الفَصلُ الخامِس "الإنضِباطُ الرُّوحِيُّ والقِيَمُ العامُوديَّة" - مَبدَأُ العَطاء الرُّوحِيّ
مَبدَأُ العَطاء الرُّوحِيّ
"إحتَرِزُوا من أن تَصنَعُوا صَدَقَتَكُم قُدَّامَ النَّاس لِكَي ينظُرُوكُم. وإلا فلَيسَ لكُم أجرٌ عندَ أبيكُم الذي في السَّماوات. فمتَى صَنَعَتَ صَدَقَةً فلا تُصَوِّتْ قُدَّامَكَ بالبُوق كما يفعَل المُراؤُون في المَجامِع وفي الأزِقَّة لِكَي يُمَجَّدُوا منَ النَّاس. الحَقَّ أقُولُ لكُم إنَّهُم قدِ إستَوفُوا أجرَهُم. وأمَّا أنتَ فمتَى صَنَعتَ صَدَقَةً فلا تُعَرِّفْ شمالَكَ ما تَفعَلُ يمينُكَ. لِكَي تَكُونَ صَدَقَتُكَ في الخَفاء. فأَبُوكَ الذي يرى في الخَفَاءِ هُوَ يُجازِيكَ علانِيَةً." (متَّى 6: 1- 4)
لقد لاحَظتُ أنَّ بِرَّ الكَتَبَة والفَرِّيسيِّين كانَ أُفُقِيَّاً، بينَما البِرُّ الذي علَّمَ بهَ يسُوع وطالَبَ بهِ تلاميذَهُ فَكانَ عامُودِيَّاً. تُظهِرُ الأعدادُ الأربَعة الأُولى من هذا الإصحاحِ السَّادِس هذا التَّمييزَ بِبَلاغَة. رُغمَ أنَّنا نَستَصعِبُ تَصَوُّرَ هذا الأمر اليَوم، ولكن بالحَقيقَة كانَ الفَرِّيسيُّونَ يَحمِلُونَ بُوقاً صَغيراً تحتَ أثوابِهِم، وقبلَ أن يَضَعُوا قطعَةً منَ النُّقُودِ في كأسِ المُتَسَوِّل، كانُوا ينفُخُونَ بالبُوقِ ليَلفتُوا أنظارَ المارَّة. لقد أرادُوا أن يرى النَّاسُ عطاءَهُم ويُمَجِّدُوهُم على تقواهُم وكَرَمِهِم.
قالَ يسُوعُ كَلِمَتَهُ المُفَضَّلَة لأُولئِكَ الذين كانُوا يُمارِسُونَ هذا الأمر: "مُراؤُون!" مثل المُمَثِّلينَ اليُونان، كانَ هؤُلاء الفرِّيسيُّونَ يضعُونَ قناعاً، وكانُوا يلعَبُونَ مُجرَّدَ دَورٍ مَسرَحِيٍّ عندما كانُوا يُعطُونَ بهذه الطَّريقَة. ومنَ الواضِحِ أنَّهُم كانُوا يُمارِسُونَ بِرَّهُم أمامَ النَّاس – ليرَاهُم النَّاس ويُمَجِّدُوهم – الأمرُ الذي دفعَ بيَسُوع ليُعطِيَ هذه التَّعليمات عنِ العَطاء لتلاميذِهِ. كانَ تعليمُهُ لتلاميذِهِ أن يُعطُوا في الخَفاءِ وبالسِّرّ – دُونَ أن يَدَعُوا يُسراهُم تعلَمُ ما فعلَت يُمناهُم.
عندما كانَ هؤُلاء المُراؤُونَ يحصَلُونَ على مَجدِ ومَديحِ النَّاس، كانُوا يحصُلُونَ بذلكَ على الأجرِ الوحيد الذي سينالُونَهُ على عطائِهِم. أمَّا تلاميذُ يسُوع فكانَ عليهِم أن يُعطُوا بالسِّرّ للهِ الذي يرى ما تمَّ تقديمُهُ بالخَفاءِ. وهُوَ سيُكافِئُهُم علانِيَةً على عطائِهم وتقواهُم بالخَفاء – الأمرُ الذي هُوَ جَوهَرُ الإيمان والعِبادَة. إصحاحُ الإيمانِ في الكتابِ المُقدَّس يُخبِرُنا أنَّ الذي يأتي إلى الله ينبَغي أن يُؤمِنَ أنَّهُ مَوجُودٌ وأنَّهُ يُجازِي الذين يطلُبُونَهُ بجَدٍّ، لأنَّهُم يُؤمِنُون بأنَّهُ مَوجُودٌ (عبرانيِّين 11: 6).
قبلَ أن نحكُمَ حُكماً قاسِياً على هؤُلاء الفَرِّيسيِّين، عَلَينا أن نسأَلَ أنفُسَنا إن كُنَّا نحنُ لا نَقُومُ بِدَورِنا بنفخِ البُوقِ بالمَعنَى المجازِيّ للكَلِمة، عندما نُعطي بطريقَةٍ يعرِفُ فيها النَّاسُ أنَّنا نُعطِي. كراعي كَنيسة، وَجدتُ أنَّ التَّقدِمات الكَبيرَة كانت غالِباً تُسَلَّمُ بطريقَةٍ شخصيَّةً، لكي يعرِفَ القَسِّيس وأحياناً الكنيسة بأسرِها من هُوَ الذي أعطَى هذا المبلغ الكَبير منَ المال. قِيلَ لي أنَّهُ لإختِبارٌ رائِع أن يُعطَى مبلَغٌ كبيرٌ منَ المال بطريقَةٍ سِرِّيَّةٍ في الخَفاء، ومن ثَمَّ أن يَتِمَّ إكتِشافُ هذا الأمر!
علينا أن نُلاحِظَ أنَّ أوَّلَ مبدأٍ رُوحيٍّ طلبَهُ يسُوعُ من أُولئِكَ الذين يُريدُونَ أن يكُونُوا جُزءاً من حُلُولِهِ وأجوِبَتِهِ – هُوَ مبدأ الوَكالَة. يُعلِّمُ يسُوعُ أنَّ اللهَ سيستَعيدُ الثَّروات أو البَركات الرُّوحيَّة – من تلميذٍ لم يَكُن أميناً على وكالَتِهِ (لُوقا 16: 10، 11). هذا يجعَلُ منَ العطاءِ واحِداً من أهمِّ التَّرتيبات الرُّوحيَّة في حياةِ التِّلميذ.
- عدد الزيارات: 15090