Skip to main content

الدرس الخامس والعشرون: آلام وموت يسوع المسيح

عندما نعترف بإيماننا المسيحي المبني على تعاليم كلمة الله نأتي على ذكر تجسد ابن الله بواسطة الروح القدس ومن مريم العذراء ثم لا نلبث أن نذكر موضوع آلامه وموته على الصليب.

" وصُلب أيضا عنا على عهد بيلاطس البنطي، تألم وقبر..." وسبب عدم ذكرنا لحوادث حياة يسوع المسيح بين ولادته وآلامه وموته هو أننا في قانون الإيمان نأتي على ذكر الأمور الرئيسية المتعلقة بفدائنا من الخطية والموت. فنحن بذكرنا لموضوع الآلام وموت يسوع المسيح نُظهر أمانتنا لتعاليم الكتاب وخاصة لتعاليم رسل المسيح التي كانت تُظهر بكل جلاء أن سبب مجيء المسيح يسوع إلى العالم إنما كان انجاز العمل الفدائي العظيم الذي رسمه الله في الأزل. ذكر الرسول بولس في رسالته إلى أهل رومية:

" لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصتَ" لا يمكن الكلام مطلقا عن الإيمان المسيحي الرسولي والكتابي إلا بالتشديد على أهمية العمل الخلاصي العظيم الذي أتمه السيد المسيح بآلامه وبموته على الصليب وبقيامته من الأموات.

نأتي للبحث في معنى كلمة " تألم" كما ترد في نص قانون الإيمان بالنسبة للسيد المسيح. نعني بكلمة تألم أن السيد له المجد تألم في جسده وفي روحه أثناء حياته على الأرض وخاصة في نهايتها وإنه تحمل غضب الله على خطايا الجنس البشري ليقدر بواسطة آلامه وتقدمته الكفارية الفريدة بأن يَفْدينا جسدا وروحا من دينونة الله وإن يَكسب لنا أيضا نعمة الله الخلاصية والبر والحياة الأبدية.

وآلام السيد المسيح أثناء حياته على الأرض وفي أسبوع الآلام بصورة خاصة لم تكن إذن منحصرة بآلام الجسد. لو كانت آلام المخلص جسدية فقط لما كانت مختلفة عن آلام الشهداء وغيرهم من الذين ماتوا بسبب أمانتهم لمعتقداتهم الشخصية. كلا، إن آلام المخلص له المجد كانت أكثر من مجرد لام جسدبة، إنها كانت آلام روحية شديدة لا نستطيع مهما عملنا أن نسبر غورها أو أن نتذوقها نحن بنفس الصورة التي تذوقها وكذلك لم تكن آلام السيد المسيح بطريقة الصدفة بل إنها كانت ضمن تدبير الله لخلاص البشر. فتواضع ابن الله وتجسد إنما كان يدل على سيره على الطريق الآلام. ولذلك نقدر أن نقول أنه جاء إلى العالم ليقدم روحه وجسده بالآلام وبذلك يفدي روحي وجسدي من آلام الجحيم. وهذه بعض الآيات الكتابية التي تذكر بموضوع آلام المسيح يسوع:

" فإن المسيح أيضا تألم لأجلنا تاركا لنا مثالا لكي تتَّبعوا خطواته، الذي لم يفعل خطية ولا يوجد في فمه مكر، الذي إذ شئتم لم يكن يشتم عوضا وإذ تألم لم يكن يُهدد بل كان يُسلم لِمن يقضي بعدل، الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبر، الذي بِجلدته شُفيتم، لأنكم كتنم كخراف ضالة لكنكم رجعتم الآن إلى راعي نفوسكم وأسقفها" (رسالة بطرس الرسول الأولى 2: 21- 25).

كتب الرسول بولس قائلا في رسالته الأولى:

" يا أولادي أكتب إليكم هذا لكي لا تُخطئوا. وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب: يسوع المسيح البار وهو كفّارة لخطايانا، ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضا" (2: 1و 2).

وكذلك كتب الرسول في نفس الرسالة:

" بهذا أُظهرت محبة الله فينا: إن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به، في هذا هي المحبة: ليس إننا نحن أحببنا الله بل إنه هو أحبنا وأرسل ابنه كفّارة لخطايانا" (4: 9و 10).

وكتب بولس الرسول في رسالته إلى أهل الإيمان في رومية قائلا:

" متبرّرين بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار برّه من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله" (3: 24و 25).

وعندما نأتي على ذكر بيلاطس البنطي في قانون الإيمان فإننا بذلك نشير إلى أن هذه الحادثة الهامة في حياة المسيح يسوع لم تتم في مكان مجهول أو تحت ظروف غامضة بل في المدينة المقدسة وتحت إشراف ممثل الإمبراطورية الرومانية: الوالي أو الحاكم بيلاطس البنطي. وكذلك هناك إشارة رمزية ذات أهمية كبرى في أن بيلاطس حَكم على المسيح بالموت: إذ أننا كما كنا جميعا مذنبين تجاه المحكمة الإلهية، أراد السيد المسيح أن يظهر أمام حاكم أرضي بالنيابة عنا ولكي يُحكم عليه وهو البريء من كل خطية أو ذنب لينقذنا من دينونة الله التي كنا واقعين تحتها.

نجد هذه الكلمات التي تتعلق بموضوعنا والتي نقتبسها من سفر أعمال الرسل:

" لأنه بالحقيقة اجتمع على فتاك يسوع القدوس الذي مَسَحْته هيرودس وبيلاطس البنطي مع أمم وشعوب اسرائيل ليفعلوا كل ما سبقت فَعَيَّنت يدك ومشورتك أن يكون" (4: 27و 28).

وفي الإنجيل حسب يوحنا نقرأ مايلي:

" فخرج يبلاطس أيضا خارجا وقال لهم: ها أنا أخرجه إليكم لتعلموا أني لست أجد فيه علة واحدة: (19: 4).

وكان النبي أشعياء قبل قرون عديدة من أسبوع الآلام قد تكلم بوحي الروح القدس قائلا:

" لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحمَّلها ونحن حَسِبناه مضروبا نم الله ومذلولا. وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا، تأديب سلامنا عليه، وبِحُبُرِهِ شُفينا" (53: 4و 5).

وكتب الرسول بولس في رسالته9 الثانية إلى أهل كورنثوس:

" إذن نسعى كسفراء عن المسيح تصالحوا مع الله: لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطيةً لأجلنا لنصير نحن برَّ الله فيه" (5: 20و 21).

  • عدد الزيارات: 2952