الفصلُ الرَّابِع نُبُوَّةُ عُوبَديا - طريقَةُ أدُوم مُدانَة
طريقَةُ أدُوم مُدانَة
لقد تكلَّمَ اللهُ من خِلالِ عُوبَديا لكَي يدينَ أُمَّةً تُدعى "أدوم." لقد عاشَ شعبُ أدوم في مكانٍ بإمكانِكَ أن تزورَهُ اليوم، وهُوَ يُعرَفُ "بالصخرةِ الحمراء لمدينة بِترا" في الأردُنّ. صُخُورٌ حمراء شاهِقة، وفجواتٌ ومغائِر محفُورَة فيها على إرتِفاعِ أكثَر من مائتي متراً، ترتَفِعُ على جانِبَي الطريق التي تسيرُ عليها راكِباً على صهوَةِ جوادٍ يقُودُكَ عبرَ وادٍ ضيِّقٍ طويل يُؤدِّي إلى باحاتٍ واسِعة. هذه الباحاتُ الواسِعة كانت مرَّةً مدينَةً تأوي شعبَ أدوم، الذين كتبَ عُوبديا مُخاطِباً إيَّاهُم.
فبعدَ أن كانَ الأدُومِيُّونَ يغزونَ على مُدُنِ أعدائِهم ويَسلُبُونَ غَنائِمَهُم، أو يُغِيرُونَ على قوافِلِ التُّجَّارِ الأغنِياء في الصحراء، كانُوا يُسرِعونَ للإحتماءِ في مدينتِهم بتراء، حيثُ جعلوا لأنفُسِهم مغائرَ في أعالي الصخور الشاهِقَة. وكانَ لديهِم سلالِمُ من حِبال، يتسلَّقونَها إلى مغائرهم ثُمَّ يرفَعونَ هذهِ السلالِم، ممَّا يجعلُ من المُستَحيلِ على أعدائِهم أن يُلاحِقُوهُم. لِهذا ظَنُّوا أنَّ أحداً لن يستطيعَ تدميرهم. هذا ما عَناهُ عُوبَديا عندما قالَ، "تكبُّرُ قلبِكَ قد خَدَعَكَ... لأنَّكَ تقولُ في قلبِكَ من يُحدِرُني إلى التُّراب؟" (3).
فمن كانَ هؤلاء الأدومِيُّون؟ لقد كانُوا من نسلِ عيسُو أخي يعقُوب. يُخبِرُنا سفرُ التكوين أنَّ يعقوبَ وعيسو كانا توأمَين، ولكن كانت لهُما قِيَمٌ مُتناقِضة وأُسلوبُ حياةٍ مُختَلِفٍ بينَ الواحِدِ والآخر. فبينما كانَ يعقُوبُ مُخادِعاً، ولكنَّهُ كانَ أيضاً روحيَّاً، كانَ عيسو دُنيَويَّاً غيرَ رُوحِيٍّ، أي ما نُسمِّيهِ اليوم "بالرجُل العِلماني الدُّنيَوي." هذا ما نراهُ مُصوَّراً بطريقَةٍ مجازِيَّة في سفرِ التكوين، عندما باعَ عيسو بُكُوريَّتَهُ ليعقُوبَ بصحنِ عدَس.
بينما أخذَ نسلُ يعقُوب إسمَ "إسرائيل" من يعقوب، وأصبَحوا الشعبَ اليهودي، كانَ عيسو أبا شعبِ أدُوم، الذين صارُوا أعداءَ اليهُود الألِدَّاء. كانَ شعبُ أدوم يكُنُّونَ الكراهِيَةَ لليهود، بسبب أخذ يعقُوب بركةَ بُكُوريَّةِ أبيهم عيسُو عن طريقِ الحيلَةِ والخِداع، فانتَهَزُوا كُلَّ فُرصَةٍ للتحالُفِ معَ الأُمَمِ الأُخرى للقضاءِ على اليهود.
كتبَ عُوبَديا نُبُوَّتَهُ القصيرة لكي يُنبِئَ بِسُقوطِ أدُوم، ذلكَ النَّوع من السقُوط الذي سيكُونُ نتيجَةً مُباشَرَةً لكُرهِهِم وإضطهادِهم لليَهُود. ولقد ألقى عُوبَديا ثماني إتِّهاماتٍ ضدَّ أدوم. وهو يُكرِّرُ ثماني مرَّاتٍ قولَهُ للأدومِيِّين، "كانَ ينبَغي أن لا تفعلوا هذا." (وكانَ شعبُ أدوم قد سبقُوا وعمِلُوا هذه الأُمور.)
"كانَ ينبَغي أن لا تنظُرَ إلى يومِ أَخِيكَ يومَ مُصِيبَتَهُ. وكانَ ينبَغي أن لا تَشمَتَ بِبَني يهوذا يومَ هلاكِهِم. وكانَ ينبَغي أن لا تفغَرَ فمَكَ وتفتَخِرَ يومَ الضيق. وكانَ ينبَغي أن لا تدخُلَ بابَ شعبي يومَ بَلِيَّتِهم. وكانَ ينبَغي أن لا تنظُر أنتَ أيضاً إلى مُصِيبَتِهِ يومِ بَليَّتِه. وكانَ ينبَغي أن لا تسلُبَهُ وتمُدَّ يداً إلى قُدرَتِهِ يومَ بَلِيَّتِه. وكانَ ينبَغي أن لا تقِفَ على المفرَق لتقطَعَ مُنفَلِتِيه ولا تُسلِّمْ بقاياهُ يومَ الضيق. وبما أنَّهُ كانَ ينبَغي أن لا تفعَلَ هذا، فإن يومَ الربِّ قادِمٌ عليك."
يعتَقِدُ بعضُ المُفسِّرينَ أن عُوبَديا كانَ يدِينُ تصرُّفَ أدُوم خلالَ سُقُوطِ أُورشَليم زمنَ حُكمِ صدقِيَّا، عندما هُدِمتَ المدينَةُ كُلِّيَّاً، وشعبُ يهُوَذا إمَّا ذُبِحوا أو أُخِذُوا أسرى إلى بابِل. ولقد ساعَدَ شعبُ أدُوم البابِليِّينَ بحصارِ أُورشَليم، وشارَكُوا بنَهبِ المدينة. وعندما هربَ اليَهُودُ من الكارِثة، كانَ الأدُوميُّونَ يأسُرونَهُم ويُسِلِّمُونَهُم للبابِليِّين.
ثُمَّ إنتَقَلَ عُوبَديا من هذا التأديب على أدُوم، ليُشارِكَ غيرَهُ من الأنبِياء بالكِرازَةِ عن يومِ الرَّب. فقالَ لشعبِ أدُوم، "كما فعلتَ يُفعَلُ بكَ" (15). وعندما تحقَّق هذا اليوم الذي تنبَّأَ بهِ، قُضِيَ على أُمَّةِ أَدُوم نِهائِيَّاً. ولقد تنبَّأَ عُوبَديا عن الوسيلة التي سيتخدِمُها اللهُ لتدميرِهم. فحُلفاؤُهم سوفَ ينقَلِبُونَ عليهِم، ولن يبقَ شيءٌ من أُمَّةِ أدوم: " ويكُونُ بيتُ يعقُوب ناراً وبَيتُ يُوسُفَ لَهيباً بيتُ عيسُو قَشَّاً فيُشعِلُونَهُم ويأكُلُونَهُم ولا يكونُ باقٍ من بيتِ عيسُو" (18). لقد تحقَّقَت هذه النُّبُوَّةُ بِحذافِيرِها، وإختَفَت أُمَّةُ أدُوم عن صفحاتِ التاريخ، عندما قضى الرومانُ عليها نِهائِيَّاً عام 70 ميلاديَّة.
- عدد الزيارات: 8410