم، بل لأنهم وثقوا في كلمة الله "لما رأى الدم أعبر عنكم" فيقينهم كان مبنياً على وعد الله الأمين وهذا هو الأساس الوطيد لليقين. وماذا تقول لنا كلمة الله؟ "من يؤمن بابن الله فعنده الشهادة في نفسه من لا يصدق الله فقد جعله كاذباً لأنه لم يؤمن بالشهادة التي قد شهد بها الله عن ابنه" 1 يو 5: 10 (اقرأ أيضاً 1 يو 5: 11 و 12)

يحتفظ لنا التاريخ باختبار جميل في حياة الملكة فكتوريا ملكة الانجليز، كانت الملكة تصلي ذات يوم في كنيسة "القديس بولس" بلندن، وتوجهت بعد العظة إلى راعي الكنيسة وسألته "هل يمكن للمرء أن يتأكد تماماً من نواله الخلاص وهو ما زال على قيد الحياة؟" وكان الراعي رجلاً عصرياً فلم يستطع أن يعطيها جواباً شافياً، لكن رجلاً ممتلئاً من الروح القدس اسمه جون تونزيد، قرأ هذه الحادثة في النشرة الملكية، فقضى وقتاً في الصلاة ثم كتب للملكة المشتاقة إلى التمتع بيقين الخلاص الرسالة التالية: إلى صاحبة الجلالة الملكة فكتوريا من أحد رعاياها المخلصين – أكتب إليك يا صاحبة الجلالة بقلب مفعم بالمحبة؛ لأخبرك في ثقة كاملة بأننا نقدر أن نتأكد تماماً من خلاصنا الأبدي في هذه الحياة، وهذا اليقين مؤسس على كلمة الله التي لا تزول، فأرجوك أن تقرأي يوحنا 3: 16، رومية 10: 9 و 10 فهذه الأعداد نؤكد لنا الخلاص التام بالإيمان بيسوع المسيح، وتريح قلوبنا على عمله الكامل لأجلنا ... المخلص: جون تونزند"

تسلمت الملكة العظيمة هذا الخطاب، وكان جون تونزند يصلي مع بعض أصدقائه لأجلها، وبعد أسبوعين تقريباً، تسلم جون تونزند الرد التالي: "عزيزي جون تونزند ... قرأت بتمعن وصلاة الآيات التي أشرت إليها في خطابك الكريم الذي أرسلته لي، وقد ملأتني هذه الآيات يقيناً بخلاصي، على أساس العمل الكامل الذي أجراه المسيح على الصليب لأجلي، وأثق أنني سأقابلك بنعمته في بيت الآب"فكتوريا.

وتعال الآن لنسمع كلمات السيد له المجد "الحق الحق أقول لكم إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة بل قد انتقل من الموت إلى الحياة" يو 5: 24 وفي هذه الآية الفريدة نجد خمس حقائق:

(1) السماع (2) الإيمان (3) امتلاك الحياة الأبدية (4) النجاة من الدينونة (5) الانتقال من الموت إلى الحياة ... فمن يستند على كلمة الله لا شك أنه يتمتع بيقين الخلاص.

2- الدليل الثاني شهادة روح الله:

يكتب رسول الأمم إلى المؤمنين في رومية قائلاً "لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله، إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآب. الروح نفسه أيضاً يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله" رو 8: 14 – 16، ويكتب إلى الغلاطيين قائلاً "ثم بما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخاً يا أبا الآب. إذاً لست بعد عبداً بل ابناً وإن كنت ابناً فوارث الله بالمسيح" غلا 4: 6 و 7. ويؤكد يوحنا هذه الحقيقة للمؤمنين في قوله "وبهذا نعرف أنه يثبت فينا من الروح الذي أعطانا" 1 يو 3: 24. ومن كل ما تقدم من آيات نتعلم أن روح الله يشهد للمؤمن بحقيقة بنويته، ويهبه يقيناً كاملاً من جهة خلاصه! والروح القدس يشهد لأرواحنا بواسطة الكلمة المقدسة، كما قال بولس في سفر الأعمال "حسناً كلم الروح القدس آباءنا بأشعياء النبي" أع 28: 25 ففي كل مرة نقرأ فيها كلمة الله بتأمل، أو نسمعها من شخص مخلص ممتلئ، يكلمنا الروح القدس، ويشهد لنا بأننا أولاد الله

3- الدليل الثالث هو الحياة المتجددة:

الحياة العملية المسيحية، هي الدليل الملموس على صدق اختبارنا مع الرب، لأنه "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً"، ونجد في شاول الطرسوسي الذي هو بولس الرسول أقوى حجة لصدق كلامنا، فهذا الرجل كان قبل مقابلته للرب في طريق دمشق "مجدفاً ومضطهداً ومفترياً" ولكنه بعد أن قابل الرب، وسلم له مفاتيح حياته يقول "كانوا يسمعون أن الذي كان يضطهدنا قبلاً يبشر الآن بالإيمان الذي كان قبلاً يتلفه. فكانوا يمجدون الله في" غلا 1: 23 و 24 فالحياة المتغيرة دليل على نوال الخلاص.

تخيل أحدهم زكا رئيس العشارين بعد أن قبل المسيح ووعده "إن كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف" بأن الرجل قد مضى يقرع أبواب بيوت الناس الذين وشى بهم ويرد لهم حقوقهم أربعة أضعاف ويعتذر بأسف حقيقي عن إساءته لهم.

ها هو يقرع باب أرملة باع أثاثات بيتها منذ وقت قصير.

الأرملة – من الطارق؟

زكا – أنا زكا العشار.

الأرملة – وماذا تريد يا سيدي بعد الذي أخذت، بعت أثاثات بيتي، وهدمت عش حياتي، وماذا تريد بعد هذا؟!

زكا – افتحي ... افتحي يا أماه، أنا زكا جديد ... زكا آخر .. أنا عائد لأرد لك أربعة أضعاف ما أخذته منك، واعتذر لك يا أماه عن كل الآلام التي سببتها لك .. إن يسوع قد دخل قلبي وقد غيرني.

من ذا الذي يجرؤ أن يقول بعد هذا إن زكا لم يتجدد؟! أن حياته تشهد له، وإذاً فالحياة الجديدة تؤكد لنا حقيقة اختبارنا.

يقول حزقيال "إن رد الشرير الرهن وعوض عن المغتصب وسلك في فرائض الحياة بلا عمل إثم فإنه حياة يحيا. لا يموت" حز 33: 15

فهل ارتهنت أشياء صاحبك ولا تريد أن تعيدها إليه؟

وهل اغتصبت حق البقال، أو الترزي، أو صاحب المنزل، في بلد بعيد وفررت منه؟ .. رد المغتصب إلى صاحبه وإلا فأنت لم تعرف المسيح.

قص ف.ب ما ير اختباره التالي "ذهبت وأنا في شبابي المبكر إلى اجتماع تبشيري وسمعت الواعظ يقول: أيها الأخ إذا لم تكن تعرف يوم ميلادك الثاني، ومكان هذا الميلاد، وبواسطة مَن من خدام الله نلت الخلاص، فأنت إذاً لم تولد الميلاد الثاني!!

ويقول ماير: لم أكن أعرف متى، أو أين، أو بواسطة من نلت اختباري فقد نشأت في عائلة مسيحية، ونلت الخلاص في يوم لا أستطيع أن أذكره، وفي مكان ليس في مقدوري أن أحدده، ولا أذكر أنني تجددت بواسطة أحد رجال الله ... ولذا خرجت من ذلك الاجتماع، والأرض تميد تحت أقدامي، وظللت شهوراً وأنا معذب من الشك، إلى أن قادني الرب إلى اجتماع كان يعظ فيه القس سبرجن وقال رجل الله العظيم في عظته هذه الكلمات " قد لا تعرف أين ولدت ولا متى ولدت، ولكن كونك تحيا وتتنفس الهواء، فهذا أكبر دليل على أنك ولدت في يوم ما، فإذا كانت حياتك المسيحية لامعة، وأنت تتنفس في جو الشركة مع الله، وقلبك ينبض بحب المسيح فأنت قد نلت الخلاص في يوم ما ومكان ما .. ولا داعي للاضطراب!"

ويسجل ماير بعد ذلك هذه العبارات: "خرجت من الاجتماع وأنا أكاد أطير كالعصفور لأن يقين الخلاص ملأ قلبي"!!

فهل لك الحياة المتجددة. المطيعة لصوت الرب!؟ وضع يوحنا الحبيب هذا الامتحان ليعرف به المرء حقيقة نفسه!! "بهذا نعرف أننا قد عرفناه إن حفظنا وصاياه. من قال قد عرفته وهو لا يحفظ وصاياه فهو كاذب وليس الحق فيه وأما من حفظ كلمته فحقاً في هذا قد تكلمت محبة الله. بهذا نعرف أننا فيه. من قال إنه ثابت فيه ينبغي أنه كما سلك ذاك هكذا يسلك هو أيضاً .. من قال إنه في النور وهو يبغض أخاه فهو إلى الآن في الظلمة" 1 يو 2: 3 – 9. فما هو موقفك إزاء هذا الامتحان الصريح؟ هل تدرس كتابك المقدس لتعرف الحق وتسير فيه بهذا نعرف أننا قد عرفناه.

4- الدليل الرابع هو محبة الإخوة:

في يقين شديد يتحدث يوحنا الحبيب قائلاً "نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب الإخوة. من لا يحب أخاه يبقى في الموت. كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس وأنتم تعلمون أن كل قاتل نفس ليس له حياة أبدية ثابتة فيه" 1 يو 3: 14 و 15 "من يحب أخاه يثبت في النور وليس فيه عثرة. وأما من يبغض أخاه فهو في الظلمة وفي الظلمة يسلك ولا يعلم أين يمضي لأن الظلمة أعمت عينيه" 1 يو 2: 10 و 11 فالمحبة للإخوة هي دليل رائع على حقيقة اختبارنا، ويقيناً أن المحبة هي رباط الكمال وهي الملكة المتوجة في الأبدية السعيدة، عنها قال رسول الأمم "إن كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة ولكن ليس لي محبة فقد صرت نحاساً يطن أو صنجاً يرن".

وقد كتب القس هملتون تفسيراً جليلاً لمميزات المحبة كما وردت في الإصحاح الثالث عشر من الرسالة الأولى إلى الكورنثيين قال:

1."المحبة تتأنى" إذا ما أوعز الناس صدورنا.

2."ترفق" إذا لم يكافئنا الناس عن إحساننا. وترفق بالجهال والضالين منا.

3."لا تحسد" أي أنها لا تغار من نجاح الآخرين، ولا تغمطهم حقهم من التقدير والاستحسان.

4."لا تتفاخر" أي لا تعتد بذاتها ولا يأخذها الزهو والغرور.

5."لا تنتفخ" يعني أنها لا يمكن أن تتكبر وتتعظم.

6."لا تقبح" أي لا تغضب أحداً بأقوال نابية.

7."لا تطلب ما لنفسها" أي أن الأثرة والأنانية لا مكان لها فيها فهي دائماً تفضل الآخرين على نفسها.

8."لا تحتد" أي ليست سريعة الغضب.

9."لا تظن السوء" أي لا تضمر العداء ولا تحمل حقداً.

10."لا تفرح بالإثم" أي لا يجذبها رواء الغش ولا يسرها ما يحيق بالآخرين من ظلم وجور.

11. "تفرح بالحق" أي تسر لنصرة الحق، وتفرح إذا ما نالت العدالة من عداها من الناس.

12. "تحتمل كل شيء" أي تعرف كيف تسكت ومتى تصمت.

13. "تصدق كل شيء" أي أنها مملوءة ثقة وإيماناً دون قلق.

14. "ترجو كل شيء" أي أنها مفعمة رجاء ويقيناً دون يأس أو استسلام.

15. "تصبر على كل شيء" أي أنها مشحونة صبراً واحتمالاً.

16. "لا تسقط أبداً" فهي ستستمر إلى آباد الدهور.

وإن كانت محبتنا البشرية يعتورها الفشل والوهن، فإن المحبة الإلهية لا تعرف إليهما سبيلاً ..

تلك هي مميزات المحبة العجيبة التي وهبنا الله إياها في المسيح يسوع، فهل لنا هذه المحبة في قلوبنا من نحو الإخوة إذاً لنرددها هاتفين "نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب الإخوة". ولنتمتع ونبتهج بيقين الخلاص.

الصفحة
  • عدد الزيارات: 10327