الفصل الحادي عشر: بأيّ إنجيل ينبغي أن نكرز؟
قال المسيح لتلاميذه: "اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (مرقس 16: 15). وإطاعة لهذه الوصية ذهب الرسل والتلاميذ إلى العالم وفي أفواههم بشارة واحدة، بشارة الخلاص بالمسيح. كان محور كلامهم ولبّ إنجيلهم بلا نزاع، شخص الرب يسوع نفسه. فقيل فيهم إنّهم "كانوا يخاطبون اليونانيين مبشّرين بالرب يسوع" (أعمال 11: 20).
واليوم ينادي معشر شهود يهوه ببشارة خاصة يقال لها "بشارة ملكوت 1914 السعيدة". وهذه البشارة هي، حسب زعمهم، مطابقة لما قاله يسوع إنّه سيقوم شهود يهوه ويبشرون وهم على أبواب عالم جديد بإنجيل الملكوت المؤسس، "وإتماماً لهذه النبوّة ينادي شهود يهوه منذ سنة 1914 في كلّ الأرض بأنّ المسيح حاضر في سلطة الملكوت".[129] أما ما كرز به المسيح وأتباعه من بعده مدة عشرين قرناً فقد أصبح لديهم قديم العهد ولا يتناسب مع العصر الذي نعيش فيه باعتبار أنّ الملكوت الذي كرز به قبلاً قد حلّ على الأرض. [130]لذلك تتركّز كرازتهم على مجيء المسيح الثاني و يرون "أن المملكة كانت هي شغل يسوع الشاغل وموضوع كرازته الرئيسي".[131]
الرد: تحذّرنا كلمة الله بالقول: "يوجد قوم يزعجونكم ويريدون أن يحولّوا إنجيل المسيح. ولكن إن بشّرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشّرناكم فليكن أناثيما (أي مرفوضاً)" (غلاطية1: 7 و8). فما هو إذاً الخلاف القائم بين إنجيل شهود يهوه والإنجيل الذي نادى به رسل المسيح وتنادي به الكنيسة اليوم؟
الخلاف كبير جداً، ليس لفظاً بل معنىً. صحيح أنّ المسيحيين يكرزون بملكوت الله، إلاّ إنهم لا يفهمون منه مجرد حكومة تتسلّط على رقاب البشر وتخضعهم لسلطانها. إنما يفهمون منه أموراً أخرى أستعرضها كالآتي:
1 - الكرازة بالملكوت تعني الكرازة بالمسيح لأنها مقترنة بشخصه. نقرأ: "فانحدر فيلبس إلى مدينة من السامرة وكان يكرز لهم بالمسيح...وهو يبشّر بالأمور المختصة بملكوت الله وباسم يسوع المسيح" (أعمال 8: 5، 12). وكان عمل الرسول بولس "كارزاً بملكوت الله ومعلّماً بأمر الرب يسوع المسيح بكلّ مجاهرة بلا مانع" (أعمال 28: 31). وقد كان يبشّر بين الأمم "بغنى المسيح الذي لا يستقصى" (أفسس 3: 8). ولم يكن ليحشو أدمغة الناس بكلام عن حكومة ستؤسس سنة 1914، بل كان "يشرح لهم شاهداً بملكوت الله ومقنعاًً إياهم من موسى والأنبياء بأمر يسوع من الصباح إلى المساء" (أعمال 28: 23). وهو الذي صرّح أنه لم يعزم أن يعرف شيئاً بين المؤمنين "إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً" (1 كورنثوس 2: 2). لذلك سمّى الإنجيل الذي نادى به "إنجيل مجد المسيح" (2كورنثوس 4: 4).
العبارة لا تروق لجماعة شهود يهوه لأنها تظهر مجد المسيح وتضعه في مركز واحد مع الله، فانبغى عليهم التمويه. في حال اقتران البشارة بالله ترجموها "بشارة الله"، لكن في حال اقترانها بالمسيح رفعوا ضمير الملكية فأصبحت "بشارة عن المسيح" وليس "بشارة المسيح". نقارن ترجمتهم مع مجمل الترجمات العربية الماخوذة عن الأصل اليوناني:
فندايك: "إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ".
الكاثوليكية: "نورَ بِشارةِ مَجْدِ المسيح".
المشتركة: "نُورَ البِشارَةِ بِمَجدِ المَسيحِ".
البولسية: " إِنجيلِ مَجْدِ المَسيحِ".
الحياة: "الإِنْجِيلِ الْمُخْتَصِّ بِمَجْدِ الْمَسِيحِ".
العالم الجديد: "إنارة البشارة المجيدة عن المسيح".
ومثالاً آخر على هذا التمويه من 1 بطرس 4: 17 حيث جاء القول: "فما هي نهاية الذين لا يطيعون إنجيل الله؟"، وهو القول الذي نقلوه بكل تدقيق. أما القول في 2 تسالونيكي 1: 8 "لا يطيعيون إنجيل ربنا يسوع المسيح" فقد حوّلوه إلى "لا يطيعون البشارة عن ربنا يسوع المسيح". هكذا فعلوا في كل المواضع حيث اقترنت البشارة باسم يسوع.
2 - الكرازة بالملكوت هي الكرازة بخلاص المسيح. فالكنيسة تؤمن بأن شغل المسيح الشاغل لم يكن الملكوت والحكم، بل خلاص البشرية الهالكة. وهذا الخلاص كان السرور الموضوع أمامه الذي من أجله "أحتمل الصليب مستهيناً بالخزي" (عبرانيين 12: 2). وهو الذي قال أيضاً بحق: "لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلّص ما قد هلك" (لوقا 19: 10)؛ "كما أن ابن الإنسان لم يأت ليُخدم بل ليَخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (متى 20: 28). وعن ساعة صلبه وموته قال: "لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة" (يوحنا 12: 27).
3 - الكرازة بالملكوت هي الكرازة بالتوبة. تُعتبر التوبة إحدى الأركان الأساسية لبشارة ملكوت الله، ولذا استهل الرب ويوحنا المعمدان كرازتهما بها (متى 3: 1و2؛ 4: 17). وحين أمر الرب تلاميذه بالذهاب إلى العالم أجمع أوصاهم بأن يكرزوا "باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم" (لوقا 24: 47). وهكذا كان، إذ أطاع التلاميذ أمر سيّدهم ونادوا حيثما ذهبوا: "توبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم" (أعمال 3: 19).
شتّان ما بين الإنجيل الذي يكرز به شهود يهوه وإنجيل مجد المسيح الذي تكرز به الكنيسة اليوم. هم يكرزون بملكوت 1914، "ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوباً...بالمسيح قوة الله وحكمة الله" (1كورنثوس1: 23 و24). "فإننا لسنا نكرز بأنفسنا (بأفكارنا وتفاسيرنا ومعتقداتنا) بل بالمسيح يسوع رباً" (2 كورنثوس 4: 5)، لأننا نؤمن بأنّ لب الإنجيل هو شخص المسيح بحبه وتعليمه وتضحيته.
- عدد الزيارات: 6471