الفصلُ السادِس رابِطُ الحُبّ - بُعدا المحبَّة الإلهيَّة
بُعدا المحبَّة الإلهيَّة
كُلُّ هذه الفَضَائِل لها بُعدان، خارجيٌّ وداخِلي. خارِجِياً، المحبَّةُ تتصرَّفُ هكذا لأنَّها هي هكذا داخِليَّاً. هذا ما نراهُ في العدد 5: المحبَّة لا "تُقبِّح." فخارِجياً، المحبَّةُ لا تُسيءُ التصرُّف، بل تتصرَّفُ بِلياقة وتهذيب. والمحبَّةُ "لا تطلُبُ ما لِنَفسِها ولا تحتَدّ." أي لا يُمكِنُ إثارةُ غضبها بِسُهولة. هي غيرُ مُتزعزِعة وغيرُ مُتقلِّبة. فلا تسمحُ لكَ بأن تُغضِبَ صاحِبَها، ولا أن تُحزِنَه. فهذا هو تعبيرٌ خارِجي عن حقيقةٍ داخليَّة، لأنَّ هكذا شخصٌ لا يبحَثُ عن صالِحِه الشخصي، ولا يتآكلُهُ الإشفاقُ على الذات أو الانهماكُ بالذات.
والمحبَّةُ "لا تظنُّ السوء". هذا يعني أنَّ المحبَّة تجعلُ الإنسانَ لا يحفظُ سِجِلاً بأخطاءِ الآخرين. بِكلامٍ آخر، يُصبِحُ لدى الإنسان ذاكِرةً مُقدَّسة. هل تُمسِكُ سجلات بِأخطاء زوجَتِكَ أو زوجَكِ؟ إن كُنتَ تفعَلُ، أعتقِدُ أن هذا لا يأتي من محبة المسيح في قلبِكَ. سببُ كونِ هذا الحُب لا يحفظُ خارِجياً سجلات أخطاء الشريك الآخر هو أنَّهُ داخِلياً لا يفرحُ بالإثم، مما يعني أنهُ لا يفرحُ بأخطاءِ وفشلِ الشريكِ الآخر المحبوب. وإذا حدثَ وفشِلَ الشريكُ الآخر، يتألَّمُ المُحِبُّ ويُسَتِّرُ عن خطأ الشريكِ الآخر خارِجياً. وهو يفرحُ داخِلياً بِنجاحِ الشريكِ الآخر. هذا ما تعنيهِ عبارَة "المحبَّةُ تفرحُ بالحق". أن نفرحَ عندما يسودُ الحقُّ في حياةِ الشريك الآخر هو تعبيرٌ عن محبَّةِ المَسيح.
ويقولُ العددُ السابِع أن المحبَّةَ"تحتَمِلُ كُلَّ شيء، وتُصدِّقُ كُلَّ شيء، وترجو كُلَّ شيء، وتصبِرُ على كُلِّ شيء." فعندَما يسقُطُ مَوضُوعُ حُبِّنا، أي الشريكُ الآخر، يُستِّرُ عليهِ الحبيبُ. هذا ما تعنيهِ عبارَة "تحتَمِلُ كُلَّ شيء." المحبَّةُ هي أن يكونَ لدَينا الإيمان والثقة بقُدرَةِ وطاقةِ الشريكِ الآخر موضُوعِ الحُبّ. وهذا يُؤدِّي الكثيرَ من الخيرِ للآخرين.
عندما كُنتُ شاباً يافِعاً ولا أتمتَّعُ إلا بالقليلِ من الطاقَةِ الهزيلَةِ، كانَ لديَّ راعي كنيسة يُعامِلُني بهذه الطريقة مما أفادَني كثيراً. وكانَ عادةً يقولُ، "أنا أثقُ بكمالِك." وبالطبعِ أنا لم أُصبح كامِلاً، فأن ترى شخصاً يقولُ أنَّهُ يثقُ بِكمالِك، اعتقدتُ أنُّهُ يمزح، ولكنَّهُ كانَ جادَّاً. لقد وثقَ بي بالفعل. لقد "صدَّقَ كُلَّ شَيء."
وبما أنَّ المحبَّةَ لدَيها الإيمان لترى قدرةَ وطاقةَ الشريك الآخر، فهي ترجُو كُلَّ شيء، مما يعنِي تنتظِرُ بِفَرَحٍ إتمامَ ما تراهُ وتثِقُ به. وعندها، بينما تثِقُ وتنتظرُ لإتمامِ ما تراهُ في موضُوعِ الحُب، أي في الشريكِ الآخر، "تحتَمِلُ كُلَّ شيء." يعني هذا بالأصلِ اليوناني أنَّها تُثابِرُ بالثقةِ والانتظار. كُلُّ هذا مُعبَّرٌ عنهُ خارِجيَّاً، لأنَّ المُحِبَّ لديهِ داخِليَّاً هذهِ الثقة المُقدَّسة. هذه الثِّقة هي لَيسَت بمَوضُوعِ الحُب، بِمقدارِ ما هِي بقُدرَةِ المسيح أن يعمَلَهُ مع ومن خِلالِ مَوضُوعِ الحُب أو المحبُوب.
وأخيراً، يُؤكِّدُ لنا بُولُس أنَّ المحبَّةَ "لا تسقُطُ أبداً" (عدد 8). نحنُ نفشَلُ أو نسقُطُ في المحبَّة، ولكنَّ المحبَّةَ لا تسقطُ أبداً. والمُحِبُّ يعرِفُ داخِليَّاً أنَّ المحبَّةَ التي يكنُّها نحوَ موضُوعِ الحُبِّ لن تسقُطَ أبداً ولن تفشَلَ ولن تفقُدَ تأثيرها على موضُوعِ الحُبِّ أو الشريكِ الآخر. بِكلماتٍ أُخرى، يستمرُّ المُحِبُّ بالقولِ للشريكِ الآخر، "لن يمنعَنِي أيُّ شيءٍ تقولِينَهُ أو تفعلينَهُ عن حُبِّي لكِ. لأنَّنِي أُحِبُّكِ بمحبَّةِ المسيح التي تحتَمِلُ كُلَّ شيء."
على ضَوءِ هذه الفضائِل الخمسة عشر، أنظُر إلى زوجتِكَ أو إلى زوجِكِ، وإسأل نفسَكَ، "عندما أقولُ أنَّني أُحبُّها، ماذا أعني بذلك؟" فإن كانَ الروحُ القُدُسُ ساكِناً فيك، سيكونُ لديكَ الإمكانيَّة بأن تُحِبَّ زوجَتَكَ بِهذه المحبَّة المُعنقَدَة بالفضائل. هذه هي القُوَّة الديناميكيَّة التي تُفعِّلُ الوِحدَةَ بينَ شَريكَين يعيشانِ في زواجٍ مسيحيّ كما خطَّطَ الله عندما خلقَ الإنسانَ ذَكراً وأُنثَى. وبدونِ هذه الديناميكيَّة، ستكونُ وِحدَتُكُما مُجتَزَءَةً من روحِ قانُونِ الزواج والعائلة. ولكن، إن كانَ لكُما بِنعمةِ الله هذه الديناميكيَّة، فهذه المحبَّة تستطيعُ أن تجعل من الوِحدَة أن تكونَ بحسبِ قصدِ الله.
- عدد الزيارات: 12536