طريق نوال الميلاد الثاني؟
بعد أن سمع نيقوديموس عن اختبار الميلاد الثاني سأل المسيح قائلاً "كيف يمكن أن يكون هذا؟" كيف يولد الإنسان ثانية؟ كيف يولد من الماء والروح؟ كيف يولد من الروح القدس؟! كيف؟
وسأحاول بإرشاد الله أن أجيب عن هذا السؤال الخطير مستنداً على الحق الواضح المعلن في ثنايا كلمة الله.
1- الميلاد الثاني هو اختبار من فوق:
لقد بدأ السيد حديث مع نيقوديموس بالقول "الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يو 3: 3) وهذه الكلمات تؤكد لنا تأكيداً قاطعاً، أن اختبار الميلاد الثاني لا صلة له بالأرض والأرضيات.
1- إنه ليس بالوراثة
إن اختبار الميلاد الثاني ليس بالوراثة، فالولادة من أبوين مسيحيين لا تعني قط ولا تعطي فقط هذا الاختبار، ولذا فقد قال الرب بفمه الكريم المولود من الجسد جسد هو" (يو 3: 6)
أجل، إن المولود من الجسد لا يرث الميلاد الثاني، لأن "الذي من الأرض هو أرضي" (يو 3: 31)، ولذا فقد صرخ داود وهو مثقل بميراث الخطية قائلاً "هاأنذا بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي" (مزمور 51: 5) فالولادة الطبيعية لا تورثك إلا الخطية والعصيان والعبودية.... فآدم الذي امتلأ بالعصيان "ولد ولداً على شبهه كصورته" (تك 5: 3).
سأل مودي مرة فتاة انجليزية قائلاً "هل أنت مسيحية؟" قالت "بالطبع أنا مسيحية" قال "وكيف نلت الاختبار المسيحي الحي؟" أجابت "لأني ولدت من أبوين مسيحيين..... أنا ولدت مسيحية" قالت مودي "أنت يا فتاتي أول فتاة قابلتها من هذا النوع" قالت بدهشة "هذا غريب، إن هناك كثيرات وكثيرين مثلي" قال المبشر المخلص "لكن يا فتاتي أنا أعلم أن الولادة الجسدية تورثنا الخطية، هكذا قال السيد نفسه "المولود من الجسد جسد هو" وهكذا صرخ داود " هاأنذا بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي" فأنت إذاً يا ابنتي لم تنالي الاختبار المسيحي".
فأحنت الفتاة رأسها وقالت في خجل "نعم يا سيدي إنني لم أتجدد بعد".
نعم يا صديقي القارئ، أنت ابن آدم الساقط، الذي عصى وصية الله، وفي قلبك الطبيعي بذرة العصيان ورثتها من أبويك وهذا الحق الواضح يتأكد لك من كلمات الرسول العظيم "لأنه لا فرق إذا الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله" (رو 3: 22 و23) "بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع" (رو 5: 12).
فهل بعد ذلك تؤمن بأن الميلاد من أبوين مسيحيين يعطي الإنسان اختبار الميلاد الثاني....أذكر دائماً أن "المولود من الجسد جسد هو" (يو 3: 6)
في الأصحاح الأول من إنجيل يوحنا يتحدث الرسول في صراحة فينفي التعليم القائل بأن الميلاد الثاني يعطى بالوراثة، أو بالولادة من أبوين مسيحيين فيقول في سباق حديثه عن الرب يسوع المسيح "إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه. الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله" (يو 1: 11-13)
وفي هذه الآية نفي الوحي الإلهي ما يأتي:
1- حصول الميلاد الثاني عن طريق الوراثة، فقد قال بصراحة ووضوح "ليس من دم" (يو 1: 13).
2- وكذلك نفي حصول هذا الاختبار عن طريق القدرة والإرادة البشرية إذ قال "ولا من مشيئة جسد" (يو 1: 13).
3- وكذلك نفي حصول هذا الاختبار من الاستناد على عمل يعمله لنا أي إنسان فقال "ولا من مشيئة رجل".
وهكذا يتوضح لنا الحق، إن الميلاد الثاني هو "من الله" "من فوق" هو عطية مجانية يعطيها ساكن السماء للذين يأتون إليه بتوبة صادقة كما يقول الرسول " لا بأعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس" (تيطس 3: 5)
فهل نلت اختبار الميلاد الثاني أيها القارئ أم أنت مرتكن على مسيحية وراثية لا تغير القلب ولا تجدد الحياة؟
لقد قال المسيح لليهود مرة "إنكم إن ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي وتعرفون الحق والحق يحرركم" (يو 8: 31- 32) فأجابه اليهود في اعتزاز بأصلهم ووراثتهم قائلين "إننا ذرية إبراهيم ولم نستعبد لأحد قط" وهنا هدم المسيح الاعتقاد بالدين الوراثي بقوله "أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا" (يو 8: 34 و44).
ويوحنا المعمدان يتحدث إلى اليهود الذين اعتمدوا منه قائلاً "اصنعوا أثماراً تليق بالتوبة ولا تبتدئوا تقولون في أنفسكم لنا إبراهيم أباً لأني أقول لكم إن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم" (لوقا 3: 8)
ومن كل هذا يتبين لنا أن الوراثة لا صلة لها باختبار الميلاد الثاني، ففي وسع الوالد المسيحي والأم المسيحية أن يعلما أولادهما عن هذا الاختبار، أما الاختبار ذاته فهو هبة مجانية من الله توهب لطالبها بالإيمان، أنه اختبار سماوي من فوق كما يقول الرسول "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الأموات" (1بط 1: 3).
2- ليس من الأعمال
كتب بولس الرسول إلى أهل أفسس قائلاً "لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله. ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد" (أفسس 2: 8 و9) وفي هاتين الآيتين وضح لنا الرسول أن الميلاد الثاني ليس من الأعمال، فالصوم، والصلاة وإعطاء الصدقات للفقراء كل هذه أشياء حسنة بعد نوال الاختبار لكنها لا تخلص أحداً من سلطان الخطية أو من عقابها، ولو أمكن أن يدخل أي فرد في هذا الوجود إلى السماء بأعماله الطيبة لما كانت هناك أية ضرورة لموت المسيح على الصليب، لأجل ذلك تكلم الله في القديم بوضوح كامل مبيناً لإسرائيل أن الأعمال الطيبة لا تخلص أحداً فقال "من يذبح ثوراً فهو قاتل إنسان. من يذبح شاه فهو ناحر كلب. من يصعد تقدمه يصعد دم خنزير. من أحرق لباناً فهو مبارك وثناً" (أش 66: 3)، وها هو أشعياء يصف البر الذاتي والأعمال الطيبة فيقول "قد صرنا كلنا كنجس وكثوب عدة- أي ثوب مهلهل ممزق- كل أعمال برنا" (أش 64: 6).
وأكثر من ذلك يتكلم الله في سفر أرمياء إلى جماعة المتكلين على الهيكل والدين الأسمى والعبادة الميتة فيقول "هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل.... لا تتكلوا على كلام الكذب قائلين هيكل الرب هيكل الرب هيكل الرب هو.... ها إنكم متكلون على كلام الكذب الذي لا ينفع. أتسرقون وتقتلون وتزنون وتحلفون كذباً وتبخرون للبعل وتسيرون وراء آلهة أخرى لم تعرفوها. ثم تأتون وتقفون أمامي في هذا البيت الذي دعى باسمي عليه وتقولون قد أنقذنا" (أرمياء 7: 3-10).
ومن هذه الآيات نرى أن الأعمال الصالحة، والبر الذاتي، والاتكال على الذهاب للأماكن المقدسة أو الصلاة فيها، كل هذه الأشياء لا تعطي للإنسان اختبار الميلاد الثاني، لأنه اختبار يعطى بالنعمة والإيمان بفاعلية دم المسيح، لأجل ذلك لن نرى في السماء فرداً واحداً يتغنى بأعماله الصالحة، بل سوف نسمع ترنيمات المفديين في المجد الأسنى وهم يترنمون لفاديهم قائلين "مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة وجعلتنا لإلهنا ملوكاً وكهنة" (رؤ 5: 9 و10) نعم سوف تردد أصداء الأبد هذه الكلمات من أفواه أناس تأكدوا أنهم ولدوا الميلاد الثاني بنعمة الله المجددة المغيرة.
- عدد الزيارات: 3514