إصحاح 5، آية 2
2-"أنا نائمة وقلبي مستيقظ. صوت حبيبي قارعا. افتحي لي يا أختي يا حبيبتي يا حما متي يا كاملتي لان رأسي امتلأ من الطل وقصصي من ندى الليل".
وصلنا الآن _ في تأملاتنا في هذا السفر _ إلى قسم جديد يتحدث إلينا عن ناحية اختبارية محزنة، ففي الجزء السابق لهذا القسم رأينا العروس في كمال الغبطة والهناء متمتعة بالشركة السعيدة مع عريسها وحبيبها، الأمر الذي نختبره كثيرا في شركتنا الخاصة وبالأكثر في اجتماعاتنا، ولكن سرعان ما تغير المشهد هنا، فما انتهت الوليمة وفرغت العروس من العشاء حتى تبدل الحال فإذا بها تقول "أنا نائمة" وأننا نرى هذه الصورة بكيفية جلية في العهد الجديد، إذ ما أكبر الفرق بين الرسالة إلى الكنيسة في أفسس، ورسالة الرب لها في سفر الرؤيا (ص2: 1-7) ففي الأولى نرى ثمار النعمة الجميلة وعمل الروح القدس في مؤمني أفسس بصورة بهيجة، بينما في الثانية نرى تلك الكنيسة في سقوطها إذ تركت محبتها الأولى. صحيح أنه بقي فيها الكثير من ثمار النعمة التي لم يتجاهلها الرب (رؤ2: 2و3و6) ولكنها فقدت الينبوع المقدس _ المحبة التي يريدها الرب قبل كل شيء.
لقد مر بنا في الإصحاح الرابع من هذا السفر ان العروس هي "جنة". . "ينبوع" . "بئر مياه حية" فقد كانت تتدفق منها عواطف المحبة القوية والغيرة الروحية المقدسة _ الأشياء الحلوة التي فقدتها في ص5: 2و3. لقد كانت نائمة ولكنها مع ذلك استطاعت ان تقول "قلبي مستيقظ" فان الرب لم يزل حبيبها الذي لا زالت تميز صوته "صوت حبيبي قارعا" ولا زالت لديها بقية من العواطف الصادقة من نحوه. أنها لا ترى هنا في حالة شر أو دنس ولكنها مع ذلك قد فقدت قوتها الروحية ونشاطها "أنا نائمة (ولكن) قلبي مستيقظ" أنها في حالة قلق وعدم اطمئنان، القلب يحن إلى المسيح ولكنها ليست تميل لان تجهد نفسه من أجله، ويا لها من حالة محزنة ان يقف العريس المبارك على الباب ويقرع! ولكنه ليس أمر غريب بكل أسف، فقد يكون المؤمن سليما في قلبه، لكنه إذ يصل إلى حالة التبلد والخمول والنعاس الروحي فان واجباته الروحية تصبح ثقلا على كاهله، فأما أنه يهملها إطلاقا أو أنه يتممها ببرودة، وهذا معنى قول العروس "أنا نائمة (ولكن) قلبي مستيقظ" فلا هي نائمة ولا هي مستيقظ. ضميرها نائم ولكن قلبه في حالة يقظة، ومن ثم فهي لا تجد لنفسها راحة وانتعاشا، وما أتعس حالة كهذه! أنها بكل أسف صورة مؤلمة لكثير من أولاد الله الذين كان ينبغي ان يكونوا مشرقين سعداء وممنطقين أبدا لأداء أي خدمة للمسيح وللنفوس الخالدة.
* * *
والآن هي بنا نتحول إلى الناحية اللامعة المباركة من المشهد الذي أمامنا لنرى هل تغير الرب بسبب تغير العروس. ان عدم الإيمان يجرؤ على القول بأنه تغير، وعندئذ تمتلئ النفس أفكارا خاطئة عن المسيح، ولكن هل استطاع حقيقة جفاء العروس وعدم اكتراثها ان يغير من عواطفه نحوها؟ ان محبة المسيح من نحو عروسه لن تتغير لحظة واحدة برغم من فتور محبتها، وان كلمات العروس نفسها تؤيد هذه الحقيقة فمع أنها كانت نائمة لكنها استطاعت ان تعرف شخصه، وتميز صوته داعية إياه "حبيبي" نعم ما تزال فيها الحياة التي تستمع إلى ذلك الصوت برغم خيبتها فتقول "صوت حبيبي قارعا. افتحي لي يا أختي يا حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي" وهنا نرى صورة المؤمن المسكين المتغير كما صورة المخلص الذي لن يتغير.
حقا ان كلمات العريس لعروسه الواهنة الضالة، كلها محبة صابرة مؤثرة، فعوض ان يتهمها بالجحود والجمود، نراه يخاطبها بأعذب العبارات وأرق الكلمات أكثر من أي مناسبة أخرى قائلا لها "افتحي لي يا أختي يا حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي" أنه ما من مرة قبل هذه خاطبها بمجموعة كهذه من أساليب الإعزاز والمودة، أو ليس عجيبا ان يناديها بهذه الكلمات "يا كاملتي" أي أنها الكاملة التي لم تتدنس قط؟ كان الرب قد أحتفظ بهذه الصفة ليوم فشلها العميق وخيبتها الواضحة، كما أنه لم يسبق إشارة من قبل إلى "الطل" الثقيل أو إلى "ندى الليل" الذي غطاه وهو في طريقه إلى العروس، فكأنه يتوسل إليها بحق ما عاناه في هذا الطريق، وما أعظم ما يتوسل به فكأنه يتوسل إليها بما قاساه لأجلها من أحزان جثسيماني ومن وحشة الجلجثة. أنه يناشدها بحق عظمة حبه الذي لم يعطيه شيئا مما لاقاه في ذلك الطريق المرسوم أمامه. هذه هي محبة المسيح للضال العاثر ليتنا ننعم النظر فيها، وليتنا نقدر ذلك القلب الفريد الذي ليس فيه "تغير أو ظل دوران"، فنـزداد قربا إلى ذلك القلب المحب الودود الذي لا يتغير.
* * *
- عدد الزيارات: 3397