الفصلُ الثاني "البصَمات المنظُورة للكنيسة غير المنظُورَة"
يبدَأُ الإصحاح الثاني من سفرِ الأعمال بِوصفِ يومِ الخمسين، الذي شَهِدَ ولادَة الكنيسة (أعمال 2: 1- 18). فعندما نقتَرِبُ من هذا الإصحاح، من المُهِمِّ أن نُدرِكَ قبلَ كُلِّ شيء أنَّ هذا الحدَثَ العظيم حَدَثَ في يومِ عيدٍ ديني مُقدَّس، هُوَ يومُ الخمسين أو العنصَرة. لقد كانَ هذا اليومُ عيداً يهوديَّاً، كانُوا يحتَفِلونَ بهِ بعدَ الحصاد بيومِ الشُّكر. هُناكَ الكثير من المعنَى والرمز في كونِ هذا الحدَث الجميل والهام قد حدَثَ في يومِ تذكارِ الحصاد، لأنَّ حصاداً رُوحيَّاً عظيماً كانَ سيبدَأُ آنذاك. ففي يومِ الخمسين، بدأَ المسيحُ الحَيُّ المُقامُ بِبِناءِ الكنيسة، التي ستُبشِّرُ العالمَ معَهُ وبِه.
لقد أصبَحَ هذا مُمكِناً لأنَّ الرُّوحَ القُدُس حلَّ بقُوَّةٍ في ذلكَ اليوم. وكانت هُناكَ آياتٌ وعجائِبُ أُخرى رافَقت حُلولَ قُوَّة يوم الخمسين. كانَ هُناكَ صوتٌ، ضَجَّةٌ كريحٍ عاصِفَة. ثُمَّ ظهرت ألسِنَةٌ كأنَّها من نَار واستقرَّت على رُؤوسِ الأشخاص الذين كانُوا "يتنبَّأُون". ثُمَّ أخذَ هؤلاء الأشخاص أنفُسُهُم يتكلَّمونَ بِلُغاتٍ أُخرى.
هُنا نجِدُ سُؤالاً وجواباً يُساعِدانِنا على التركيزِ على معنى هذا الإصحاح. كانَ السؤال، "ماذا يعني هذا؟" ولقد أجابَ عنهُ بطرُس في عظتِهِ بالقول، "هذا ما قيلَ بيُوئيل النبي." إن ما تنبَّأَ بهِ يُوئيلُ كانَ أنَّهُ في آخرِ الأيَّام سوفَ يسكُبُ اللهُ روحَهُ على أبنائِهِ وبناتِهِ وسوفَ يتنبَّأُون (يُوئيل 2: 28، 29).
يومَ الخَمسين، الرِّسالَةُ التي جاءَت من خِلالِ هذه الألسِنة سُمِّيَت بالنُّبُوَّة، أو بِرسالَةٍ من الله، وُجِّهَت إلى آذانِ الناس.
كتبَ بُولُس عن مُعجِزَةٍ وصفَها بأنَّها "مَوهِبَةُ الألسِنَة." ولقد قالَ بِوُضُوح أنَّ موهِبَةَ الألسنة التي يصفُِها لنا مُختَلِفَةٌ كثيراً عن الألسِنَة التي نُطِقَ بها يومَ الخمسين. يقولُ بُولُس الرسول، "لأنَّ من يتكلَّمُ بِلِسان لا يُكلِّمُ نفسَهُ بلِ الله لأن ليسَ أحَدٌ يسمَع. ولكنَّهُ بالروحِ يتكلَّمُ بأسرار." (1كُورنثُوس 14: 2).
عندما يُمارِسُ مُؤمِنٌ موهِبةَ التكلُّمِ بألسِنَةٍ، لا تكُونُ رسالتُهُ مُوجَّهَةً لآذانِ الناس. بل هُوَ يُكلِّمُ الله. إنَّهُ لا يُكلِّمُ الناس كما فعلَ المُتكلِّمُونَ يومَ الخمسين، بَل يُكلِّمُ الله. ولكنَّ الألسِنَةَ يومَ الخمسين أدَّت نُبُوَّةً أو رسالةً من الله للإنسان. إنَّ تلكَ الألسِنة كانت إحدى العلامات والآيات الكثيرة التي رافَقَت مَجيءَ الرُّوحِ القُدُس يومَ الخمسين.
هُناكَ أكثَرُ من يومِ خمسين واحد مذكُورٌ في سفرِ الأعمال. أوَّلاً، هُناكَ يوم الخمسين في أُورشليم. ثُمَّ عندما ذهبَ الرُّسُلُ إلى السامِرة، وبعضَ المرَّات عندما إجتازُوا الحُدود إلى العالم الأُمَمِي غير اليهُودي، إختَبَرُوا يومَ خمسين آخر. لاحِظْ أنَّهُ في كُلِّ مرَّةٍ حدَثَ فيها يومُ خمسين، كانت لهُ علاقَةٌ بالهدَف المُعطَى للكنيسة في المأمُوريَّةِ العُظمَى: "ولكنَّكُم ستنالُونَ قُوَّةً متَى حلَّ الرُّوحُ القُدُسُ عليكُم؛ وتكُونُونَ لي شُهُوداً في أُورُشليم واليهُوديَّة والسامِرَة وإلى أقصَى الأرض." (أعمال 1: 18)
"بَصَمَاتٌ"
هُناكَ أمرٌ آخر عليكَ أن تُلاحِظَهُ عندما تقرأُ سفرَ الأعمال. لاحظ النماذِج الذي ظهَرَت في الجيلِ الأوَّلِ للكنيسة. لاحظْ أوَّلاً نموذَجَ الكنيسة نفسها. قد تُسمِّي هذا النموذَج، "البصمات المنظُورة للكنيسة غير المنظُورَة." يتكلَّمُ اللاهُوتِيُّونَ عن الكنيسةِ المنظورَة والكنيسةِ غير المنظُورة، أو عن الكنيسة العالمية الشامِلة والكنيسة المحليَّة. إنَّ شَرِكَة المُؤمنين التي أنتَ جزءٌ منها في مُجتَمَعِكَ، هي التعبير المَحَلِّي المَنظُور عن الكنيسة الشامِلة غير المنظُورة التي يبنيها المسيحُ القائم من الأموات في هذا العالم.
ولكن كيفَ نعرِفُ أنَّ الكنيسة التي نحنُ جزءٌ منها، أي كنيستُنا المحلِّيَّة، هي تعبِيرٌ منظُورٌ عن الكنيسة الكونيَّة غير المنظُورة؟ تماماً كما أنَّ بصماتِنا بإمكانِها أن تُحدِّدَ أينَ كُنَّا وماذا لمَسنا، فإنَّ الكنيسةَ يُمكِنُ أن يُحدَّدَ مفهُومُها من خِلالِ "البَصَمات". فتِّشْ عن هذه البصمات بينما تدرُسُ كنيسةَ الجيل الأوَّل. لقد كانت للكنيسةِ في سفرِ الأعمال "بَصَماتٌ" – أي تعابير منظُورة عن الكنيسة الحقيقيَّة الشامِلة غَير المَنظُورة.
"التبشير" كان بَصمَةَ "إبهام" الكنيسة التي وُلِدَت يومَ الخَمسين. لقد فَهِمَ الرُّسُل أنَّهُ كانَ عليهِم أن يذهبُوا إلى العالم كمُرسَلين وكَمُبشِّرين. ولقد تجدَّدَ ثلاثَةُ آلاف نفس يومَ الخمسين وحدَهُ، وآلافٌ أُخرى تبِعتهُم في التجديد لاحِقاً، عندما كرزَ الرُّسُلُ بالإنجيل.
"التعليمُ" كانَ بَصمَةَ "سُبابَة" الكنيسة. نقرَأُ أنَّ المُؤمِنينَ الجُدُد ثابَرُوا على التعليمِ والشَّرِكة وكسر الخُبزِ والصلوات معَ الرُّسُل (أعمال 2: 42).
البصمَةُ المنظُورة للإصبعِ الوَسَطِي للكنيسة غير المنظُورة كانَ "الشرِكَة." لقد آمنَ الرُّسُلُ أنَّ الشعبَ الذي كانُوا يُعلِّمُونَهُ ينبَغي أن يتفاعَلَ معَهُم. إن الكلمةَ اليونانية للشركة هي Koinonia. وتعني هذه الكلمة أن يُوجدَ إثنانِ في شراكَةٍ وثيقَة مَبنِيَّة على عهدِ إلتِزام. إنَّ العهدَ والإلتِزام اللذين إمتازَ بِهما الجيلُ الأوَّلُ من المُؤمنين كانا أوَّلاً تِجاهَ المسيح الحَي القائِم من الأموات، وبعدَ ذلكَ تجاهَ بَعضِهم البَعض.
فمن أينَ أتى الرُّسُلُ بهذهِ الفِكرة أنَّهُ ينبَغي أن تكُونَ هُناكَ شَرِكَةٌ بينَ الذين يتعلَّمُونَ وبينَ الذين يُعلِّمُونَهُم؟ لربَّما تتذكَّر من دِراستِنا لإنجيلِ يُوحنَّا، عندما إقتَرَبَ بعضُهم من يسوع وسألاهُ أينَ يمكُث (يُوحنَّا 1: 37- 39). فأجابَ يسُوعُ بدَعوَتِهم بالقَول، "تعاليا وانظُرا أينَ أمكُث." ونقرَأُ أنَّ تِلميذَي يُوحنَّا المعمدان هذين مالا ونظرا حيثُ كانَ يمكُثُ، ومكثا معهُ، وعاشا وماتا من أجلِهِ بسبب ما شاهداهُ عندما إلتَزما بالمجيءِ والنظَرِ كيفَ وأينَ يمكُث. لقد عاشا معهُ ثلاثَ سنين. لهذا علينا أن لا نتفاجَأَ عندما نقرَأُ أنَّ الناسَ الذين تجدَّدُوا يومَ الخمسين كانَ لديهم ميزَةٌ خاصَّةٌ من الشركة معَ الذين تلمذُوهم للمسيح.
ثُمَّ البصمَةُ المنظُورة لإصبَعِ "الخنصَر" كانَ "العِبادَة." لقد واظَبَ المُؤمِنُونَ الجُدُد على "كسر الخُبز" مع الرُّسُل (أعمال 2: 42). كانَ هذا يعني مائدة العشاء الرُّبَّاني. عندما أسَّسَ يسُوعُ ما نُسمِّيهِ "العَشاء الرُّبَّاني"، وعلَّمَ تلاميذَهُ أن يشتَرِكُوا بهذه المائِدة حتَّى رُجُوعِه (1كُورنثُوس 11: 26)، كانَ يُعطي الرُّسُل تعليمَهُ الوَحيد عن كيفيَّة العِبادة التي أرادَ أن تُمارِسَها كنيستُهُ (لُوقا 22: 14- 19). فعِندما كانَ يتجمَّعُ التلاميذُ الأوائِلُ معاً، كانُوا يعبُدُونَ بحفظِهِم لِمائِدَةِ الرَّبّ.
ونقرأُ أيضاً أنَّهُم واظَبُوا معَ الرُّسُل على "الصلاة"، والتي تُشكِّلُ البَصمَةَ المنظُورة "للخِنصَر" أو الإصبَع الصغير للكنيسةِ غَير المَنظُورة. فبما أنَّنا لا نستطيعُ أن نعمَلَ عملَ المسيح المُقام إلا إذا ثَبَتنا فيهِ، فإذاً علينا أن نُصلِّيَ باستمرار طالِبينَ إستِمدادَ القُوَّة من الكَرمةِ الرُّوحيَّة للمسيح الحي القائم من الموت (يُوحنَّا 15: 1- 16). لقد علَّمَ يسُوعُ الرُّسُلَ أن يطلُبُوا بإستِمرار، وبِمُثابَرة، وأن يقرَعُوا، لأنَّ كُلَّ من يطلُبْ يأخُذْ ويَجِد ويُفتَحْ لهُ البابُ، ويُعطيهِ اللهُ الآبُ الرُّوحَ القُدُس (لُوقا 11: 9- 13؛ متَّى 7: 7-11).
"أينَ هُوَ؟"
يبدَأُ العهدُ الجديدُ معَ أشخاصٍ يطرَحُونَ السؤال، "أينَ هُوَ؟" (متَّى 2: 2). لقد أخبَرَنا يسُوعُ أنَّهُ كانَ سيبني كنيستَهُ وقُوَّاتُ الجحيم لن تمنَعَهُ من بُنيانِ كنيستِهِ (متَّى 16: 18). ولقد كتبَ يُوحنَّا رُؤيا خارقة للطبيعة عن المسيح الحي القائم من المَوت، والذي يتمشَّى بينَ كنائِسهِ (رُؤيا 1: 13- 2: 1). إنَّ هذا الرُّؤيا تُجيبُ على سُؤالِ المَجُوس: إنَّهُ "في وسطِ" الكنائِس. هذا هُو مكانُ وُجُودِهِ، وهذا ما يعمَلُهُ اليوم. لقد بدَأَ عملَهُ العجائِبي في سِفرِ الأعمال، ولا يزالُ يُتابِعُ هذا العمل اليوم.
كيفَ بإمكانِنا أن نقيسَ صِحَّةَ كنائِسنا المحليَّة اليوم، أو أن نكتَشِفَ علامات الحياة فيها؟ أوَّلاً، علينا أن نبحَثَ عن براهين هذه البَصمات. عندما نرى هذه البصمات في كنائِسنا، على سُلَّمٍ من واحد إلى عشرة، علينا أن نضعَ علامات كنيستِنا على أساس الخَدَمَات التالية: التبشير، التعليم، الشركة، العِبادة، والصلاة، وعندها نرى كيفَ تُشبِهُ كنيستُنا كنيسةَ الجيلِ الأوَّل التي نجدُها في سفرِ أعمالِ الرُّسُل.
عندها ستكُونُ لدينا طريقَةٌ نقيسُ بها درجةَ إستطاعَتِنا القول عن كنيستِنا أنَّها تعبيرٌ منظُور عن كنيسة المسيح الحي المُقام، التي يبنِيها في هذا العالم اليوم.
- عدد الزيارات: 6925