الفَصلُ الثامِن عشَر محبَّةُ بعضنا البَعض
في هذه الدِّراسات، رأَينا القيمةَ الكُبرى التي وضعها يسُوعُ على المحبَّة في علاقاتِهِ معَ الناس. لقد حَضَّ تلاميذَهُ، خاصَّةً رُسُلَهُ لِيَعتَرِفُوا بالقيمةِ التي وضعها على المحبَّة. مُباشَرَةً قبلَ أن يمُوتَ على الصَّلِيب، قضى يسُوعُ ساعاتِهِ الأخيرة معَ الرُّسُل. وفي لِقائِهِ معَهُم في العُلِّيَّة، أعطاهُم وصيَّتَهُ الجَديدة. ولقد أوجدت هذه الوصيَّةُ الجديدة جماعةً جَديدةً. وأصبَحَت هذه الجَماعَةُ الجديدةُ الكَنيسةَ. وهكذاَ فكُلُّ كَنيسةٍ ينبَغي أن تكُونَ جماعَةَ محبَّة.
كُلُّ واحِدٍ من الرُّسُل كانَ معَ يسُوعُ في تِلكَ العُلِّيَّة، كانَ هُناكَ لأنَّهُ عرفَ أنَّ يسُوعَ أحبَّهُم وكانُوا يتجاوَبُونَ معَ محبَّتِهِ. تقولُ الأعدادُ الإفتِتاحِيَّة من الإصحاحِ الذي يَصِفُ هذه الساعات الأخيرة التي قضاها يسُوعُ معَ رُسُلِهِ، "وإذ كانَ قد أحَبَّ خاصَّتَهُ الذين في العالَم، أحبَّهُم إلى المُنتَهى." (يُوحنَّا 13: 1)
أعتَقِدُ أنَّ يسُوعَ تحدَّاهُم بطريقَةٍ ثَوريَّة عندما طلبَ من كُلِّ واحِدٍ منهُم أن ينظُرَ عبرَ المائدة إلى التلميذِ الآخر ويُطبِّقَ هذه الوصيَّة الجديدة: "وصيَّةً جديدَةً أُعطيكُم. أن تُحِبُّوا بعضُكُم بعضاً. كما أنا أحبَبتُكُم، هكذا تُحِبُّونَ بعضُكُم بعضاً. بِهذا يعرِفُ الناسُ أنَّكُم تلاميذِي إن كانَ لكُم حُبٌّ بعضُكُم لِبَعض." (يُوحنَّا 13: 34، 35) في هذه الدِّراسة، سوفَ نتأمَّلُ بالقِيمَةِ التي وضعها يسُوعُ على محبَّتِنا لبِعضِنا البَعض.
"أيُّهاالأولاد، أحِبُّوا بعضُكُم بعضاً"
"أيُّها الأحِبَّاء، لِنُحِبَّ بعضُنا بعضاً لأنَّ المحبَّةَ هي من الله وكُلُّ من يُحِبُّ فقد وُلِدَ من الله ويعرف الله. ومن لا يُحِبُّ لم يعرفِ الله لأنَّ اللهَ محبَّة." (1يُوحنَّا 4: 7، 8) هذه الأعداد كتبَها أحدُ الرُّسُل الذين سمِعُوا يسُوعَ يُعطي هذه الوصيَّة الجديدة. فالرسُولُ يُوحنَّا إعتَرَفَ فِعلاً بالقيمَةِ التي أولاها يسُوعُ للمحبَّة. لقد عُرِفَ بِرَسُولِ المحبَّةِ، لأنَّهُ في كتاباتِهِ، إستخدمَ كلمة "محبَّة" أكثر باقِي الرُّسُل مُجتَمِعين. ويبدُو أنَّهُ إستُؤسِِرَ بحقيقَةِ محبَّةِ يسُوع لهُ، عندما وصَفَ نفسَهُ في إنجيلِ يُوحنَّا بكامِلِهِ، كالتِّلميذِ الذي أحبَّهُ يسُوع. وعندما كانَ يُوحنَّا يُقدِّمُ سفرَ الرُّؤيا ليسُوع، سمَّى يسُوعَ في الأعدادِ الإفتِتاحِيَّة "الذي أحبَّنا."
عشرةُ أسبابٍ من أجلِها ينبَغي أن نُحِبَّ بعضُنا بعضاً
يَظُنُّ الكَثيرُونَ أنَّ بُولُس الرسُول هُوَ رَسُول المحبَّة، لأنَّهُ هُوَ الذي كتبَ ما يُسمَّى إصحاح المحبَّة في الكتابِ المقدَّس، الإصحاح الثالِث عشر من كُورنثُوس الأُولى. بينما المَوضُوع الأساسيّ في هذا الإصحاح هُوَ بالحقيقَةِ المواهِب الرُّوحيَّة. إصحاحُ المحبَّةِ الحقيقي في الكتابِ المقدَّس هُوَ الإصحاحُ الرابِع من رسالة يُوحنَّا الأُولى (1يُوحنَّا 4: 7- 21). في إصحاح المحبَّةِ هذا، يُعطي يُوحنَّا على الأقل عشرةَ أسبابٍ من أجلِها علينا أن نُحِبَّ بعضُنا بَعضاً. دَعُونا ننظُرُ إلى البَعضِ منها.
في العدد السابِع يُخبِرُنا يُوحنَّا، "لِنُحِبَّ بعضُنا بعضاً لأنَّ اللهَ محبَّة." وهُوَ يقصُدُ بهذا أنَّهُ علينا أن نُحِبَّ بعضُنا بعضاً لأن وحدَهُم أُولئكَ الذين لهُم علاقة معَ الله يستطيعُونَ أن يُحِبُّوا بهذه المحبَّة. في العددِ الثامِن، يُعطي يُوحنَّا سبباً آخَر، الذي هُوَ أنَّ المحبَّة هي بُرهان مِصداقِيَّة تِلميذ يسُوع المسيح.
في العَدَدَين التاسِع والعاشِر، يُعطي يُوحنَّا بعضَ الأسبابِ الإضافِيَّة لماذا علينا أن نعتَرِفَ بالقيمةِ التي وضعها يسُوعُ على محبَّتِنا لبَعضِنا البَعض: "بِهذا أُظهِرَت محبَّةُ اللهِ فينا أنَّ اللهَ قد أَرسَلَ إبنَهُ الوَحيد إلى العالَم لِكَي نحيا بهِ. في هذا هي المحبَّة ليسَ أنَّنا نحنُ أحبَبنا الله بل أنَّهُ هُوَ أحبَّنا وأرسَلَ إبنَهُ كفَّارَةً لِخطايانا." ثُمَّ يُضيفُ على هذا المُلاحظَةَ التالِيَة، "أيُّها الأحِبَّاء، إن كانَ اللهُ قد أحَبَّنا هكذا ينبَغي لَنا أيضاً أن نُحِبَّ بعضُنا بَعضاً." فهُوَ يقُولُ بأنَّهُ علينا أن نعتَرِفَ بالقيمةِ التي أعطاها يسُوعُ للمحبَّة، بسبب المِثال العظيم الذي قدَّمَهُ لنا يسوعُ عندما ماتَ على الصليب من أجلِ خطايانا.
إذا تابَعتَ دِراسَة هذه الأعداد في الإصحاحِ الرابِع من رسالة يُوحنَّا الأُولى، ستكتَشِفُ أسباباً إضافِيَّةً لضَرورَِةِ محبَّتِنا لبَعضِنا البعض. مثلاً، يُتابِعُ يُوحنَّا القَول في العدد 16: "اللهُ محبَّة ومن يثبُتْ في المحبَّة يثبُتْ في اللهِ واللهُ فيهِ." يقُولُ يُوحنَّا هُنا أنَّنا إذا إعتَرَفنا بالقيمةِ التي أولاها يسُوعُ للمحبَّة، نَصِلُ إلى جوهَرِ طبيعَةِ الله. وعندما نُصبِحُ قنواتِ محبَّةِ الله، نثبُتُ في محبَّتِهِ وتثبُتُ محبَّتُهُ فينا. وعندَما نثبُتُ في محبَّةِ الله، نثبُتُ في اللهِ نفسِه. بُرهانُ كونِنا نتمتَّعُ بهذه العلاقة معَ الله هُوَ أنَّ محبَّتَهُ قد تكمَّلَت فينا. بإمكانِ النَّاس عندَها أن ينظُروا إلينا ويرَوا محبَّةَ الله.
أختُمُ دراسَتَنا للقِيمَةِ التي وضعها يسُوعُ على محبَّتِنا لبَعضِنا البعض، بأن أطلُبَ منكَ أن تقرَأَ برويَّةٍ وبِرُوحِ الصلاة مقطَعاً من إصحاحِ المحبَّةِ هذا، الذي كتبَهُ يُوحنَّا الرسُول. وبينما تتأمَّلُ بهذا التحريض من قِبَلِ الرسُول يُوحَنَّا، بأن تعتَرِفَ بالقِيمَةِ التي أولاها يسُوعُ لضرورَةِ محبَّتِنا لبَعضِنا البَعض، حاوِل أن تُحدِّدَ الأسبابَ العَشرة التي من أجلِها علينا أن نُحِبَّ بعضُنا بعضاً. دوِّن لائِحَةً بهذه الأسباب. ضَعْ هذه اللائحة في مكانٍ تراهُ كُلَّ يوم. ثُمَّ، إعتَرِفْ يوميَّاً بالقيمةِ التي أولاها يسُوعُ لِمَحَبَّةِ بعضِنا بعضاً.
مقطَعٌ من إصحاحِ المحبَّة من رِسالَةِ يُوحنَّا الأُولى
أيُّها الأحِبَّاء لِنُحِبَّ بعضُنا بعضاً لأنَّ المحبَّة هِيَ من الله وكُلُّ من يُحِبُّ فقد وُلِدَ من الله ويَعرِف الله. ومن لا يُحِبُّ لم يعرِف الله لأنَّ اللهَ محبَّة. بِهذا أُظهِرَت محبَّةُ اللهِ فينا أنَّ اللهَ قد أرسَلَ إبنَهُ الوحيد إلى العالم لِكَي نحيا بهِ. في هذا هي المحبَّة ليسَ أنَّنا نحنُ أحبَبنا اللهَ بَلْ أنَّهُ هُوَ أحبَّنا وأرسَلَ إبنَهُ كفَّارَةً لِخَطايانا. أيُّها الأحِبَّاء إن كانَ اللهُ قد أحَبَّنا هكذا فيَنبَغي أن يُحِبَّ بَعضُنا بعضاً.
"اللهُ لم ينظُرْهُ أحدٌ قَطّ. إنْ أحَبَّ بَعضُنا بعضاً فاللهُ يَثبُتُ فينا ومحَبَّتُهُ قد تكمَّلَت فينا. بِهذا نعرِفُ أنَّنا نثبُتُ فيهِ وهُوَ فينا أنَّهُ قد أعطانا من رُوحِهِ. ونحنُ قد نظَرنا ونَشهَدُ أنَّ الآبَ قد أرسلَ الإبنَ مُخَلِّصاً لِلعالَم. من إعتَرَفَ أنَّ يسُوعَ هُوَ إبنُ الله فاللهُ يَثبُتُ فيهِ وهُوَ في الله. ونحنُ قد عرَفنا وَصَدَّقنا المحبَّةَ التي للهِ فينا. اللهُ محبَّةٌ ومن يثبُتْ في المحبَّة يثبُتْ في اللهِ واللهُ فيه... ولنا هذه الوَصيَّة منهُ أنَّ من يُحِبُّ اللهَ يُحِبُّ أخاهُ أيضاً. (1يُوحنَّا 4: 7- 16، 21)
- عدد الزيارات: 7582