الفصل الثامن: القيامة والدينونة
كما مر بنا، أنكروا خلود النفس البشرية؛ وعليه اضطروا إلى نكران العذاب الأبدي الذي لا وجود له من غير خلود. وبما أن الكتاب المقدس يتحدّث بإسهاب عن قيامة للأموات ويوم دينونة للأشرار، جاء السؤال التالي يعترض سبيلهم: لماذا يقوم الأشرار ليدانوا إن كانت الدينونة تعني مجرد الموت والعودة إلى التراب؟ وهنا أنهك قادة برج المراقبة أدمغتهم لاختراع الفتاوى المناسبة لتعليل أمر القيامة والدينونة.
قيامة الأبرار وقيامة الأشرار
قالوا: "الصالحون والأشرار سيقامون من المدفن العام ويحصلون على فرصة الأهلية للحياة الأبدية في الفردوس المسترد على الأرض." [106]
قلنا: إنهم يخلطون بين قيامة الأبرار وقيامة الأشرار ويجعلون منها قيامة واحدة، فيما يميّز الوحي بينهما بالقول: "وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون هؤلاء إلى الحياة الأبدية وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبدي" (دانيال12: 2). "فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السّيئات إلى قيامة الدينونة" (يوحنا5: 29). وإن كانت القيامة من نصيب الفريقين، أبراراً وأشراراً، فإنّما الحياة الأبدية هي من نصيب الفريق الأول دون الثاني. ونفهم من كلمة الله أنّه يقوم فارق زمني بين القيامتين: "فعاشوا (أي المؤمنون) وملكوا مع المسيح ألف سنة. وأما بقية الأموات فلم تعش حتى تتم الألف سنة. هذه القيامة الأولى. مبارك ومقدّس من له نصيب في القيامة الأولى" (رؤيا 20: 4-6).
اعتراض: "إنّ الآثمة الذين فعلوا السيّئات في الماضي والذين يقومون للدينونة، سيقومون ليواجهوا إمكانية الحصول على الحياة الأبدية على الأرض تحت رعاية الملكوت- ولا أحد من هؤلاء يُقام لمجرّد أن يدان...ففي البيئة البارة في ظل الملكوت ستجري مساعدتهم ليجعلوا حياتهم على انسجام مع طرق يهوه. وهكذا...تكون قيامتهم قيامة حياة".[107]
الرد: لا يسوغ لنا الاعتقاد أنّ الخاطئ الذي لم ينسجم مع طرق الله في هذه الحياة، سيكون بمقدوره أن ينسجم معها في الملكوت القادم، إذ ليس للملكوت الأرضي تأثير أو سلطان في تغيير حياة الإنسان. ولو كان الخطاة يقومون فعلاً ليحيوا في ملكوت الله لتحوّل الملكوت إلى جحيم حرفي.
تُبيّن لنا كلمة الله بكلّ وضوح أنّه لا فرصة لنجاة الأشرار بعد الموت ولا إمكانية للرجوع من وراء القبر لمن يموت في خطاياه من دون المسيح. وألّخص أسباب عدم قيامة الأشرار للحياة في أربع نقاط جوهرية:
1- إنّ قيامة الحياة هي رجاء المؤمن بالمسيح دون سواه. وعلى هذا الرجاء رقد الآباء القديسون في كل العصور. "وآخرون عُذّبوا ولم يقبلوا النجاة لكي ينالوا قيامة أفضل" (عبرانيين 11: 35).
2- إنّه أمر يتعارض مع عدالة الله، أن يقوم الخاطئ، الذي ازدرى بمحبة المسيح وخلاصه، لكي يحيا مع المؤمن بالمسيح في ملكوت واحد "لأنّه أيّة خلطة للبرّ والإثم. وأيّة شركة للنور مع الظلمة" (2كورنثوس 6: 14).
3- إنّ أجساد المقامين للحياة تتغير لتكون على على صورة جسد المسيح الممجد (فيلبي3: 21). فإن كان المؤمن وغير المؤمن يقومان معاً ليلبسا صورة المسيح، فأيّ امتياز للمؤمن عن غيره؟ يقول الكتاب: "لا تضلّوا، لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون...يرثون ملكوت الله" (1كورنثوس6: 9 و10).
اعتراض: "طبعاً لن يقام الذين عاشوا في ما مضى. فقد ارتكب بعضهم خطايا لا يمكن أن تُغتفر".[108]
الرد: إنّ ذبيحة المسيح لا تعجز عن التكفير عن الخطايا الكبيرة؛ فمن الخطأ القول بأن الذين ارتكبوا الخطايا الكبيرة كالقتل والزنا لن يقوموا، بينما الكذبة وأصحاب الخطايا الصغيرة سيتمتّعون بالقيامة. بَيدَ أن قيامة الحياة هي من نصيب المقدّسين بدم المسيح. أمّا غير المقدّسين، مهما كبرت خطاياهم أو صغرت، فسيقامون ليدانوا كلّ واحد بحسب أعماله. ومع أنّ عقاب أصحاب الخطايا الصغيرة سيكون أكثر احتمالاً، إنّما يبقى أصغر عقاب هو النار الأبدية (رؤيا 20: 15؛ 21: 8).
يوم الدينونة
قالوا: إنّ الخطاة"سيدانون لا بحسب أعمالهم في أثناء نظام الأشياء الحاضر...بل بحسب أعمالهم في نظام الأشياء الجديد، أي بعد تقييد الشيطان وسجنه ...ولن تكون هنالك حاجة إلى مراجعة سجلّ حياتهم الماضية في الجسد، لأنّ القضاة *في السماء يعرفون جيّداً أنّ حياة الناس الماضية – حياة الخطية والنقص- قد دانتهم سابقاً، ولكن المسيح مات ذبيحة فدائية ليرفع عن الجنس البشري الخطية والنقص وعقابهما."[109]
الرد: أرى أنهم يشاركون الشيطان ريائه بإبعادهم عن الخطاة شبح الموت وما يليه، فيصوّرون الموت في أشكال مطمئنة ويصفونه بكلمات مغشوشة لكي يفوّتوا على الخطاة فرصة التوبة والاستعداد للأبدية. فإنهم بأقوالهم هذه يحاولون:
1- تبطيل أهمية الإيمان بذبيحة المسيح، إذ إن هذه الذبيحة – على حد قولهم - رفعت خطايا المؤمنين بها، وغير المؤمنين على حد سواء.
-------------------------------
*من بين هؤلاء القضاة قادة جمعية برج المراقبة، جماعة "العبد الأمين الحكيم"
2- تبطيل عمل الكرازة بالتوبة، فالخاطئ لا يحتاج إلى التوبة الآن لأنه ستُعطى له فرصة أخرى في ملكوت الله. ويصدق فيهم قول الكتاب "ويشدّدون أيادي فاعلي الشر حتى لا يرجعوا الواحد عن شرّه...ويقولون لكل من يسير في عناد قلبه لا يأتي عليكم شر" (أرميا 23: 14، 17).
قال الرب يسوع: "مَن آمن واعتمد خلص ومَن لم يؤمن يُدن" (مرقس16: 16). واستناداً إلى كلامه الصادق والأمين هذا، نقول إنّ الذين يرفضون المسيح رباً ومخلّصاً اليوم سيقفون – شاء شهود يهوه أم أبوا- أمام القضاء الإلهي في يوم الدين لينالوا القصاص بحسب ما اقترفوا من خطايا. وكتاب الله مليء بالآيات التي تؤكّد وجود يوم الدين.
قالوا: "هل فكرت مرة كيف سيكون يوم الدينونة؟...فكلمة الله لا تذكر أن هذا اليوم سيكون يوما مخيفا، بل تقول انه يوم رجاء وودّ ".[110]
لنقارن يوم الدينونة مع "يوم الرجاء والود" الذي ينادون به:
"هوذا يوم الرب قادم قاسياً بسخط وحموّ غضب ليجعل الأرض خراباً ويبيد منها خطاتها ... وأعاقب المسكونة على شرّها والمنافقين على إثمهم" (أشعياء 13: 9، 11).
"فهوذا يأتي اليوم المتّقد كالتنور وكلّ المستكبرين وكلّ فاعلي الشر يكونون قشاً ويحرقهم اليوم الآتي، قال رب الجنود فلا يبقى لهم أصلاً ولا فرعاً" (ملاخي 4: 1).
"فالله الآن يأمر جميع الناس في كلّ مكان أن يتوبوا...لأنّه أقام يوماً هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل" (أعمال 17: 30 و31).
"ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضباً في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة التي سيجازي كلّ واحد حسب أعماله" (رومية 2: 5 و6).
"هوذا جاء الرب في ربوات قديسيه. ليصنع دينونة على الجميع ويعاقب جميع فجّارهم على جميع أعمال فجورهم" (يهوذا 14 و15).
لا رجاء في يوم الدينونة لمن استهان بخلاص المسيح واحتقر فداءه، بل عقاب مخيف. ونسألهم: لماذا يتكلّم الكتاب المقدس عن يوم الدينونة ما دام الخطاة لا يدانون؟
جوابهم: "سيُقامون ويحظون بفرصة التعلم عن الله وخدمته. فخلال فترة ألف سنة، سيُقام الموتى وسينضمون إلى البشر الأمناء على الأرض ليخدموا هم أيضا يهوه. وكم سيكون ذلك مفرحا! ويدعو الكتاب المقدس تلك الفترة يوم الدينونة ...وخلال هذا اليوم، سيحظى بلايين الناس بالفرصة ليتعلموا للمرة الأولى مشيئة الله ويطبقوها. وهذا يعني أن عمل تعليم ضخما جدا - وسيزيل الخطية تدريجيا من عقولنا وأجسادنا. وسنصير بشرا كاملين".[111]
يوم دينونة طوله ألف سنة! فيه يخدم الخطاة يهوه، وتعطى فرصة الحياة الأبدية لمن سرق وقتل وزنى ورفض خلاص المسيح واضطهد خدامه، وهؤلاء ستعلّمهم منظمة برج المراقبة عن يهوه في ظل حكم المسيا. بالحقيقة، هذا ليس ملكوت المسيح وإنما الجحيم بعينه. ورُبَّ سائلٍ يقول: كيف وصلوا إلى هذا الاستنتاج؟ بالطبع لا يصعب على تلاميذ رصل، أن يخرجوا بالتأويل المناسب ليوم الدينونة ويدعموه بآية من الكتاب المقدس. وقد وجدوا ضالّتهم المنشودة هذه المرة في قول الرسول: "إنّ يوماً واحداً عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد" (2 بطرس 3: 8).
رغم ذلك تبقى محاولاتهم لطمس الحقائق المتعلّقة بدينونة الأشرار غير مجدية. فكلمة الله واضحة وجلية في هذه المسألة وتؤكد، أن فرص التوبة تسبق الموت أما بعده فتنعدم. كما أن تجديد المؤمنين وتخليص الجسد من الخطية وقوتها هو عمل يبدأ بالإيمان بالمسيح وتسليم الحياة له و"بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس" ( تيطس 3 : 5 )، وسينتهي فور لقاء المؤمن بالمسيح، " فإنه سيبوق فيقام الأموات عديمي فساد ونحن نتغيّر. لأن هذا الفاسد لا بد أن يلبس عدم فساد وهذا المائت يلبس عدم موت" ( 1 كورنثوس 15: 52) "نعلم أنه إذا أظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو" ( 1 يوحنا 3: 2 ).
الحق في كلمة الله واضح لكل من يبحث عنه، وإن كانوا قد أفلحوا بعض الشيء في إقناع البعض بتفاسيرهم الجوفاء، فإنّ النجاح لن يظلّ حليفهم "لأنّ حمقهم سيكون واضحاً للجميع" (2تيموثاوس 3: 9).
- عدد الزيارات: 7351