الفَصلُ الرِّابِع عشَر أولَوِيَّاتُ النَّاس
لا نزالُ ندرُسُ نِظامَ قِيَمِ يسُوع المَسيح. فنحنُ بِصَدَدِ إقتِفاءِ آثارِهِ عبرَ الأناجيل، مُراقِبينَ إيَّاهُ وهُوَ يُعرِّفُ قِيَمَهُ. لقد برهَنَ يسُوعُ قيمَهُ أحياناً من خِلالِ أولويَّاتِه. هُناكَ قِصَّةٌ تُدهِشُنا في إنجيلِ لُوقا، التي تُبَرهِنُ لِلشعب أولويَّاتِِ يسُوع:
"وإذا رَجُلٌ إسمُهُ يايرُس قد جاء. وكانَ رَئيسَ المجمَع. فوقعَ عندَ قَدَمَيْ يسُوع وطَلَبَ إليهِ أن يدخُلَ بيتَهُ. لأنَّهُ كانَ لهُ بِنتٌ وَحيدَةٌ له نحوُ اثنَتَي عشرةَ سنَةً وكانَت في حالِ الموت. فَفِيما هُوَ مُنطَلِقٌ زحَمَتْهُ الجُموع.
"وإمرأَةٌ بِنَزفِ دَمٍ منذُ إثنَتَي عشرَةَ سنَةً وقد أنفَقَت كُلَّ مَعِيشتِها لِلأطِبَّاء ولم تقدِرْ أن تُشفَى من أحَد. جاءَت من ورائِهِ ولمَست هُدبَ ثوبِهِ. ففي الحال وقفَ نزفُ دَمِها.
"فقالَ يسُوعُ من الذي لَمَسَني. وإذ كانَ الجَميعُ يُنكِرُونَ قالَ بُطرُس والذِينَ معَهُ يا مُعَلِّم الجُمُوعُ يُضَيِّقُونَ عليكَ ويزحَمُونَكَ وتَقُولُ من الذي لمَسَمني. فقالَ يسُوعُ قد لمَسَني واحِدٌ لأنِّي عَلِمتُ أنَّ قُوَّةً قد خرَجَت منِّي.
"فَلَمَّا رَأَتِ المرأَةُ أنَّها لم تختَفِ جاءَت مُرتَعِدَةً وخَرَّت لهُ وأَخبَرَتْهُ قُدَّامَ جَميعِ الشعب لأيِّ سَبَبٍ لَمَستْهُ وكَيفَ بَرِئَت في الحال. فقالَ لها ثِقِي يا ابنة. إيمانُكِ قد شَفاكِ. إذهبِي بِسلام." (لُوقا 8: 41- 56)
في هذه القصَّة الجملية، نرى يسُوعَ مُجدَّداً يضعُ قيمةً كُبرى على الأشخاصِ الضَّالِّينَ والمُتَأَلِّمين. ولكن هُنا نجِدُ أزمَةً. فلقد إلتَقى يسُوعُ بِشخصَينِ مُتألِّمَين: والِدٌ كانت إبنتُهُ على فِراشِ الموت، وهذه المرأة التي كانت تنزِفُ منذُ إثنَتَي عشرَةَ سنَةً. حتَّى يسُوع، في الجسد، لم يكُنْ قادِراً أن يكُونَ في مكانَينِ في وقتٍ واحِد. كُلُّ راعي كنيسة أو مُساعِدٌ صِحِّيٌّ يعرِفونَ الضغط الناتِج عن أولويَّات الناس. فعندما يكُونُ وقتُكَ مملووءاً بالمشاغِل، ويكُونُ هُناكَ العديدُ من الأشخاصِ المُتَألِّمين، كيفَ تتَّخِذُ القرارات التي قد تُصنَّفُ بِحَسَبِ أولويَّاتِ النَّاس؟
في هذه المُناسَبة، عرفَ يسُوعُ أولويَّاتِه. فلقد خدمَ أوَّلاً هذه المرأة، ثُمَّ توجَّهَ ليخدُمَ والِدَ الفتاة. لو تواجَهنا نحنُ معَ هذين الشخصَين، لكانَ الكثيرونَ منَّا وضعُوا والِدَ الفتاة التي كانت تحتَضِرُ أوَّلاً، ومن ثمَّ المرأة النازِفة. فلقد كانَ الوالِدُ رئيسَ المجمَع، أمَّا المرأَةُ فلم تكُنَ ذاتَ شأنٍ أو أهمِّيَّة. بالواقِع، لقد كانت منبُوذَةً. ففي نامُوسِ مُوسى، كانَ مُحظَّرَاً عليها أن تَلمُسَ أيَّاً كان، وكانَ مفرُوضاً عليها أن تعزُلَ نفسَها عن أيَّةِ علاقاتٍ إجتِماعِيَّةٍ معَ النَّاس (لاوِيِّين 15: 19- 30). وكانَت تُصنَّفُ حرفِيَّاً تحتَ إطار "ممنُوع اللمس." وهذا يدعُونا للتَّعجُّبِ من كونِ يسُوع قد ساعدَها أوَّلاً، ثُمَّ ساعدَ الوالِد.
فلماذا ساعدها يسُوعُ أوَّلاً، وأجَّلَ مُساعدَةَ الوالِد، عالِماً أن إبنتَهُ كانت ستمُوتُ خِلالَ مُساعدتِهِ للمرأة؟ أحد الأجوِبَة هُوَ أنَّ هذا الوالِد كانَ قدِ إختَبَرَ إثنَتَي عشرَةَ سنَةً من السَّعادَة معَ إبنتِهِ الصغيرة، بينما كانت هذه المرأةُ قد عانَت لمُدَّةِ إثنَتَي عشرةَ سنةً من الكآبَةِ بسبب كونِها منبُوذَةً، مريضَةً، ومحظُوراً عليها التعاطي معَ الآخرين.
لقد كانَ لدى هذه المرأة إيماناً كبيراً. فحتَّى ولو كانَ محظُوراً عليها ذلكَ، إلا أنَّها تحلَّت بالإيمان وقالَت، "لو إستَطعتُ أن ألمُسَ هُدبَ ثَوبِهِ فقَط، فأنا أعلَمُ أنَّني سأُشفَى." لقد عبَّرَت عن إيمانٍ عَظيمٍ عندما خرجَت ولمسَت هُدبَ ثوبِ يسُوع. فطلبَ يسُوعُ منها المزيدَ من الإيمان. لقد فضَحها وألزَمَها بأن تعتَرِفَ علانِيَةً بما حدَثَ، من خِلالِ سُؤالِهِ، "من الذي لَمَسَني؟" ولقد قصدَ بذلكَ أنَّ شخصاً ما لمَسَهُ بطريقَةٍ رُوحيَّة. يُخبِرُنا الكتابُ المقدَّسُ، بطريقَةٍ أو بِأُخرى، أنَّهُ لا يُمكِنُ للمُؤمن أن يكُونَ مُؤمِناً سِرِّيَّاً.
- عدد الزيارات: 6039