القيامات: الصف الأرضي
يعنون بذلك، خرافاً أخر، يطلقون عليهم اسم خراف (يهوناداب)، تيمناً بالرجال الذين أقامهم يهوناداب رفيق ياهو الملك، لإبادة عبدة البعل (سفر الملوك الثاني10: 15- 27)- أو خراف الرب الآخر بحسب (إنجيل يوحنا 10: 16)، وهم يخدمون الآن على الأرض كشهود ليهوه، ولكنهم لا يرجون السماء، لأن الوعد الذي أعطي لهم يقتصر فقط على الحياة على هذه الأرض (سنتكلم عن هذا الموضع لاحقاً)، وسيكون لهم الامتياز بأن يُخضعوا الأرض ويحمّلوها، ويملأوها بالنسل، بشرط وحيد هو أن يثبّتوا عملياً أمانتهم كشهود يهوه، وذلك قبل نشوب معركة هرمجدّون. هذه هي القيامة الثانية أو القيامة الأرضية الفضلى كما يسمونها...
إن شهود يهوه كما تقدّم، لا يرجون الذهاب إلى السماء، أي أنه ليس لهم جميعاً الرجاء الواحد، بخلاف مختاري الرب يسوع، الذين وصفهم الرسول بولس أنهم في (رجاء دعوة واحدة) (أفسس4: 4) والمسيح نفسه قال: (ولي خراف أُخر ليست من هذه الحظيرة ينبغي أن آتي بتلك أيضاً فتسمع صوتي وتكون رعية واحدة وراع واحد) (يوحنا10: 16).
عام (1918) جاء المسيح بطريقة غير منظورة وأقام من لهم نصيب في القيامة الأولى، أي القطيع الصغير المؤلف من (144000) عضواً، والذي سيُكمل قريباً بالنافذين من شهود يهوه، وسوف لا يبعثون مطلقاً بالجسد، بل يقومون بالروح، وهذه الكائنات الروحية ستكون مثل المسيح غير المنظورة من الناس... نعم هذه أولى القيامات، والأهم بالنسبة لشهود يهوه.
القيامة الثانية، أي القيامة الأرضية الفضلى، أي الخراف الأخر، الذين يموتون الآن، سيحسبون من صف فعلة الخير، ويتوقع أن يقوموا بعد معركة هرمجدّون بوقت قريب...
إن شهود يهوه يتكلمون عن ثلاث قيامات، تكلمنا عن اثنين منها، والثالثة تدعى القيامة الأرضية العامة، تقتصر هذه القيامة على الذين أثموا عن جهل ومن غير قصد، هؤلاء سيقومون جميعهم بأعداد خيالية، هؤلاء هم الذين لم تعط لهم فرصة في الماضي لسماع كرازة شهود يهوه، فإن هذه البشارة ستقدّم لهم عند قيامتهم، كفرصة أخيرة للتوبة وللانتماء إليهم، وبهذا الانتماء ينالون الحياة الأبدية على هذه الأرض... أما الرافضون الأشرار المقاومون لمقاصدهم، فهم مدّخرون للموت الثاني، وللعذاب في بحيرة النار المتقدة، قبل عودتهم إلى العدم...
ومما لا يخفى على أحد أنه لا وجود في الكتاب المقدس لهذه القيامات الثلاثة التي يدّعونها بل هناك قيامتين فقط لا غير... (لا تتعجبوا من هذا (يقول الرب يسوع) فإنه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة...) (يوحنا 5: 29).
القيامة الأولى أو الاختطاف:
الاختطاف هو تعزية المؤمن وهو في بريّة هذا العالم الفاسد، حيث أن الشر كَثُر، والخطيئة ازدادت كثيراً، الحروب والعنف يملآن الدنيا، كرب أمم بحيرة، الناس يغشى عليهم من خوف وانتظار ما يأتي على المسكونة، رعب الحرب النووية يعم العالم الخ... فما مصير المؤمنين المخلَّصين بدم المسيح، هل أن مصيرهم كالباقين...؟
أبداً أنهم عروس المسيح كما يقول عنهم الرسول بولس: (خطبتكم لرجل واحد لأقدّم عذراء عفيفة للمسيح...) (2كورنثوس11: 2). نعم إنهم عروس للمسيح العريس، وهذه العروس هي بانتظار عريسها الذي سينقذها من الغضب الآتي، أليس هو الذي وعد بفمه المبارك قائلاً: (ومتى ابتدأت هذه تكون فانتصبوا وارفعوا رؤوسكم إلى فوق لأن نجاتكم تقترب...) (لوقا 21: 28).
الحقيقة تقال، بأننا في آخر الأيام قبل الاختطاف، كل الدلائل تشير إلى ذلك، وتقريباً معظم النبوات والعلامات التي أعطيت لنا في الكتاب المقدس قبل مجيء المسيح، قد تمّت على أكمل وجه، إلا واحدة، وهي: مجيء المسيح الثاني لاختطاف كنيسته المحبوبة التي اقتناها بدمه الطاهر. إن الملايين من المؤمنين الراقدين (أي المائتين) سيقومون من القبور، وكذلك الملايين من المؤمنين الأحياء، سيخطفون في اللحظة عينها لملاقاة الرب في الهواء...
للأسف إن معظم الكنائس المسيحية أهملت هذا التعليم المبارك، مع أنعم يردّدون النصوص الكتابية المتعلّقة بهذا الموضوع في كل جنازة، وما أكثرها في أيامنا هذه، ولكنهم عنه غافلون... ألم يحن الوقت كي نلتفت جميعاً كمسيحيين، نحن الذين اجتزنا بضيقات كثيرة، على الأقل إن لم يكن لأجل إيماننا، فذلك لأننا نحمل اسم المسيح، ألم يحن الوقت كي نلتفت إلى كتابنا العزيز، ونستخلص منه العبر والتعاليم والعقائد النافعة لنا روحياً وزمنياً، ولاسيما هذا التعليم العظيم ألا وهو الاختطاف، الذي ليس لنا عنه بديل كمعزٍ، في أيامنا العصيبة هذه التي نمر بها...؟
هذا هو النص الذي يقرأ في جميع الكنائس بدون استثناء عند الجنازة: (ثم لا أريد أن تجهلوا أيها الأخوة من جهة الراقدين (أي الأموات في المسيح) لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم لأنه إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله أيضاً معه فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب أننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب لا نسبق الراقدين لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولاً ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعاً معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء وهكذا نكون كل حين مع الرب لذلك عزّوا بعضكم بعضاً بهذا الكلام...) (1تسالونيكي 4: 13- 18).
نعم إن الاختطاف هو تعزيتنا ورجاؤنا كما يعلّمنا الرسول بولس، نحن الذين آلت إلينا أواخر الدهور... كما أنه يضيف قائلاً: (هوذا سرّ أقوله لكم لا نرقد كلنا (أي إننا لن نموت كلنا) ولكننا كلنا نتغيّر في لحظة في طرفة عين عند البوق الأخير فإنه سيُبَوَّق فيقام الأموات عديمي فساد ونحن نتغيّر...) (1كورنثوس 15: 51- 52).
فلنلاحظ هذا البوق، الذي تردد ذكره في الآيتين، والذي ما هو سوى صرخات المؤمنين في كل مكان، في المواعظ في الكنائس، في توزيع المنشورات الروحية، في الإذاعات، في توزيع الكتاب المقدس... الخ... كل هذه ليست سوى البوق الأخير قبل أن يأتي المنتهى... إنها البشارة التي تعمّ العالم أجمع اليوم، قبل الحدث التاريخي العظيم، الذي سيذهل العالم بأسره، ألا وهو الاختطاف...
لنلاحظ من الكتاب نفسه، آخر علامة من العلامات التي أعطانا إياها المسيح قبل مجيئه حين قال: (... ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم، ثم يأتي المنتهى...) (متى 24: 14).
نعم عند البوق الأخير، سيقوم الراقدون لينضمّوا إلى المسيح، ومن ثم، سيلحق بهم الأحياء لكي يكونوا في كل حين مع الرب المبارك. نعم هذا هو الترتيب الإلهي، هكذا شاءت مشيئته أن يكون، لكي يخلّص كنيسته المحبوبة من الغضب الذي سيحل على المسكونة.
ربما هناك من يسأل: والأحياء غير المؤمنين الباقون على الأرض، ما مصيرهم...؟ (لأنه سيكون ضيق عظيم (يقول الرب) لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون...) (متى 24: 21).
في اليوم التالي من الاختطاف، سيستفيق العالم بذهول، لكي يروا أن الملايين من البشر قد اختفوا من على وجه الأرض، ومنهم الأخ أو الأخت أو الأب أو الأم أو الحبيب الخ... فلم لا تكون عزيزي القارئ من عداد المختطفين، وتخلّص نفسك، وتهرب من الغضب الآتي، وتضمن حياتك الأبدية...؟
الاختطاف هو القيامة الحدث الأولى، التي ستسبق قيامة الأشرار، وليس ثالث لهما، هذا ما يقوله الكتاب، وهكذا نؤمن... فعليه، لن يكون بعد القيامة الأولى فرصة خلاصية ثانية بعد الموت، كما يدعي شهود يهوه بأن الكثيرين سيقومون من الذين لم تعط لهم فرصة لسماع كرازتهم... هناك فرصة واحدة لا غير، ستعطى لليهود الأحياء الباقين للضيقة العظيمة، إذ أن الله سيعود لافتقادهم، كي يرجعوا عن نكرانهم لمسيحهم، وسيصبحون مسيحيين، ولكن هذه المرة وهم في وسط الضيق، حيث سيفنى الثلثان وسيخلص الثلث... (ويكون في كل الأرض يقول الرب: إن ثلثين منهما يقطعان ويموتان والثلث يبقى فيها وأدخل الثلث في النار وأمحّصهم كمحص الفضة وأمتحنهم امتحان الذهب هو يدعو باسمي وأنا أجيبه أقول هو شعبي وهو يقول الرب إلهي...) (زكريا 13: 8- 9).
هذا ما ورد عن الموضوع في العهد القديم، ولكن ما هو رأي الرسول بولس...؟ (فإني لست أريد أيها الأخوة أن تجهلوا هذا السر لئلا تكونوا عند أنفسكم حكماء إن القساوة قد حصلت جزئياً لإسرائيل (أي أنهم رفضوا المسيح يسوع إلى حين بسبب قساوتهم) إلى أن يدخل ملؤ الأمم وهكذا سيخلص جميع اسرائيل...) (رومية 11: 25- 26). هؤلاء هم الـ (144000) الذين تكلم عنهم سفر الرؤيا والذين لم يرضخوا للمسيح الكذاب الذي سيظهر في وسط الضيقة، هؤلاء هم الذين ستفتح أعينهم، ويدركون أن يسوع المسيح الذي جاء منذ حوالي الألفي سنة، هو مسيحهم الحقيقي ومخلصهم الذي صلبوه، هؤلاء هم الذين سيبقون أحياء على الأرض بعد الحرب النووية الطاحنة المسماة في الكتاب بحرب هرمجدّون، والتي ستنهي سبع سنين الضيقة العظيمة، حيث سيأتي المسيح من جديد ليحكم عليهم كملم الملوك ورب الأرباب ولمدة ألف سنة، سيحكم مع ربوات قديّسيه طوال هذه المدة (أي مع الكنيسة المختطفة) (هؤلاء سيحاربون الخروف والخروف (أي المسيح) يغلبهم لأنه رب الأرباب وملك الملوك والذين معه مدعوون ومختارون ومؤمنون...) (رؤيا 17: 14).
في نهاية الألف سنة من حكم المسيح الأرضي، ستبدأ محاكمة الأشرار، فيقومون من الأموات، ويصف الرسول يوحنا هذا المشهد قائلاً: (ورأيت الأموات صغاراً وكباراً واقفين أمام الله وانفتحت أسفار وانفتح سفر آخر هو سفر الحياة ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم وسلّم البحر الأموات الذين فيه وسلّم الموت والهاوية (أي القبور) الأموات الذين فيهما وكل من لم يوجد مكتوباً في سفر الحياة طرح في بحيرة النار...) (رؤيا 20: 12- 15). هذه هي القيامة الثانية... قيامة الدينونة.
عندئذ بعد انتهاء كل هذه المراحل، سيقدّم لنا نحن المفديين، الملكوت الذي وُعدنا به، والذي ذهب الفادي لكي يعده لنا، منذ ما يقارب الألفي سنة... (ثم رأيت سماء جديدة وأرضاً جديدة لأن السماء الأولى والأرض الأولى مضتا والبحر لا يوجد في ما بعد وأنا يوحنا رأيت المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مهيأة كعروس مزيّنة لرجلها وسمعت صوتاً عظيماً من السماء قائلاً: هوذا مسكن الله مع الناس وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعباً والله نفسه يكون معهم إلهاً لهم وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم والموت لا يكون في ما بعد ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد لأن الأمور الأولى قد مضت...) (رؤيا 21: 1- 4).
- عدد الزيارات: 3547