الدرس الخامس والستون: الوصية العاشرة: أفكارنا الخفية
لقد وصلنا الآن في دراستنا للوصايا العشر إلى الوصية الأخيرة وهي:
"لا تشته بيت قريبك. لا تشته امرأة قريبك ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئاً مما لقريبك".
قد يخال لنا ونحن نقوم بدراستنا لوصايا الله العشر أن الوصايا التي تنظم حياتنا الاجتماعية كانت تتعلق بأعمالنا فقط فعندما يقول لنا في شريعته: لا تقتل. لا تزن. لا تسرق. لا تشهد على قريبك شهادة زور." قد يظهر لنا بأن الله يحرّم الأعمال الشريرة فقط. ولكننا لاحظنا أثناء دراستنا لهذه الوصايا أن الأعمال والأقوال والأفكار وكل ما يؤول إلى التعدي على هذه الوصايا إنما كان ولا يزال محرّماً على الإنسان وعندما نأتي إلى الوصية العاشرة نلاحظ تواً أن الله تعالى أعطانا وصية معينة تظهر ذلك بصورة واضحة لا مجال فيها للشك. ففي الوصية العاشرة يطلب منا الله بأن لا نعطي مجالاً لأية فكرة أو رغبة مخالفة لروح ونص وصيته المقدسة. لأن الأعمال الرديئة والأقوال الشريرة وكل الخطايا الظاهرة للعيان لا تحدث بصورة عفوية بل إنما تظهر نظراً لوجود الشر في قلب الإنسان. القلب هو منبع الشرور والمعاصي والخطايا ولذلك يشير الله في وصيته العاشرة إلى ذلك المصدر قائلاً لكل منا: لا تشته. فالشهوة الجامحة إنما تحدث في عقل وقلب الإنسان ولا يراها أحد إلا الله والإنسان الذي يشتهي. وعندما يقول لنا الله: لا تشته، فإنه إنما يلفت أنظارنا إلى كون وصاياه وصايا روحية وإلى أنه تعالى روح وهو لذلك يعلم بكل ما يحدث في قلوبنا وبكل ما يجول في أفكارنا. فالخطية إذن ليست مسألة سطحية يقدر الإنسان بأن يتغلب عليها بواسطة جهوده أو قواه الخاصة، الخطية كامنة في صُلب حياة الإنسان في قلبه وعقله وسائر نواحي حياته.
لو كان قلب الإنسان نقياً وطاهراً لما ولدت الشهوة الجامحة في حياته ولما فكّر بالتعدي على وصايا الله التي هي نواميس الحياة. لكن قلب الإنسان مشحون بالخطايا والذنوب والآثام- وإن كان الإنسان لا يُقر بذلك في كثير من الأحيان- ولذلك يذّكره الله في الوصية العاشرة بواجبه بألا يشته.
ونلاحظ في هذه الوصية علاقة وثيقة بالوصايا الأخرى. مثلاً عندما يُحرّم الله على الإنسان بأن يشتهي بيت قريبه فهو يشير إلى أن الشهوة لما هو في بيت القريب إنما تولّد التعدي على وصايا أخرى، تلك الوصايا التي تنظم حياة الإنسان في المجتمع وعلاقته مع أقربائه بني البشر. وعندما يقول الله: لا تشته امرأة قريبك فهو يشير إلى أن خطية الزنى إنما تبدأ بالشهوة، وعندما يحرّم الله علينا أن نشتهي مقتنيات القريب فهو يعلمنا بأن خطية السرقة إنما ولدت في تلك الشهوة. وبالفعل نقول أن الوصية العاشرة لها علاقة وثيقة بجميع الوصايا الأخرى حتى تلك التي وردت في اللوح الأول والتي تنظم علاقتنا مع الله بارينا.
ويواجه الإنسان موضوع الوصية العاشرة في كل يوم من حياته وذلك لأنه إن كان يجد أن ارتكاب الخطايا المحرّمة في الوصايا الأخرى أمر يعاقب عليه من قبل السلطان الحكومية، فإن ترك العنان لنفس الإنسان بأن تشتهي كل ما هو للقريب هو أمر خفي لا يعلم به إلا الله، ونظراً لطبيعة الإنسان الخاطئة يسهل جداً للإنسان بأن يترك لنفسه العنان لارتكاب الخطايا التي تأتي تحت موضوع الشهوة.
وبما أن الوصايا الإلهية إنما تعمل على إظهار فقرنا الروحي المدقع وبما أنها تعمل على إرسالنا إلى خارج أنفسنا للحصول على الحرية الروحية التي نحن بحاجة إليها فإنه يجدر بنا ونحن نبحث في موضوع الوصية العاشرة وأفكارنا الخفية الشريرة، أن نسأل أنفسنا: كيف نقدر أن نحصل على الخلاص من حالتنا الروحية المحزنة؟
الجواب هو: الخلاص ممكن، بل الخلاص أكيد بواسطة السيد يسوع المسيح. فعندما نبحث في موضوع الشهوة لا بد لنا من الإقرار بأن الشهوة إنما تدل على وجود فراغ كبير وهائل ضمن حياة الإنسان. لو لم يكن هناك فراغ في حياة الإنسان، لو لم تكن هناك حالة روحية محزنة، لما كان الإنسان يشعر بحاجة إلى أمور ليست في حوزته. وجود الشهوة الدائمة لأمور عديدة لدليل على أن الإنسان بحاجة إلى من يملأه، والفراغ الروحي لا يذهب إن لم يحدث هناك امتلاء روحي شامل. الرب يسوع المسيح هو الذي يعطينا ذلك الامتلاء الروحي الذي يطرد الفراغ الروحي من حياتنا. وكل ما كان مثل السراب الخادع، كل ما كان وهماً نتعلّق به وكأنه الحقيقة يذهب ويتلاشى عندما يأتي المسيح يسوع إلى حياتنا ويعطينا الحياة الممتلئة بالنعمة والقوة الروحية التي تساعدنا على التغلب على جميع الخطايا التي يرد ذكرها في الوصية العاشرة. ودراستنا هذه لوصايا الله العشر تكون قد ساعدتنا جميعاً إن رأينا أن الغاية من إعطائها هي أن نأتي جميعاً إلى المسيح يسوع ونعترف أمامه بفشلنا التام في العيش بمقتضى وصايا الله ونطلب منه أن يحررّنا من ربقة ولعنة الخطية ويعطينا المقدرة للبدء بالعيش حسب إرادة الله. وعندما نؤمن بالمسيح يسوع إيماناً قلبياً ونضع ثقتنا التامة بما قام به على الصليب فإننا نختبر أن الإنسان العتيق (أي طبيعتنا الساقطة) قد صُلب وأننا نختبر جدة الحياة المتحررة والظافرة.
- عدد الزيارات: 4279