Skip to main content

الفتاة والساعة

سرقت إحدى الفتيات تفاحة وأكلتها، وذهبت لتنام كعادتها في المساء وكانت ساعة الحائط تدق في أرجاء البيت "تك. تك"، ولكن روح الله بكت الفتاة على خطيتها، فأحست أن رقاص الساعة ينادي في ذهابه ورجوعه "لصة، لصة" ولم تستطع الفتاة أن تنام إلا بعد أن ذهبت إلى والدتها واعترفت لها بخطيتها.

 

لقد قال المسيح عن الروح القدس "ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة أما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي وأما على بر فلأني ذاهب إلى أبي ولا ترونني أيضاً وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين" (يوحنا 16: 8-10) وفي سفر الأعمال نرى عمل الروح القدس في تجديد الخطاة فبعد أن وعظ بطرس عظته المشهورة يوم الخمسين يقول كاتب سفر الأعمال "فلما سمعوا نخسوا في قلوبهم وقالوا لبطرس ولسائر الرسل ماذا نصنع أيها الرجال الإخوة فقال لهم بطرس توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس.... فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس" أعمال 2: 37-41).

وكما عمل الروح في قلوب هؤلاء، عمل كذلك في قلب ليديا بائعة الأرجوان، وحافظ سجن فيليبي، وشعب السامرة، فاختبروا حياة الله، إذ ولدوا من روح الله.

الميلاد الثاني هو اختبار يتمتع به الفرد بالتوبة والإيمان بكفاءة المسيح:

لقد كانت رسالة المسيح واضحة غاية الوضوح وقد لخصها مرقس في الأصحاح الأول من إنجيله فقال "وبعد ما أسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله ويقول قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله. فتوبوا وآمنوا بالإنجيل" (مرقس 1: 14 و15).

"توبوا وآمنوا بالإنجيل".... هذا هو طريق الميلاد الثاني- التوبة والإيمان بالإنجيل. فما هي التوبة وما ضرورتها؟!

التوبة هي أن تعزم على ترك خطاياك كلها معترفاً بها أمام الله من يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقربها ويتركها يرحم" (أم 28: 13) "قلت أعترف للرب بذنبي وأنت رفعت آثام خطيتي" (مز 32: 5).

"ليترك الشرير طريقه ورجل الإثم أفكاره وليتب إلى الرب فيرحمه وإلى إلهنا لأنه يكثر الغفران" (أش 55: 7) "توبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم لكي تأتي أوقات الفرج من وجه الرب" (أعمال 3: 19) "إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون" (لوقا 13: 3).

والتوبة الحقيقية يجب أن تكون مصحوبة بشعور الندم والحزن على الخطايا السالفة، وعلى الحياة القديمة "لأن الحزن الذي يحسب مشيئة الله ينشىء توبة لخلاص بلا ندامة" (2كو 7: 10).

هذه هي التوبة من الناحية السلبية، الإقلاع عن الخطية وتركها دفعة واحدة والاعتراف بها أمام الله، أما من الناحية الإيجابية فيجب أن تصلح ما أفسدته، وأن تعترف بخطئك لمن أسأت إليه، وأن ترد المغتصب لمن سلبته حقه "إن رد الشرير الرهن وعوض عن المغتصب وسلك في فرائض الحياة بلا عمل إثم فإنه حياة يحيا لا يموت" (حزقيال 33: 15).

هكذا فعل زكا العشار بعد أن تقابل مع المسيح، فدعاه إلى بيته، ووقف في وسط أصدقائه يقول للرب "ها أنا يا رب أعطي نصف أموالي للمساكين وإن كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف" (لو 19: 8).

وهكذا فعل مؤمنوا الكنيسة الأولى إذ نقرأ عنهم في سفر الأعمال "وكان كثيرون من الذين آمنوا يأتون مقرين ومخبرين بأفعالهم. وكان كثيرون من الذين يستعلمون السحر يجمعون الكتب ويحرقونها أمام الجميع وحسبوا أثمانها فوجدوها خمسين ألفاً من الفضة" (أعمال 19: 18 و19).

وسأوضح هذا الحق بثلاث حوادث من الحياة الواقعية:

عباس وبائع "الجيلاتي"

عاش في مدينة ملوى شخص اسمه عباس كان مسيحياً بالاسم، ذهب مرة إلى اجتماع تبشيري لغرض غير شريف وقابله الرب هناك ونال اختبار الميلاد الثاني، وقد قابلت صديقاً له وجاء الحديث عن حياة عباس العالية وإخلاصه للمسيح فقال لي صديقه "سأقص عليك حادثة حدثت مع عباس بعد تجديده، فقد كنت أسكن معه في شقة واحدة، وفي يوم ما جاء إليّ ومعه إذن بريد بخمسين قرشاً وقال لي "اسمع ، أتعرف لمن سأرسل هذا الإذن؟ إني سأرسله لبائع "جيلاتي" بأسيوط، كنت قد سرقت منه هذا المبلغ في أيام شرى منذ سنوات، وقد تجددت بالنعمة، وسأرد المسروق إلى صاحبه، هذه القروش الخمسين تلدغني في ضميري كالأفاعي...." قلت له "ولكن البائع قد يأخذ خطابك كمستند ويرسلك إلى السجن كلص" قال عباس "إن سمح الرب بذلك يكون السجن مع المسيح أفضل من الحرية مع الشيطان" وأرسل المسروق إلى صاحبه ولم يسبب البائع له ضرراً، فقد حفظه الرب.

الرجل الذي أحرق بيته

أما الحادثة الثانية، فقد قصها عليَّ المرسل المحترم القس لستر كروس قال "عاش في أمريكا قسيس طائفي اسمه القس همرك، كان هذا القسيس يملك بيتاً، وكان قد أمن على هذا البيت في إحدى شركات التأمين، وفي يوم ما احتاج إلى مبلغ من المال، ولم يستطع أن يحصل عليه، فأحرق بيته بطريقة مخفية، ولم يكتشف أحد ما عمله فاستلم قيمة التأمين على البيت كاملة غير منقوصة. ومرت الأيام وأنفق القس همرك قيمة التأمين، وقد تكلم معه أحد خدام الرب وهو القس جون كروس والد القس لستر كروس فعرف حقيقة حالته الشريرة، ومع أنه قسيس فقد أدرك أنه لم يتجدد بعد، فطلب من الرب أن يجدده وهكذا نال اختبار الميلاد الثاني، وفي الصباح ذهب إلى القس جون كروس وقال له "أريدك أن ترافقني إلى شركة التأمين".

قال القس كروس- لماذا يا أخي؟!

وقص القس همرك عليه قصة حرقة حرقه لبيته واغتصابه قيمة التأمين من الشركة. ثم استطرد "والآن أريدك أن ترافقني لأني سأعترف لمدير الشركة بكل ما حدث....إنني أريد أن أريح ضميري".

قال القس جون "ولكن هل تعرف معنى هذا الاعتراف، هل تعي ما تقول، إن هذا الاعتراف سوف يقودك إلى السجن".

قال القس همرك "أعرف هذا.... ولكنني لن أهدأ إلا إذا فعلته". فذهبا معاً إلى دار شركة التأمين ودخلا معاً إلى غرفة مدير الشركة، وجلس القس همرك فقص كل القصة على مدير الشركة، وسكت قليلاً ثم قال "لقد صرفت قيمة التأمين منذ زمن طويل ولكنني تحت تصرفك يا سيدي لتعمل بي ما تريد".

وساد الصمت لحظة طويلة، ثم رفع مدير الشركة رأسه وقال  "ولكن ما الذي دفعك إلى أن تأتي إليّ وتعترف لي هذا الاعتراف الخطير؟"

قال القس همرك "لقد سلمت قلبي للمسيح فكان لا بد أن أصلح ما أفسدته".

قال مدير الشركة " وهل تؤمن أن المسيح قد غفر خطاياك؟"

قال القس همرك "هذا شيء لا أشك فيه".

قال مدير الشركة "إن كان رب السماء والأرض قد غفر لك خطاياك فأنا أيضاً قد غفرت لك. اذهب في سلام".

فهل رددت المغتصب أيها القارئ العزيز؟! إن رد المغتصب هو أمر جوهري في التوبة الحقيقية.

سامحني يا أخي

ومع ذلك فالتوبة الحقيقة ينبغي أن تشتمل أيضاً على طلب الصفح من الذين أسأنا إليهم، هذا ما عناه الرسول يعقوب حين قال "اعترفوا بعضكم لبعض بالزلات" (يعقوب 5: 16).

كنت أعظ مرة عن قصة عاخان بن كرمى، وتكلمت عن الحقد  والحسد والاحتفاظ بالإساءة في القلب، وقلت إن الاحتفاظ بالإساءة قد يكون هو عاخان الذي يهدم حياتك ويسبب لك الهزيمة، وبعد أن انتهيت من الخدمة رأيت أخاً يتقدم من آخر مقعد في الاجتماع إلى منتصف الاجتماع، وينحني فيقبل شخصاً آخر ويصافحه بيده ثم يقول له "سامحني يا أخي"، وبعد انتهاء الخدمة جاءني الأخ الأول وقال لي "لقد طلبت من صديق المسامحة والعفو لأني لا أريد أن أكون كعاخان في الكنيسة"

"فإن قدمت قربانك إلى المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئاً عليك فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب أولاً اصطلح مع أخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك" (مت 5: 23).

فهل تبت بهذا المعنى أيها القارئ؟ هل اعترفت بالإساءة لمن أسأت إليه وطلبت منه الصفح والغفران؟ هل رددت المغتصب؟ هذه هي التوبة الحقيقية التي تقود إلى الإيمان الصحيح.

بعد التوبة يأتي الإيمان الذي يقبل خلاص المسيح كما يقول يوحنا الرسول "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله".

فهل وثقت بالمسيح كمن غفر خطاياك وحمل آثامك على الصليب؟ أصغ إلى حديث المسيح مع نيقوديموس الفريسي المدقق "كما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 14 و15).

وقصة الحية في البرية هي قصة الأموات الذين ولدوا ثانية بالإيمان البسيط، فقد تذمر إسرائيل في البرية على الله، فأرسل الله عليهم الحيات المحرقة تلدغهم بلدغاتها المميتة فتنتهي حياتهم في لحظات، عندئذ صرخ إسرائيل لله طالباً الرحمة فأمر الله موسى أن يصنع حية نحاسية ويضعها على راية في وسط المحلة، وكل من لدغ ونظر لهذه الحية النحاسية يشفى ويحيا. كانت نظرة واحدة للحية النحاسية تخلص الملدوغ من الموت المحتم، وهكذا أعلن المسيح لنيقوديموس أنه سيرفع على الصليب "لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية".

لقد كان العبراني الذي تلدغه حية، يُحسب في عداد الموتى، إلى أن ينظر إلى الحية النحاسية فيولد من جديد في أرض الأحياء، لأجل هذا نادى الرب بصوته الحنون قائلاً "التفتوا إليّ وأخلصوا يا جميع أقاصي الأرض لأني أنا الله وليس آخر".

فهل التفت للمسيح وقبلت غفرانه بالإيمان البسيط؟ اسمع ماذا يقول واعظ البرية العظيم يوحنا المعمدان "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" هذا هو الذي قال عنه رسول الأمم "فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته" بل هذا هو الذي اختبر يوحنا قوة خلاصه فهتف مردداً "إن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية" (1يو 1: 7).

  • عدد الزيارات: 2841