Skip to main content

الفصل الثاني عشر - وقت النهاية

يجدر بنا وقد وصلنا إلى آخر إصحاحات سفر دانيال أن نضع في أذهاننا أن الرؤيا التي سجلها دانيال في الإصحاح العاشر، واستمر في سردها في الإصحاح الحادي عشر، ما زالت مستمرة في هذا الإصحاح الثاني عشر الذي ينتهي به السفر.

ونعترف أن هذه الرؤيا العجيبة بأحداثها المتداخلة مليئة بالكثير من الأمور المحيرة.

يبدأ الإصحاح الثاني عشر بالكلمات "وفي ذلك الوقت يقوم ميخائيل الرئيس العظيم القائم لبني شعبك ويكون زمان ضيق لم يكن منذ كانت أمة إلى ذلك الوقت وفي ذلك الوقت ينجي شعبك كل من يوجد مكتوباً في السفر" (دانيال 12: 1)

"في ذلك الوقت"

أي وقت ذلك الوقت؟

يقيناً أنه وقت النهاية الذي ذكره الملاك بكلماته "ففي وقت النهاية يحاربه ملك الجنوب" (دانيال 11: 40)

إذاً فالأحداث المذكورة في هذه الرؤيا تصل بنا إلى وقت النهاية، الوقت الذي فيه سيأتي الرب يسوع المسيح ليقيم ملكه السعيد على الأرض.

في ذلك الوقت تحدث ثلاثة أمور هامة.

/1/- يقوم ميخائيل الرئيس العظيم.

/2/- يكون زمان ضيق لم يكن منذ كانت أمة.

/3/- ينجي من شعب إسرائيل كل من يوجد مكتوباً في السفر.


ميخائيل الرئيس العظيم

يعطي سفر دانيال "للملاك ميخائيل" اسمين. الأول: إنه واحد من الرؤساء الأولين "وهوذا ميخائيل واحد من الرؤساء الأولين جاء لإعانتي" (دانيال 10: 13). والثاني: إنه "الرئيس العظيم القائم للشعب القديم"، "وفي ذلك الوقت يقوم ميخائيل الرئيس العظيم القائم لبني شعبك" (دانيال 12: 1).

ومن حديث سفر دانيال عن "جبرائيل" و"ميخائيل" يمكننا أن نعرف أن الملائكة ذوي رتب مختلفة، وذوي تخصصات مختلفة كذلك. وكما نتقابل مع الملائكة في سفر دانيال، كذلك نجد أن سفر رؤيا يوحنا يموج بحركة الملائكة، وبعض تخصصاتههم.

فسفر الرؤيا أعطي ليوحنا بواسطة ملاك (رؤيا 1: 2 و 19: 9 و 22: 8 و 9). وهناك ملاك متخصص بالعناية بكل كنيسة محلية (رؤيا 2: 1 و 8 و 12 و 18 و 3: 1 و 7 14). وهناك ملائكة مسؤوليتهم رياح الأرض (رؤيا 7: 1) وملاك مسؤوليته الأوامر الإلهية لغيره من الملائكة (رؤيا 7: 2 و 3). وهناك ملائكة الأبواق (رؤيا 8: 2 و 7 و 8 و 10 و 12 و 9: 1 و 13 و 11: 15) وهناك ملائكة أقوياء (رؤيا 10: 1 و 18: 21). وهناك ملائكة يرأسهم ميخائيل (رؤيا 12: 7) وهناك الملاك الذي سيبشر بالبشارة الأبدية (رؤيا 14: 6) ومن طيرانه نعرف أن للملائكة أجنحة تطير بها. وهناك الملاك الذي أ‘لن سقوط بابل العظيمة (رؤيا 14: 8) والملاك الذي أنذر الساكنين على الأرض من العقاب الذي ينتظرهم إذا سجدوا للوحش (رؤيا 14: 3) وهناك الملائكة الذين معهم السبع ضربات الأخيرة (رؤيا 15: 1 و 16: 2 و 3 و 4 و 8 و 10 و 12 و 17) وهناك الملاك الذي له سلطان عظيم واستنارت الأرض من بهائه (رؤيا 18: 1) والملاك الصارخ بصوت عظيم يدعو الطيور إلى عشاء الإله العظيم (رؤيا 19: 17) والملاك الذي معه مفتاح الهاوية. (رؤيا 20: 1).

هذه الحركة الملائكية الدائبة في السماء، وهذه المسؤوليات والتخصصات المعطاة للملائكة تعطي للمؤمن راحة وتعزية لأن "ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم" (مزمور 34: 7) ولأن الله أعطى لكل من يلجأ إليه بثقة ويقين هذا الوعد الثمين "لأنك قلت أنت يا رب ملجأي. جعلت العلى مسكنك. لا يلاقيك شر ولا تدنو ضربة خيمتك. لأنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك. على الأيدي يحملونك لئلا تصدم بحجر رجلك" (مزمور 91: 9 - 11).

نعود الآن إلى كلمات إصحاحنا "وفي ذلك الوقت يقوم ميخائيل الرئيس العظيم القائم لبني شعبك" (دانيال 12: 1) من هذا النص نعرف أن ميخائيل هو الرئيس العظيم، ويعتقد كلفن Calvin أن الإشارة هنا إلى المسيح ولكننا لا نوافقه في هذا التفسير، لأننا نجد في العهد الجديد أن يهوذا يذكر "ميخائيل" باعتباره رئيس الملائكة فيقول "وأما ميخائيل رئيس الملائكة فلما خاصم إبليس محاجاً عن جسد موسى لم يجسر أن يورد حكم افتراء بل قال لينتهرك الرب" (يهوذا 9).

ميخائيل إذاً هو الرئيس العظيم، رئيس الملائكة ومسؤوليته العناية بالشعب القديم ورعاية أمورهم "القائم لبني شعبك" – فتخصصه واضح تماماً أ،ه لبني شعب دانيال، الشعب القديم ولا سواهم. فما الذي سيفعله ميخائيل الرئيس العظيم في ذلك الوقت؟ هنا نرى العلاقة الجوهرية بين سفر دانيال وسفر رؤيا يوحنا، فسفر دانيال يشير إلى ما سيحدث بعبارات مقتضبة، وسفر الرؤيا يشرح لنا بالتفصيل هذه الأحداث، وإذا وضعنا هذا في ذهننا سهل علينا فهم هذا السفر النبوي العظيم.

في سفر دانيال نقرأ "في ذلك الوقت يقوم ميخائيل الرئيس العظيم" وفي سفر رؤيا يوحنا نور ما سيفعله ميخائيل حين يقوم. فميخائيل سيقوم "في ذلك الوقت" بحرب رهيبة في السماء لطرد إبليس وملائكته من هناك.

"وحدثت حرب في السماء. ميخائيل وملائكته حاربوا التنين وحارب التنين وملائكته ولم يقووا فلم يوجد مكانهم بعد ذلك في السماء. فطرح التنين العظيم الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان الذي يضل العالم كله طرح إلى الأرض وطرحت معه ملائكته. وسمعت صوتاً عظيماً قائلاً في السماء الآن صار خلاص إلهنا وقدرته وملكه وسلطان مسيحه لأنه قد طرح المشتكي على إخوتنا الذي كان يشتكي عليهم أمام إلهنا نهاراً وليلاً. هم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتى الموت. من أجل هذا افرحي أيتها السموات والساكنون فيها. ويل لساكني الأرض والبحر لأن إبليس نزل إليكم وبه غضب عظيم عالماً أن له زماناً قليلاً" (رؤيا 12: 7 - 12).

هذا ما سيقوم به ميخائيل، وبطرد الشيطان وملائكته من السماء تبدأ عذابات الضيقة العظيمة.

إن إبليس له الحق حتى الآن أن يدخل إلى السماء، وعمله الرئيسي هناك أن يشتكي على المؤمنين نهاراً وليلاً، فليتنا نتحفظ لحياتنا، ونعيش بالقداسة لكي لا نعطي فرصة لهذا المشتكي.

ونظرة إلى سفر أيوب ترينا ما وراء بعض آلامنا وتجاربنا التي نتعرض لها بغير سبب جنيناه (أيوب 1: 6 – 19 و 2: 1 - 8).


الضيق العظيم

"ويكون زمان ضيق لم يكن منذ كانت أمة إلى ذلك الوقت" ولقد قال بعض لبمفسرين أن هذا الضيق حدث إبان حكم أنتيوخوس أبيفانس، وتفسير كهذا لا يتفق مع كلمات ربنا يسوع، فأنتيوخوس عاش قبل المسيح، ولكن المسيح في حديثه النبوي الجليل على جبل الزيتون أكد أن الضيق العظيم ما زال مستقبلاً فقال: لأنه حينئذ يكون ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون" (متى 24: 21) وهي كلمات تنطبق تماماً على ما يقوله الملاك في سفر دانيال..

وقال آخرون أن الضيق العظيم قد وقع وقت خراب أورشليم، وهو قول مردود لأن خراب أورشليم حدث سنة 70 ميلادية بينما ذكر يوحنا أحداث الضيق العظيم في سفره النبوي الذي كتبه سنة 94 ميلادية.

الضيق العظيم سيكون في المستقبل، وهو خاص باليهود من جهة، ولكنه أيضاً سيأتي على العالم كله من جهة أخرى. الضيق العظيم خاص باليهود كما يقول إرميا النبي "آه لأن ذلك اليوم عظيم وليس مثله. وهو وقت ضيق على يعقوب ولكنه سيخلص منه" (إرميا 30: 7)، وهو سيأتي عل العالم كله من جهة أخرى كما نقرأ في سفر رؤيا يوحنا في كلمات المسيح لملاك كنيسة فيلادلفيا "لأنك حفظت كلمة صبري أنا أيضاً سأحفظك من ساعة التجربة العتيدة أن تأتي على العالم كله لتجرب الساكنين على الأرض" (رؤيا 3: 10).

خلال هذا الضيق العظيم نجد نوعين من الغضب، غضب الله، وغضب إبليس. غضب الله سينصب على الوحش وعلى مملكته وعلى أشرار الأرض، وغضب إبليس سينصب على المؤمنين الموجودين على الأرض سواء كانوا من الأمم أو من اليهود.

غضب الله مذكور في هذه الكلمات "لأنه قد جاء يوم غضبه العظيم ومن يستطيع الوقوف" (رؤيا 6: 17) "إن كان أحد يسجد للوحش ولصورته ويقبل سمته على جبهته أ على يده. فهو أيضاً سيشرب من خمر غضب الله المصبوب صرفاً في كأس غضبه ويعذب بنار وكبريت أمام الملائكة القديسين وأمام الخروف" (رؤيا 14: 9 و 10).

غضب إبليس مذكور في الكلمات "ويل لساكني الأرض والبحر لأن إبليس نزل إليكم وبه غضب عظيم عالماً أن له زماناً قليلاً" (رؤيا 12: 12) "فغضب التنين على المرأة وذهب ليصنع حرباً مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله وعندهم شهادة يسوع المسيح" (رؤيا 12: 17).

وبما أن "باقي نسل المرأة" قيل عنهم "الذين يحفظون وصايا الله وعندهم شهادة يسوع المسيح".. فالمرأة إذاً هي الكنيسة، ونسلها المؤمنين الذين سيحضرون الضيقة أن "عندهم شهادة يسوع المسيح"، أما ابنها البكر الذي اختطف إلى الله وإلى عرشه فهو يمثل جماعة المؤمنين الأقوياء الغالبين، وهؤلاء وحدهم هم الذين سيختطفون قبل الضيق العظيم. (رؤيا 12: 1- 5)

ولأن الشيطان سيصب غضبه على لمؤمنين الذي سيوجدون على الأرض أثناء الضيق العظيم، يقول يوحنا "وسمعت صوتاً من السماء قائلاً لي اكتب طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن. نعم يقول الروح لكي يستريحوا من أتعابهم وأعمالهم تتبعهم" (رؤيا 14: 13).

ويجدر بنا أن نقول هنا أن الله لن يصب غضبه على المؤمنين الذين سيوجدون على الأرض أثناء الضيق العظيم "لأن الله لم يجعلنا للغضب بل لاقتناء الخلاص بربنا يسوع المسيح" (1 تسالونيكي 5: 9).

ولقد صب الله غضبه في القديم على أرض مصر لكنه حفظ شعبه القديم من هذا الغضب كما نقرأ "إلا أرض جاسان حيث كان بنو إسرائيل فلم يكن فيها برد" (خروج 9: 26)، (خروج 8: 20 - 24) وكما نقرأ كذلك "ولكن جميع بني إسرائيل كان لهم نور في مساكنهم" (خروج 10: 23).

سيكون اليهود، والمؤمنون بالمسيح هدف غضب إبليس، وسيتألم المؤمنون ولكن الله سيعطيهم نعمة لتحدي الشيطان، ورفض سمة الوحش ليظهر فيهم نصرته، وينقي ويطهر حياتهم من الزغل ليصيروا آنية صالحة لخدمته ومجده.

وقت الضيق العظيم موصوف بالكلمات "ويكون زمان ضيق لم يكن منذ كانت أمة إلى ذلك الوقت" وبكلمات ربنا "لأنه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون" (متى 24: 21).

وفي إنجيل متى الإصحاح الرابع والعشرون أعلن ربنا ترتيب الحوادث التي ستحدث في الأسبوع السبعين، وهو الأسبوع الأخير المذكور في دانيال 9: 27.

فالأسبوع الأخير من أسابيع نبوة دانيال (إصحاح 9: 24 - 27) سينقسم إلى قسمين. القسم الأول تحدث فيه أحداث مبتدأ الأوجاع التي ذكرها الرب في (متى 24: 4 - 7) وقال عنها "ولكن هذه كلها مبتدأ الأوجاع" (متى 24: 8). القسم الثاني: ومدته ثلاث سنين ونصف (دانيال 7: 25)، اثنان وأربعون شهراً (رؤيا 13: 5)، ألفاً ومئتين وستين يوماً (رؤيا 11: 3).

في إنجيل متى الإصحاح الرابع والعشرين تحدث ربنا كما قلنا عن ترتيب الحوادث.

أولاً: مبتدأ الأوجاع (متى 24: 4 - 14)

ثانياً: الضيق العظيم (متى 24: 15 - 28)

ثالثاً: ما بعد الضيق العظيم (متى 24: 29 - 31)

ويعطي الرب في متى 24: 15 علامة بدء الضيق العظيم فيقول "فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدس. ليفهم القارئ... لأنه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون" (متى 24: 15 و 21).

ما هي رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي؟

لقد قرأنا في دانيال 11: 31 "وتقوم منه أذرع وتنجس المقدس الحصين وتنزع المحرقة الدائمة" وقلنا أن أنتيوخوس أبيفانس نجس بقواته العسكرية الهيكل إذ بنى مذبحاً فوق مذبح المحرقة وذبح فوقه خنزيراً... وقلنا كذلك أن أنتيوخوس كان رمزاً باهتاً للوحش الطالع من البحر، الحاكم العالمي القادم وهو سيقيم رجسة الخراب في الهيكل الذي سيبنيه اليهود في أورشليم، وإقامة رجسة الخراب هذه ستكون في وقت النهاية كما نقرأ في الكلمات "ومن وقت إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس المخرب ألف ومئتان وتسعون يوماً" (دانيال 12: 11).

ورجسة الخراب في وقت النهاية ستكون جلوس الوحش الطالع من البحر، الأثيم، إنسان الخطية، الحاكم العالمي القادم، في هيكل الله مظهراً نفسه أنه إله كما يقول بولس الرسول للمؤمنين في تسالونيكي "ثم نسألكم أيها الأخوة من جهة مجيء ربنا يسوع المسيح واجتماعنا إليه. لا تتزعزعوا سريعاً عن ذهنكم ولا ترتاعوا لا بروح ولا بكلمة ولا برسالة كأنها منا أي أ، يوم المسيح قد حضر. لا يخدعنكم أحد على طريقة ما. لأنه لا يأتي إن لم يأت الارتداد أولاً ويستعلن إنسان الخطية ابن الهلاك. المقاوم والمرتفع على كل ما يدعى إلهاً أو معبوداً حتى أنه يجلس في هيكل الله كإله مظهراً نفسه أنه إله" (2 تسالونيكي 2: 1 - 4).

جلوس الأثيم في هيكل الله. وإعلانه إلهاً مكان الله هو رجسة الخراب، وهو بدء علامة الضيق العظيم. ويسمي بولس الرسول هذا "الأثيم" "ابن الهلاك" لأنه سيمضي إلى الهلاك كما نقرأ عنه "الوحش الذي رأيت كان وليس الآن وهو عتيد أن يصعد من الهاوية ويمضي إلى الهلاك" (رؤيا 17: 8).

هذا الضيق العظيم لم يكن منذ كانت أمة، ولن يكون... وأحداثه المفزعة الرهيبة مسجلة بالتفصيل في سفر رؤيا يوحنا.

في هذه الحقبة المظلمة من تاريخ الإنسانية، سيسجل الإنسان أسود صفحات التاريخ بأعماله المشينة. ستكون العبادة السائدة هي عبادة الشيطان مع ما يرتبط بها من جرائم ونجاسات. وسيسجد الناس لأصنام الذهب والفضة والنحاس والحجر والخشب التي لا تستطيع أن تبصر ولا تسمع ولا تمشي، وسيعني هذا مع حرفيته سيادة عبادة المادة وكل ما هو منظور. وسينتشر القتل، والسحر، والزنا، والسرقة، ويكثر شر الإنسان على الأرض كأيام نوح، ويمارس الناس بكثرة الشذوذ الجنسي كأيام لوط. (رؤيا 9: 20 و 21 ومتى 24: 37 و 38 و 39 ولوقا 17: 28 - 30).

أما حكومة "الوحش الطالع من البحر" فستحد من الحريات الشخصية، وتستخدم الكومبيوتر والأجهزة الإلكترونية لتسجيل كل تحركات وتنقلات الأفراد.

في تلك الفترة الرهيبة تتم الكلمات التي قالها ربنا يسوع عن اليهود "وويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام لأنه يكون ضيق عظيم على الأرض وسخط على هذا الشعب. ويقعون بفم السيف ويسبون إلى جميع الأمم. وتكون أورشليم مدوسة من الأمم حتى تكمل أزمنة الأمم" (لوقا 21: 23).

وهذا ما سجله يوحنا في سفر الرؤيا "ثم أعطيت قصبة شبه عصا ووقف الملاك قائلاً لي قم وقس هيكل الله والمذبح والساجدين فيه. وأما الدار التي هي خارج الهيكل فاطرحها خارجاً ولا تقسها لأنها قد أعطيت للأمم وسيدوسون المدينة المقدسة اثنين وأربعين شهراً" (رؤيا 11: 1 و 2).

بعد مدة الاثنين وأربعين شهراً تكمل أزمنة الأمم، وتنتهي دياسة الأمم لأورشليم، يأتي الرب يسوع، الملك العظيم ليملك فيها كما قال لتلاميذه "لا تحلفوا البتة. لا بالسماء لأنها كرسي الله. ولا بالأرض لأنها موطئ قدميه. ولا بأورشليم لأنها مدينة الملك العظيم" (متى 5: 34 و 35) [اقرأ أيضاً لوقا 1: 30 - 33].


نجاة المكتوبين في السفر من الشعب القديم

"وفي ذلك الوقت ينجي شعبك كل من يوجد مكتوباً في السفر" (دانيال 12: 1).

وعلينا أن نلاحظ هنا أن النجاة لأناس من شعب دانيال، "الشعب القديم" "شعب إسرائيل" وأن الذين سينجون "كل من يوجد مكتوباً في السفر".

النجاة من عذابات الضيقة، ومن الوحش، ومن الموت ليست لكل اليهود بغير استثناء بل هي لفئة خاصة حددت بالكلمات "كل من يوجد مكتوباً في السفر".

وهناك ملاحظة ثانية جديرة بالاعتبار هي، أن سفر دانيال يتحدث بصفة خاصة عن ما يصيب الشعب القديم في آخر الأيام (دانيال 10: 14) [اقرأ أيضاً دانيال 9: 24 – 27 ودانيال 12: 1] بينما يتحدث سفر الرؤيا عن ما سيحدث للمؤمنين بالرب يسوع من الأمم واليهود، ويتحدث حديثاً عابراً عن البقية اليهودية.

وسفر الرؤيا يتحدث إلى الكنيسة الحقيقية (رؤيا 1: 1 - 11).

إذا حفظنا هذا في أذهاننا، استطعنا أن نفهم بكيفية أفضل نبوات السفرين.

تقول كلمات نبوة دانيال "في ذلك الوقت ينجي شعبك كل من يوجد مكتوباً في السفر".

والله حين يسمح بوقوع اضطهادات وآلام وتعذيب على شعبه يعرف في ذات الوقت الذين له، ويحمي بكيفية معجزية من يريد حمايتهم.

نرى هذه الحقيقة مرتين.. مرة في سفر حزقيال، وأخرى في سفر رؤيا يوحنا.

والآن تعال معي لنقرأ كلمات سفر حزقيال "وصرخ في سمعي بصوت عال قائلاً. قرب وكلاء المدينة كل واحد وعدته المهلكة بيده. وإذا بستة رجال مقبلين من طريق الباب الأعلى الذي هو من جهة الشمال وكل واحد عدته الساحقة بيده. وفي وسطهم رجل لابس الكتان وعلى جانبه دواة الكاتب. فدخلوا ووقفوا جانب مذبح النحاس. ومجد إله إسرائيل صعد عن الكروب الذي كان عليه إلى عتبة البيت. فدعا الرجل اللابس الكتان الذي دواة الكاتب على جانبه. وقال له الرب. اعبر في وسط المدينة في وسط أورشليم وسم سمة على جباه الرجال الذين يئنون ويتنهدون على كل الرجاسات المصنوعة في وسطها. وقال لأولئك في سمعي اعبروا في المدينة وراءه واضربوا. لا تشفق أعينكم ولا تعفوا. الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء اقتلوا للهلاك. ولا تقربوا من إنسان عليه السمة وابتدئوا من مقدسي" (حزقيال 9: 1 - 6).

والآن لنقرأ ما جاء في سفر الرؤيا "وبعد هذا رأين أربعة ملائكة واقفين على أربع زوايا الأرض ممسكين أربع رياح الأرض لكي تهب ريح على الأرض ولا على البحر ولا على شجرة ما. ورأيت ملاكاً آخر طالعاً من مشرق الشمس معه ختم الله الحي فنادى بصوت عظيم إلى الملائكة الأربعة الذين أعطوا أن يضروا الأرض والبحر قائلاً لا تضروا الأرض ولا البحر ولا الأشجار حتى نختم عبيد إلهنا على جباههم. وسمعت عدد المختومين مئة وأربعة وأربعين ألفاً مختومين من كل سبط بني إسرائيل. من سبط يهوذا اثنا عشر ألف مختوم. من سبط رأوبين اثنا عشر ألف مختوم. من سبط جاد اثنا عشر ألف مختوم. من سبط أشير اثني عشر ألف مختوم. من سبط نفتالي اثنا عشر ألف مختوم. من سبط منسي اثنا عشر ألف مختوم. من سبط شمعون اثنا عشر ألف مختوم. من سبط لاوي اثنا عشر ألف مختوم. من سبط يساكر اثنا عشر ألف مختوم. من سبط زبولون اثنا عشر ألف مختوم. من سبط يوسف اثنا عشر ألف مختوم. من سبط بنيامين اثنا عشر ألف مختوم." (رؤيا 1: 1 - 8).

الذين سينجون من الموت في الضيقة العظيمة هم "كل من يوجد مكتوباً في السفر".

ونسأل: أي سفر هذا السفر؟

أن النبوة تذكره باسم "السفر" بغير تعريف لنوعيته.

فأي سفر هذا السفر؟

نجد في العهد القديم أسفاراً متنوعة، ونجد في العهد الجديد سفر الحياة.

ففي العهد القديم نجد الأسفار التالية:

/1/- سفر الدموع المخزونة في زق الله "اجعل أنت دموعي في زقك. أما هي في سفرك" (مزمور 56: 8).

/2/- سفر أعضاء جسم كل فرد "رأت عيناك أعضائي وفي سفرك كلها كتبت يوم تصورت إذ لم يكن واحد منها" (مزمور 139: 16). ولأن صورة كل فرد ومقاييس أعضاء جسمه مكتوبة ومصورة في سفر الله لذلك سيقوم كل واحد بعد أن تحلل جسمه إلى تراب بصورته كما كان، لأن الصورة الأصلية لكل فرد موجودة في هذا السفر.

/3/- سفر التذكرة وفيه يكتب الله أحاديث وأسماء الذين يتقونه ويفكرون في اسمه "حينئذ كلم متقو الرب كل واحد قريبه والرب أصغى وسمع وكتب أمامه سفر تذكرة للذين اتقوا الرب وللمفكرين في اسمه" (ملاخي 3: 16).

/4/- سفر الأحياء، وهو سفر الناس الأحياء على هذه الأرض وقال عنه داود في المزمور "ليمحوا من سفر الأحياء" (مزمور 69: 28) وهو السفر الذي ذكره موسى حين رفع صلاته الشفاعية لله من أجل الشعب القديم وفيها يقول "آه قد أخطأ هذا الشعب خطية عظيمة وصنعوا لأنفسهم آلهة من ذهب. والآ إن غفرت خطيتهم. وإلا فامحني من كتابك الذي كتبت. فقال الرب لموسى من أخطأ إليّ أمحوه من كتابي" (خروج 32: 31 - 33).

فموسى طلب من الله أن يميته أو يمحو خطية شعبه، ولكن الله أعلن له أن من يستحق الموت يموت.

أما في العهد الجديد فنجد:

/5/- سفر الحياة: ويذكر أولاً في رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي "أطلب إلى أفودية وأطلب إلى سنتيخي أن تفتكرا فكراً واحداً في الرب. نعم اسألك أنت أيضاً يا شريكي المخلص ساعد هاتين اللتين جاهدتا معي في الإنجيل مع أكليمندس أيضاً وباقي العاملين معي الذين أسماؤهم في سفر الحياة" (فيلبي 4: 2 و 3) ونجد ذكر سفر الحياة مرة ثانية باعتباره سفر حياة المسيح الفادي "فسيسجد له جميع الساكنين على الأرض الذين ليست أسماؤهم مكتوبة منذ تأسيس العالم في سفر حياة الخروف الذي ذبح" (رؤيا 13: 8) ويتكرر ذكر سفر الحياة في العهد الجديد في المواضع التالية (رؤيا 3: 5، رؤيا 17: 8، رؤيا 20: 12، رؤيا 20: 15، رؤيا 21: 27).

ونستطيع القول أن السفر المذكور في دانيال 12: 1 هو سفر الأحياء، فكل من يوجد اسمه موجوداً للحياة في أورشليم سيبقى حياً كما نقرأ في سفر أشعياء الكلمات "ويكون أن الذي يبقى في صهيون والذي يترك في أورشليم يسمى قدوساً. كل من كتب للحياة فقي أورشليم." (أشعياء 4: 3). فالحياة هنا هي الحياة الأرضية، والسفر هو سفر الأحياء على هذه الأرض. فكل من يوجد اسمه في سفر الأحياء، للحياة في أورشليم سينجى من  الموت خلال الضيقة العظيمة، ووجود أسماء هؤلاء في سفر الأحياء يؤكد سيادة الله على كل دقائق الحياة.

"وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون هؤلاء إلى الحياة الأبدية وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبدي" (دانيال 12: 2).

وقف الكثيرون من المفسرين أمام هذا النص موقف العجز، وكان سبب عجزهم هو كلمة "كثيرون" وكان السؤال الذي حيرهم وأزعجهم هو: أين البقية التي لم تستيقظ في هذه القيامة؟ وأي قيامة هذه التي يتحدث عنها سفر دانيال في هذا النص؟

وبغير شك أن دانيال يترك الألف السنة وينتقل بنا في هذا لانص إلى القيامة الثانية، التي يتتم بعد ملك الألف السنة.. ونقول أنه يتحدث عن القيامة الثانية لأنه يتحدث في هذا النص عن فريقين: فريق سيقوم إلى الحياة الأبدية. وفريق سيقوم إلى العار للازدراء الأبدي. والقيامة الوحيدة ينطبق عليها هذا النص انطباقا تاماً هي القيامة التي ستتم بعد ملك الألف السنة.

فالقيامة التي يتحدث عنها دانيال هنا هي للحياة الأبدية وليست للملك مع المسيح. وفيها سيقوم أيضاً الأشرار للعار والازدراء الأبدي بعد أن تعلن شرورهم وخفاياهم على الملأ.

يساعدنا على فهم هذا التفسير بوضوح حديث يوحنا في سفر الرؤيا. فيوحنا يتحدث عن قيامتين: القيامة الأولى قبل الألف السنة للغالبين والشهداء، والقيامة الثانية بعد الألف السنة للمؤمنين الجسديين، وللأشرار الهالكين.

يقول يوحنا عن القيامة الأولى "ورأيت عروشاً فجلسوا عليها وأعطوا حكماً ورأيت نفوس الذين قتلوا من أجل شهادة يسوع ومن أجل كلمة الله والذين لم يسجدوا للوحش ولا لصورته ولم يقبلوا السمة على جباههم وعلى أيديهم فعاشوا وملكوا مع المسيح ألف سنة. أما بقية الأموات فلم تعش حتى تتم الألف السنة. هذه هي القيامة الأولى. مبارك ومقدس من له نصيب في القيامة الأولى. مبارك ومقدس من له نصيب في القيامة الأولى. هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم بل سيكونون كهنة لله والمسيح وسيملكون معه ألف سنة" (رؤيا 20: 4 - 6).

واضح تماماً أن الذين سيقومون في هذه القيامة الأولى هم الغالبون الذين سيحكمون الأرض خلال الألف سنة. وأما بقية الأموات فلم تعش حتى تتم الألف السنة (رؤيا 2: 26 و 27 ورؤيا 3: 21)، ومعهم سيقوم الذين ماتوا شهداء من أجل المسيح في كل العصور، والذين ماتوا شهداء على يد الوحش وبانيته في زمن الضيقة العظيمة "وأما بقية الأموات فلم تعش (أي لم تقم من الأموات) حتى تتم الألف السنة" (رؤيا 20: 5)

بقية الأموات منهم مؤمنون جسديون، خلصوا من عقاب خطاياهم بدم المسيح لكنهم لم يقدموا له الخدمة اللائقة التي تعطيهم حق المكافأة (1 كورنثوس 3: 11 - 15) هؤلاء سيظلوا في قبورهم "حتى تتم الألف السنة".

والآن تعال نقرأ معاً ما يقوله يوحنا عن القيامة الثانية، وهي التي ستحدث بعد الألف السنة.

"ثم رأيت عرشاً عظيماً أبيض والجالس عليه الذي من وجهه هربت الأرض والسماء ولم يوجد لهما موضع. ورأيت صغاراً وكباراً واقفين أمام الله وانفتحت أسفار وانفتح سفر آخر هو سفر الحياة ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم. ويلم البحر الأموات الذين فيه وسلم الموت والهاوية الأموات الذين فيهما ودينوا كل واحد بحسب أعماله... وكل من لم يوجد مكتوباً في سفر الحياة طرح في بحيرة النار" (رؤيا 20: 10 - 15).

في هذه القيامة نجد أسفاراً هي أسفار أعمال الأشرار "ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم" (رؤيا 20: 12) ونجد سفر الحياة مفتوحاً.. ونسأل: لماذا نجد سفر الحياة مفتوحاً أمام العرش الأبيض العظيم؟! والجواب: إن سفر الحياة يحوي أسماء المؤمنين الذين لم يكونوا مستأهلين للقيامة الأولى... فيه نجد اسم لوط وأمثاله من المؤمنين الجسديين.. المغلوبين.. الذين لم يعيشوا حياة القداسة العملية، ولم يربحوا نفوساً للمسيح، ولكنهم نالوا الحياة الأبدية على حساب موت المسيح كما هو مكتوب "وهذه هي الشهادة أن الله أعطانا حياة أبدية وهذه الحياة هي في ابنه. من له الابن فله الحياة ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة" (1 يوحنا 5: 11 و 12) "الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية" (يوحنا 3: 36) هؤلاء المؤمنون بسبب كسلهم، وعدم سهرهم، وارتباكهم في هموم الحياة، وعدم أمانتهم وتدقيقهم حرموا من أن يكون لهم نصيب في القيامة الأولى ليملكوا مع المسيح، لكنهم كما قلنا تبرروا بدم المسيح. هؤلاء المؤمنون مع الذين ماتوا في سن الطفولة سيقومون في هذه القيامة ويدخلون إلى الحياة الأبدية، وستنادي أسماؤهم من سفر الحياة المفتوح أمام العرش الأبيض العظيم.

أما الأشرار الذين رفضوا المسيح، وازدروا بدمه، ولم يؤمنوا قلبياً بما عمله على صليب الجلجثة فسيقومون أيضاً في هذه القيامة ويدانون بحسب أعمالهم، ويدخلون إلى العار والازدراء الأبدي.

ولنلاحظ كلمة "كثيرون" فالحقيقة المؤلمة أن قليلين هم الذين يعيشون حياة الأمانة، والقداسة، والتدقيق وأن كثيرين حياتهم حياة أطفال في المسيح.

والحقيقة المؤلمة الثانية إن كثيرين سيدخلون من الباب الواسع الذي يؤدي إلى الهلاك، وإن قليلين هم الذين يجدون الباب المؤدي إلى الحياة، لذلك قال لنا ربنا المبارك "ادخلوا من الباب الضيق. لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك. وكثيرون هم الذين يدخلون منه. ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة. قليلون هم الذين يجدونه" (متى 7: 13 و 14)

ومن القليلين الذين سيجدون الباب الضيق ويدخلون منه، نجد أقلية مكرسة بالحق، تخدم الرب بغيرة، وأمانة، وتعيش حياة القداسة.

"والفاهمون يضيئون كضياء الجلد والذين ردوا كثيرين إلى البر كالكواكب إلى أبد الدهور" (دانيال 12: 3)

ينير الكتاب في أكثر من موضع على أهمية "الفهم". وكان يسوع يسأل تلاميذه بعد أن يتحدث إليهم "أفهمتم هذا كله؟" (متى 13: 51) وقال الرب في سفر إرميا "لا يفتخرن الحكيم بحكمته ولا يفتخر الجبار بجبروته ولا يفتخر الغني بغناه. بل بهذا ليفتخرن المفتخر بأنه يفهم ويعرفني أنا الرب الصانع رحمة وقضاء وعدلاً في الأرض لأني بهذه أسر يقول الرب" (إرميا 9: 23 و 24). وعندما ذكر الرب رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي نقرأ الكلمات "ليفهم القارئ" (متى 24: 15) وكانت المزمور المئة والتاسع عشر يطلب مراراً قائلاً "طريق وصاياك فهمني" (مزمور 119: 27) "فهمني فألاحظ شريعتك" (مزمور 119: 24) "فهمني فأتعلم وصاياك" (مزمور 119: 73).

من يدرس كتابه المقدس بجد، وتدقيق، ويفهم كلمة النبوة ويطبق ما يفهم على حياته ستكون مكافأته أن يضيء كضياء الجلد طول الأبدية.. لقد عاش حياته الأرضية في نور كلمة الله، وسيشع جسده الجلد طول الأبد "والذين ردوا كثيرين إلى البر كالكواكب إلى أبد الدهور".

إن واجبنا الأول كمؤمنين أن نفهم، ثم بعد ذلك أن رند كثيرين إلى البر. ويعقوب يختتم رسالته بالكلمات "أيها الأخوة إن ضل أحد بينكم عن الحق فرده أحد. فليعلم أن من رد خاطئاً عن ضلال طريقه يخلص نفساً من الموت ويستر كثرة من الخطايا" (يعقوب 5: 19 و 20).

ومكافأة الذين ردوا كثيرين إلى البر أنهم سيضيئون كالكواكب إلى أبد الدهور. "لأن نجماً يمتاز عن نجم في المجد" (1 كورنثوس 15: 41).

إننا نقرأ في دانيال 11: 33 "والفاهمون من الشعب يعلمون كثيرين" وهنا نرى المكافأة الكبرى التي تنتظر الفاهمين الذين يعلمون، وتنتظر الذين يردون إلى البر كثيرين. في وقت الضيق والاضطهاد يحتاج الناس إلى من يعلمهم طريق الرب ليثبتوا فيه، هكذا عزرا كما نقرأ "عزرا.. صعد من بابل وهو كاتب ماهر في شريعة موسى التي أعطاها الرب إله إسرائيل... عزرا هيأ قلبه لطلب شريعة الرب والعمل بها وليعلم إسرائيل فريضة وقضاء" (عزرا 7: 6 و 10).

وسيكون الفاهمون والذين ردوا كثيرين إلى البر، شموساً مضيئة وكواكب منيرة طول الأبدية، فالمجد الذي سيحصل عليه المؤمن سيكون قدر خدمته الأمينة للرب، وعلى قدر فهمه لقداسة الله ومحبته وكلمته.

"أما أنت يا دانيال فأخف الكلام واختم السفر إلى وقت النهاية. كثيرون يتصفحونه والمعرفة تزداد" (دانيال 8: 26) وكلمة "أكتم" هي نفسها "أخف" وهي لا تعني أن يكون الكلام مخفياً بل تعني أن يكون محروساً، ومحفوظاً، ومحمياً. فالملاك يطلب من دانيال أن يخفي "الكلام"، والكلام هنا هو كل سفر دانيال، وأن يختم هذا السفر النبوي الجليل، بمعنى أن يضع عليه ختماً لحفظه من أي محاولة للتلاعب بمحتوياته. فالختم هو علامة قانونية السفر [اقرأ إرميا 32: 6 - 15]. قد يكون الختم لصيانة المحتويات إلى أن يحين وقت فكه (رؤيا 5: 1 - 5) فالمعنى قد يكون أمراً بحفظ وحراسة السفر إلى وقت النهاية، أو أن تكون محتويات السفر غير مفهومة إلى وقت النهاية كما قال دانيال "وأنا سمعت وما فهمت. فقلت يا سيدي ما هي آخر هذه. فقال اذهب يا دانيال لأن الكلمات مخفية ومختومة إلى وقت النهاية" (دانيال 12: 8 و 9) والمعنى الأخير في اعتقادي هو الأقرب إلى الصواب.

وسفر دانيال هنا على عكس سفر الرؤيا يوحنا، فبينما يأمر الملاك دانيال قائلاً "أخف الكلام واختم السفر" فإن ملاك يوحنا يأمره قائلاً "لا تختم على أقوال نبوة هذا الكتاب لأن الوقت قريب" (رؤيا 22: 10).

والأمر الذي أعطي لدانيال يصل إلى زمن محدد هو "وقت النهاية" ويقيناً أن نبوات دانيال مع أنها تتحدث عن مصير الإمبراطوريات التي ستظهر على مسرح التاريخ خلال "أزمنة الأمم"، لكنها تتحدث بصورة خاصة عن ما يصيب الشعب القديم في الأيام الأخيرة، وهي الأيام التي تسبق مباشرة المجيء الثاني للمسيح.

وعلينا أن ننتبه إلى حقيقة واضحة في سفر دانيال، وهي أن كل النبوات المذكورة في سفر دانيال تقودنا دائماً إلى "وقت النهاية".

/1/- الإصحاح 2 يبدأ بداية حكم أزمنة الأمم وينتهي بالحجر الذي قطع بغير يدين وملأ الأرض كلها (دانيال 2: 34 و 35 و 44 و 45).

/2/- الإصحاح 7 يبدأ بقرب نهاية إمبراطوريات التمثال البهي وينتهي بإعطاء الملك لابن الإنسان وللقديسين. (دانيال 7: 13 و 14 و 27).

/3/- الإصحاح 8 يتحدث عن الصلة بين آخر إمبراطور سيحكم الإمبراطورية اليونانية، وينتهي به كرمز للحاكم العالمي القادم الذي يبيده الرب نفسه "رئيس الرؤساء" عند ظهوره (دانيال 8: 23 - 25)

/4/- إصحاح 9 يبدأ بالأمر بإعادة بناء أورشليم وينتهي بالدينونة المنصبة على الحاكم العالمي القادم "الرئيس الآتي"، وعلى الشعب اليهودي العاصي (دانيال 9: 27).

/5/- إصحاح 11 يبدأ مرة ثانية بالحديث عن الإمبراطوريتين الفارسية، واليونانية وينتهي باستعلان الحاكم العالمي القادم، والضيقة التي ستقع على إسرائيل، ويختتم بنهاية الحاكم القادم المحتومة (دانيال 11: 35 و 45).

/6/- إصحاح 12 يبدأ بالضيقة العظيمة وينتهي بالنصرة والمجد.

هكذا أمر الملاك دانيال قائلاً "أما أنت يا دانيال فأخف الكلام واختم السفر إلى وقت النهاية".

"كثيرون يتصفحونه والمعرفة تزداد".

وقد ترجم هذا النص في كثير من الترجمات الإنجليزية وبخاصة في الترجمة المعروفة باسم "King James Version" بهذه الكلمات "Many Shall run to and fro" "كثيرون يروحون ويجيئون"، وقال بعض المفسرين أن هذه الكلمات تشير إلى كثرة الأسفار والتنقل في وقت النهاية، وقالوا أ، هذا سيكون إتماماً لنبوة عاموس "فيجولون من بحر إلى بحر ومن الشمال إلى المشرق يتطوحون ليطلبوا كلمة الرب فلا يجدونها" (عاموس 8: 12).

لكننا نعتقد أن الترجمة العربية أقرب إلى الصواب من الترجمة الإنجليزية، وهي تعني أن كثيرين سيتصفحون سفر دانيال، وخاصة في الأيام الأخيرة، وأن معرفة معاني النبوات في هذا السفر ستزداد مع الأيام.

ويقيناً أنه نور العهد الجديد، سيما في نور سفر الرؤيا يوحنا يستطيع قارء سفر دانيال أن يتفهم معانيه بصورة أوضح. وفي متى 24: 15 ذكرت عبارة "ليفهم القارئ" مرتبطة بسفر دانيال.

"فنظرت أنا دانيال وإذا باثنين آخرين قد وقفا واحد من هنا على شاطئ النهر وآخر من هناك على شاطئ النهر. وقال للرجل اللابس الكتان الذي من فوق مياه النهر إلى متى انتهاء العجائب. فسمعت الرجل اللابس الكتان الذي من فوق مياه النهر إذ رفع يمناه ويسراه نحو السموات وحلف بالحي إلى الأبد أنه إلى زمان وزمانين ونصف. فإذا تم تفريق أيدي الشعب المقدس تتم كل هذه" (دانيال 12: 5 - 7).

في هذا النص نرى منظراً آخر في الرؤيا التي أعطيت لدانيال، فقد جاء اثنان آخران بالإضافة إلى الرجل اللابس الكتان والذي أعطى دانيال الرؤيا، وكان كل واحد منهما على جانب من جانبي النهر، والنهر هنا هو نهر دجلة كما قال دانيال في بداية حديثه عن هذه الرؤيا "كنت على جانب النهر العظيم هو دجلة" (دانيال 10: 4).

واحد من الاثنين اللذين ظهرا قال للرجل اللابس الكتان، والذي كان واقفاً فوق مياه نهر دجلة: إلى متى انتهاء العجائب؟ والعجائب المذكورة هنا، هي العجائب المرتبطة بالزمن المذكور "زمان وزمانين ونصف زمان" (دانيال 12: 7) وهذه هي مدة حكم الوحش الطالع من البحر (رؤيا 11: 3 ورؤيا 12: 14 ورؤيا 13: 4) وخلال هذه المدة سيظهر الله عجائبه، كما أظهرها في أرض مصر بإرسال ضرباته عليها كما قال موسى للشعب القديم "أو هل شرع الله أن يأتي ويأخذ لنفسه شعباً من وسط شعب بتجارب وآيات وعجائب وحرب ويد شديدة وذراع رفيعة ومخاوف عظيمة مثل كل ما فعل لكم الرب إلهكم في مصر أمام أعينكم" (تثنية 4: 34). إن الله سوف يتعامل مع الحاكم العالمي القادم بنفس الأسلوب، وبذات العجائب كما نقرأ في رؤيا 15: 1 "ثم رأيت آية أخرى في السماء عظيمة وعجيبة. سبعة ملائكة معهم السبع الضربات الأخيرة لأن بها أكمل غضب الله". فالعجائب هي الضربات التي ستصب على مملكة الوحش الطالع من البحر.

وقد سأل أحد الملاكين الرجل اللابس الكتان: إلى متى انتهاء العجائب؟ ويقول دانيال "فسمعت الرجل اللابس الكتان الذي من فوق مياه النهر إذ رفع يمناه ويسراه وحلف بالحي إلى الأبد أنه إلى زمان وزمانين ونصف".

ونحن نرى منظراً مشابهاً في سفر الرؤيا الإصحاح العاشر وهناك يقول يوحنا "والملاك الذي رأيته واقفاً على البحر وعلى الأرض رفع يده إلى السماء. وأقسم بالحي إلى أبد الآبدين الذي خلق السماء وما فيها والأرض وما فيها والبحر وما فيه أن لا يكون زمان بعد" (رؤيا 10: 5).

فكوننا نقرأ عن الرجل اللابس الكتان أنه "حلف بالحي إلى الأبد" يؤكد أن هذا الرجل هو ملاك من ملائكة الله، ولو كان هذا الرجل هو الرب لأقسم بنفسه (عبرانيين 6: 13). وعلى ذلك فيجب أن ننتبه إلى أن هذا الرجل اللابس الكتان هو ملاك عظيم أعطاه الله تفاصيل الرؤيا التي أعطاها لدانيال، وأن الملاك الذي سأله ليست له المعرفة التي لدى الرجل اللابس الكتان بخصوص هذه الرؤيا.

ويبدو لنا أن الله أرسل هذين الملاكين الآخرين تثبيتاً لصدق كلمته "على فم شاهدين أو على فم ثلاثة شهود يقوم الأمر" (تثنية 19: 15 مع كورنثوس 13: 1). وهذا مجرد رأي شخصي نبديه.

وهناك ملاحظة ثانية جديرة بالاعتبار بخصوص هذا النص وهي أنه في الحالات العادية يكفي رفع يد واحدة لحظة القسم (تكوين 14: 22 و تثنية 32: 40) لكن خطورة قسم الرجل اللابس الكتان تظهر في أنه رفع يمناه ويسراه.

وقد قرر الرجل اللابس الكتان أن المدة التي ستستغرقها العجائب هي "إلى زمان وزمانين ونصف زمان" أي ثلاث سنين ونصف، وهي مدة الضيقة العظيمة، وحكم الوحش كما ذكرنا.

ويختتم الرجل اللابس الكتان جوابه على سؤال الملاك بكلماته "فإذا تم تفريق أيدي الشعب المقدس تتم كل هذه" والشعب المقدس، هو الشعب القديم، وقد أطلق عليه هذا الاسم على اعتبار أن الله جعل الشعب في القديم خاصة له "تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب" (خروج 19: 5). "يقيمك الرب لنفسه شعباً مقدساً" (تثنية 28: 9).

وتفريق أيدي الشعب المقدس تعني هذا الشعب كما تكسر آنية من خزف. كما قال في المزمور عن الأمم "مثل إناء خزاف تكسرهم" (مزمور 2: 9). فعندما يصل الشعب القديم إلى هذه الحالة، وتكسر قوته المشار إليها بالأيدي كما قال كاتب الجامعة "وتتلوى رجال القوة" (جامعة 12: 3). مشيراً إلى الأيدي.. وهذا كله سيتم باجتيازهم في نيران الضيقة العظيمة كما قال الرب لحزقيال النبي "وكان إلى كلام الرب قائلاً. يا ابن آدم قد صار لي بيت إسرائيل زغلاً كلهم نحاس وقصدير وحديد ورصاص في وسط كور. صاروا زغل فضة. لأجل ذلك هكذا قال السيد الرب. من حيث إنكم كلكم صرتم زغلاً فلذلك هأنذا أجمعكم في وسط أورشليم. جمع فضة ونحاس وحديد ورصاص وقصدير إلى وسط كور لنفخ النار عليها لسكبها كذلك أجمعكم بغضبي وسخطي وأطرحكم وأسبككم فأجمعكم وأنفخ عليكم في نار غضبي فتسكبون في وسطها. كما تسبك الفضة في وسط كور كذلك تسكبون في وسطها فتعلمون أني أنا الرب سكبت سخطي عليكم" (حزقيال 22: 17 - 22).

أجل حين يدرك الشعب القديم ضعفه وعجزه، عندئذ تنتهي آلامه وأحزانه وضيقته، ويأتي الرب، وتتم كلمات سفر زكريا "وأفيض على بيت داود وعلى سكان أورشليم روح النعمة والتضرعات فينظرون إلى الذي طعنوه وينوحون عليه كنائح على وحيد له ويكونون في مرارة عليه كمن هو في مرارة على بكره" (زكريا 12: 10).

يستطرد دانيال فيقول "وأنا سمعت وما فهمت. فقلت يا سيدي ما هي آخر هذه. فقال اذهب يا دانيال لأن الكلمات مخفية ومختومة إلى وقت النهاية" (دانيال 12: 9).

لقد اعترف دانيال بعجزه عن فهم النبوات الأخيرة الخاصة بالضيقة العظيمة. وسأل الرجل اللابس الكتان: ما هي آخر هذه؟ وكان رد الرجل اللابس الكتان "اذهب يا دانيال لأن الكلمات مخفية ومختومة إلأى وقت النهاية" ومعنى ذلك أن الكلمات ستستمر غير مفهومة إلى وقت النهاية.

ولكن يعنينا هنا أنه رغم عدم فهم دانيال لكلمات النبوة وخاصة المتصل منها بالأيام الأخيرة، فقد سجلها بكل أمانة مما يؤكد وحي السفر الذي شهد لوحيه الرب يسوع بكلماته في نبوة جبل الزيتون (متى 24: 15).

لقد وضحت هذه النبوات في نور سفر الرؤيا يوحنا، وما لم يستطع دانيال فهمه يمكننا نحن الاعتماد على الروح القدس، ومقارنة الروحيات بالروحيات أن نفهمه.

"كثيرون يتطهرون ويبيضون ويمحصون. أما الأشرار فيفعلون شراً ولا يفهم أحد الأشرار لكن الفاهمون يفهمون" (دانيال 12: 10).

إن القصد من إدخال الشعب القديم في نيران الضيقة العظيمة هو "التطهير" و"التبييض" و"التمحيص". والتطهير سيكون هدفه تطهير الشعب من عناد السير وراء شهوات قلوبهم وخطاياهم، والتبييض ليتأهلوا للملكوت، والتمحيص لتخليصهم مما يشوبهم من الزغل والغش بقصد أن يصبحوا آنية للكرامة كما يقول كاتب سفر الأمثال "أزل الزغل من الفضة فيخرج إناء للصائغ" (أمثال 25: 4).

نقرأ في سفر زكريا الكلمات "ويكون في كل الأرض يقول الرب إن ثلثين منها يقطعان ويموتان والثلث الباقي فيها. وأخل الثلث النار وأمحصهم كمحص الفضة وامتحنهم امتحان الذهب. هو يدعو باسمي وأنا أجيبه. أقول هو شعبي هو يقول الرب إلهي" (زكريا 13: 8 و 9).

ويبدو من القرينة أن الرجل اللابس الكتان قصد أن يقول لدانيال: "لا تخف يا دانيال، فمع أنك لا تفهم الكلمات الآن، لكن كثيرون سيفهمونها، فهذه الكلمات الخفية والمختومة إلى وقت النهاية ستكون مصدراً لبركة شعب الله في وقت النهاية. لأن هذا الشعب سيجتاز التجارب، والاضطهادات، والآلام، ولكن حين يدخل هذه الآلام فكثيرون سيفهمون كلمات النبوة ويتطهرون ويبيضون ويمحصون".

"أما الأشرار فيفعلون شراً ولا يفهم أحد الأشرار لكن الفاهمون يفهمون" (دانيال 12: 10).

لن يستفيد من الضيقة العظيمة سوى المؤمنين الحقيقيين، أما الأشرار فالضيقة العظيمة ستدفعهم للانغماس في الشر. لقد ظن البعض أن الحروب قد تقود الناس إلى التوبة والرجوع إلى الرب. لكن كل النتائج ترينا أن الحرب العالمية الأولى هدمت الكثير من المبادئ والقيم، ولما قامت الحرب العالمية الثانية، وحدث فيها ما حدث من أهوال، وتخريب.. تركت العالم أسوأ مما كان عشرات المرات. إن الآلام لا تقود الجميع إلى الله، إنها تقود البعض، وتقسي قلوب البعض.

وفي سفر الرؤيا نرى صورة مجسدة لنا أن الأشرار سوف يتمادون في الشر خلال الضيقة العظيمة. وإليك كلمات يوحنا في هذا السفر النبوي العظيم.

"ثم بوق الملك السادس فسمعت صوتاً واحداً من أربعة قرون مذبح الذهب الذي أمام الله قائلاً للملاك السادس الذي معه البوق فك الأربعة الملائكة المقيدين عند النهر العظيم الفرات. فانفك الأربعة الملائكة المعدون للساعة واليوم والشهر والسنة لكي يقتلوا ثلث الناس. وعدد جيوش الفرسان مئتا ألف ألف. وأنا سمعت عددهم. وهكذا رأيت الخيل في الرؤيا والجالسين عليها. لهم دروع نارية وأسمانجونية وكبريتية ورؤوس الخيل كرؤوس الأسود ومن أفواهها يخرج نار ودخان وكبريت. من هذه الثلاثة قتل ثلث الناس من النار والدخان والكبريت الخارجة من أفواهها. فإن سلطانها هو في أفواهها وفي أذنابها لأن أذنابها شبه الحيات ولها رؤوس وبها تضر. وأما بقية الناس الذين لم يقتلوا بهذه الضربات فلم يتوبوا عن أعمال أيديهم حتى لا يسجدوا للشياطين وأصنام الذهب والفضة والنحاس والحجر والخشب التي لا تستطيع أن تبصر ولا تسمع ولا تمشي. ولا تابوا عن قتلهم ولا عن سحرهم ولا عن زنارهم ولا عن سرقتهم" (رؤيا 22: 11).

"ولا يفهم أحد الأشرار" (دانيال 12: 10).

وهذا ما قرره كاتب سفر الأمثال "أما الشرير فلا يفهم معرفة" (أمثال 29: 7) والسبب ذكره بولس الرسول حين قال "ولكن الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة. ولا يقدر أن يعرفه لأنه إنما يحكم فيه روحياً" (1 كورنثوس 2: 14).

"لكن الفاهمون يفهمون" (دانيال 12: 10).

بمعنى أن من لهم رغبة في الفهم فالرب سيعطيهم الفهم لكلمته "ادعني فأجيبك وأخبرك بعظائم وعوائص لم تعرفها" (إرميا 33: 3).


فترات الأيام الأخيرة

"ومن وقت إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس المخرب ألف ومئتان وتسعون يوماً. طوبى لمن ينتظر ويبلغ الألف والثلاث مئة والخمسة والثلاثين يوماً" (دانيال 12: 11 و 12).

لدينا في هذا الإصحاح ثلاث فترات من الزمان:

الفترة الأولى مدتها زمان وزمانين ونصف زمان أي 1260 يوماً.

الفترة الثانية مدتها 1290 يوماً.

الفترة الثالثة مدتها 1335 يوماً.

الفترة الأولى هي فترة انتهاء العجائب ومدتها 1260 يوماً وبنهايتها ينتهي حكم الوحش.

الفترة الثانية ومدتها 1290 يوماً، هي أطول من الفترة الأولى بثلاثين يوماً...

وفي اعتقادنا أن هذه الثلاثين يوماً تتعلق بتطهير الهيكل من كل النجاسات التي وضعها فيه الحاكم العالمي القادم وداعيته الروحي النبي الكذاب وهو الوحش الطالع من الأرض.

نقول هذا لأن النص يتعلق بالهيكل وما حدث فيه "ومن وقت إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس المخرب ألف ومئتان وتسعون يوماً".

وفي أيام الملك حزقيا فتح حزقيا أبواب الرب في السنة الأولى من ملكه في الشهر الأول، وأمر اللاويين أن يطهروا بيت الرب ويخرجوا كل النجاسة منه، يستغرق العمل في تطهير الهيكل وتقديسه ستو عشر يوماً، لكن الفصح لم يعمل إلا في الشهر الثاني "لأن الكهنة لم يتقدسوا بالكفاية والشعب لم يجتمعوا في أورشليم" (2 أخبار 29 و 30).

يتضح إذاً أن الثلاثين يوماً التي أضيفت إلى زمن الضيقة هي لتطهير الهيكل إذ النبوة تتعلق به.

الفترة الثالثة ومدتها 1335 يوماً وهي تزيد 75 يوماً عن فترة الضيقة وانتهاء العجائب، تتصل باليهود العائشين على الأرض في تلك الفترة التي لا شك ستكون ضرورية لإزالة حطام وأنقاض أزمنة الأمم، وسعيد من ينتظر إلى هذا الوقت.

ولا شك أن دينونة الشعوب الحية ستستغرق بعض الوقت (متى 25: 31 - 46). كذلك جمع المعاثر وفاعلي الإثم سيستغرق بعض الوقت "فكما يجمع الزؤان ويحرق بالنار هكذا يكون في انقضاء العالم (أي في انقضاء هذا الدهر) يرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم" (متى 13: 40 و 41).

ومدة 75 يوماً ليست بطويلة للقيام بهذا كله، ما دامت الأحداث تتم لأناس يعيشون على هذه الأرض.

والإنسان الذي سيظل حياً ويبلغ إلى "الألف والثلاث مئة والخمسة والثلاثين يوماً" سينال بركة كبرى، وسعادة لا توصف لأنه بكل يقين سيعيش في ظلال المسيح، وتحت سيادته وسلطته، في ملكوته الألفي السعيد.

انتهت دينونة الشعوب الحية في ذلك الوقت.

وقضي تماماً على نظام الحكم العالمي وأزيلت كل آثاره، وبهذا انتهت أزمنة الأمم.

والمسيح بشخصه يملك على هذه الأرض، بالبر والسلام وهنا تتم كلمات أشعياء النبي.

"ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله. ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب. ولذته تكون في مخافة الرب. فلا يقضي بحسب عينيه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه. يقضي بالعدل للمساكين ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض ويضرب الأرض بقضيب فمه ويميت المنافق بنفخة شفتيه. ويكون البر منطقة متينة والأمانة منطقة حقويه

فيسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدي والعجل والشبل والمسمن معاً وصبي صغير يسوقها. والبقرة والدبة ترعيان. تربض أولادهما معاً والأسد كالبقر يأكل تبناً. ويلعب الرضيع على سرب الصل ويمد الفطيم يده على حجر الأفعوان. لا يسؤون ولا يفسدون في كل جبل قدسي لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر. ويكون في ذلك اليوم أن أصل يسى القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجداً" (أشعياء 11: 1 - 10).

"طوبى لمن ينتظر ويبلغ الألف والثلاث مئة والخمسة والثلاثين يوماً" (دانيال 12: 12).

ليدخل إلى ملك المسيح، حيث يسود العدل، والسلام، وتعود الوحوش المفترسة إلى طبيعتها التي خلقت بها حين عاشت مع آدم وحواء في جنة عدن.

وتمتلئ الأرض من معرفة الرب.

ويتنقى الهواء من جراثيم الأمراض.

ويخلص الأفق من كل عناصر الفساد.

"أما أنت فاذهب إلى النهاية فتستريح وتقوم لقرعتك في نهاية الأيام" (دانيال 12: 13).

اذهب إلى النهاية، أي استمر في خدمتك، وأمانتك، وشركتك مع الرب.. اذهب في الطريق المستقيم الذي أنت فيه إلى النهاية.

وسوف تستريح بعد جهادك الطويل بالموت. والموت راحة القديسين إذ يقول عنه أيوب "هناك يكف المنافقون عن الشغب وهناك يستريح المتعبون" (أيوب 3: 17) ويقول يوحنا في سفر الرؤيا "وسمعت صوتاً من السماء قائلاً لي اكتب طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن. نعم يقول الروح لكي يستريحوا من أتعابهم، وأعمالهم تتبعهم" (رؤيا 14: 13).

ولكن الرجل اللابس الكتان يؤكد لدانيال حقيقة القيامة من الأموات فيقول له "وتقوم لقرعتك في نهاية الأيام".

والقيامة من الأموات كانت دائماً رجاء المؤمنين، وإيمانهم الوطيد.

لقد آمن إبراهيم بالقيامة "بالإيمان قدم إبراهيم اسحق وهو مجرب. قدم الذي قبل المواعيد وحيده... إذ حسب أن الله قادر على الإقامة من الأموات أيضاً الذين منهم أخذه أيضاً في مثال" (عبرانيين 11: 17 - 19).

وأيوب آمن بالقيامة فقال وهو يجتاز نيران تجاربه "أما أنا فقد علمت أن وليي حي والآخر على الأرض يقوم. وبعد أن يفنى جلدي هذا وبدون جسدي أرى الله. الذي أراه أنا لنفسي وعيناي تنظران وليس آخر. إلى ذلك تتوق كليتاي في جوفي" (أيوب 19: 25 - 27) وكأن أيوب يقول "بعد أن يفنى جلدي هذا المضروب بقرح رديء. ويأكل الدود هذا الجسد الترابي. فبدون هذا الجسد الترابي، أي في الجسد الممجد الذي سأقوم به من القبر أرى الله. أراه أنا بجسدي الممجد وعيناي تنظران وليس آخر".

وأشعياء النبي يؤكد حقيقة القيامة بكلماته "تحيا أمواتك تقوم الجثث. استيقظوا ترنموا يا سكان التراب" (أشعياء 26: 19).

فكما أن الموت حقيقة ثابتة (عبرانيين 9: 27)

كذلك القيامة حقيقة ثابتة

"تقوم لقرعتك في نهاية الأيام"

لقد عاش دانيال أميناً للرب.

عاش طاهراً في بلد غريب.

وعاش أميناً للرب وللملوك الذين خدم في بلاطهم.

وخدم جيله بمشورة الله.

وفي الشيخوخة دخل المدفن ليستريح.

لكنه مات على رجاء إذ أيقن أنه سيقوم لقرعته في نهاية الأيام.

وقرعته بكل يقين هي قرعة الفاهمين، والذين ردوا كثيرين إلى البر، والغالبين الذين سيملكون مع المسيح.

سيقوم دانيال في القيامة الأولى، القيامة التي سيقوم فيها الغالبون والشهداء الذين ماتوا بسبب أمانتهم وإيمانهم بالمسيح في كل العصور.

ففي أي قيامة ستكون قرعتك؟

هل أنت مؤمن مكرس تحب الرب، وتربح النفوس للمسيح، وتعيش الحياة الغالبة؟

إذاً فستكون قرعتك في القيامة الأولى لتملك مع المسيح ألف سنة.

أما إذا كنت مؤمناً مغلوباً، منشغلاً فقط بأمور الزمان الحاضر، وبغير شهادة فعالة للمسيح فقرعتك هي القيامة الثانية.. ستخلص وتدخل الحياة الأبدية لكنك ستخسر أجرتك، وتخلص كما بنار (1 كورنثوس 3: 1 - 15).

أما دانيال المحبوب فحين يقوم فسيكون مضيئاً كضياء الجلد. سيكون كوكباً لامعاً منيراً في سماء الأبد.


  Bibliography   مراجع الكتاب

- Culver, Robert D. Daniel and The Latter Days. Fleming H. Revell Company.

- De Haan, M.R. Daniel The Prophet. Zondervan Publishing House, 1947.

- Lang, G. H. The Histories and Prophecies of Daniel. Kregel Publication, Grand Rapids, Michigan 49501, 1973.

- Martin, Alfred. Daniel – the Framework of Prophecy. Moody Bible Institute.

- McClain, Alva J. Daniel's Prophecy of the Seventy Weeks. Zondervan Publishing House. Ninth printing, 1962.

- Rice, John R. The Second Coming of Christ in Daniel. Sward of the Lord Publishers, 1957.

- Strausse, Lehman. The Prophecies of Daniel. Loizeaux Brothers, 1973.

- Stevens, W. The Book of Daniel. Fleming H. Revell Company, 1918.

- Walvoord, John F. Daniel The Key to Prophetic Revelation. Moody Press, Chicago, 1971.

- Young, Edward J. Daniel. The Geneva Series of Commentaries. The Banner of Truth, 1978.

  • عدد الزيارات: 25225