Skip to main content

الفَصلُ الخامِس "الإنضِباطُ الرُّوحِيُّ والقِيَمُ العامُوديَّة"

(متَّى 6: 1- 34)

هُنا يَحُضُّ يسُوعُ تلاميذَهُ للنّظَرِ إلى الدَّاخِل ليتأمَّلُوا بالمواقِفِ المُباركَة التي ينبَغي أن تَكُونَ في قُلُوبِهِم (متَّى 5: 3- 12). ثُمَّ يتحدَّاهُم لينظُرُوا حوالَيهم ويُطَبِّقُوا تلكَ التَّطويباتِ في علاقَاتِهِ (متَّى 5: 13- 48). وإلى أن كانَ قدِ إنتَهَى من تعليمِهِم كيفَ ينبَغي أن تُطَبَّقَ هذه التَّطويبات في علاقاتِهِم – خاصَّةً على خُصُومِهِم، على الأشرار، وعلى الأعداء – كانُوا قد أصبَحُوا أكثَرَ من مُستَعِدِّينَ لما كانَ سيُعَلِّمُهُ لهُم على التَّوّ.

يُسَجِّلُ الإصحاحُ السَّادِسُ تعليمات يسُوع لتلاميذِهِ لينظُرُوا بإتِّجاهٍ آخر. فها هُوَ الآن يتحدَّى تلاميذَهُ ليَجِدُوا الدِّيناميكيَّة التي أصبَحُوا مُقتَنِعينَ بحاجِتِهِم لها للنَّظَر إلى فَوق. بما أنَّ التَّلميذ، كما يحمِلُ إسمُهُ من معنى، قد إلتَزَمَ بأن يكُونَ شخصاً مُنضَبِطاً، فلقد وجَّهَ يسُوعُ تلاميذَهُ إلى النَّظَرِ إلى فَوق، بتعليمِهِم الأولويَّةِ الحَاسِمَة ليَعيشُوا حياتَهُم على أساسِ القِيَمة والمبادئ الرُّوحِيَّة والعمُوديَّة.


مَبدَأُ العَطاء الرُّوحِيّ

"إحتَرِزُوا من أن تَصنَعُوا صَدَقَتَكُم قُدَّامَ النَّاس لِكَي ينظُرُوكُم. وإلا فلَيسَ لكُم أجرٌ عندَ أبيكُم الذي في السَّماوات. فمتَى صَنَعَتَ صَدَقَةً فلا تُصَوِّتْ قُدَّامَكَ بالبُوق كما يفعَل المُراؤُون في المَجامِع وفي الأزِقَّة لِكَي يُمَجَّدُوا منَ النَّاس. الحَقَّ أقُولُ لكُم إنَّهُم قدِ إستَوفُوا أجرَهُم. وأمَّا أنتَ فمتَى صَنَعتَ صَدَقَةً فلا تُعَرِّفْ شمالَكَ ما تَفعَلُ يمينُكَ. لِكَي تَكُونَ صَدَقَتُكَ في الخَفاء. فأَبُوكَ الذي يرى في الخَفَاءِ هُوَ يُجازِيكَ علانِيَةً." (متَّى 6: 1- 4)

لقد لاحَظتُ أنَّ بِرَّ الكَتَبَة والفَرِّيسيِّين كانَ أُفُقِيَّاً، بينَما البِرُّ الذي علَّمَ بهَ يسُوع وطالَبَ بهِ تلاميذَهُ فَكانَ عامُودِيَّاً. تُظهِرُ الأعدادُ الأربَعة الأُولى من هذا الإصحاحِ السَّادِس هذا التَّمييزَ بِبَلاغَة. رُغمَ أنَّنا نَستَصعِبُ تَصَوُّرَ هذا الأمر اليَوم، ولكن بالحَقيقَة كانَ الفَرِّيسيُّونَ يَحمِلُونَ بُوقاً صَغيراً تحتَ أثوابِهِم، وقبلَ أن يَضَعُوا قطعَةً منَ النُّقُودِ في كأسِ المُتَسَوِّل، كانُوا ينفُخُونَ بالبُوقِ ليَلفتُوا أنظارَ المارَّة. لقد أرادُوا أن يرى النَّاسُ عطاءَهُم ويُمَجِّدُوهُم على تقواهُم وكَرَمِهِم.

قالَ يسُوعُ كَلِمَتَهُ المُفَضَّلَة لأُولئِكَ الذين كانُوا يُمارِسُونَ هذا الأمر: "مُراؤُون!" مثل المُمَثِّلينَ اليُونان، كانَ هؤُلاء الفرِّيسيُّونَ يضعُونَ قناعاً، وكانُوا يلعَبُونَ مُجرَّدَ دَورٍ مَسرَحِيٍّ عندما كانُوا يُعطُونَ بهذه الطَّريقَة. ومنَ الواضِحِ أنَّهُم كانُوا يُمارِسُونَ بِرَّهُم أمامَ النَّاس – ليرَاهُم النَّاس ويُمَجِّدُوهم – الأمرُ الذي دفعَ بيَسُوع ليُعطِيَ هذه التَّعليمات عنِ العَطاء لتلاميذِهِ. كانَ تعليمُهُ لتلاميذِهِ أن يُعطُوا في الخَفاءِ وبالسِّرّ – دُونَ أن يَدَعُوا يُسراهُم تعلَمُ ما فعلَت يُمناهُم.

عندما كانَ هؤُلاء المُراؤُونَ يحصَلُونَ على مَجدِ ومَديحِ النَّاس، كانُوا يحصُلُونَ بذلكَ على الأجرِ الوحيد الذي سينالُونَهُ على عطائِهِم. أمَّا تلاميذُ يسُوع فكانَ عليهِم أن يُعطُوا بالسِّرّ للهِ الذي يرى ما تمَّ تقديمُهُ بالخَفاءِ. وهُوَ سيُكافِئُهُم علانِيَةً على عطائِهم وتقواهُم بالخَفاء – الأمرُ الذي هُوَ جَوهَرُ الإيمان والعِبادَة. إصحاحُ الإيمانِ في الكتابِ المُقدَّس يُخبِرُنا أنَّ الذي يأتي إلى الله ينبَغي أن يُؤمِنَ أنَّهُ مَوجُودٌ وأنَّهُ يُجازِي الذين يطلُبُونَهُ بجَدٍّ، لأنَّهُم يُؤمِنُون بأنَّهُ مَوجُودٌ (عبرانيِّين 11: 6).

قبلَ أن نحكُمَ حُكماً قاسِياً على هؤُلاء الفَرِّيسيِّين، عَلَينا أن نسأَلَ أنفُسَنا إن كُنَّا نحنُ لا نَقُومُ بِدَورِنا بنفخِ البُوقِ بالمَعنَى المجازِيّ للكَلِمة، عندما نُعطي بطريقَةٍ يعرِفُ فيها النَّاسُ أنَّنا نُعطِي. كراعي كَنيسة، وَجدتُ أنَّ التَّقدِمات الكَبيرَة كانت غالِباً تُسَلَّمُ بطريقَةٍ شخصيَّةً، لكي يعرِفَ القَسِّيس وأحياناً الكنيسة بأسرِها من هُوَ الذي أعطَى هذا المبلغ الكَبير منَ المال. قِيلَ لي أنَّهُ لإختِبارٌ رائِع أن يُعطَى مبلَغٌ كبيرٌ منَ المال بطريقَةٍ سِرِّيَّةٍ في الخَفاء، ومن ثَمَّ أن يَتِمَّ إكتِشافُ هذا الأمر!

علينا أن نُلاحِظَ أنَّ أوَّلَ مبدأٍ رُوحيٍّ طلبَهُ يسُوعُ من أُولئِكَ الذين يُريدُونَ أن يكُونُوا جُزءاً من حُلُولِهِ وأجوِبَتِهِ – هُوَ مبدأ الوَكالَة. يُعلِّمُ يسُوعُ أنَّ اللهَ سيستَعيدُ الثَّروات أو البَركات الرُّوحيَّة – من تلميذٍ لم يَكُن أميناً على وكالَتِهِ (لُوقا 16: 10، 11). هذا يجعَلُ منَ العطاءِ واحِداً من أهمِّ التَّرتيبات الرُّوحيَّة في حياةِ التِّلميذ.


المَبدَأُ الرُّوحِيُّ عنِ الصَّلاة

يُطالِبُ يسُوعُ بهذه الذَّهنِيَّة ذاتِهِا عندما يُعَلِّمُ تلاميذَهُ كيفَ يُصَلُّون: "ومتى صَلِّيتَ فلا تَكُنْ كالمُرائِين. فإنَّهُم يُحِبُّونَ أن يُصَلُّوا قائِمينَ في المَجامِع وفي زوايا الشَّورِع لِكَي يظهَرُوا للنَّاس. الحَقَّ أقُولُ لكُم إنَّهُم قدِ إستَوفُوا أجرَهُم. وأمَّا أنتَ فمتَى صَلَّيتَ فادخُلْ إلى مُخدَعِكَ وأَغلِقْ بابَكَ وصَلِّ إلى أبيكَ الذي في الخَفاء. فأَبُوكَ الذي يرى في الخَفاء يُجازِيكَ علانِيَةً.

"وحِينما تُصَلُّونَ لا تُكَرِّرُوا الكلامَ باطِلاً كالأُمَم. فإنَّهُم يَظُنُّونَ أنَّهُ بِكَثرَةِ كلامِهِم يُستَجابُ لهُم. فلا تَتَشَبَّهُوا بِهِم. لأنَّ أباكُم يعلَمُ ما تحتاجُونَ إليهِ قبلَ أن تسألُوه.

"فَصَلُّوا أنتُم هكذا:

أبانا الذي في السَّماواتِ. ليَتَقَدَّس إسمُكَ. ليأتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشيئَتُكَ كما في السَّماءِ كذلكَ على الأرض. خُبزَنا كَفافَنا أعطِنا اليَوم. واغفِرْ لنا ذُنُوبَنا كما نَغفِرُ نحنُ أيضاً للمُذنِبينَ إلينا. ولا تُدخِلنا في تَجرِبَة. لكن نَجِّنا منَ الشِّرِّير. لأنَّ لكَ المُلكَ والقُوَّةَ والمَجدَ إلى الأبد. آمين. فإنَّهُ إن غَفَرتُم للنَّاسِ زَلاتِهِم يغفِر لكُم أيضاً أبُوكُم السَّماوِيّ. وإن لم تَغفِرُوا للنَّاسِ زَلاتِهِم لا يَغفِرْ لكُم أبُوكُم أيضاً زَلاَّتِكُم." (متَّى 6: 5- 15)

الصَّلاةُ ليسَت وعظاً. فعندَما نُصَلِّي في إجتماعِ عبادَةٍ عامَّة، أو معَ الآخرين، علينا أن نتذَكَّرَ تعليمات يسُوع هذه، وأن نتيقَّنَ من كَونِنا نُخاطِبُ اللهَ وليسَ النَّاس. يُرينا يسُوعُ كيفَ نتأكَّدُ من كَونِنا نُكَلِّمُ اللهَ عندَما نُصَلِّي، عندما يُعطي بِوُضُوحٍ قيمَةً أكبَر لصلاةٍ المَخدَع مِمَّا يُعطيهِ للصَّلاةِ الجَماعِيَّة. فهُوَ يُعَلِّمُنا أن ندخُلَ إلى مخدَعِنا (أو إلى أيِّ مكانٍ آخر مُنفَرِد)، ونُغلِق بابَنا لأنَّهُ لا يُوجَدُ أحَدٌ هُناكَ ليُعجَبَ بنا، إلا الله.

بعدَ أن وضعَ يسُوعُ أساسَ الذَّهنيَّة التي ينبَغي أن يتحلَّى بها كُلُّ تلميذٍ من تلاميذِهِ عندما يَقتَرِبُ منَ اللهِ للصَّلاة، يُعَلِّمُهُم يسُوعُ الآنَ كيفَ يُصَلُّون. يُعطينا يسُوعُ هُنا صلاةً نَمُوذَجِيَّةً، التي ينبَغي تسمِيَتُها، "صلاة التَّلاميذ." غالِباً ما تُسَمَّى، "الصَّلاة الرَّبَّانِيَّة،" ولكن ما كانَ ينبَغي تسمِيَتُها كذلكَ، لأنَّ الرَّبَّ نفسَهُ لم يُصَلِّ أبداً هذه الصَّلاة بِنَفسِهِ. بل كان تعليمُهُ يَقُولُ، "فَصَلُّوا أنتُم هكذا."

رُغمَ أنَّ هذه صلاةٌ، والضَّمائِرُ بِصيغَةِ الجمعِ تُشيرُ إلى أنَّها تُصَلَّى معَ الجَمع، ولكنَّها صلاةٌ نمُوذَجِيَّةٌ بإمتِياز، أو نَمُوذَجٌ للصَّلاة مقصُودٌ منهُ بِوُضُوحٍ أن يُعَلِّمَنا كيفَ نُصَلِّي. يُقَدِّمُ لُوقا يسُوعَ وهُوَ يُعطي هذا التَّعليم عن هذه الصَّلاة، جواباً على طَلَبِ التَّلاميذ: "يا رَبّ، عَلِّمنا كيفَ نُصَلِّي." (لُوقا 11: 1- 4)

جَوهَرُ هذه الصَّلاة/النَّمُوذَج التي علَّمَها يسُوعُ، هي ثلاث تضَرُّعاتٍ تضَعُ اللهَ أوَّلاً، ومن ثَمَّ أربَعُ تضَرُّعاتٍ شَخصِيَّة. التَّضَرُّع الإلهي هُوَ طِلبَةُ صلاةٍ تضَعُ ما يَهُمُّ اللهَ في مرَكَزِ هذه الصَّلاة. فرِسالَةُ الكتابِ المُقدَّس يُمكِنُ تلخيصُها عادَةً بِكَلِمَتَين. هاتانِ الكَلِمتانِ هُما بِبساطَة، "اللهُ أوَّلاً." هذه التَّضَرُّعاتُ الثَّلاثة تتحدَّى التِّلميذَ بأن يُصَلِّي عمَّا يَهُمُّ اللهَ أوَّلاً، قبلَ أن يأتِيَ بمشاكِلِهِ الشَّخِصيَّة أمامَ الله. التَّضَرُّعاتُ الثَّلاثة التي تضَعُ اللهَ أوَّلاً هي: "ليَتَقَدَّس إسمُكَ، ليأتِ ملَكُوتُكَ، لِتَكُنْ مَشيئَتُكَ."

الطِّلبَةُ الشَّخصِيَّة هي طلَبُ صلاةٍ تضَعُ ما يحتاجُهُ تلميذ المسيح في وسطِ التَّضَرُّعِ أو الصَّلاة. الطِّلباتُ الأربَع هي: "خُبزَنا كفافَنا أعطِنا اليَوم، واغفِرْ لنا ذُنُوبَنا كما نَغفِرُ نحنُ أيضاً للمُذنِبينَ إلينا، لا تُدخِلْنا في تَجرِبَة، ونَجِّنا منَ الشِّرير."

يُعَلِّمُ يسُوعُ تلاميذَهُ أن يدخُلُوا مُباشَرَةً إلى محضَرِ اللهِ ويُخاطِبُوا اللهَ بقَولِهِم لهُ: "أبانا!" كانَ هذا مَفهُوماً رادِيكالِيَّاً جَذرِيَّاً بالنِّسبَةِ للتَّلاميذ الذين سَمِعُوا يسُوعَ يُعطيهِم هذا التَّعليم. لقد كانُوا جميعاً يَهُوداً، وقد عُلِّمُوا طوالَ حياتِهِم أن ينظُرُوا إلى الله ويقتَرِبُوا منهُ كإلهٍ مَهُوبٍ، الذي لا يُمكِنُ الإقتِرابُ منهُ إلا من خلالِ الكاهِن. أمَّا يسُوعُ فيُقدِّمُ هُنا إلهاً شَخصِيَّاً يهتَمُّ بكُلِّ تفاصيلِ حياةِ التَّلاميذ اليَوميَّة. ولقد أظهَرَ داوُد أيضاً إلهاً شَخصيَّاً عندما أعلنَ قائِلاً: "الرَّبُّ راعِيَّ." (مزمُور 23).

بعدَ مُخاطَبة اللهِ كأبٍ، هُناكَ ثلاثُ طِلباتٍ تُعلِّمُنا أن نُصَلِّي على أساس "اللهِ أوَّلاً": إسمُكَ، ملكُوتُكَ، ومشيئَتُكَ. فإسمُ اللهِ هُوَ جَوهَرُ مَن وما هُوَ الله. فالتَّلميذُ يُصلِّي بالفِعل، "يا الله، أُريدُ أن أحيا بطريقَةٍ يعرِفُكَ من خلالِها الآخرُونَ ويُكرِمُونَ إسمَكَ."

ثُمَّ عليهِم أن يُصَلُّوا قائِلين، "ليأتِ ملَكُوتُكَ." هذا يعني بِبَساطَةٍ أنَّ اللهَ مَلِكٌ، وعندما يجعلُونَهُ مَلِكاً عليهِم، يُصبِحُونَ رَعِيَّةً ومُواطِنينَ في ملكُوتِهِ. فهُم يُصلُّونَ قائِلين، "أيُّها الآبُ، أنا لا أبنِي مملَكَةً لِنفسي. أُريدُ ملكُوتَكَ أن يَسُودَ على قَلبِي وأُريدُ أن أحيا حياتِي كواحِدٍ من أبناءِ رَعيَّتِكَ."

الطِّلبَةُ الإلهيَّةُ الثَّالِثَة هي بمثابَة تفسيرٍ للثَّانِيَة: "لِتَكُن مَشيئَتُكَ كما في السَّماءِ كذلكَ على الأرض." عندما كانَ يسُوعُ على وَشَكِ أن يُلقَى عليهِ القَبضُ ليُصلَبَ، كانَ عرَقُهُ يتصبَّبُ دَماً من جبهَتِهِ عندما كانَ يُصَلِّي، "أيُّها الآب، إن أمكَن فلتَعبُرْ عنِّي هذه الكأس؛ ولكن لتَكُن لا مَشيئَتي بل مَشيئَتُكَ." (متَّى 26: 39). هذه الصَّلاة هي التي ينبَغي أن نُسَمِّيَها "الصَّلاة الرَّبَّانِيَّة،" لأنَّ هذه هي الصَّلاة التي صَلاَّها يسُوع. فيسُوع لم يُعَلِّمْ فقط تلاميذَهُ أن يُصَلُّوا هذه الطِّلبَة الثَّالِثَة. بل قدَّمَ لهُم نَمُوذَجاً عنها عندما واجَهَ أعظَمَ أزَمَة.

يُخبِرُنا بُولُس أنَّ لنا كَنز المسيح المُقام حَيَّاً في آنِيَتِنا الخَزَفِيَّة (أجسادنا)، ليكُونَ واضِحاً لكُلِّ شخصٍ أنَّ مصدَرَ القُوَّة في حياتِنا يأتي من اللهِ وليسَ منَّا. يعتَقِدُ أحدُ المُفَسِّرينَ الذين أحتَرِمُهُم أنَّ هذه الطِّلبَة الإلهيَّة الثَّالِثَة ينبَغي أن تَقُولَ "في الأرض" بدلاً من أن تَقُولَ "على الأرض." وهُوَ يعتَقِدُ أنَّ يسُوعَ كانَ يُعَلِّمُ أنَّهُ علينا أن نطلُبَ من أبينا السَّماوِيّ أن يعمَلَ مشيئَتَهُ في آنِيَتِنا الخَزَفِيَّة، حتَّى كما تَكُونُ مشيئَتُهُ في السَّماء. منَ الواضِحِ أنَّهُ إذا تحقَّقَت مشيئَةُ الآبِ فينا، عندَها ستُعمَلُ على الأرضِ من خلالِنا.

هذه الطِّلباتُ الثَّلاث التي تضَعُ اللهَ أوَّلاً، ينبَغي أن تبعَثَ بِرِسالَةٍ إلى كُلِّ تلميذٍ من تلاميذِ يسُوع، لكَي لا يأتُوا إلى مُخدَعِ الصَّلاةِ خاصَّتِهِم، أو إلى إجتِماعاتِ الصَّلاة الجَمَاعِيَّة، معَ "لائِحَةِ تَحَوُّجٍ" تتضمَّنُ طلباتِهم وحاجاتِهِم التي يُرسِلُونَ اللهَ ليشتَرِيَها لهُم. عِندَما يُصَلُّون، عليهم أن يأتُوا إلى مَحضَر ِاللهِ معَ ورقَةٍ بَيضاء، وأن يطلُبُوا منَ اللهِ أن يُرسِلَهُم ليأتُوا بحاجاتِهِ ويعمَلُوا مشيئَتَهُ. وفي صلاتِهِم المخدَعِيَّة والجماعِيَّة، عليهم أن يَكُونُوا كالجُنُودِ الذين يأتُونَ بتقارِيرِهم إلى قائِدِهِم وملِكِهِم.

عندما أمرَ يسُوعُ أن تسبُقَ هذه الطَّلبات الثَّلاث التي تضَعُ اللهَ أوَّلاً، الطلباتِ الشَّخصِيَّة الأُخرى، كانَ يُعَلِّمُ بذلكَ أنَّ الصَّلاةَ ليسَت قَضِيَّةَ إقناعِ اللهِ بأن يعمَلَ مشيئَتَنا. فجوهَرُ الصَّلاةِ هُوَ إنسِجامٌ وإخضاع إراداتِنا لمشيئَةِ الله. الصَّلاةُ ليسَت قَضيَّةَ أن نجعَلَ اللهَ شَريكاً لنا فنُدخِلُه في مشارِيعنا. فكَما قدَّمَ يسُوعُ نمُوذجاً عن ذلكَ، جَوهَرُ الصَّلاةِ هُوَ أن يجعَلَنا اللهُ شُركاءَ لهُ وأن يُدخِلَنا في مشارِيعِهِ وخُطَطِهِ.


الطَّلباتُ الشَّخصِيَّة

"خُبزَنا كفافَنا أعطِنا اليَوم..."

علينا أن نُتابِعَ النَّظَرَ للأُمُور من خلالِ مبدأ الله أوَّلاً، بينما نَصِلُ إلى قسم "أعطِنا" من هذه الصَّلاة التي علَّمَنا إيَّاها يسُوع. الطَّلَبات الثَّلاث الأُولى التي تضَعُ اللهَ أوَّلاً، ينبَغي أن تُرَكِّزَ على دوافِعِنا بينما نقتَرِبُ من أبينا السَّماويّ معَ طلباتِنا الشَّخصِيَّة. فلماذا نُريدُ من اللهِ أبينا السَّماوِيّ أن يُعطِيَنا خُبزَنا اليَومي، كفافَنا يَومِنا فقط؟ علينا أن نطلُبَ منَ أبينا السَّماوِيّ الكامِل أن يُزَوِّدَنا بخُبزِنا اليَومِيّ لأنَّنا نتطلَّعُ بِشَوقٍ لنرى جَوهَرَ من وما هُوَ الله، مُكَرَّماً عل الأرضِ من خِلالِنا.

تُعَلِّمُنا صلاةُ يسُوع هذه أنَّهُ علينا أن نُصَلِّيَ "هذا اليَوم" و"يَومِيَّاً" عندما نُقَدِّمُ حاجاتِنا كمَخلُوقاتٍ أمامَ خالِقِنا وأبينا السَّماوِيّ. لاحِظُوا كيفَ يختُمُ يسُوعُ الإصحاحَ السَّادِسَ من إنجيلِ متَّى معَ هذا التَّشديد ذاتِهِ: "فلا تَهتَمُّوا لِلغَد. لأنَّ الغَدَ يهتَمُّ بما لِنفسِهِ. يكفي اليَومَ شَرَّهُ." (متَّى 6: 34) بكلماتٍ أُخرى، عِيشُوا يوماً بعدَ الآخر.

في هذه الطِّلبَة الشَّخصِيَّة الأُولى، يستَخدِمُ الرَّبُّ رَمزَ الخُبزِ ليُشيرَ إلى حاجاتِنا. فالخُبزُ هُوَ إستِعارَةٌ ينبَغي أن لا تُحَدَّ بحاجَتِنا للطَّعامِ، بل ينبَغي تطبيقُها على كُلِّ حاجاتِنا الأُخرى التي نشعُرُ بها كخلائِق الله. فينبَغي أن يَكُونَ لدينا خُبزٌ لنُغَذِّيَ أجسادَنا كُلَّ يَوم، وعلينا أن نُغَذِّيَ نُفُوسَنا وأرواحَنا بالمَنِّ السَّماوِيِّ كُلَّ يَومٍ، ويومَاً بعدَ الآخر.

"إغفِرْ لنا ذُنُوبَنا كما نَغفِرُ نحنُ أيضاً للمُذنِبينَ إلينا"

الطِّلباتُ الثَّلاثة الشَّخصِيَّة المُقبِلَة تنطَبِقُ بِوُضُوحٍ على حاجاتِنا الرُّوحِيَّة. الطِّلبَةُ الشَّخصِيَّةُ الثَّانِيَة هي للغُفرانِ، وتتبَعُها طِلباتٌ للإرشادِ والإنقاذ. ومبدأُ الصَّلاة ليَومٍ بعدَ الآخر الذي نتعلَّمُهُ في طِلبَةِ الخُبزِ اليَوميّ، ينبَغي أن ينطَبِقَ أيضاً على هذه الطِّلبات الثَّلاث لحاجاتِنا الرُّوحِيَّة. فالغُفرانُ والإرشادُ والإنقاذُ أو التَّحرير هي أيضاً حاجاتٌ نشعُرُ بها كُلَّ يَوم. رُوحُ هذه الطِّلبات الشَّخصِيَّة الأربَع هي: "أعطِنا خُبزَنا كفافَنا اليوم، بما في ذلكَ حاجتَنا لِلغُفران، الإرشاد، والتَّحرير."

"لا تُدخِلنا في تَجرِبَة..."

بِحَسَبِ يعقُوب اللهُ غَيرُ مُجَرَّبٍ بالشُّرُورِ وهُوَ لا يُجَرِّبُ أحداً (يعقُوب 1: 13). على ضَوءِ هذا التَّعليم، لماذا يُعَلِّمُنا رَبُّنا أن نُصَلِّيَ إلى اللهِ أبينا السَّماوِيّ، الذي لا يُجَرِّبُ أحداً بتاتاً، لماذا علينا أن نُصَلِّيَ لهُ قائِلين: "ولا تُدخِلنا في تَجرِبَة؟"

أنا مُتَيَقِّنٌ أنَّ رُوحَ هذه الطِّلبَة مَبنِيَّةٌ على مُجمَلِ تعليمِ الكتابِ المُقدَّس، بأنَّنا لسنا أعمدة قَلعَة حصينة عندما يتعلَّقُ الأمرُ بالتَّجارِب. فلقد قَيَّمَ يسُوعُ بِدِقَّة حالَتَنا البَشَريَّة عندما قالَ، "أمَّا الرُّوح فقَوِيّ، وأمَّا الجسد فضَعيف." (متَّى 26: 41)

عندما كانَ يسُوعُ يُواجِهُ أصعَبَ أزَمَةٍ في حياتِهِ، طالَبَ الرُّسُلَ أن يُصَلُّوا معَهُ. وعندما إستَسلَمُوا للنَّوم، أيقَظَهُم وقالَ، "صَلُّوا لكَي لا تَدخُلُوا في تَجرِبَة." (لُوقا 22: 46) يبدُو أنَّهُ كانَ يقصُدُ أن يَقُولَ التَّالي، "لو كُنتُم تعرِفُونَ قُوَّةَ الشِّرِّير وضعفَ جسدِكُم، لبَقيتُم مُستَيقِظينَ تُصَلُّونَ لكي لا تَدخُلُوا في تجرِبَة."

عندَما أوصى يسُوعُ بِهذه الطِّلبَة الثَّالِثَة الشَّخصِيَّة، "ولا تُدخِلنا في تَجرِبَة،" كانَ يتصرَّفُ بإنسجامٍ معَ تقييمِهِ لحالَتِنا الإنسانيَّة، جسدِنا – "طبيعَتنا البَشَريَّة بِدُونِ مُساعَدَةِ الله." أعتَقِدُ أنَّهُ سيَكُونُ تفسيراً مقبُولاً لهذه الطِّلبَة الشَّخصِيَّة الثَّالِثة بأن نُصَلِّي بهذه الطَّريقَة، "أرشِدنا، ولن نَجِدَ نُفُوسَنا نُواجِهُ صداماتٍ معَ التَّجرِبة لنَقتَرِفَ الخطيَّة."

"...لكن نَجِّنا منَ الشِّرِّير."

في ترنيمَةٍ قديمَة، حَذَّرَنا مارتن لُوثر من أنَّهُ لدَينا عَدُوٌّ قَديمٌ لا يُريدُ لنا الخَير. بل هُوَ يُقاوِمُ كُلَّ شَيءٍ يُريدُ المسيحُ أن يعمَلَهُ فينا ومن خلالِنا. إنَّ تقنيَّة وقُوَّة الشَّيطان كبيرَة جدَّاً، وهي مُسَلَّحَة بالكُرهِ القاسِي، بِشَكلٍ ليسَ لهُ مَثيلٌ على الأرض. فإذا وضَعنا ثِقَتنا بِقُوَّتِنا الذَّاتِيَّة، فعندَها سوفَ يفشَلُ جهادُنا، ولن يَكُونَ الإنسانُ الصَّحيح الذي يختارُهُ اللهُ إلى جانِبِنا. قد تَسألُونَ من يَكُونُ هذا الإنسان؟ إنَّهُ يسُوعُ المسيح!

هذه الطِّلبَة لنتَحَرَّرَ من عَدُوِّنا القَديم ينبَغي أن تُصَلَّى كُلَّ يَوم.

بركة "الله أوَّلاً"

"لأنَّ لكَ المُلكَ والقُوَّةَ والمَجد إلى الأبد. آمِين."

لقد علَّمَنا يسُوعُ أن نبدَأَ ونُنهِيَ صلواتِنا بذهِنيَّة "الله أوَّلاً: "ليأتِ ملَكُوتُكَ،" و "لكَ المُلك." عندما أوصَى يسُوعُ بهذه البَركَة، كانَ يُعَلِّمُنا أن نختُمَ صلواتِنا بتَعَهُّدٍ للهِ بأنَّ نتائجَ ومجدَ إستِجابَتِهِ للطَّلباتِ المُدرَجَة في هذا النَّمُوذَج منَ الصَّلاة ستَكُونُ دائماً خاصَّتَهُ.


بإختِصار

الصَّلاةُ التي علَّمَها يسُوعُ، تتحدَّانا بأن نتأكَّدَ من أن نُوجِّهَ صلواتِنا للهِ الآب. لا نتعلَّمْ هُنا أن نُصَلِّي ليَسُوع أو للرُّوحِ القُدُس. بل نتعلَّمُ أن نُخاطِبَ اللهَ بشَكلٍ حميمٍ بكَونِهِ أبانا السَّماوِي الكامِل والمُحِبّ. عندَها علينا أن نبدَأَ صلواتِنا بثلاثِ طلباتٍ تضَعُ اللهَ أوَّلاً، التي هي: "إسمُكَ، ملَكُوتُكَ، ومَشيئَتُكَ." هذه الطِّلباتُ الإلهيَّةُ الثَّلاث تتبَعُها أربَعُ طلباتٍ شَخصيَّة: أعطِنا، إغفِرْ لنا، لا تُدخِلْنا، ونَجِّنا." أخيراً، نَجِدُ أنَّهُ علينا أن نختُمَ صلواتِنا بالإعتراف، "لأنَّ القُوَّةَ لإستِجابَةِ صلواتي ستأتي دائماً منكَ، والنَّتيجَة سترِجعُ دائماً لكَ، والمجدُ سيَكُونُ دائماً لكَ يا الله. فليَكُنْ ذلكَ!"


مبدَأُ الصَّوم

مثل العطاء والصَّلاة، علَّمَ يسُوعُ أنَّ النِّظامَ الرُّوحِيّ للصَّوم ينبَغي أن يَكُونَ عمُوديَّاً (متَّى 6: 16- 18). لاحِظُوا أنَّ يسُوعَ لا يَقُولُ، "فإذا صُمتُم،" بل يَقُولُ، "وَمَتَى صُمتُم." لقد قالَ لتلاميذِهِ أنَّهُم عندما يَصُومُون، ينبَغي أن لا يَكُونَ لدَيهِم مظهَر الجُوع وكأنَّهُم يَقُولُون، "أنا في نهايَةِ يَومِي الرَّابِع منَ الصَّوم، وأنا على وَشَكِ الإنهِيار." لقد قالَ يسُوعُ لتلاميذِهِ أنَّهُ عليهِم أن يتمتَّعُوا بوجهٍ مُشرِقٍ عندَما يَصُومُون.

وكما يمنَحُنا العَطاءُ فُرصَةً لنقيسَ إلتِزامَنا للهِ أوَّلاً، يُعطينا الصَّومُ فُرصَةً لِنَقيسَ الدَّرجة التي عليها نُعطِي قيمَةً للرُّوحِيّ أكثر منَ الجَسَدِي، ونُبَرهِن مقدارَ صُدقِ صلواتِنا. بالنِّسبَةِ ليسُوع، بعضُ المُعجِزات تُصبِحُ مُمكِنَةً فقط بالصَّلاةِ والصَّوم (متَّى 17: 21).


قِيَمُ التِّلميذ العَمُودِيَّة

"لا تَكنِزُوا لكُم كُنُوزاً على الأرض حيثُ يُفسِدُ السُّوسُ والصَّدأ وحَيثُ ينقُبُ السَّارِقُونَ ويَسرِقُون. بل إكنِزُوا لكُم كُنُوزاً في السَّماءِ حيثُ لا يُفسِدُ سُوسٌ ولا صَدَأٌ وحيثُ لا ينقُبُ سارِقُونَ ولا يَسرِقُون. لأنَّهُ حَيثُ يَكُونُ كَنزُكَ هُناكَ يكُونُ قَلبُكَ أيضاً.

"سِراجُ الجَسَد هُوَ العَين. فإن كانَت عينُكَ بَسيطَةً فجَسَدُكَ كُلُّهُ يكُونُ نَيِّراً. وإن كانت عينُكَ شِرِّيرَةً فجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ مُظلِماً. فإن كانَ النُّورُ الذي فيكَ ظلاماً فالظَّلامُ كم يَكُون.

"لا يَقدِرُ أحَدٌ أن يخدِمَ سَيِّدَين. لأنَّهُ إمَّا أن يُبغِضَ الواحِدَ ويُحِبَّ الآخر أو يُلازِمَ الواحِدَ ويحتَقِرَ الآخر. لا تَقدِرُونَ أن تخدِمُوا اللهَ والمَال." (متَّى 6: 19- 24)

يسُوعُ الآنَ على وَشَكِ إظهارِ قِيَم التِّلميذ الذي يعيشُ المواقِفَ المُبارَكَة. بحَسَبِ القَامُوس، القِيمَةُ هي: "كلُّ ما هُوَ مَرغُوبٌ بهِ أو جَديرٌ بالتقدير بسببِ ما في ذاتِهِ." إحدى أسباب كون أُولئك النَّاس الذين عندَ أسفَلِ الجَبل يُعانُونَ من هذا المقدار منَ المشاكِل، هُوَ أنَّهُم لا يتمتَّعُونَ بالقِيَم الصَّحيحَة. أن يَكُونَ لهم تأثيرُ الملح والنُّور عندما يرجِعُونَ إلى تلكَ الجُمُوع، كانَ يتوجَّبُ على تلاميذِهِ أن يتمتَّعُوا بالقِيَم التي كانَ سيُعَلِّمُهُم إيَّاها آنذاك.

بعدَ جُملَةٍ إفتِتاحِيَّةٍ علَّمَ فيها يسُوعُ أنَّهُ عليهِم أن لا يُنفِقُوا أنفُسَهُم على كُنُوزٍ تفنَى أو تتعرَّضُ لِلفَساد أو تُسرَق منهُم، قدَّمَ يسُوعُ ثلاثَ مُلاحَظاتٍ حولَ القِيَم. مُلاحَظَتُهُ الأُولى كانت مِعياراً عميقاً من خلالِهِ كانَ بإمكانِ تلاميذِهِ أن يَقِيسُوا قِيَمَهُم: "لأنَّهُ حَيثُ يَكُونُ كَنزُكَ، هُناكَ يَكُونُ قَلبُكَ أيضاً." بكلماتٍ أُخرى، "أرِنِي كُنُوزكَ، وسوفَ تُريني بِذلكَ قَلبَكَ وقِيَمَكَ."

ويُضيفُ على هذا مُقَدِّماً تَحَدِّياً أنَّ أحدَ أهَمّ الأسئِلة التي طَرَحَها تلاميذُهُ هو: "كيفَ ترَى الأُمُور؟" عندما قالَ يسُوع، "إن كانَت عينُكَ بَسيطَةً،" (متَّى 6: 22) يقصُدُ بذلكَ الذِّهنِيَّة. فالقِيَمُ الجيِّدَة هي الفَرقُ بينَ جَسَدٍ مملُوءٍ بالنُّور (السَّعادَة، الطَّهارَة، والبَركات)، وبينَ جسدٍ مملُوءٍ بالظُّلمَة، أو بالحُزنِ. تحذِيرُهُ المُخيف هُوَ أنَّ القِيَم المَغلُوطَة يُمكِنُ أن تَقُودَ إلى حُزنٍ كبير. وكما أشَرتُ سابِقاً، عندما يَقُومُ قادَةٌ عالَمِيُّونَ بقَتلِ الملايين، كأُولئِكَ الذينَ أبادُوا الملايينَ في الصِّين، رُوسيا، وإلمانيا، كانَ ذلكَ لأنَّهُ كانَت لدَيهم الذهنِيَّة المَغلُوطَة، فنتَجَ عنها ظُلمةٌ حالِكَة خَيَّمَت على العالَمِ بأسرِهِ.

تَصريحُهُ الثَّالِثُ المُخِيف عنِ القِيَم، هُوَ واحِدٌ من أقوى دَعَواتِه للإلتِزام. فلا يُمكِنُ للإنسانِ أن تَكُونَ لهُ "رُؤيا إزدِواجِيَّة" رُوحيَّاً وأن يَكُونَ تلميذَهُ. فلا يُمكِنُهُم أن يخدُمُوا سَيِّدَين – الله والمال.


التَّطبيقُ الشَّخصِيّ

علينا أن نتجاوَبَ معَ هذا التَّحَدِّي من قِبَلِ يسُوع. فهل نحنُ نُنفِقُ ذواتِنا من أجلِ كُنُوزٍ أرضِيَّة زمَنِيَّة، أو من أجلِ كُنُوزٍ سماوِيَّة أبديَّة؟ بحَسَبِ يسُوع، سوف تَتِمُّ الإجابَةُ على سُؤالِنا هذا إذا تأمَّلنا بنشاطاتِنا، أو بما نَفعَلُهُ طوالَ اليَوم؛ هُمُومُنا، أو ما نهتَمُّ بهِ طِوالَ اليَوم؛ طُمُوحاتُنا، أو ما نُريدُهُ طوالَ اليَوم، وَوَلاؤُنا – أو من وما نَخدُمُهُ طوالَ اليَوم. يُقَدِّمُ يسُوعُ تصريحاً عقائِديَّاً بأنَّ تلميذَهُ لا يُمكِنُهُ أن يخدُمَهُ كَرَبٍّ إلى جانِبِ أيِّ شَيءٍ أو أيِّ شَخصٍ آخر. وبما أنَّهُ يُقَدِّمُ هذا التَّصريح في إطارِ تعليمِهِ هذا عنِ القِيَم، فمِعيارُهُ هُوَ أنَّ التَّلميذَ لا يُمكِنُهُ أن يخدُمَ اللهَ والمال.


قِيَمُ الملح والنُّور

"لذلكَ أقُولُ لكُم لا تَهتَمُّوا لِحياتِكُم بما تأكُلُونَ وبما تَشرَبُون. ولا لأجسادِكُم بما تَلبَسُون. ألَيسَتِ الحَياةُ أفضَل منَ الطَّعام، والجَسَدُ أفضَل منَ اللِّباس. أُنظُرُوا طُيُورَ السَّماء. إنَّها لا تَزرَعُ ولا تحصُدُ ولا تجمَعُ إلى مَخازِن، وأبُوكُم السَّماوِي يَقُوتُها. ألَستُم أنتُم بالحَرِيِّ أفضَل منها. ومن مِنكُم إذا إهتَمَّ يَقدِرُ أن يزيدَ على قامَتِهِ ذراعاً واحِدةً.

"ولماذا تهتَمُّونَ باللِّباس. تأمَّلُوا زَنابِقَ الحَقل كيفَ تَنمُو. لا تَتعَبُ ولا تَغزِل. ولكن أقُولُ لكُم إنَّهُ ولا سُلَيمانُ في كُلِّ مَجدِهِ كانَ يلبَسُ كواحِدَةٍ منها. فإن كانَ عُشبُ الحَقلَ الذي يُوجَدُ اليَومَ ويُطرَحُ غداً في التَّنُّور، يُلبِسُهُ اللهُ هكذا، أفَلَيسَ بالحَرِيِّ جدَّاً يُلبِسُكُم أنتُم يا قَلِيليِّ الإيمان؟" (متَّى 6: 25- 30)

رُغمَ أنَّهُ يُوجَدُ تشديدٌ قَوِيٌّ في هذه الأعداد على كيفيَّةِ التَّعامُلِ معَ القَلَق، يُعَلِّمُ يسُوعُ هُنا بالدَّرَجَةِ الأُولى عن القِيَم. لاحِظُوا على الأقَلّ عشرينَ سُؤالاً يطرَحُها يسُوعُ أن يُلَمِّحُ إليها خلالَ تقديمِهِ لهذه القِيَم. أسئِلَة مثل: ما هُوَ جسَدُكُم؟ ما هِيَ قيمتُكُم؟ لماذا تهتَمُّونَ لأُمُورٍ لا تستَطيعُونَ السَّيطَرَةَ عليها؟ وهل تَظُنُّونَ أنَّ اللهَ الذي يعتَنِي بالطُّيُورِ ويُلبِسُ الزَّنابِقَ، هل تَظُنُّونَ أنَّهُ يستَطيعُ أن يعتَنِيَ بكُم؟

"فلا تَهتَمُّوا لِحياتِكُم قائِلينَ ماذا نأكلُ أو ماذا نشرَبُ أو ماذا نلبَسُ. فإنَّ هذه كُلَّها تطلُبُها الأمَم. لأنَّ أباكُم السَّماوِيّ يعلَمُ أنَّكُم تحتاجُونَ إلى هذه كُلِّها. لكنِ إطلُبُوا أوَّلاً ملَكُوتَ اللهِ وبِرَّهُ، وهذه كُلَّها تُزادُ لكُم. فلا تهتَمُّوا لِلغَدّ، لأنَّ الغَدَ يهتَمُّ بِما لِنَفسِهِ. يكفِي اليَومَ شَرَّهُ."

يُمكِنُ التَّعبيرُ عنِ القِيَم بكلمةٍ أُخرى هي الأولَوِيَّات. فبناءً على قِيَمِنا، كُلُّ تلميذٍ ليسُوع عليهِ أن يضَعَ أمامَهُ "هَدَف أولَوِيّ" معَ دائِرَةٍ سوداء تُحيطُ بهِ، وحولَها إثنتا عشرَةَ دائِرَةً. ختمَ يسُوعُ تعليمَهُ عنِ القيَم بإعلانِهِ أنَّ مركزَ الأهدافِ الأولويَّة عندَ تلميذِهِ ينبَغي أن يَكُونَ حُكمُ اللهِ على قُلُوبِنا. وكُلُّ القِيَم الأُخرى ينبَغي أن تُوضَعَ في أولَوِيَّاتِها من قبَلِ رَبِّ الأرباب وملك المُلُوك، بينما يُظهِرُ لنا ما هُوَ الصَّواب. لدى تلميذِ يسُوع وعد يسُوع بأنَّ كُلَّ تلكَ الأُمور التي يَقلَبُ التَّلميذُ حيالَها طوالَ النَّهار، سوفَ تتوفَّرُ من قِبَلِ الآبِ السَّماوِيّ.

أحُضُّكُم على أن تعتَرِفُوا بقِيَمِ يسُوع المسيح هذه. لقد قَرَّرنا أنا وزوجَتي أن نتمسَّكَ بهذا الوَعد من يسُوع، عندما تزوَّجنا وأسَّسنا كنيسة. ولقد حافظَ يسُوعُ على وعدِهِ لنا منذُ العام 1956. ولم يخذُلنا المسيحُ أبداً ولم يُنكِرْ علينا إحتِياجاتِنا، وهوَ سوفَ يُبَرهِنُ مِصداقِيَّةَ هذا الوَعد في حياتِكَ، إذا جعلَت منهُ ومِمَّا يُريدُكَ أن تعمَلَهُ، إذا جعلَت من هذه الأُمُور أولَوِيَّةً في حياتِكَ.

  • عدد الزيارات: 14527