Skip to main content

الفَصلُ الرَّابِع دَليلُ الزَّواج

(1كُورنثُوس 7)

الإصحاحُ السابِعُ من كُورنثُوس الأُولى صارَ يُعرَفُ بإصحاحِ الزواجِ في الكتابِ المقدَّس. إنَّهُ يُعالِجُ عدداً من الأسئِلة وضعَها أعضاءُ الكنيسةِ في كُورنثُوس أمامَ بُولُس، في رسالةٍ كتبُوها إليهِ بِخُصُوصِ الزواج، العُزُوبيَّة، الطلاق، إعادة الزواج، والعلاقاتِ الجسديَّة خلالَ الزواج. لِعدَّةِ قُرون، عندما إقتَرَبَ أعضاءُ الكنيسةِ من رُعاتِهم طارِحينَ عليهم أسئِلَةً عن هذه الأبعاد في الزواج، شكَّلَ هذا الإصحاحُ دَليلَ الرُّعاةِ للزواج.

القَضِيَّةُ الأساسيَّة التي تمَّ التركيزُ عليها في هذا الإصحاح هي، "ما هُوَ الزواجُ في نَظرِ الله؟" إنَّ جميعَ هذه الأسئلة تمَّت مُعالجتُها في الإصحاحِ السابِع من كُورنثُوس الأُولى، حيثُ نكتَشِفُ خُطَّةَ الله للزَّواج، ومُعظم المشاكِل التي تظهَرُ فيما يختَصُّ بالزواج.

قد يُحاجِجُ البعضُ قائِلينَ أنَّ مقاطِعَ من هذا الإصحاح ليسَت مُوحَىً بها من الله، لأنَّ بُولُس تكلَّمَ أحياناً من سُلطةِ الرَّبّ، وأحياناً أُخرى أعطى آراءَهُ الشخصِيَّة حولَ قضايا مُعَيَّنة. مثلاً، أكَّدَ بُولُس أنَّ تعليمَهُ كانَ منَّ الرَّبّ عندما أخبرَهُم قائِلاً، "وأمَّا المُتزوِّجُونَ فأُوصِيهِم لا أنا بَلِ الرَّبّ أن لا تُفارِقَ المرأَةُ رجُلَها." (1كُورنثوس 7: 10). أحياناً أُخرى، أوضحَ أنَّ تَعليماتِهِ لم تكُن بأمرٍ من الرَّب، بل كانت تُعبِّرُ عن رأيِهِ الشخصيّ: "وأمَّا الباقُونَ فأقُولُ لهُم أنا لا الرَّبُّ إن كانَ أَخٌ لهُ امرَأَةٌ غَيرُ مُؤمِنَةٍ وهِيَ تَرتَضِي أن تَسكُنَ مَعَهُ فلا يترُكْها"؛ "وأمَّا العذارى فَليسَ عِندِي أمرٌ من الرَّبِّ فيهِنَّ ولكنَّنِي أُعطِي رأياً كَمَن رَحِمَهُ الرَّبُّ أن يكُونَ أميناً"؛ "ولكنَّها أكثَرُ غِبطَةً إن لَبِثَت هكذا بِحَسَبِ رأيي. وأَظُنُّ أنِّي أنا أيضاً عندي رُوحُ الله" (1كُورنثُوس 7: 12، 25، 40).

رُغمَ الآراء البَشريَّة التي قدَّمَها بُولُس في هذه الأعداد، لا يُمكِنُنا أن نحسِبَ كَلِماتِهِ وكأنَّها غيرُ مُوحَىً بها من الرَّبّ. كانَ بُولُس حريصاً في هذا الإصحاح على أن يبنِيَ على أساسِ تعليمِ المسيح. وحيثُ وجدَ أجوبَةً على هذه الأسئِلة المُختصَّة بالزواج في تعاليمِ المسيح ونامُوسِ الله، أشارَ بُولُس إلى هذه المراجِع مُثَنِّياً على ما سبقَ وعلَّمَهُ الرَّبُّ. ولكن حيثُ كانَ يسُوعُ أو النامُوس صامِتَين، تكلَّمَ بُولُس كإنسانٍ "كمَن رحِمَهُ الرَّبُّ أن يكُونَ أميناً." لذلكَ كانت كَلِماتُهُ الأخيرة في إصحاحِ الزواجِ هذا هي، "رُوحُ الله." (العدد 40)

إنَّ بُولُس لم يقصُدُ لا من قَريبٍ ولا من بعيد أنَّ أفكارَهُ في هذا الإصحاح عن الزواج كانت غيرُ مُوحَىً بها. في كَلِماتِهِ الأخيرة في هذا الإصحاح، أكَّدَ بُولُس أنَّ ما كتبَهُ للكُورنثُوسيِّين عنِ الزواج، كانَ مُوحَىً بهِ من الله.


"بِسبَبِ الضِّيقِ الحاضِر..."

عبرَ هذا الإصحاح، شدَّدَ بُولُس على نصيحَةِ الكُورنثُوسيِّين أن لا يتزوَّجُوا ولا يطلُبُوا وضعاً مُختَلِفاً عن الوضع الذي كانُوا يعيشُونَ فيهِ عندَما دُعِيُوا ليتبَعُوا المَسيح. لقد علَّمَهم هكذا بسبب ما أسماهُ "الضيق الحاضِر" (26). كانت الكنيسةُ تعيشُ في وقتِ إضطِّهادٍ، وبسببِ ذلكَ، إعتَقَدَ بُولُس أنَّهُ من الأفضَل أن يبقَى العازِبُونَ عازِبينَ، بدلَ أن يُضيفُوا همَّاً على هُمُومِ حياتِهم اليوميَّة.

يبدُو أنَّ الكُورنثُوسيِّين في رسالتِهم إلى بُولُس، سألُوهُ إذا كانَ بإمكانِ أولادِهم العازِبينَ أن يتزوَّجُوا في زمَنِ الضِّيقِ آنذاك. فأجابَ بُولُس بِوُضُوح أنَّهُ من الأفضَل والأكثر حِكمَةً أن يبقَى الشبابُ العازِبُونَ والبناتُ العذارى هكذا كما هُم، أي غيرُ مُتزوِّجين. لم يمنَعْ هؤلاء الشُّبَّان والشَّابَّات من الزواج، بل نصحَهم بالعُزُوبِيَّة. لهذا السبب، بدأ الإصحاحَ بالقولِ لهُم، "حسنٌ للرَّجُل أن لا يَمَسَّ إمرأة." (1) فإذا قرَّرَ هؤلاء الشُّبَّان والشَّابَّات أن يبقُوا عازِبينَ، أرادَهُم بُولُس أن يحفَظُوا أنفُسَهم من التَّجرِبَة.

رُغمَ أنَّ بُولُس علَّمَ هؤُلاء الذين كانُوا عازِبينَ أن يبقُوا كما كانُوا، ولكنَّهُ أضافَ أيضاً أنَّ من قرَّر أن يتزوَّجَ فهُوَ لا يُخطِئ: "ولكن إن لم يضبُطُوا أنفُسَهم فَليَتَزوَّجُوا. لأنَّ التزوُّجَ أصلَح من التحرُّق"؛ "لَكِنَّكَ وإن تزوَّجتَ لم تُخطِئ"؛ "ولكن إن كانَ أحدٌ يَظُنُّ أنَّهُ يَعمَلُ بِدُونِ لِياقَةٍ نحوَ عذرائِهِ إذا تجاوَزَتِ الوقتَ وهكذا لَزِمَ أن يَصيرَ فليفعَلْ ما يُريد. إنَّهُ لا يُخطِئ. فَليَتزوَّجا." (9، 28، 36)

يَظُنُّ البعضُ أنَّ بُولُس كانَ مُتزوِّجاً سابِقاً، لأنَّ كُلَّ عُضوٍ في السنهدريم كانَ مُتوقَّعاً أن تكُونُ لهُ زوجَةٌ. وفوقَ ذلكَ، في مقطَعٍ خاطَبَ فيهِ غيرَ المُتزوِّجينَ والأرامل، علَّمَهُم، "إنَّهُ حسنٌ إذا لَبِثُوا كما أنا" (8). لهذا يستنتِجُ مُعظَمُ المُفسِّرينَ أنَّهُ كانَ أرملاً.


"لا تحرُمُوا بعضُكُم البعضَ الآخر..."

إنَّ العلاقَةَ الجَسَديَّةَ بينَ الرَّجُلِ والمرأَةِ مقصُودٌ منها التكاثُر، ولكن أيضاً منحَ اللذَّةِ للشريكَين. ولقد أيَّدَ بُولُس هذه الفكرة بالقَول: "لِيُوفِ الرجُلُ المرأَةَ حقَّها الواجِب وكذلكَ المرأَةُ أيضاً الرَّجُلَ. ليسَ للمرأةِ تسلُّطٌ على جَسَدِها بَلْ للرَّجُل. وكذلكَ الرَّجُلُ أيضاً ليسَ لهُ تسَلُّطٌ على جَسَدِهِ بل للمرأة. لا يسلُبْ أحدُكُم  الآخر إلا أن يكُونَ على مُوافَقة إلى حِينٍ لِكَي تتفرَّغُوا للصَّومِ والصلاة ثمَّ تجتَمِعُوا أيضاً معاً لكي لا يُجرِّبَكُم الشيطانُ لسببِ عدَمِ نزاهَتِكُم." (3- 5)

قبلَ هذا المقطَع ببِضعَةِ أعدادٍ، خاطَبَ بُولُس الأشخاصَ العازِبينَ قائِلاً، "حسَنٌ للرَّجُلِ أن لا يَمَسَّ إمرأَة" (1)، ولكنَّ هذا لا ينطَبِقُ بالطبع على المُتزوِّجِين. فبِحَسَبِ هذا المقطع، ينبَغي أن يُركِّزَ الجِنسُ على الشريكِ الآخر وأن يسعى ليُرضِيَ الآخَر. فعلى الزَّوج أن يسعى ليُرضِيَ زوجَتَهُ، وعلى الزَّوجة أن تسعى لتُرضِيَ زوجها، وينبغي أن لا يحرِما بعضُهُما البَعضَ من العلاقَةِ الجسَدِيَّةِ الحَميمَة.

إنَّ حُدُودَ العلاقَةِ الجِنسيَّةِ في الزواج ليسَت حولَ ما هُوَ صوابٌ أو خطأ، طَبيعيٌّ أَو غير طَبيعِيّ. إن الكَلِمة المِفتاحِيَّة هُنا هي "التَّبادُل." فأَيُّ شيءٍ يفعَلُهُ الشريكانِ الزَّوجِيَّان ليُرضِيَ كُلٌّ مِنهُما الشريكَ الآخر، لا يُقاسُ بمعايير الصوابِ والخَطأ. الأمرُ المُهِمُّ هُنا هُو المُبادَلة. قالَ بُولُس أنَّ السببَ الوحيد الذي من أجلِهِ يحِقُّ للزَّوجِ أو للزَّوجَةِ أن يتوقَّفا عن العلاقَةِ الجِنسيَّةِ، هو إذا قرَّرا الإنصِرافَ إلى الصومِ والصلاةِ لِفَترَةٍ ما، وهذا القَرار ينبَغي أن يكُونَ بإتِّفاقٍ مُتبادَل من الطرَفَين.

إنَّ هذا لا يُظهِرُ لنا فقط حُدُودَ الإمتِناع عن العلاقَةِ الجسديَِّةِ الحميمة، بل ويُظهِرُ أيضاً نوعَ العلاقَةِ الرُّوحِيَّة التي يشتَرِكُ بها الزوجُ والزوجَةُ. فعلى الرُّغمِ من كَونِهِما مُتَزوِّجَينِ ويشتَرِكانِ بِوحدَةٍ جسديَّةٍ أمامَ الله، ولكنَّهُما لا يزالانِ يتمتَّعان، كُلُّ منهُما بمُفرَدِهِ، بِعلاقَةٍ مُستَقِلَّةٍ معَ الله. إنَّ العلاقَةَ الأكثر حميميَّةً في هذه الحياة ليسَت العلاقةُ الزوجِيَّة، بَل هي علاقتُنا معَ الله. إنَّ النَّاس سوفَ يُناقِشُونَ علاقاتِهم الزَّوجِيَّة بحُرِّيَّةٍ أكثر ممَّا يُناقِشُونَ علاقاتِهم معَ الله.

يُعلِّمُنا هذا المَقطَعُ أيضاً أنَّ أفضَلَ طريقَةٍ للحِمايَةِ ضدَّ الخطيَّةِ الجنسيَّة اللاأخلاقيَّة، هو أن يتمتَّعَ الشريكانِ بالإرضاءِ المُتبادَل من علاقتِهما الجنسيَّة في زواجِهما. لقد كانت مدينَةُ كُورنثُوس غارِقَةً في اللاأخلاقِيَّة، ولِهذا رَغِبَ بُولُس أن يُعلِّمَ المُتزوِّجين أن يُرضُوا كُلٌّ منهُما الرغبَةَ الجِنسيَّةَ عندَ الشريكِ الآخر داخِلَ المنزِل، لكي يُحصِّنا أنفُسَهما من التجارِب. إنَّ العلاقَةَ الجسديَّة المُشبِعة والقَويَّة هي أفضَلُ دفاعٍ ضدَّ التجارِب اللاأخلاقيَّة.


"ولكنَّ اللهَ دَعانا في السلام..."

بالإضافَةِ إلى العُزُوبيَّةِ والعلاقاتِ الزَّوجِيَّة، يُعالِجُ هذا الإصحاحُ أيضاً قضايا الطلاق. من الواضح أنَّ الكُورنثُوسيِّين سألُوا بُولُس في رسالتِهم إليهِ، إن كانَ يحِقُّ لشَريكَينِ مُؤمِنَين أن يفسَخا زواجَهُما بالطلاق. يُجيبُ بُولُس على سُؤالِهم في العددين 10 و11. ولكنَّ جوابَ بُولُس كانَ بسيطاً جداً، ولخَّصَهُ بكلمَةٍ واحدة هي: "كلا!" أرجعَ بُولُس الكُورنثُوسيِّين إلى تعاليمِ المسيح عن عدم إمكانِيَّة حَلّ الزواج، الأمرُ الذي أشارَ إليهِ يسُوعُ أمامَ الفرِّيسيِّين، ودعمَهُ النامُوسُ على حَدٍّ سواء (متَّى 19: 3- 9).

ولكن في الأعداد 12- 16، عالَجَ بُولُس سُؤالاً لم يُجِب عليهِ ولا حتَّى الرَّب يسُوع مُباشَرة: هل الطلاقُ مسمُوحٌ بينَ مُؤمِنٍ وغير مُؤمِن؟ فجاءَتِ النصيحَةُ الكِتابِيَّةُ التي أعطاها بُولُس بشكلٍ عادِلٍ جداً: "إن كانَ أخٌ لهُ امرَأَةٌ غيرُ مُؤمِنة وهِيَ ترتضِي أن تَسكُنَ معَهُ فلا يترُكها. والمَرأَةُ التي لها رَجُلٌ غيرُ مُؤمِن وهُوَ يَرتَضِي أن يسكُنَ معَها فلا تترُكهُ... ولكن إن فارَقَ غيرُ المُؤمِن فليُفارِقْ. ليسَ الأخُ أوِ الأُختُ مُستَعبَداً في مِثلِ هذه الأحوال. ولكنَّ الله دَعانا في السلام. لأنَّهُ كيفَ تَعلَمينَ أيَّتُها المرأَةُ هل تُخَلِّصِينَ الرَّجُل. أو كيفَ تعلَمُ أيُّها الرجُل هل تُخلِّص المرأة." (1كُورنثُوس 7: 12- 13، 15- 16).

لقد أخبَرَ بُولُس الكُورنثُوسِيِّين أنَّ الزَّوج المُؤمِن عليهِ أن يبقَى معَ الزوجَةِ غير المُؤمِنة وأن يكُونَ مِثالاً على محبَّة الله ونِعمَتِهِ تجاهَ شريكَةِ حياتِهِ، لِكَي تختَبِرَ الخلاص (أنظُرْ أيضاً 1بطرُس 3: 1- 6). إن كانَ الزواجُ قابِلاً للفسخ، فالزوجُ غير المُؤمِن هُوَ الذي لهُ الحَقُّ بإتِّخاذِ هكذا قرار. وإذا قرَّرَ غيرُ المُؤمِن أن يُفارِقَ، ينبَغي على المُؤمن أن يدعها ترحَل أو تدَعهُ يرحَل. وعندما يحدُثُ هذا، "ليسَ الأخُ أو الأُختُ مُستَعبَداً في مِثلِ هذه الأحوال." (1كُورنثُوس 7: 15).


عَدَسَةُ المحبَّة

يختَلِفُ المُفسِّرُونَ حولَ ما قصدَهُ بُولُس بِقولِهِ "مُستَعبَد" في العدد 15. يعتَقِدُ بعضُ المُفسِّرين أنَّهُ يعني أن المُؤمنَ حُرٌّ بأن يحصَلَ على الطلاق، ولكن لا ينبَغي أن يعُودَ ويتزوَّجَ إذا غادَرَ الشريكُ غيرُ المُؤمن الزواج، لأنَّ الكتابَ المقدَّس يتكلَّمُ ضدَّ إعادَةِ الزواج طالَما لا يزالُ الزوجُ الأوَّلُ على قَيدِ الحَياة (رومية 7: 2-3). ويعتَقِدُ الآخرونَ أنَّ هذا يعني أنَّهُ بإمكانِ الشريكانَ أني يتطلَّقا ويتزوَّجا ثانِيَةً من شُركاءَ آخرين، لأنَّ العددَ يقُولُ أنَّ الشريكَ الزوجي لم يعُدْ مُستَعبَداً، دونَ أيّ توضيحٍ إضافِيّ.

رُغمَ أنَّ المُفسِّرينَ يختَلِفُونَ حولَ تفسيرِ هذا العدد، علينا أن نُفسِّرَهُ بِرُوحِ المحبَّة. فبِحَسَبِ بُولُس، أعطَى اللهُ النامُوسَ للإنسان، لأنَّهُ رَغِبَ أن يعيشَ الإنسانُ حياةً جَيِّدة، وليسَ لأنَّهُ أرادَ أن يُقيَّدَ الإنسانَ في قُيودِ الإستِعباد. "هذا أقُولُهُ لِخَيرِكُم ليسَ لِكَي أُلقِي عليكُم وَهَقاً بَلْ لأجلِ اللّياقَة والمُثابَرة للرَّبّ من دُونِ إرتِباك." (1كُورنثُوس 7: 35).

يُمكِنُ وصفُ الخِلاف بينَ يسُوع والفَرِّيسيِّين بالطريقَةِ التالية: قبلَ أن يُطبِّقَ يسُوعُ نامُوسَ الله على حياةِ الناس، مرَّرَ نامُوسَ الله من خِلالِ عدَسَةِ محبَّةِ الله. أمَّا الفَرِّيسيُّونَ فلقد ألقُوا بِثقلِِ النامُوس بدُونِ شفقة على الشعب. لِهذا، علينا أن نُمرِّرَ تعاليمَ نامُوسِ الله من خِلالِ عدَسَةِ محبَّةِ الله، قبلَ أن نُطبِّقَ نامُوسَ الله على حياةِ الناس.

مثلاً، قد نتساءَلُ ما إذا كانَ بإمكانِ شخصٍ تطلَّقَ قبلَ أن يختَبِرَ الإيمان، ما إذا كانَ بإمكانِهِ أن يتزوَّجَ ثانِيَةً أم لا، لأنَّ الكتاب المقدَّسَ يُعلِّمُ أنَّ الشخصَ المُطلَّقَ عليهِ أن لا يتزوَّجَ ثانِيَةً، إلا في حالِ وفاةِ زوجتِهِ الأولى أو زوجِها الأوَّل. إذا قُلنا لهؤلاء الأشخاص هكذا أمر، نكُونُ نتصرَّفُ مثل الفَرِّيسيِّين، الذين جعَلُوا من النامُوس الذي كانَ المقصُودُ منهُ أن يُعبِّرَ عن محبَّةِ اللهِ لخَيرِ الإنسان، جعَلوا منهُ يُطبَّقُ نامُوسيَّاً وشَرعيَّاً على حياةِ الناس ليجعَل منها بائِسة. هذا ما عمِلَهُ الفَرِّيسيُّون فيما يتعلَّقُ بالسبت عندما قامُوا بتوجِيهِ اللَّوم إلى يسُوع على شفائِهِ إنساناً في يومِ السبت، بدلَ أن يمتَنِعَ عن القِيامِ بأيِّ عملٍ، بينما مرَّرَ يسُوعُ نامُوسَ السبت من خِلالِ عدَسَةِ محبَّةِ الله. عندها وبَّخَ يسُوعُ الفرِّيسيِّينَ قائِلاً، "السبتُ إنَّما جُعِلَ لأجلِ الإنسانِ لا الإنسانُ لأجلِ السبت." (مرقُس 2: 27)

فلماذا وضعَ اللهُ نوامِيسَ الزواجِ إذاً؟ لأنَّ اللهَ أرادَ للرَّجُلِ والإمرأة اللذين خلقَهُما أن يتمتَّعا بِبَركاتِ الزَّواج والعائِلة. ولقد أرادَ اللهُ لنا أن يكُونَ لدَينا الهَيكَليَّة التي في إطارِها ينبَغي أن يعمَلَ الزواجُ والعائِلة. ولكنَّنا غالِباً ما نستَخدِمُ نواميسَ الزواج هذهِ لكَي نحرُمَ الناسَ من أن يختَبِروا مِلءَ الحياة التي أرادَها لهُم الله، عندما أعطى اللهُ أصلاً نواميسَ الزواج. كما قالَ بُولُس، "لأنَّ الحَرفَ يقتُلُ، ولكنَّ الرُّوح يُحيِي." (2كُورنثُوس 3: 6)

إذا تأمَّلتَ في تقسيمِ هذا الإصحاح إلى فقَرات، وإذا درستَ كُلَّ فقرَةٍ بمُفرَدِها، بإمكانِكَ أن تُحدِّدَ ماذا كانَ السؤال الذي طرحَهُ الكُورنثُوسيُّونَ على بُولُس في رسالتِهم، الذي كانَ الرسول بُولُس يُجيبُ عليهِ في هذه الفقرة المُحدَّدة. بإمكانِنا أن نفتَرِضَ أنَّ الكُورنثُوسيِّين طرَحُوا أسئِلَةً عن الطلاقِ وإعادَةِ الزواج بينَ المُؤمنين؛ فالزواجُ المُختَلَطُ بينَ أخٍ أو أُختٍ أصبحَا مُؤمِنَين، أمَّا شَريكُ الحياةِ فلا، وهكذا يجِدُ هؤلاء المُؤمنون أنفُسَهُم مُتزوِّجينَ من  أشخاصٍ غير مُؤمنين، وما إذا كانَ بإمكانِِ أولادهِم بإمكانِهم أن يتزوَّجوا في ظُرُوفٍ مُضطَّرِبَة وغير مُستَقِرَّة يغمُرُها الإضطِّهاد.

يبدُو أنَّ الكُورنثُوسِيِّين سأَلُوا ماذا يتوجَّبُ على المُؤمِنينَ أن يفعَلُوا عندما يكُونُونَ قد تزوَّجُوا أكثَرَ من مرَّة قبلَ أن يختَبِرُوا الخلاص، ويكُونُ لهُم عدَّةُ زوجاتٍ أو أزواج من زيجاتِ ماضِيهم. بإمكانِنا القَولُ أنَّ الكُورنثُوسيِّينَ سألُوا بُولُس هذا النَّوع من السؤال، بسبب الفقرة التي نجِدُها في 1كُورنثُوس 7: 17- 24. وبإمكانِنا أن نُلَخِّصً جوابَ بُولُس: علينا أن لا نُحاوِلَ أن نُغَيِّرَ القرارات التي سبقَ وإتَّخذَها مُؤمِنٌ جديدٌ، كأن نقُولَ لهُ أن يَعودَ ويتزوَّجَ شخصاً سبقَ وطلَّقَهُ في شبابِهِ، أو أن يُطلِّقَ من تزوَّجها في الزيجةِ الثانِية. لقد علَّمَ بُولُس ثلاثَ مرَّاتٍ في هذه الفقرة: "غَيرَ أنَّهُ كما قَسَمَ اللهُ لِكُلِّ واحِدٍ كما دَعا الرَّبُّ كُلَّ واحِدٍ هكذا لِيَسلُكْ... الدعوَةُ التي دُعِيَ فيها كُلُّ واحِدٍ فليَلبَثْ فيها." (1كُورنثُوس 7: 17، 20).

يستخدِمُ بُولُس الكلمة "مدعُوّ" بضعَ مرَّاتٍ في هذه الرِّسالة. وعندما يفعَلُ، يُشِيرُ إلى إختِبَارِ الخلاص للناسِ الذين يُخاطِبُهم. فعندما يختَبِرُ رجُلٌ أوِ إمرأَةٌ الخلاص، عليهِ أن يطلُبَ أن يُبارِكَ اللهُ الزواجَ الذي يعيشُ فيهِ الآن. فإذا كانَ مُتزوِّجاً من شخصٍ غير مُؤمِن، عليهِ أن يرجِعَ إلى تعليمِ بُولُس في 1كُورنثُوس 7: 12- 16؛ وإن لم يكُنْ مُتزوِّجاً، عليهِ أن يسألَ اللهَ إن كانَ يدعُوهُ إلى حياةِ العُزُوبَةِ أمِ الزواج.


العُزُوبَة: خدمة الرَّب بِدُونِ الإرتِباك بأُمُورِ الحَياة

أخيراً، أدرجَ بُولُس حسناتِ العُزوبَة في نهايَةِ هذا الإصحاح: "غَيرُ المُتَزوِّج يهتَمُّ في ما للرَّبّ كيفَ يُرضِي الرَّبّ. وأمَّا المُتزوِّج فيَهتَمُّ في ما لِلعالَم كيفَ يُرضِي إمرأَتَهُ. إنَّ بينَ الزَّوجَةِ والعذراءِ فرقاً. غَيرُ المُتزوِّجَةِ تهتَمُّ في ما لِلرَّبّ لِتَكُونَ مُقَدَّسَةً جسداً ورُوحاً. وأمَّا المُتَزَوِّجَةَ فتَهتَمُّ في ما لِلعالَم كيفَ تُرضِي رجُلَها. هذا أقُولُهُ لِخَيرِكُم ليسَ لِكَي أُلقِي عليكُم وَهقاً بَل لأجلِ اللياقَة والمُثابَرَة للرَّبِّ من دُونِ إرتِباك."(1كُورنثُوس 7: 32- 35)

 علَّمَ بُولُس أنَّ طريقَةَ خدمَةِ الرَّبِّ بِدُونِ الإرتِباكِ بأُمُورِ الحَياة هي بالبقاءِ بدُونِ زواج إلى حدّ العُزُوبَة. هذا البَحث لا ينطَبِقُ على "الضِّيقِ الحاضِر" الذي بحثَهُ بُولُس في مقاطِعَ أُخرى من هذا الإصحاح، ولكنَّهُ ينطَبِقُ على إهتِمامات القَلب غير المُجزَّأ بالرَّبّ. ولكي يتوفَّرَ هذا المُستَوى من التكريس، من الأفضَل للإنسان أن لا يتزوَّجَ، رُغمَ أنَّ القَرار بالزواج لا يجعَلُ من الشخصِ المُتزوِّج أقلَّ قيمَةً من الشخص الذي يُقرِّرُ أن لا يتزوَّج. فالعَذراءُ التي تَتَزوَّجُ سوفَ يكُونُ لديها صُعوبَة في توزيعِ إهتِمامِها بينَ زوجِها ورَبِّها. إنَّ القرار بالعَيش في العُزُوبَة ينبَغي أن يُتَّخَذَ بينَ الإنسان والرَّبّ، لأن وحدَهُ الرَّبَّ يقدِرُ أن يُوفِّرَ القُوَّةَ اللازِمة للتكميلِ الذي نجدُهُ في الرَّبِّ فقط. يَصِفُ بُولُس العُزوبَةَ كموهِبة. (7)


"الذي جمَعَهُ الله..."

يُثيرُ إصحاحُ الزواجِ أسئِلَةً صعبَةً لِلغايَة، وأكثَرُ سُؤالٍ جوهَريّ بينَها هُوَ، "ما هُوَ الزواجُ في نَظَرِ الله؟" ولكن ببِساطَة، نجِدُ الجوابَ عليهِ في متَّى 19: 6: "لأنَّ الذي جمَعَهُ اللهُ لا يُفرِّقُهُ إنسانٌ." عندما يجتَمِعُ شَريكانِ مُؤمِنانِ في علاقَةِ الزواجِ المُقدَّس، يُلزِمانِ حياتَهُما لبَعضِهما البَعض، لأنَّهُما يُؤمِنانِ أنَّ اللهَ جمَعَهُما معاً. إنَّ قناعتَهُما أنَّ اللهَ جمَعَهُما معاً هُوَ الأساسُ الذي يُعطي زواجَهُما الإستقرار، وليسَ قطعةَ الورق التي تُصرِّحُ أنَّ هذين الشرِيكَين صارا مُرتَبِطَينَ بالزواجِ شَرعِيَّاً. وبِسببِ الإختِلافات التي لا نهايَةَ لها على صعيدِ الإنسجام والإحتِمالات بالنسبَةِ للشُّركاءِ الزَّوجِيِّين في هذا العالم، فإنَّ القرارَ بالزواج ينبَغي أن يُتَّخَذَ بناءً على الإرشادِ الإلهِيّ.

  • عدد الزيارات: 11799