الفصلُ السادِس القِسمُ التعليميُّ من الرسالة
عمَلُ الرُّوحِ القُدُس
بدأَ بُولُس بالقِسم التَّعلِيمِيّ من رسالتِهِ الأُولى إلى أهلِ كُورنثُوس بالقول: "وأمَّا من جِهَةِ المواهِبِ الرُّوحِيَّة أيُّها الإخوة فَلَستُ أُريدُ أن تَجهَلُوا." (12: 1) كانَ المُؤمِنُونَ الكُورنثُوسيُّونَ أشخاصاً رُوحِيِّينَ ومُقدَّسِين. كانُوا مَفرُوزِينَ لإتِّباعِ المَسيح. ولكنَّهُم كانُوا أيضاً جَسَدِيِّين. كانُوا مُقدَّسينَ ومَدعُوِّينَ قِدِّيسين، ولكنَّ حياتَهُم لم تكُنْ تشهَد للمسيح، لأنَّهُم كانُوا قِدِّيسينَ جُهَّالاً. كانَت الرسالَةُ التي أرادَ أعظَمُ مُعَلِّمٍ في الجِيلِ الأوَّل للكنيسة بعدَ يوم الخمسين هي: "لستُ أُريدُكُم أن تَجهَلُوا."
على المُستَوى الدُّنيَويّ، كانَ الكُورنثُوسيُّونَ أشخاصاً أذكِياء. كانُوا يحتَرِمُونَ المعرِفة كثيراً، ولقد كانَ لدى الكثيرينَ منهُم معرِفَةً واسِعة. كمُؤمِنين، كانَت لديهم أيضاً معرِفَةٌ بالله وبالرُّوحِ القُدُس. ولكنَّهُم كانُوا جاهِلينَ حِيالَ عمَلِ الرُّوحِ القُدُس. ولقد رَغِبَ بُولُس بِِشدَّة أن يُبَدِّدَ جهلَهُم في القسمِ الثاني من رسالتِهِ. بدأَ بتعليمِ هذه الكنيسة التي تحتَوي على قِدِّيسينَ جُهَّالاً، بتعليمِهم عن الطريقَة التي يعمَلُ بها الرُّوحُ القُدسُ في الكنيسة.
مواقِف مغلُوطَة عنِ الرُّوحِ القُدُس
كانت كَنيسةُ كُورنثُوس ما يُمكِنُ أن نُسمِّيَهُ اليوم، "كَنيسَةً كاريزماتِيَّة." بما أنَّ بُولُس كانَ يبدَأُ مقطَعاً من رسالتِهِ يقُولُ فيهِ الكثيرُ عنِ الرُّوحِ القُدُس، بدأَ بِذِكرِ بضعِ طُرُقٍ يُخطِئُ فيها الناسُ في فهمِهم لدَورِ وعمَلِ الرُّوحِ القُدُس. أخبَرَهُم أنَّهُ من الخطأ أن نكُونَ جُهَّالاً حيالَ عملِ الرُّوحِ القُدُس. وسوفَ يُخبِرُهم أنَّهُ من الخطأ أن نُؤلِّهَ بعضَ مظاهِرِ الرُّوح القُدُس، وأنَّهُ خطَأٌ أن نُحاوِلَ أن نُحدِثَ بعضَاً من أعمالِ الرُّوحِ القُدُس.
الرُّوحُ القُدُس يُعطي مواهِب
بدأَ بُولُس بالتعليمِ أنَّ الرُّوحَ القُدُس يمنَحُ المُؤمنينَ مواهِبَ رُوحيَّة: فأنواعُ مواهِب موجُودَة، ولكنَّ الرُّوحَ واحِد... فإنَّهُ لِواحِدٍ يُعطَى بالرُّوح كلامُ حِكمَة. ولآخَر كلامُ عِلمٍ بِحَسَبِ الرُّوحِ الواحِد. ولآخَر إيمانٌ بالرُّوحِ الواحِد. ولآخر مواهِبُ شِفاءٍ بالرُّوحِ الواحِد. ولآخَر عملُ قُوَّاتٍ بالرُّوحِ الواحِد. ولآخَر تَمييزُ الأرواح. ولآخَر أنواعُ ألسِنة. ولآخَر ترجَمَةُ ألسِنة. ولكنَّ هذه كُلَّها يعمَلُها الرُّوحُ الواحِدُ بِعَينِهِ قاسِماً لِكُلِّ واحدٍ بِمُفرَدِهِ كما يشاء." (1كُورنثُوس 12: 4، 8-11)
عندَما يُحقِّقُ الرُّوحُ القُدُسُ حُضُورَهُ في المُؤمنين، يجلبُ معَهُ مواهِبَ مُتَنوِّعَة. يمنَحُ مواهِبَ مُتَنوِّعَة لمُؤمِنينَ مُتنوِّعين، لكي يستعمِلُوها في خدماتِهم الفريدة. وعلى الرُّغمِ من كَونِ هذه المواهِب مُتَنوِّعَةً كثيراً، ورُغمَ أنَّها تُؤهِّلُ مجمُوعَةً من المُؤمِنينَ ليكُونَ لهُم تَشكيلَةٌ من الخدمات، ولكنَّ هذه المواهِبُ تُعطَى للمُؤمنين من قِبَلِ الرُّوحِ الواحِد. مواهِبُ الرُّوحِ القُدُس هذه تشهَدُ داخِلَ الإنسانِ وخارِجَهُ للمسيحِ المُقام. وهكذا يخدُمُ المُؤمِنُونَ المَوهُوبُونَ المُؤمنينَ الآخرينَ في كنيستِهم. وعندما يحدُثُ هذا، تُبنى الكنيسَةُ أو تُكمَّلُ من أجلِ عملِ الخدمة، التي بالإضافَةِ إلى شهادتِها وبركتِها الداخِليَّة للمُؤمنين، تشهدُ للعالَمِ الخارِجي برُوحِ الطاعَةِ للمأمُوريَّةِ العُظمى.
المواهِبُ الرُّوحِيَّةُ تُبَرهِنُ التَّنوُّع
في هذا الإصحاح، نتعلَّمُ مبدأينِ مُتناقِضَين ولكن مُتكامِلَين. أوَّلاً، نتعلَّمُ عن تنوُّع المُؤمنين المَوهُوبين، لأنَّهُم يتمتَّعُونَ بمجموعاتٍ مُختَلِفة من المواهِبِ الرُّوحِيَّة. إن كانَ إثنانِ منَّا مُتَطابِقَين تماماً، فواحِدٌ منهُما سيُصبِحُ وُجودُهُ غيرَ ضَرورِي. ولكن جميع القدِّيسين في الكنيسَةِ المحلِّيَّة وجُودُهم ضَروري. ولكن ليسَ جميعُ الأعضاءِ مُزوَّدينَ بالموهِبَةِ نفسها – فالبعضُ مُعلِّمون، وآخرونَ أنبِياء، والبعضُ الآخر لديهم مواهِب تمييز؛ وآخرونَ لديهم مواهِب إدارِيَّة، وبعضُهُم لديهم مواهِبُ شفاء.
إنَّ الكَنيسَةَ المملوءَةَ بالرُّوحِ سيكُونُ في جسدِها مجمُوعَةً كُبرى من المُؤمنين المُبارَكينَ بمواهِبَ روحِيَّة مُتَنوِّعة، التي هِيَ تحتَ سيطَرَةِ الرُّوحِ القُدُس. فالرُّوحُ القُدُسُ ليسَ سائِلاً، بل هُوَ شخصٌ. فإمَّا أن يكُونَ لدينا شخصُ الرُّوحِ القُدُس، وإمَّا لا يكُون. إنَّ مفهُومَ الإمتِلاء بالرُّوحِ القُدُس، يعني حرفِيَّاً أن نكُونَ تحتَ سيطَرَتِهِ.
المواهِبُ الرُّوحِيَّة تعمَلُ كالجَسَد
ثانِياً، نتعلَّمُ عنِ الوحدَة، وحدة القدِّيسين في الكنيسةِ المحلِّيَّة. هذا يعني أنَّ كُلَّ الأعضاء مُوحَّدونَ في شَخصٍ واحِدٍ، وهذا الشخص هُوَ المسيح. هذا يعني أيضاً، أنَّهُ رُغمَ أنَّهُم أشخاصٌ مُختَلِفونَ ذوي مواهِبَ مُختَلِفة، فإنَّهُم يعمَلُونَ لهدَفٍ واحد مُشتَرَك. فكيفَ بإمكانِ هذين المَبدَأَين المُتناقِضَين أن يعمَلا في مجمُوعَةٍ واحِدَةٍ من الناس؟ يضَعُ بُولُس هذين المبدَأَين المُتناقِضَين معاً، معَ إعلانِهِ المُوحَى أنَّ الكنيسةَ تعمَلُ كجسدِ الإنسان:
"لأنَّهُ كما أنَّ الجَسَدَ هُوَ واحدٌ ولهُ أعضاءٌ كَثيرَةٌ وكُلُّ أعضاءِ الجَسد الواحِد إذا كانت كثيرَةً هي جسدٌ واحِدٌ كذلكَ المسيحُ أيضا.ً" [أي المسيحُ القائم من الموت] (12) فأجسادُنا مُكَوَّنَةٌ من أيدٍ وأرجُلٍ وآذان ورِئاتٍ وأعضاءَ أُخرى مُختَلِفَة، ولكنَّ كُلَّ عُضوٍ يعمَلُ بتعاوُنٍ جميلٍ معَ باقِي الجسد. أعضاءُ الجسد تعمَلُ إنفِرادِيَّاً، ولكنَّها تعمَلُ نِيابَةً عن الجَسَدِ كَكُلّ. هكذا في جسدِ المسيح، حَيثُ كُلُّ عُضوٍ لهُ موهِبَةٌ مُختَلِفَةٌ ولكنَّهُ مُوحَّدٌ معَ باقِي الجسد من خِلالِ المسيح، الذي هُوَ الرَّأس (كُولُوسي 1: 18).
المواهِبُ الرُّوحِيَّة تتحدَّى الوِحدَةَ المُتناسِخة
إنَّهُ لأمرٌ مُؤسِفٌ أن لا تُقدِّرَ الكنائِسُ كُلُّها تنوُّعَ مواهِبِ الرُّوحِ القدُس. فهُم يُفضِّلُونَ أن يُظهِرَ كُلُّ أعضائِهم المواهِبَ نفسَها، سواءٌ أكانت مواهِبُ الشفاء أم التنبُّوء أم التكلُّم بألسِنة أم أيَّة موهِبَةٍ أُخرى. يُشدِّدُ هؤُلاء أنَّ بعضَ مواهِب وإستعلانات الرُّوحِ القدُس تتفوَّقُ على الأُخرى، وأنَّ كُلَّ أعضاءِ هذه الكنائِس ينبَغي أن يحُوزوا هذه المواهِب أو العلامات التي تُثبِتُ حُضُورَ الرُّوحِ فيهم. بِرَأيي هذا ما يُعلِّمُهُ بُولُس في هذه الإصحاحاتِ البنَّاءَة من رسالتِه.
كتبَ بُولُس يقُول: "فأنواعُ مواهِب موجُودة ولكنَّ الرُّوحَ واحِد." (4) علَّمَ بُولُس أنَّ هذه الأنواع من أجسامِ الكنائس لا تستطيعُ أن تعمَلَ بترتيب، وإستخدمَ بُولُس إيضاحَ الجسمِ البَشري ليُبرهِنَ فكرتَهُ: "لو كانَ كُلُّ الجسدِ عَيناً فأينَ السَّمعُ؟ لَو كاَ الكُلُّ سمعاً فأينَ الشَّمُّ؟... لا تقدِرُ العَينُ أن تقُولَ لليَدِ لا حاجَةَ لي إليكِ." (1كُورنثُوس 12: 17، 21أ). هذه ليست وحدة، بَل هي وحدَةٌ مُتناسِخة مُتماثِلة. والتناسُخُ أو التماثُلُ ليسَ الطريقة التي يقُولُ بُولُس أنَّ المسيحَ أرادَ لكنيستِهِ أن تكُونَ عَلَيها.
الكنيسة لديها عمَل
هذا الإصحاحُ يُوضِحُ جَوهَرَ عمَلِ الكنيسة. نتعلَّمُ أنَّ الكنيسةَ مجمُوعَةٌ معاً من خِلالِ الوحدة، كما تُبَرهَنُ بواسِطَةِ تعليمِ بُولُس أنَّنا جسدٌ تحتَ سيطَرَةِ رأسٍ واحِد الذي هُوَ المَسيح. نتعلَّمُ أيضاً أنَّ أعضاءَ الكنيسة لديهم تنوُّعٌ في المواهِبِ المُختَلِفة التي أُنعِمَ بها عليهم بالرُّوح القدُس. عَلينا أن نعيشَ في وِحدَةٍ بدونِ التضحية بالتنوُّع. لا يقصُدُ بُولُس التنوُّع اللاهُوتِي أو العقائِدِيّ. يُعلِّمُ بُولُس أنَّهُ بمعنىً ما علينا أن نحتَفِلَ بالتنوُّع بينَ أعضاءِ الكنيسةِ المُختَلِفينَ، بدُونِ أن نُزعزِعَ الوحدَةَ الرُّوحِيَّةَ الخارِقَة للطبيعة في كنيستنا.
والكنيسةُ تعمَلُ أيضاً بالتعدُّدِيَّة، التي تعني أنَّ الرُّوحَ القُدُس يستخدِمُ أعضاءَ الكنيسةِ كافَّةً ليُكمِّلَ عملَ المسيح ويُعلِنَ كلمةَ المسيح لهذا العالم. إنَّ عملَهُ ليسَ أن يُكمَّلَ بواسِطَةِ أيدي رِجالِ الدِّينِ فحسب، بل من خِلالِ أعضاءِ الكنيسةِ كافَّةً، بواسطةِ إستخدامِهم لمواهِبِهم الرُّوحِيَّة المُتنوِّعَة.
إنَّ الأعضاءَ داخِل الكنيسة يُظهِرُونَ أيضاً التعاطُفَ معَ بعضِهم البعض، كما قالَ بُولُس: "فإن كانَ عُضوٌ واحِدٌ يتألَّمُ فجَميعُ الأعضاء تتألَّمُ معَهُ. وإن كانَ عُضوٌ واحِدٌ يُكرَّمُ فجميعُ الأعضاء تفرَحُ معَهُ." (12: 26) وأخيراً، يعمَلُ أعضاءُ جسدِ المسيح بمُساواة. فرُغمَ أنَّ مواهِبَنا مُختَلِفَة، فإنَّ هذه المواهِب والمُؤمنينَ الذين تُمارَسُ المواهِبُ من خِلالِهم، جميعُهم ذوي قيمَةٍ مُتساوِيَةٍ أمامَ الله. لهذه الأسباب، فإنَّ يعقُوب الذي كانَ قائداً منظُوراً في كنيسةِ العهدِ الجديد، وصفَ مُشكِلَةَ المُحاباة الإجتماعِيَّة بالخَطيَّة (يعقُوب 2: 9). رُغمَ أنَّ بعضَ المُؤمنينَ المَوهُوبينَ ونماذِج خدماتِهم ومواهِبهم هي أقل أهمِّيَّةً، فإنَّها ذات قيمة مُتساوِيَة بنظَرِ مسيحِ الكنيسة. لقد كوَّنَ اللهُ الكنيسةَ بهذه الطريقة، "لِكَي لا يكُونَ إنشقاقٌ في الجسد بل تهتَمُّ الأعضاءُ إهتِماماً واحِداً بعضُها لِبَعض." (12: 25)
المواهِبُ هي للبُنيان
يُظهِرُ الإصحاحُ الرابِع عشر من كُورنثُوس الأُولى ماذا يحدُثُ عندما تُرفِّعُ كنيسَةٌ ما موهِبَةً فوقَ الأُخرى، خاصَّةً موهِبَةَ الألسنة. ففي كنيسةِ كُورنثُوس، أُولئكَ الذينَ يتكلَّمُونَ بألسِنةٍ إعتَبَروا أنفُسَهُم مُتفوِّقِينَ على أولئكَ الذين لم يكُونُوا يتكلَّمُونَ بألسِنة. لقد رفَّعُوا الألسنةَ وكأنَّها بُرهانٌ للإختِبارِ المَسيحيّ، بدلَ أن يُظهِرُوا دورَها الذي تلعَبُهُ كواحدَةٍ من عدَّةِ مواهِب رُوحِيَّة يُغدِقُها الرُّوحُ القدُسُ على المُؤمن. هُناكَ سُؤالٌ وجيهٌ يُطرَحُ حِيالَ هذه الموهِبة أو العلامة للرُّوحِ القُدُس، وهُوَ: "هل التكلُّمِ بألسِنة هُوَ الإختِبارُ المَسيحيُّ، أم أنَّهُ إختِبارُ بعض المسيحيِّين؟"
مشاكِلُ الكنائِس المَوهُوبَة
عندما تعمَلُ مواهِبُ الرُّوحِ في كنيسةٍ ما، تخلُقُ مشاكِل. يُفضِّلُ الكثيرُ من رُعاةِ الكنائِس أن تُعانِي كنائِسُهم من المشاكِل التي تُرافِقُ هذه المواهِب الرُّوحِيَّة، على أن يكُونَ لديهم نظامٌ وترتيب ولكن بدونِ الحياةِ الرُّوحية التي تجلُبُها هذه المواهِبُ للكنيسة. (فالجُثَّةُ هِيَ مُرتَّبَةٌ جداً، ولكنَّها بدُونِ حَياة.) تبدَأُ هذه المشاكِل معَ مُشكِلة التمييز بينَ شخصٍ وآخر. فأولئكَ الذينَ يملِكُونَ ما يُؤمنونَ بأنَّهُ قدرَة فائَقة أو موهِبَة مُتعدِّدة، يُمَيِّزُونَ ضِدَّ الذين لا يملِكُونَ نمُوذجَ موهِبَة أو خدمة. هذا التمييزُ يقُودُ إلى فُقدانِ الشعُور بالقيمة عندَ أُولئكَ لذين ليسَ لديهم هذا النوع المُحدَّد من الموهِبَةِ أو الخدمَةِ الرُّوحِيَّة. وبما أنَّ المُؤمنينَ مُعرَّضُونَ للشُّعُورِ بعدَمِ الأمانِ الرُّوحِيّ، فإنَّ هؤلاء المُؤمنين الذين يفقُدونَ الشعُورَ بقيمتِهم الذاتيَّة يبدَأُونَ بالتشكيكِ بجدارتِهم الرُّوحِيَّة. وغالِباً ما يُغادِرُ هؤلاء الأعضاء الذين إستُخِفَّ بقيمتِهم الكنيسةَ، وهكذا تكُونُ المُشكِلَةُ الثالِثةُ هي الإنشقاق داخِلَ الكنيسة.
وقد يتطوَّرُ هذا الإنشِقاقُ إلى درجَةِ إنشقاقِ أعضاءِ الكنيسةِ عن بعضِهم البعض ليُشكِّلوا مجمُوعاتٍ مُختَلِفَةٍ تمنحُهم الأمان الذي يبحَثُونَ عنهُ. هُناكَ مئاتُ الأنواع من المفاهيم لجسد المسيح في الكنائسِ الإنجيليَّة. فإن كانَ جسدُكَ مقسُوماً إلى مِئاتِ الأجزاء، فهل بإمكانِهِ أن يعمَلَ بِشكلٍ سليم؟ إنَّ هذه المُشكلاتِ الثلاث: التمييز، الإستخفاف، والإنشقاق، قد دمَّرَت وشلَّت حركَةَ جسدِ المسيح في العالَمِ أجمَع.
ولكي يمنَعَ بُولُس المُشكِلةَ من التفاقُم إلى هذا الحَدّ، واجَهَ الكُورنثُوسيِّين. قالَ لأُولئكَ الذين كانُوا يُعظِّمُونَ موهِبَةَ الألسِنة فوقَ كُلِّ المواهِبِ الأُخرى، أنَّ هذه الموهِبة لم تكُن موهِبَةً مُتفوِّقَة ولا مُوثِّقَة لمصداقِيَّةِ الإختِبار. فمِن بين كُلِّ المواهِب المذكُورة في الإصحاحِ 12، موهِبَةُ الألسِنة هي آخِرُ موهِبَةٍ ينبَغي إستخدامُها كمصدَر سُلطة وَثِقة، لأنَّ كُلَّ مواهِبِ الرُّوح مُعطاة لبُنيانِ باقي أعضاء الكنيسة. إنَّ موهِبَةَ الألسِنة عندما تُستَخدَمُ بدُونِ ترجمَة، لا تُحقِّقُ أيَّ بُنيانٍ في جسدِ المسيح. "من يتكلَّمُ بِلِسانٍ يبنِي نفسَهُ. وأمَّا من يتنبَّأُ فيبني الكَنيسة." (4)
لقد قارَن بُولُس بينَ موهِبَةِ الألسِنة وموهِبَةِ التنبُّوء، ليُظهِرَ أنَّ أُولئكَ الذين كانُوا يُعظِّمُونَ موهِبَةَ الألسِنة لم يفهَمُوا معنى موهِبَتِهم بِحَقّ. ولم يفهَمُوا أنَّ المواهِبَ الرُّوحِيَّة ينبَغي أن تُستَخدَمَ لبُنيانِ جسدِ المُؤمنين. لقد كان هؤُلاء يتبجَّحُونَ "بلُغَةِ الصلاةِ المُميَّزة" التي إشتَركُوا بها معَ الرُّوحِ القُدُس، الأمرُ الذي لم يتمتَّعْ بهِ باقي أعضاء الكنيسة. رُغمَ أنَّ هذه اللُّغة هي نقيَّة ومُعطاة من الرُّوحِ القدُس، ولكن ينبَغي إستخدامُها لبُنيانِ جسدِ المسيح بِقيامِ عُضوٍ آخر في الكنيسة الذي لديهِ موهِبَة الترجمة (1كُورنثُوس 14: 27، 28).
لقد حضَّ بُولُس الكُورنثُوسيِّين على إستخدامِ مواهِبِهم المُتنوِّعَة لِمصلَحَةِ الجسد بكامِلِه: "فما هُوَ إذاً أيُّها الإخوة. متى إجتَمَعتُم فكُلُّ واحِدٍ مِنكُم لهُ مزمُورٌ لهُ تَعليمٌ لهُ لِسانٌ لهُ إعلانٌ لهُ ترجمَةٌ. فَليَكُن كُلُّ شَيءٍ للبُنيان." (14: 26) بِكلماتٍ أُخرى، إنَّ مواهِبَنا الرُّوحِيَّة ينبَغي أن تُستَخدَمَ من أجلِ بُنيانِ جسدِ المسيح. إنَّها مُعطاةٌ لتوطيدِ الوحدَة ولِتَقوِيَة مواهِبنا وخدماتِنا المُختَلِفة.
تطبيقيَّاً
ما هُوَ نمُوذَجُ موهِبَتِكَ وخدمتِكَ الرُّوحِيَّة؟ هل إكتَشَفتَ كيفَ منحكَ الرُّوحُ القُدُس المواهِبَ، وكيفَ أهَّلكَ وشجَّعَكَ لتستخدِمَ مواهِبك التي أعطاكَ إيَّاها؟ فكيفَ بإمكانِكَ أن تخدُمَ جسدَ المسيحِ بشكلٍ أفضَل معَ مواهِبكَ؟ فسواءٌ أكانت مواهِبُكَ في التعليمِ أم التمييز أم الحكمة أم التبشير أم الإدارة أم المُساعدة أم الرحمة أم الشفاء، أو أيَّة موهِبَةٍ أُخرى وصفَها بُولُس، فإنَّ الرُّوحَ القُدُس زوَّدَكَ بالمُؤهِّلاتِ التي تحتاجُها لتمجيدِ اللهِ وبُنيانِ كنيستِه. إدرُس لوائِحَ المواهِبِ الرُّوحِيّة في الكتابِ المقدِّس، والتي تتعدَّى العِشرين، وتأمَّل بِرُوحِ الصلاة بلائِحَةِ المواهِب هذه إلى أن يقُومَ الرُّوحُ القُدُس وباقِي أعضاء الكَنيسة بمُساعدتِكَ على إكتِشافِ مواهِبِكَ الرُّوحِيَّة. بحَسَبِ بُولُس، لا يُوجدُ ما يُسمَّى بِعُضوٍ غيرِ مُوهُوب في جسدِ المسيح. إبدأْ بإستخدامِ مواهِبِكَ اليوم، وانظُر كيفَ سيُضاعِفُ الرَّبُّ خدماتِكَ وجُهودِكَ من أجلِ مجدِهِ.
- عدد الزيارات: 16432