إصحاح 3، آية 1
1-"في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي طلبته فما وجدته"
رأينا مما تقدم كيف ان العروس طلبت إلى عريسها وحبيبها ان يمتعها بقربه إليها ويبهجها بعشرته المقدسة إلى النهاية _"إلى ان يفيح النهار" بل أكثر من ذلك كان هو لها كصرة المر "بين ثديي يبيت" إلا أننا نراها هنا مع أسف شديد قد فقدت الإحساس بقربه، وعندئذ وجدت نفسها في ظلمة قاتمة. "في الليل". لا شك أنها من ناحية الخلاص كانت مطمئنة تماما كما أنه كانت لها العواطف المحبة له "من تحبه نفسي" إلا أنها ليست متمتعة ببهجة الخلاص ولا بفرح الشركة معه، ولا ريب في ان النفس وهي في حالة الظلام تحس كما لو كان المسيح تحول عنها لكن الواقع هو ان النفس هي التي تحولت عن المسيح. ان الرب _تبارك اسمه هو هو "لا أهملك ولا أتركك". "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر". "ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" إنما التغيير في شركتنا معه وتمتعنا به مرجعه إلينا نحن، أما إذا كانت عيوننا مثبتة على شخصه العزيز، وكان هو غايتنا ومركز تفكيرنا حينئذ نمتلئ نفوسنا نورا وفرحا.
* * *
"طلبت من تحبه نفسي طلبته فما وجدته" ان أمر ربنا الصريح هو: "اطلبوا تجدوا... ومن يطلب يجد" (مت7: 7و8) غير ان الأمر كان على النقيض مع العروس فأنها طلبت حبيبها فلم تجده، ذلك لأنها طلبته وهي على فراشها، أعني في حالة التراخي والفتور والنوم الروحي "تطلبون ولستم تأخذون لأنكم تطلبون رديا لكي تنفقوا في لذاتكم"(يع4: 3). صحيح أنه حسن ولائق جدا ان تكون لنا تأملات روحية في حالة الهدوء _ على فراش النوم وفي سكون الليل "إذ ذكرتك على فراشي في السهد ألهج بك"(مز63: 6). "بنفسي اشتهيك في الليل" (أش26: 9) إلا ان طلب العريس والسير برفقته والركض وراءه يحتاج من الناحية الأخرى إلى يقظة الحياة الروحية. ان من يطلب الرب وهو على فراشه _ في حالة الخمول والتراخي لن يجده إلا إذا استيقظ من نومه وأفاق من خموله الروحي "لذلك يقول استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضئ لك المسيح"(أف5: 14)
ان كان المسيح يصرح مرارا وتكرار في هذا السفر الصغير بمحبته للعروس وبشبع قلبه بها فان هذا عين ما نراه بكل وضوح في كل أجزاء الكتاب المقدس الأخرى. ألم يجد منذ البدء لذاته "مع بني أدم"؟ وفي النهاية _ في المجد الأبدي أفلا يشبع عند ما يرى من تعب نفسه لأجلنا؟ (أم8 وأش53). ان كان الخاطئ المسكين يجد شبع في الرب المبارك فأنه هو، له المجد يجد شبع أعظم في ذلك الخاطئ المسكين. ان كانت المرأة السامرية قد نسيت جرتها عند البئر لأجله فهو أيضا نسى عطشه لأجلها، لا بل يعبر عن شبعه بهذه الخاطئة بقوله للتلاميذ "أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم"(يو4: 32) فكان وجود الخاطئ المسكين في علاقة معه هو وليمة فرح لقلب الرب "فنأكل ونفرح لان ابني هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد"(لو15: 23و24) وكما ان رجوع الخاطئ مصدر شبع وفرح لقلب الرب، كذلك سلوك المؤمن في رضى الرب هو أمر له قيمته عنده له المجد. ان عيني الرب تتطلعان إلى سلوك قديسيه في زينة مقدسة. أليس "الروح الوديع الهادئ" هو قدام الله "كثير الثمن"؟ ان سلوك المؤمن في نقاوة القلب وقداسة والسيرة هو مسر ومشبع لقلب الرب ". . . . ونطلب إليكم في الرب يسوع ان تسلكوا وترضوا الله" بل "تزدادون أكثر" (1تس4: 1) وهل هناك ما يدل على سرور قلب الرب وشبعه بنا ورضاه علينا أكثر من وعده الكريم "الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني. والذي يحبني يحبه أبي وأنا أحبه وأظهر له ذاتي. . . . يحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منـزلا"؟ (يو14: 21و23) أفليس هذا كافيا لان ينشطنا ويحفزنا على طلب الرب برغبة قلبية صادقة وبحرارة روحية مقدسة؟ "جميعكم أبناء نور وأبناء نهار لسنا في ليل ولا ظلمة. فلا ننم إذا كالباقين بل لنسهر ونصح. . . فلنصح لابسين درع الإيمان والمحبة وخوذة هي رجاء الخلاص"(1تس5: 5و6و8).
* * *
ان عروس المسيا _ البقية التقية لا ترى هنا بأنها قد وصلت إلى امتلاك البركة في الزمن الألفي السعيد عندما ترى بعينيها "الملك في بهائه" بل ترى في ظلمة الليل "في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي طلبته فما وجدته ". أنها لصورة قاتمة حقا، ولكن العروس لن تفقد ثقتها في عريسها لان الرب سيشدد ويقوي إيمانها "من منكم خائف الرب سامع لصوت عبده. من الذي يسلك في الظلمات ولا نور له. فليتكل على اسم الرب ويستند إلى إلهه"(أش50: 10و11) لا بل أكثر من ذلك فأنها بالرغم من آلامها فان قلبها سيكون مليئا بالمحبة له "من تحبه نفسي"
* * *
- عدد الزيارات: 3715