الدرس الثالث والأربعون: الإيمان والأعمال الصالحة
لقد تعلمنا في درسينا السابقين أن الطريقة الوحيدة لقبولنا لدى الله ولهربنا من غضب الله على الخطية، إن الطريقة الخلاص الوحيدة هي أن نقبل البر المُقَدَّم لنا مجانا في الإنجيل. وقبول هذا البر يجري بواسطة إيمان فردي قلبي. وهكذا وصلنا إلى القول مع الكتاب: إن البار بالإيمان يحيا وهذا يعني أن الإنسان يتبرر بالإيمان وأن حياته الجديدة تستقي حيوتها بصورة مستمرة من الله وبواسطة الإيمان.
هذا التشديد الكبير على أهمية الإيمان والذي نستقيه من الكتاب لا بد أن يجعلنا نفكر ببعض الأمور المتعلقة بالإيمان مثلا ما هي علاقة الإيمان بالعمال؟ وما هي أهمية الأعمال التي يقوم بها البار؟ ونحن إذ نسعى بأن نجيب على هذه الأسئلة نشكر الله لأنه لم يتركنا بدون وحي بخصوص هذا الموضوع بل أن كلمته المقدسة طافحة بالتعاليم التي تُنظم علاقة الإيمان بالأعمال وأهمية الأعمال في حياة المتبررين.
السؤال الأول الذي يجول في خاطرنا قد يكون: بعد أن نكون قد تبررنا بالإيمان هل تصبح أعمالنا (التي نقوم به بمعونة نعمة الله) مقبولة لدى الله لاستحقاقها أي لقيمتها الذاتية؟ الجواب الذي نستقيه من الكتاب هو أن الله يقبل أعمال المتبررين لا نظرا لأنها ذات قيمة ذاتية بل نظرا للإيمان الذي نتجت عنه هذه الأعمال. فإنه يجدر بنا أن نتذكر دوما أن جميع أعمالنا هي في ذاتها متلوثة بالخطية وأن المتبررين لا يصبحون كاملين روحيا وأخلاقيا منذ ساعة تبريرهم بل إن الخطية تبقى عالقة بهم إلى أن ينطلقوا من هذه الحياة. وهكذا إن ظن المتبررون بأن أعمالهم هي في ذاتها ذات قيمة وأن الله يقبلها على سبيل استحقاقها الذاتي فإن المتبررين يكونون على ضلال كبير. الأعمال الصالحة إذن مقبولة لدى الله إن كانت صادرة عن إيمان صحيح، وبدون الإيمان ليس للأعمال أية قيمة وليس لها احتمال بأن تُقبل لدى الله.
وقد قال بصدد ذلك الرسول بولس: " وكل ما ليس من الإيمان فهو خطية" (الرسالة إلى رومية 14: 23).
وأعطانا الرب يسوع تعليما صالحا للغاية بهذا الخصوص والذي إن قبلناه يقضي قضاء مبرما على أية فكرة تُعْطي لأعمال الإنسان المبرر قيمة استحقاقية ذاتية. قال السيد له المجد لتلاميذه:
" ومن منكم له عبد يحرث أو يرعى يقول له إذا دخل من الحقل: تقدم سريعا واتكئ؟ بل ألا يقول له: أعْدِدْ ما أتعشى به وتمنطق واخدمني حتى آكل وأشرب وبعد ذلك تأكل وتشرب أنت. فهل لذلك العبد فضل لأنه فعل ما أُمر به؟ لا أظن. كذلك أنتم أيضا متى فعلتم كل ما أمرتم به فقولوا: إننا عبيد بطالون، لأننا إنما عملنا ما كان يجب علينا" (الإنجيل حسب لوقا 17: 7- 10).
ما فائدة الأعمال الصالحة إذن إن كانت قيمتها متعلقة بالإيمان ولماذا يعدنا الله بان يكافئنا في هذه الحياة وفي الحياة الآتية؟ الجواب هو أن الإيمان هو الذي يولد أو يوجد هذه الأعمال وهو الذي يُعطيها قيمتها ولكن ذلك لا يعني إن الله يكافئنا نظرا لاستحقاقاتنا المزعومة بل نظرا لنعمته. الخلاص يعود لنعمة الله ومكافأة الأعمال الصالحة تعود إلى نعمة الله. ليس الله بملزم أن يكافئنا على أي شيء نقوم به لأننا في أنفسنا لا نستحق المكافأة ولأن المقدرة على القيام بالأعمال الصالحة صادرة عنه تعالى. لأننا إذا تركنا في وهدة الهلاك وفي حمأة الشر علينا غضب الله. ولكن الله يعدنا بالمكافأة ونحن لا ننكر أنه سيكافئ المؤمنين ولكن نعمته تعالى هي سبل المكافأة لا أعمال المؤمنين.
وهناك سؤال آخر يخطر على بالنا ونح نتأمل في موضوع التبرير والأعمال الصالحة. هل من الممكن أن يتبرر إنسان ما بواسطة الإيمان بدون أن يقوم بنفس الوقت على إظهار إيمانه بواسطة أعمال صالحة؟ وبكلمة مختصرة: هل هناك تبرير بواسطة إيمان غير مثمر؟ وجواب الكتاب واضح وصريح للغاية: ليس هناك من إيمان عقيم غير مثمر. الإيمان الذي يبرر الإنسان الخاطئ مصدره الله وهو يُثمر دوما في حياة المتبرر. والخاطئ الذي يتبرر بالإيمان إنما يختبر تغييرا شاملا في حياته وتبريره هذا ليس بنهاية المسعى أو الطريق إنما التبرير هو باب الحياة الجديدة وبدايتها. لا بد لكل من تبرر بالإيمان من أن يُظهر للملأ أن بره هو واقعي وحقيقي لا مجرد أفكار وأوهام. ولذلك نرى أن الكتاب المقدس الذي يُعلمنا عقيدة التبرير بالإيمان يُعلمنا أيضا أن كل من تبرر مدعو من الله لحياة القداسة والطهارة، لحياة مليئة بالأعمال الصالحة، لحياة منسجمة مع وصايا الله وأحكامه ونواميسه. لا يعرف الكتاب المقدس أي طلاق بين الإيمان والحياة، ولا يعترف كتاب الله بإمكانية الحصول على إيمان مبرر بدون أن يكون ذلك الإيمان ظاهرا بأعمال صالحة.
وهذه بعض الآيات الكتابية التي تعلمنا أن المؤمن يُظهر حياته الجديدة بواسطة أعماله:
" وأما الآن إذ أُعْتِقْتُم من الخطية وصِرتم عبيدا لله فلكم ثمركم للقداسة، والنهاية حياة أبدية، لأن أجرة الخطية هي موت وأما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا" (الرسالة إلى رومية 6: 22و 23).
" لأن هذه هي إرادة الله: قداستكم... لأن الله لم يدعنا للنجاسة بل في القداسة..." (الرسالة الأولى إلى أهل تسالونكي 4: 3و 7).
وبعدما علَّمنا الرسول بولس في رسالته إلى أهل أفسس أن الخلاص والتبرير إنما هما بواسطة الإيمان استطرد قائلا:
" لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها" (2: 10).
وهكذا فإن عقيدة التبرير بالأعمال لا تؤدي إلى الإهمال أو التقاعس عن القيام بالأعمال بشرط أن نقبلها كما أعطانا إياها الله في كتابه بدون تحوير أو تغيير. ومتى قبلناها واختبرنا قوتها الفعالة في حياة مليئة بأعمال الخير والصلاح.
- عدد الزيارات: 6091