Skip to main content

الفَصلُ الأوَّل "مُقَدِّمَة لِلعيشِ الصَّحيح" - الفاتِحُونَ الأربَعَة

الصفحة 5 من 5: الفاتِحُونَ الأربَعَة

الفاتِحُونَ الأربَعَة

بِحَسَبِ ما يَقُولُهُ هذا المُفسِّر للكتابِ المُقدَّس، يُخبِرُنا بُولُس في هذا المقطع عن أربَعَةِ مُحتَلِّينَ أو فاتِحين. كُلُّ واحد مِنهُم يدخُلُ إلى هذا العالم. وهُم يزدَهِرُونَ في هذا العالم، إلى أن يملِكُوا وينتَصِرُوا. فهُوَ يَقُولُ أوَّلاً أنَّ الخَطِيَّةَ دخَلَت وتكاثَرت وملكَت، ولهذا بإمكانِنا أن نُسمِّيَها "المَلكُ خَطيَّة." ولكنَّ بُولُس لا يُقدِّمُ أُطرُوحَةً عن كيفَ دخَلَتِ الخطيَّةُ العالم، وكيف تدخُلُ حياتَنا. بل يعتَرِفُ بُولُس بِبَساطَةٍ بالحقيقَةِ الصَّعبَة، أنَّ الخَطيَّةَ والشَّرَّ هُما هُنا، وهُما حاضِرَانِ بتوفُّرٍ في حياتنا الشَّخصِيَّة.

أصلُ الشَّرِّ هُوَ مُشكِلَةٌ بَحَثَها الفلاسِفَة واللاهُوتِيُّون لآلافِ السَّنين. أولئك المُؤمنُونَ لا يُمكِنُهُم أن يُفَسِّرُوا كيفَ أو من أينَ جاءَ الشَّرُّ، إن كانَ كُلُّ ما خَلَقَهُ اللهُ صالِحاً. والكتابُ المُقدَّسُ واقِعيٌّ بشكلٍ كافٍ، ليَعتَرِفَ بحقيقَةِ وُجُودِ هذه القوى المُعادِيَة لله ولكُلِّ ما هُوَ صالِحٌ، ولكنَّ الكتابَ لا يُخبِرُنا لماذا وكيفَ سمحَ اللهُ لها بالوُجُود.

أقرَبُ تفسيرٍ نَصِلُ إليهِ هُوَ في المثَلِ الذي علَّمَهُ يسُوعُ عن الحنطَةِ والزِّوان (متَّى 13: 24- 30). البذُورُ الصَّالِحَة غُرِسَت، ولكن حدَثَ تخريبٌ لهذا الزَّرعِ، لَرُبَّما في الليل، عندما جاءَ أحدُهُم لا يُريدُ الخيرَ لهذا المُزارِع، وغرسَ زواناً وحشيشاً يُشبِهُ تماماً نباتَ القمح. وعندما نما الإثنانِ معاً، كانَ مُستَحيلاً تمييزُهُما عن بعضِهما البَعض. يُطرَحُ السُّؤالُ وتَتِمُّ الإجابَةُ عليهِ: "ألم تَغرِس بذاراً جَيِّداً في حقلِكَ؟ فمن أينَ أتى هذا الزَّوان؟ والجوابُ هُوَ، "إنسانٌ عَدُوٌّ فعلَ هذا."

أُذَكِّرُكُم مُجَدَّداً أنَّهُ كما فعلَ مُوسى في سِفرِ التَّكوين، بُولُس لم يَكُن يتكلَّمُ فقط عن كيفَ كانَتِ الحالُ آنذاك. بل كانَ يُقدِّمُ هؤُلاء الفاتِحينَ الأربَعة كما هُم عليهِ اليوم. عليكُم أن تنتَظِروا إلى أن تروا بَقِيَّةَ الحُجَّة – أنَّهُ يُعَلِّمُ الخُطاةَ الذين أُعلِنوا أبراراً، كيفَ يُمكِنُهُم الوُصُول إلى نعمَةِ اللهِ، بالإيمان، ثمَّ أن يحيوا بإستِقامَةٍ في عالَمٍ خاطِئٍ ساقِط.

يُخبِرُنا بُولُس أنَّ "الملك خَطِيَّة" دَخَلَ العالَمَ وحياتَنا. ونيَّتُهُ هي أن يزدَهِرَ في حياتِنا وفي عالمِنا، إلى أن يتغلَّبَ علينا ويسُودَنا. علَّمني أحدُ القُسُوس المُتَقدِّمينَ في السِّنّ قائِلاً، "لا يُمكِنُكَ أن تتَعايَشَ معَ الخطيَّة في حياتِكَ أكثَر مِمَّا يُمكِنُكَ أن تتعايَشَ معَ مرضِ السَّرطان." فكُلُّ تابعٍ مُخلِصٍ للمسيح يحتاجُ أن يعرِفَ أنَّ الخطيَّةَ هي أحدُ الفاتِحين. وعندما دَخَلَتِ الخطيَّةُ إلى هذا العالم، أو إلى حياتِنا، كانت النِّيَّةُ منها ولا تزالُ أن تنمُو وتزدَهِر إلى أنت تتغلَّبَ علينا وتَسُودَ على حياتِنا.

الفاتِحُ الثَّانِي الذي يُقدِّمُهُ بُولُس في هذا الإطار هي "الملِك مَوت." فهُوَ سيَقُولُ في نهايَةِ الإصحاحِ السَّادِس، أنَّ أُجرَةَ الخَطِيَّةِ هي موت. وعندما يستَخدِمُ إستِعارَةَ المَوت، يعني بهِ أوَّلاً المعنى الحرفيّ، ولكنَّهُ يقصدُ ما هُوَ أبعد من ذلكَ. إنَّهُ يُلصِقُ صبغَة َالموتِ على كُلِّ العواقِب السَّلبِيَّة للخطيَّة في عالَمِنا وفي حياتِنا. فعندما يدخُلُ الملك "خطيَّة" في حياتِنا، سوفَ يُرافِقُهُ دائماً "الملك مَوت."

إنَّ كاتِبَ المزامير القَديم والمُوحَى، أعلن أنَّنا نأكُلُ من تَعَبِ يَدَينا (مزمُور 128: 2). ويُخبِرُنا الشَّاعِرُ قائِلاً: "عاجلاً أم آجِلاً، سيجلِسُ كُلُّ إنسانٍ على مائِدَةِ العواقِب." ولقد شدَّدَ يسُوعُ كثيراً على هذه الحقيقة التي لا يُمكِنُ إنكارُها، أنَّ كُلَّ قرارٍ أو خيارٍ نتَّخِذُهُ يَقُودُ إلى عواقِب (متَّى 7: 13- 17). في هذا المقطع العميق، يُعَلِّمُ بُولُس هذه الحقيقةَ نفسَها، عندما يُعلِنُ أنَّ "الملك مَوت" يتبَعُ دائماً "الملك خَطِيَّة."

الفاتِحانِ الأوَّلانِ يُمكِنُ نعتُهُما بالأخبارِ السَّيِّئَة. أمَّا الفاتِحانِ التَّالِيان الثَّالِث والرَّابِع، فيُشَكِّلانِ الأخبار السَّارَّة. فالفاتِحُ الثَّالِثُ هُو "الملك يسُوع،" أو "يسوع الملك." الإنجيلُ الذي يُقَدِّمُهُ بُولُس في هذه الرِّسالَة هو أنَّ يسُوعَ دَخَلَ إلى هذا العالم. ولقد مكَثَ وتوسَّعَ تأثيرُهُ في هذا العالم إلى أن إنتَصَرَ على الخطيَّة، الشَّرّ، والشَّيطان. وذاتَ يومٍ، سوفَ يملِكُ يسُوعُ على ملكُوتِهِ، الذي لن تكُونَ لهُ نهايَة.

يسُوعُ المسيحُ هُوَ أعظَمُ فاتِحٍ سبقَ ورآهُ هذا العالَمُ على الإطلاق. فلِمُدَّةِ ألفَي سنَة، كانَ يسُوعُ يدخُلُ إلىحياةِ النَّاسِ حولَ العالم. وذاتَ يَومٍ، سوفَ يُعرَفُ أنَّهُ إنتَصَرَ وسادَ علىكُلِّ شَعبٍ وأُمَّةٍ وقَبيلَةٍ وعِرقٍ ولسانٍ في هذا العالم. (متَّى 24: 14، رُؤيا 5: )) بِحَسَبِ آخِرِ سِفرٍ من أسفارِ الكتابِ المُقدَّس، أي سفر الرُّؤيا، يوماً ما سوفَ ينتَصِرُ يسُوعُ حرفيَّاً، كونَهُ ملك المُلُوك وربّ الأرباب.

تَذَكَّرُوا أنَّ الحُجَّةَ المُنظَّمَةَ التي يُقَدَّمُها بُولُس هُنا، هي أنَّهُ منَ المُمكِنِ الوُصُول إلى نعمَةِ اللهِ التي ستمنَحُنا القُوَّةَ الدِّيناميكيَّةَ الرُّوحيَّة لِنَحيا حياةً صحيحَةً، كما يجدُرُ بالذين يُعلَنُونَ أبراراً بأن يعيشُوا. الحقيقَةُ الأكثَرُ ديناميكيَّةً في العهدِ الجديد، هي الأخبارُ السَّارَّة، أنَّ يسُوعَ نفسَهُ الذي دخَلَ هذا العالم ليُخَلِّصَنا من خطايانا – بما أنَّهُ أُقيمَ منَ الأمواتِ- بِصِفَتِهِ المسيح الحَيّ المُقام يقدِرُ أن يدخُلَ حياتَكَ اليوم.

عندما دخَلَ يسُوعُ هذا العالم، وعندما يدخُلَ حياتَنا اليوم، يُريدُنا أن نفيضَ ونتزايَدَ في هذا العالم، إلى أن يَسُودَ على حياتِكَ وحياتِي (رُومية 5: 17). لقد أعلَنَ أنَّهُ جاءَ لِتَكُونَ لنا حياةٌ ولِيَكُونَ لنا أفضَل (يُوحَنَّا 10: 10). هذا ينبَغي أن يُثيرَ تساؤُلاتٍ في قَلبِكَ وفي قَلبِي: هل أنا تبَرَّرتُ بالإيمانِ بيٍسُوع المسيح؟ أم أنَّني لا أزالُ مغلُوباً منَ "الملك خَطِيَّة؟" ومغلُوباً من توأمِها "الملك مَوت؟" هل أتناوَلُ الطًَّعامَ دائماً على "مائِدَةِ العواقِب،" الأمرُ الذي يُظهِرُ لي وللذينَ يعرِفُونَني أنَّني لا أزالُ مغلُوباً من هذينِ المَلِكَين؟"

إن كُنتَ لا تزالُ مهزُوماً منَ الخطيَّة وعواقِبِها، فأنتَ إذاً مُستَعِدٌّ لقُبُولِ الأخبارِ السَّارَّة (الإنجيل) عنِ الفاتِحِ الرَّابِع في هذا التَّصريحِ الرَّائِع، الذي معَهُ يفتَتِحُ بُولُس مَوضُوعَهُ عن كيفيَّةِ العيشِ الصَّحيح. بعدَ أن أخبَرَنا عن هؤلاء الفاتِحينَ الأربَعة، كتبَ بُولُس يَقُول، "لأنَّهُ إن كانَ بِخَطِيَّةِ الواحِدِ قد مَلَكَ المَوتُ بالواحِد، فبِالأَولَى كَثيراً الذين ينالُونَ فَيضَ النِّعمَة وعَطِيَّةَ البِرِّ سَيَملِكُونَ في الحَياةِ بالواحِدِ يسُوع المسيح." (رومية 5: 17)

هُناكَ الكَثيرُ منَ الحقيقَةِ في هذا المقطَع العميق، لدرجَةِ أنَّهُ لن يتسنَّى لي المجالُ الكافِي لأُفَسِّرَهُ. الحقيقَةُ الهامَّةُ التي نستخلِصُها من هذا المقطَع العظيم هي أنَّهُ منَ المُمكِنِ لنا أن ندخُلَ في المسيح وأن ننمُوَ فيهِ وأن نملِكَ فيه، وأن ننتَصِرَ على الخَطِيَّةِ والموت.

الإستعارَةُ الجميلة عن هؤُلاء الفاتِحينَ الأربَعة تفتَتِحُ هذا المقطعَ الثَّانِي من الإصحاحاتِ الأربَعة، والتي تتكلَّمُ بمُجمَلِها عن كيفَ نستَطيعُ أن نتغلَّبَ على المَلك خَطِيَّة والمَلِك مَوت، وأن ندخُلَ إلى حياةِ الإتِّحادِ معَ المسيح، وأن نملِكَ في الحياة من خلالِ علاقَتِنا معَهُ. الإصحاحاتُ السَّادِس، السَّابِع، والثَّامِن ستُطَوِّرُ هذا التَّعليم بِطَريقَةٍ عميقَةٍ وشامِلة. فهُوَ سوفَ ينتَهي في الإصحاحِ الثَّامِن بالإعلانِ أنَّهُ بإمكانِنا أن نَكُونَ أعظَمَ من مُنتَصِرين، من خلالِ الذي أحَبَّنا! (37)

يختُمُ بُولُس هذا التَّعليم عنِ الفاتِحينَ الأربَعة برَبطِ الخَطِيَّةِ بآدَم، الذي من خلالِهِ أصبحنا جميعاً خُطاة، معَ عمَلِ المسيح، الذي من خلالِهِ أصبحَ جميعُ المُؤمنينَ أبراراً.

"فإنَّهُ كما بِخَطِيَّةٍ واحِدَةٍ صارَ الحُكمُ إلى جَميعِ النَّاسِ للدَّينُونَة، هكذا بِبِرٍّ واحِدٍ صارَت الهِبَةُ إلى جَميعِ النَّاسِ لِتَبريرِ الحياة. لأنَّهُ كما بِمَعصِيَةِ الإنسانِ الواحِد جُعِلَ الكَثيرونَ خُطاةً، هكذا أيضاً بإطاعَةِ الواحِد سيُجعَلُ الكَثيرُونَ أبراراً." (رُو 5: 18، 19)

نتجَ عن خَطِيَّةِ آدم حُكمُ ودينُونَةُ الموت، أمَّا عمَلُ بِرِّ المسيح فنتجَ عنهُ عطيَّة التَّبرير المجَّانِيَّة والحياة لأُولئكَ الذين هُم أولاد إبراهيم، لأنَّ لديهم الإيمان ليُصَدِّقُوا اللهَ عندما يُخبِرُهُم عمَّا فعلَهُ من أجلِهِم في المسيح.

ثُمَّ يُلَخِّصُ بُولُس تعليمَهُ عن هذه النُّقطَة بالقَولِ أنَّهُ عندما دخَلَ نامُوسُ اللهِ إلى العالَم بِمُوسَى، بما أنَّ عمَلَ النَّامُوٍس كانَ دائماً ولا يزالُ أن يُحَذِّرَنا منَ خَطِيَّتِنا، بهذا المعنى جعلَ النَّامُوسُ التَّعدِّي يزداد. ولكنَّ الأخبارَ السَّارَّةَ كانت ولا تزالُ أنَّهُ عندما تزدادُ الخطيَّة، هُناكَ تكثُرُ النِّعمَةُ جداً: "وأمَّا النَّامُوسُ فدَخَلَ لِكَي تكثُرَ الخَطيَّة. ولكن حَيثُ كَثُرَتِ الخَطِيَّةُ إزدَادَتِ النِّعمَةُ جدَّاً. حتَّى كما ملَكَتِ الخَطِيَّةُ في المَوتِ هكذا تَملِكُ النِّعمَةُ بالبِرِّ لِلحياةِ الأبديَّة بيسُوع المسيح رَبِّنا." (رُومية 5: 20- 21)

أدَّت سيادَةُ الخَطِيَّةُ وتُؤَدِّي اليومَ إلى الموت، ولكنَّ سيادَةَ النِّعمَة أدَّت وتُؤدِّي اليومَ إلى الحياةِ الأبديَّة بيسُوع المسيح رَبِّنا. سوفَ يُطَوِّرُ بُولُس ويُوسِّعُ هذه الحقيقَة في الإصحاحِ السَّادِس، وسوفَ يختُمُ التَّعليمَ الذي بدَأَهُ هُنا، في نهايَةِ الإصحاحِ السَّادِس، بالكلماتِ التَّالِيَة: "لأنَّ أُجرَةَ الخَطِيَّة هي مَوتٌ، وأمَّا هِبَةُ اللهِ فهِيَ حياةٌ أبَدِيَّةٌ بالمسيح يسُوع رَبِّنا." (رومية 6: 23)

الصفحة
  • عدد الزيارات: 10340