الفصل التاسع عشر: سفر ملاخي
أحب ملاخي أن يدعى "رسول رب الجنود" لأنه سابق يعد الطريق لقادم عظيم، كما فعل يوحنا المعمدان. وينبئ ملاخي عن لاوي هنا كمثال الكمال للكهنوت الحقيقي (2: 7)، ويتنبأ عن يوحنا مشيراً إليه كرسول أيضاً لرب الجنود، ويتنبأ عن المسيح مشيراً إليه باسم "ملاك العهد" (3: 1).
ورسالة ملاخي تدور حول هذه الآية الذهبية "أحببتكم قال الرب". فيا لها من رسالة تستحق الاعتبار والشكر!
ولملاخي علاقة بنحميا كعلاقة حجي وزكريا بزربابل، ولعله كان معاصراً له أو على الأقل خلفه مباشرة. وذلك لأنه وبخ الشعب المختار على نفس الخطابا التي وبخهم عليها نحميا عند زيارته أورشليم المرة الثانية وهي:
1- إنهم نجسوا الكهنوت وأفسدوا عهد لاوي (نح 13: 29؛ ملا 2: 8).
2- أنهم اقترنوا بزوجات وثنيات (نح 13 – 23 – 27؛ ملا 2: 10 – 16).
3- أنهم أهملوا تقديم العشور للرب (نح 13: 10 – 12؛ ملا 3: 10).
وقد صاهر الياشيب الكاهن طوبيا العموني، ورخص له في استعمال مخدع عظيم من مخادع الهيكل، وكذلك صاهر أحدُ بنيه سنبلط الحوروني (نح 13: 1 – 9).
"بم": وجه ملاحي رسالته إلى جماعة الكهنة الذين عوض أن يكونوا هداة إلى البر – كما هو واجب عليهم – صاروا هداة إلى الشر. ووجهها إلى الشعب الذين اقتدوا بقدوة هداتهم الأشرار. وتمتاز رسالته ببساطة العبارة، وصراحة التوبيخ والتبكيت، حتى يستشعروا بسوء حالتهم لأنهم كانوا يشبهون كثيرين من مسيحيي هذا العصر لهم صورة التقوى وينكرون قوتها. من اجل ذلك تراهم يعترضون على كل توبيخ من توبيخاته بالإنكار مزكين أنفسهم. وهاك أسلوب اعتراضاتهم
1. 1: 2 "بم أحببتنا".
2. 1: 6 "بم احتقرنا اسمك".
3. 1: 7 "بم نجسناك".
4. 2: 17 "بم أعبناه".
5. 3: 7 "بماذا نرجع".
6. 3: 8 "بم سلبناك".
7. 3: 13 "ماذا قلنا عليك".
8. 3: 14 "ما المنفعة من انا حفظنا شعائره".
9. 2: 14 "لماذا" جواباً على قوله "لا تُراعي التقدمة بعد ولا يقبل المرضي من يدكم".
ثم وصف ملاخي كيف يكون مجيء المسيح إلى هيكله (3: 1 – 6). أتى صبياً إلى سمعان الشيخ وحنة النبية. أتى الهيكل ليقلب موائد الصيارفة. يأتي إلى هيكل قلوبنا مثل "نار الممحص" "فيجلس ممحصاً ومنقياً للفضة"، ولا يزال يعالجها حتى تنعكس صورته الكريمة عليها. وعندما "يصنع منـزلاً" في قلوبنا يكون شاهداً سريعاً على الخطية ودعا نفسه في سفر الرؤيا "الشاهد الأمين الصادق".
جميع العشور: يتضمن هذا السفر البركات الروحية "هاتوا جميع العشور إلى الخزنة ليكون في بيتي طعام وجرّبوني بهذا قال رب الجنود الخ". إن فريضة العشور اعتراف حسي أن لله كل الأشياء. فلنقدم له نفوسنا، وأجسادنا، وأرواحنا، وكل ما لنا، وكل ما نعلمه عن أنفسنا، وما لا نعلمه بعد. فإن قدمنا له كل شيء، ولم نمسك عنه شيئاً، يقبلنا لا محالة، ويفتح لنا كوى السموات، ويفيض علينا بركة تزيد عن طاقتنا فتشمل الذين حولنا "ويطوّبكم كل الأمم لأنكم تكونون أرض مسرة قال رب الجنود".
ويظهر من سفر ملاخي أنه كان يوجد في أيامه، في وسط الناس المرائين والمتصنعين، بقية قليلة من الأتقياء، يخافون الله وتميل أذنهم لاستماع ما يتحادثون به عنه. ووعد الله بأنهم يكونون خاصته في اليوم الذي يصنعه "اليوم المتقد كالتنور" ليحرق كل فاعلي الشر. أما أولئك الأتقياء فعليهم "تشرق شمس البر والشفاء في أجتحتها".
ينتهي العهد القديم بهذه الكلمة "لعن" ولكن في سبيل التحذير من سوء العاقبة إظهاراً لمحبته تعالى لهم إذ قال "لئلا آتي وأضرب والأرض بلعن". أما العهد الجديد فنيتهي بالبركة حيث يقول "نعمة ربنا يسوع المسيح من جميعكم آمين". وبين العهدين فترة أربعمئة سنة منذ غاب صوت ملاخي وأشرق صوت الصارخ في البرية "اصنعوا سبله مستقيمة". وأن كان الفاصل بين العهدين زمن طويل بهذا المقدار إلا أنه توجد رابطة جميلة بين الصحيفة الأخيرة من العهد القديم والصحيفة الأولى من العهد الجديد وهي ملاك العهد ومهيئ طريقه.
- عدد الزيارات: 3863