الفصلُ الثاني عشر نُبُوَّةُ مَلاخي
تفشَّت مُؤخَّراً في شَمالِي أمريكا عدوى التعثُّر الأخلاقي الذي أصابَ بعضَ القادَةِ الرُّوحيِّين. آخِرُ سفرٍ من أسفارِ الكتابِ المقدَّس يحتوي على رِسالَةٍ للقادَةِ الرُّوحيِّين. قدَّمَ هُوشَع مُلاحظةً دقيقَةً وفي محلِّها: "كما الشعبُ هكذا الكاهِنُ" (هُوشَع 4: 9). هذا ما يجعَلُ من سُقُوطِ قائِدٍ رُوحيٍّ يكُونُ ذا تأثيرٍ هدَّامٍ إلى هذا الحد على شعبِ الله، على عملِ الله، وعلى مجدِ الله. يُقدِّمُ ملاخي تشريحاً مُفصَّلاً لِسُقُوطِ القائِدِ الرُّوحي. وقصدُهُ هو أن يُظهِرُ لأولئكَ الذين يقُودُونَ شعبَ الله كيفَ يتحاشُونَ هذا الخطر الذي يُحْدِقُ بهم يومِيَّاً، وكيفَ يُرمِّمُومَ علاقتَهُم معَ الله عندما يسقُطُون.
ظهرَ ملاخي على الساحة بعدَ حجَّي وزكريَّا بِحوالي مائة سنة، وبعدَ نحميا بِحوالي عشر سنوات. ولقد واجهَ ملاخي المشاكِل نفسَها التي واجَهَها نحميا، مثل عدوى الطلاق، الإنحلال الأخلاقي، وفساد الكهنة (نحميا 13: 23- 25). وبما أنَّهُ ضمَّ صوتَهُ إلى صوتِ أنبياء آخرين في إلقاءِ لائمةِ هذه المشاكل على الكهنة الفاسِدين، وجَّهَ مُعظَمَ رسالتِه إلى الكهنة الذين كانُوا الرُّعاة الرُّوحيِّين لِشعبِ يهُوَّذا.
إنَّ هذا النَّبِيّ الشُّجاع سوفَ يتَّهِمُ الكهنة بأنَّهُم تركوا سُبُلَ الله، ولم يكُونُوا يُطيعُونَهُ، وكانُوا يدفَعونَ الكثيرينَ نحوَ الخطية بنصيحتِهِم البعيدة عن الله. كانَ تصرُّفُ الكهنة مُشيناً في أعيُنِ الشَّعب مما جعلَ من الكهنة مُحتَقَرينَ ودنيئينَ" (مَلاخي 2: 7-9).
كانَ ملاخي نبيَّاً عندما كانَ شعبُ اللهِ يجتازُونَ في تغيُّراتٍ، معَ نوعٍ من الديانة التي إفتقَرَت إلى جَوهَرٍ ملمُوس، وعندما أنكَروا حقيقَةَ العلاقة معَ الله. لقد كانَ الشعبُ بارِداً ولامُبالِياً لدرجة سبَّبت ألماً شديداً لهذا النبي التقيّ. إنَّ نُبُوَّةَ مَلاخي كانَ تحذيراً للقادَةِ الرُّوحيِّين من شعبِ يهوُّذا أن النِّظام والشكل بِدونِ حياة هي حالَةٌ تُشبِهُ جُثَّةَ المَيت.
لم يُقدِّم آخِرُ أنبِياءِ العهدِ القديم الرُّؤى كما فعلَ زكريَّا، أو حجَّي، مُتَحَدِّياً شعبَ الله لبِناءِ الهيكل. بل كانَ جوهَرُ رسالتِهِ أن اللهَ أرادَ أن تكونَ لهُ علاقَةُ محبَّة معَ شعبِهِ، ولكنَّ الكَهَنة وشعبَ يهُوَّذا لم يكُونُوا مُهتَمِّينَ بمَعرفة وبمحبَّة الله. مثل هُوشَع، آمنَ ملاخي أنَّ شعبَ الله كانُوا يرتَكِبُونَ خطيَّة الزِّنى الرُّوحي معَ العالم.
عندما أرسلَ المسيحُ الحيُّ القائِم من الأموات رسالةً إلى كنيسةِ الجيل الأوَّل في مدينَةِ أفسُس، وبَّخُهم لأنَّهُم تركوا "محبَّتَهُم الأُولى" (رُؤيا 2: 4). إن المُشكِلة العقبَة التي عالَجها هذا النبيُّ التقيُّ هي أنَّ شعبَ يهُوَّذا، وخاصَّةً الكهنة، تركُوا محبَّتَهُم الأُولى – أي علاقتَهُم معَ الله – وعاشُوا حياةً مُلطَّخَةً بالخطيَّة.
يبدأُ ملاخي نُبُوَّتَهُ بهذه الكلمات الجميلة: "وَحيُ كلمةِ الرَّبِّ على يدِ ملاخي: أحببتُكُم قالَ الرَّبُّ" (1: 1، 2). بينما يقرَأُ الناسُ الكتابَ المقدَّس، كثيرونَ منهُم لا يتوقَّعُونَ أن يقرَأوا عن محبَّةِ اللهِ إلى أن يَصِلوا إلى العهدِ الجديد، ولا سيَّما الموعِظَة على الجَبَل. فهُم لا يتوقَّعونَ أبداً أن يجدُوا مفهُومَ محبَّة الله في أسفارِ أنبياءِ العهدِ القديم. إنَّ محبَّةَ الله هي بالحقيقة موضُوعُ كِتاباتِ الأنبِياء مثل مراثي إرميا، هُوشَع، يُونان، وملاخي.
بالنسبَةِ لرجالاتِ اللهِ في العهدِ القديم، أحبَّ اللهُ شعبَهُ محبَّةً لم تُكتَسَب بإنجازاتِهم الإيجابيَّة، ولم تُفقَدْ بإنجازاتِهم السلبيَّة. إن جوهرَ نُبوَّة ملاخي كانَ أنَّ اللهَ أحبَّ الكهنةَ وشعبَ يهُوَّذا. وبينما كانَ ملاخي يُشارِكُ بما في قلبِه، ضمَّ صوتَهُ إلى الأنبِياء، وأعلنَ أنَّ اللهَ أحبَّ شعبَهُ بدونِ شُروط ومهما كانت حالتُهُم، وأرادَ أن يبني علاقَةَ محبَّةٍ معهُم.
رُغمَ أنَّ محبَّة الله هي غير مشرُوطة، ولكن بسبب كونِ قُلوبهم بارِدةً تجاهَ الله، وكونهم يعيشونَ في الخطيَّة، كرزَ ملاخي قائلاً أنَّ الكهنة وشعبَ يهُوَّذا كانُوا يجرَحُونَ قلبَ الله المُحِبّ. كانت رسالةُ ملاخي أن يُظهِرَ لكهنةِ وشعبِ يهُوَّذا المُرتَدِّين البارِدي القُلوب والخُطاة، كيفَ تحطَّمَت علاقتُهُم معَ الله، وكيفَ يُمكِنُهم ترميمَ هذه العلاقة. إنَّ هدفَ ورِسالةَ نُبُوَّةِ ملاخي كانَ نهضةً في قُلوبِ الكهنة والذينَ كانَ يرعاهُمُ الكهنة.
- عدد الزيارات: 8847