الدرس الثاني والخمسون: الحياة التي تُسرّ الله
لاحظنا في درسنا السابق أنه يتوجب علينا في هذه الحياة معرفة تعاستنا وفداحة خطايانا وكذلك اختبار الخلاص العظيم الذي قام به السيد المسيح لإنقاذنا من حالتنا التعيسة. ووصلنا أيضاً إلى القول بأنه يتوجب على جميع الذين نالوا خلاص الرب أن يعيشوا حياة متلائمة مع وضعهم الجديد أي أن يحيوا في هذه الدنيا حياة الشكر والامتنان لله تعالى خالقهم وفاديهم ومجدّدهم.
عندما نقول أن المؤمنين يعيشون حياة الشكر والامتنان أنما نقول في نفس الوقت أن هذه الحياة التي تُسرّ الله تعالى. لأن الله إنما خلق الإنسان لكي يتمجد في مخلوقه وبما أن الإنسان الذي لم يختبر الانقاذ الإلهي لا يقدر أن يبدأ بالحياة حسب غاية الله فإنه يظهر لنا بكل وضوح أن الإنسان الخالص يبدأ فعلياً بالحياة حسب مشيئة الله. هذه هي الحياة التي تُسر الله: العيش بمقتضى مشيئته المقدسة.
وهنا لا بد لنا من القول: كيف نُطبق في حياتنا اليومية هذا المبدأ الأساسي الذي نجده في كلمة الله تعالى؟ كيف نتمكن من العيش بهكذا طريقة حتى أن حياتنا تكون لمجد الله، لا لمجد الإنسان؟ والجواب الذي نجده في الكتاب هو أن الله إنما قد أعطانا دستوراً لتكييف حياتنا وأننا عندما نقوم بالحياة حسب تعاليم هذا الدستور نكون عائشين بطريقة تُسِرّ الله.
وبكلمة أخرى إن الأعمال الصالحة التي يجب أن تنبعث من حياتنا هي أعمال مطابقة للدستور الإلهي المُعلن في كلمة الله. ولكننا ما أن نأتي على ذكر الأعمال الصالحة حتى يجدر بنا أن نتذكر جيداً بأن هذه الأعمال التي يقوم بها المؤمنون ليست هي الأساس الذي يبنى عليه قبولهم لدى الله. الأعمال لا يُنقذ ولا تُخلّص وأعمال المؤمنين الصالحة لا تُنقذ ولا تُخلص وتبقى دوماً أعمالاً غير كاملة وملوثة ببقايا الخطية العالقة بالمؤمنين، تلك البقايا التي لا تتلاشى ولا تضمحل إلا متى انتقل المؤمنون من هذه الحياة إلى حياة النعيم.
وبالفعل نقول أن الأعمال التي يمكن تسميتها بأعمال صالحة يجب أن يتوفر فيها ما يلي:
أولاً: الأعمال الصالحة هي تلك الأعمال المنبعثة عن قلب مؤمن والتي تتفق مع وصايا الله والمسيح يسوع.
ثانياً: الأعمال الصالحة يجب أن تكون من أجل مجد الله وليس لمجد الإنسان الذي يقوم بها.
وفيما يلي بعض الآيات الكتابية التي تبحث في هذا الموضوع الهام:
قال يسوع لتلاميذه: "طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله". (الإنجيل حسب يوحنا الرسول4: 34)
كتب الرسول بولس لأهل الإيمان في مدينة كورنثوس اليونانية: "فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئاً فافعلوا كل شيء لمجد الله" (الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس10: 31).
وقد حذّر الرب يسوع المسيح معاصريه من مغبة الوقوع في خطية الرياء والتظاهر بالتدين عندما قال هذه الكلمات عن الفريسيين وهم جماعة مناوئة له:
"يا مراؤون حسناً تنبأ عنكم اشعياء قائلاً: يقترب إليّ هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً، وباطلاً يعبدونني وهم يعلّمون تعاليم هي وصايا الناس" (الإنجيل حسب متى الرسول15: 7- 9).
وقد ناشد الرسول بولس أهل الإيمان في مدينة أفسس الواقعة في آسيا الصغرى قائلاً:
"فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة. من أجل ذلك لا تكونوا أغبياء بل فاهمين ما هي مشيئة الرب. ولا تسْكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح بل امتلئوا بالروح مُكلّمين بعضكم بعضاً بمزامير وتسابيح وأغاني روحية مترنمين ومرتلين في قلوبكم للرب. شاكرين كل حين على كل شيء في اسم ربنا يسوع المسيح لله الآب. خاضعين بعضكم لبعض في خوف الله" (5: 15- 21).
إن الحياة الجديدة التي يحياها المؤمنون بمعونة روح الله القدوس هي مليئة بأعمال الصلاح والبر والتقوى والتي تُظهر بكل جلاء ووضوح أن الحياة بأسرها وفي سائر نواحيها المتعددة إنما حياة شكر وامتنان، حياة تُسر الله لأنها سائرة حسب قانون الحياة الأسمى: بأن يحيا المؤمنون لمجد الله تعالى اسمه.
- عدد الزيارات: 3383