الفصلُ الخامِس رابِطُ الإنسِجام
الإنسجامُ أو التلاؤُم هو برهانُ الوحدَة التي خطَّطَ لها اللهُ للزوجِ والزوجة. إن مفهُومَ الإنسجام يجعلُ الكثيرينَ منَّا يُفكِّرُونَ بذلكَ الشعور الذي يُراوِدُنا عندما نكونُ بجانِبِ شخصٍ نشعُرُ بالجاذِبيَّة تِجاهَه. ينبغي أن نقول أن الإنسجامَ الجسدي مُهمٌّ. ولكن الإنسجام لا يعني فقط الكيمياء، بل يعني أيضاً قضايا مثل القِيَم. فهل قِيَمُكُما مُنسَجِمَة؟ هُنا تجدُ الكثيرُ من الزيجاتِ مشاكِلَها. أحياناً يتزوَّجُ الشُّبَّانُ والشابَّاتُ، دونَ أن يتكلَّموا عما إذا كانوا مُنسَجِمين روحيَّاً. ولكن بعدَ الزواج، يكتَشِفُونَ أنَّهُم غيرُ مُنسَجِمينِ في قيمَهم الروحيَّة.
مثلاً، تزوَّجَت فتاةٌ وأصبحَت حامِلاً، فطلبَ منها زوجُها الشاب أن تتخلَّصَ من الجنين بالإجهاض. فقالَت، "لن أفعَلَ ذلكَ لأنَّهُ يتعارَضُ معَ إيمانِي." فأجابَ زوجُها، "ولكن ما علاقَةُ هذا بالإيمان؟ فنحنُ لا نستطيعُ تحمُّلَ مصارِيف الطفل. تخلَّصِي من الطفل." فما كانَ منهُما إلا أن تطلَّقا. مِنطَقَةٌ أُخرى من إتِّضاحِ القِيَم، والتي تقودُ غالِباً إلى الطلاق اليوم، هي تعريفُ دَور الزوج والزوجة. من الضروري أن يُوافِقَ الشاب والشابَّة على الأدوار والمَسؤُوليَّات التي يُخطِّطُ كُلٌّ منهُما لتحمُّلِها، ويتوقَّع من الآخر الأمرَ نفسَهُ، قبلَ أن يتَّخِذا قرارَ الزواج.
ينبَغِي أن تكونَ مُنسَجِماً أو مُتلائِماً في قِيَمِكَ مع شريكةِ حياتِك. فإن كُنتُما مُنسَجِمَين، وإن كُنتُما واحِداً في المسيح وكانت قِيَمُكُما مُؤسَّسَةً على الكَلِمَة، فكِّرا بالإنسجامِ الروحي الذي سينتُجُ عن هذه الوحدَة. وسيكونُ إنسِجامُكُما الرُّوحي الأساس الذي على أساسِهِ سوفَ تُحدِّدانِ الأدوارُ والمسؤوليَّات التي تترتَّبُ على كُلٍّ منكُما في هذه العلاقة. إنَّ إنسِجامَكُما الرُّوحي سوفَ يُعرِّفُ القضايا الرُّوحيَّة والأدبيَّة، وكيفيَّة إستخدامِكُما لأوقاتِكُما ومالكُما، وما يُريدُ كُلٌّ منكُما للأولاد، وكُلَّ ناحية أُخرى في حياتِكُما معاً.
إنَّ تاريخَ كلِمَة انسجام أو تلاؤُم يرجِعُ إلى ذلكَ الوقت عندما شعرَ الناسُ كذلكَ حِيالَ الحياة. وتأتي عِبارَة إنسجام من كلِمَتين معناهُما، "مع" و "تألُّم." ففي الماضِي اعتُبِرَ الشريكانِ المُنسجِمان مُتلائمين للزواج، لأنّهما قرَّرا أن يتألَّما معاً. قد تبدُو هذه نظرة سلبيَّة للحياة، ولكن هذه كانت الحقيقة. لقد كانتِ الحياةُ صعبَةً جِدَّاً في الماضِي. هل سبقَ لكَ وزُرتَ مدفناً وتأمَّلت كم من الأطفالِ دُفِنُوا هُناك؟ في الماضِي كانت عائلاتٌ الناسُ عادةً كبيرة، وكانُوا يُنجِبُونَ الكثيرَ من الأولاد، بسببُ أنَّ هذه العائلات كانت تخسَرُ نصفَ أولادِها الذين يموتون بالأمراض.
لهذا قُلنا أنَّ الأهم بينِ كُلِّ علاقات الاتِّصال هذه، هي علاقة الإنسجام بينَ الزوج والزوجة. لأنَّك عندما تخسَرُ ولداً، فأنتُما تخسَرانِه معاً، وتختَبِرانِ هذا معاً، وتتألَّمُ معَ زوجتك. ولكن عندما تخسَرُ زوجتك، سوفَ تتألَّمُ لِوَحدِك. لقد سمِعتُ الكثير من الشُّركاء الزَّوجِيِّين يُقرُّونَ هذه الحقيقة، أنَّهم عندما يكُونُونَ في علاقَةٍ جَيِّدَةٍ معَ الربِّ ومعَ بعضِهم، يستطيعونَ تحمُّلَ كُلِّ الصُّعُوبات. إنَّ هذا لتَلخيصٌ مُوجز لمعنى كلمة "إنسجام."
لقد أصبَح المعنى المألوف اليوم لكلمة انسجام، شخصانِ مُناسِبانِ لبعضِهِما ومُتلائمان. لديهما ميزات مُتشابِهة في شخصيَّتِهما وفي قِيَمِهما، وفي أهدافِهِما. ولكن بعدَ أن يتزوَّجَ الناس يكتَشِفُونَ أنَّ كلَّ كائنٍ بشري لديهِ إيجابِياتُه وسلبياتُهُ. عادَةً في بِدايةِ الزواج أنت لا ترى السلبيات، ولكن بعدَ فترةٍ من الزواج، تبدأُ بإدراكِ أنَّكَ تتعاملُ معَ مجموعةٍ من الإيجابيَّات والسلبِيَّات. وللأسَف عندَما تظهَرُ هذه الحقيقة، يُقرِّرُ الكثير من الأزواج، "أنا أعتقِدُ أننا لم نعُد مُتلائمين. لهذا فسوفَ أُجرِّبُ حَظِّي معَ مجمُوعَةٍ أُخرى من الإيجابياتِ والسلبيات معَ شريكٍ آخر."
لقد أصبَحَ الطلاقُ والإنفِصال مألوفَين في هذه الأيَّام، لأنَّ المُجتَمَعَ المُعاصِر يقولُ أنَّ عدمَ الانسجام هو سببٌ لإنهاءِ الزواج. في الواقِع، تستطيعُ أن تجِدَ في الحضارات المُختَلِفَة، شتَّى أنواع الأسباب القانُونيَّة للطَّلاق. أمَّا الكتابُ المقدَّس فيُعطيكَ سبباً واحِداً للطلاق، وهو ليسَ عدم الانسجام، بل عدم الأمانة، أو الخِيانة الزوجيَّة. كما قُلنا، إنَّ الزواجَ مبنِيٌّ على الحصريَّة، واللهُ لا يطلُبُ منكَ أن تعيشَ معَ شريكِ حياةٍ لا يُطبِّقُ الحصريَّة ولا يستقصي الآخرين من حياتِه.
- عدد الزيارات: 11401