الفَصلُ الحادِي عشَر "تعالِيمُ يسُوع القَيِّمة في إنجيلِ متَّى" - عظة جبل الزَّيتُون
عظة جبل الزَّيتُون (متَّى 24، 25)
هذه هي عِظَةُ يسُوع عن مجيئهِ الثاني وعن نِهايَةِ العالم. وكما هي الحالُ في عظةِ العلِّيَّة، تبدَأُ هذه العِظة كَحِوار، ولربَّما كانَ هُناكَ الكثيرُ من الحِوار عندما تُلقى المواعِظ. كانَ هُوَ والتلاميذ يزُورُونَ هيكَلَ سُليمان، فقدَّمَ الرُّسُلُ بعضَ المُلاحظات عن عظَمَة الهيكل. فأجابَ يسُوعُ بأنَّهُ سيأتي وقتٌ لن يبقَى فيهِ حجَرٌ على حجَرٍ في هذا الهيكل.
طرحَ التلاميذُ ثلاثَةَ أسئِلة: "متَى ستحدُثُ هذه الأُمور؟ ما هي علامَةُ مجيئِكَ؟ وما هي علامَةُ نِهايَةِ العالَم؟" بينَما تدرُسُ هذه العِظَة ليَسُوع، دَعْ هذه الأسئِلة الثلاث التي طرَحَها الرُّسُل، والأجوبَة التي أجابَ بها يسُوع، دَعها تُشكِّلُ عناوين هذه العِظة لكَ.
إنَّ مجيءَ المسيح ثانِيَةً ليسَ مُجرَّدَ حدَثٍ واحِد، بل سلسِلة أحداث مُتعاقِبَة. وكما هي الحالُ معَ سائِرِ النُّبُوَّاتِ الكِتابِيَّة، التحدِّي هو الفصلُ بينَ حدَثٍ كانَ سيجري في المُستقبَلِ القريب،عن أحداثٍ تُنُبّئَ عنها للمُستَقبَلِ البَعيد. فبعدَ أربَعينَ سنَةً من إلقاءِ يسُوع لهذه العظة، دمَّرَ الرُّومانُ الهيكَلَ تماماً. ولم يبقَ فيهِ حجَرٌ على حجَر. يتِمُّ إبرازُ هذا الحدَثِ الكارِثيّ بشكلٍ واضِحٍ في هذه العِظة.
"هذه الأُمُور" في سُؤالِ الرُّسُل وجوابِ يسوع، تختصُّ بهذا الحَدَث. "يُؤخَذُ الواحِدُ ويُترَكُ الآخر"، يُشيرُ إلى إختِطافِ الكنيسة كما يُعلِّمُ عنهُ بُولُس الرسُول في 1تسالونيكي 4: 13- 17). والضيقَةُ العُظمى تتوازَى معَ أحداثٍ في سفرِ الرُّؤيا، حيثُ نجدُِ دينُونات الأختام، الأبواق، والجامات تُنبِئُ بضيقَةٍ عُظمَى آتِيَة على العالم (رُؤيا 6- 91).
لقد سألَ الرُّسُل عن علامَةِ هذه الأحداث. ولقد علَّمَ يسُوعُ أنَّ لا أحدَ يعلَم متى ستأتي هذه الأحداث، ولكن كما أنَّنا نرى علامات الطقس الرديء تقتَرِب، ستكُونُ هُناكَ علاماتٌ لمَجيئِهِ ولِنهايَةِ العالم. بعضُ هذه العلامات هي: حُرُوب وأخبار حُروب. (وهذا ما نُسمِّيهِ بالحَربِ البارِدَة.) تقومُ أُمَّةُ على أُمَّة ومملكَةٌ على مملكة (وهذا ما نُسمِّيهِ بالحُرُوبِ العالميَّة). مجاعاتٌ، زلازِل، وإرتدادٌ؛ هذه أيضاً علاماتٌ نأخُذُها بمُنتَهَى الجَدِّيَّة.
تنبَّأَ يسُوعُ بأنَّ مجيئَهُ سيكُونُ منظُوراً، كالبرقِ الذي يبرُقُ في السماء، ورُغمَ كُلِّ هذه العلامات، سيكُونُ مجيئُهُ في ساعَةٍ لا نَظُنُّ أنَّهُ سيأتي. رُغمَ ذلكَ، فإنَّهُ يضعُ أمامَنا التحدِّي لكي نُراقِبَ ونستَعِدَّ، حتَّى عندما يأتي، يجدُنا كالخادمِ الأمين.
إنَّ تطبيقَهُ لهذه العظة يأتي بِشكلِ ثلاثَةِ أمثالٍ في الإصحاح 25. المَثَلُ الأوَّلُ يتكلَّمُ عن أن مجيئَهُ سيكُونُ دينُونَةً على كُلِّ سِراجٍ فارِغ. فالزَّيتُ هو رمزٌ للرُّوحِ القُدُس في الكِتابِ المقدَّس. فالعذارى الجاهِلات، اللواتي لم يكُنْ معَهُنَّ زَيتٌ في أسرِجَتِهِنَّ، تُشِرنَ إلى أولئكَ الذين هُم في الكنيسة، ولكنَّهُم لا يتمتَّعونَ بالولادَةِ الرُّوحيَّة عندما يرجِعُ المسيح. إنَّ التحدِّي الذي يُقدِّمُهُ هذا المَثَلُ الأوَّلُ هو أنَّهُ، عندما يأتي العَريسُ (أي يسوع)، سيفُوتُ الأوانُ على هؤُلاء ليذهَبُوا إلى الذين يبِيعُونَ زيتاً (المُؤمنين) ليشتَرُوا زيتاً لأسرِجتِهِنَّ.
وجوهَرُ المثلِ الثاني هو أنَّ مجيئَهُ سيكُونُ دينُونَةً على كُلِّ يَدٍ فارِغة. هذا هُوَ المَثَلُ المألُوف عنِ الوزنات. سوفَ يُطرَحُ علينا السُّؤال الذي طرحَهُ اللهُ مرَّةً على مُوسى، "ماذا تَحمِلُ في يَدِكَ؟" (خُروج 4: 2) تُخبِرُنا مقاطِع أُخرى في كَلِمَةِ اللهِ أنَّ كُرسيّ دينُونَة المسيح سوفَ يتبَعُ مجيءَ المسيح ثانِيَةً (1كُورنثُوس 3: 13 – 15؛ 2كُورنثُوس 5: 10) إنَّ هذا المثَل يُعلِّمُنا أن نكونَ خُدَّاماً ووُكَلاءَ أُمَناء على ما إستَودَعنا إيَّاهُ اللهُ من وزنات.
المثلُ الثالِثُ يُطبِّقُ هذه العظة العظيمة بالتعليمِ أنَّ مجيءَ المسيح ثانِيَةً سيكُونُ دينُونَةً على كُلِّ قَلبٍ فارِغ – أُولئكَ الذينَ لم يهتَمُّوا للعِطاش، للجِياع، للعُريانِين، للمَرضَى، للمَساجِين. الأشخاصُ الذي يَصِفُهُم يسُوعُ كإخوتِهِ، والذي يتألَّمُونَ من هذا المَصير الصعب، قد يكُونُونَ تلاميذَهُ الذين عانُوا من هذه الحاجات، بينَما كانُوا يخدُمُونَ في إرسالِيَّةِ المسيح العُظمى التي أوكَلَها لكنيستِه.
- عدد الزيارات: 13112