الفَصلُ الثَّانِي قيامُ وسقوط المملكة - مِثالُ أَلِيشَع الرَّائِع
مِثالُ أَلِيشَع الرَّائِع
نَجِدُ مِثالاً آخر يُقتَدَى في حياةِ أليشَع النَّبِيّ. ففي 2 ملوك 5، أتى قائدُ جيشِ آرام السُّورِيّ إلى أليشَع، طالباً الشِّفاء. في ذلكَ الوقت، كانت آرامُ تَستَعِدُّ لإحتلالِ مملكة إسرائيل الشمالية. وكانت هُناكَ إشتِباكاتٌ صغيرةٌ تحدُث. وكان لآرام جيشٌ مُقتَدِر، ولكن قائد هذا الجيش، نُعمان، كان مُصاباً بالبرص. وإذا بفتاةٍ عبرانيةٍ صغيرةٍ كانت أسيرةً في آرام، وكانت خادِمَةَ زَوجَةِ نُعمان، إذا بها تقولُ لنُعمان أنَّهُ يوجدُ نبيٌّ في إسرائيل الذي عندَهُ قوةٌ ليشفيهِ من برصِه. فذهبَ نُعمان الأبرص في عربتِهِ مع بعضِ جُنودِهِ إلى كوخِ أليشَع.
وكانت لنُعمان أفكارٌ مُسبَقة يتوقَّعُ فيها أن يشفيَهِ أليشَع بطريقةٍ دراماتيكيَّة. وظنَّ نُعمانُ أن أليشَع سوفَ يُعامِلُهُ بالكثير من الإحترامِ والإجلال لأنَّهُ كان قائدَ جيشِ أشور. أما أليشَع فلم يعمل ما توقَّعَهُ نُعمان، ولم يخرُج حتَّى من كُوخِه ليُحيِّي نعمان، بل أرسلَ أليشع خادمَهُ إلى نُعمان. فقالَ خادِمُ أليشَع لنُعمان، "يقولُ أليشَع إذهبْ واغتسِلْ في مياهِ الأُردنّ سبعَ مرَّات. وعندها تُبرَأُ من برصِك." (10) فجنَّ جُنونُ نُعمان. فتركَ كوخَ أليشع بغضبٍ مُخلِّفاً وراءَ مركبتِهِ سَحَابَةً من الغُبار، صارخاً بِسُخطٍ على حامل سِلاحِهِ وقائلاً له، "ظننتُ أن أليشَع سيخرُجُ خارجاً ويُردِّد يدَهُ على البرصِ فيبرأ." (12) كانت تُوجَدُ أنهارٌ جميلةٌ في بِلادِ آرام. لهذا كانَ موقِفُ نُعمان أنَّهُ لن يذهَبَ ليغتسِلَ في أوحالِ نهرِ الأُردن الصَّغير.
وبينما كانوا يسوقون العربةَ رُجُوعاً، شَجَّعَهُ خُدَّامُهُ أن يُنَفِّذَ تعليماتِ ألِيشَع. وهكذا سُرعانَ ما غَيَّرَ رأيَهُ، وذهَبَ وغطَسَ في مياه الأُردُنّ سبعَ مرَّاتٍ. وعندما خرجَ نُعمان من مياهِ الأُردنّ المُوحِلة بعدَ المرةِ السابعة، طهُرَ برصُهُ. لم تَحصُلْ الأُمُور بِحَسَبِ توقُّعاتِهِ، ولكنَّهُ حصلَ على نتائجِ فاقَت توقُّعاتِهِ وآمالِهِ بأضعاف.
تطبيقيَّاً، إن قصَّةَ شِفاءِ نُعمان هي رمزٌ جميلٌ للخلاص. عندما يكونُ لدى الناس جوعٌ روحي ويأتون إلى المسيح طَلَباً للخلاص، تكونُ لديهم أفكاراً مُسبقة عن كيفَ يتوقَّعون أن يتحقَّقَ خلاصُهُم. بعضُهُم يتوقَّعُ أن يكونَ الخلاصُ عِلاجاً لاهوتيَّاً شامِلاً. آخرون عقلانيُّون يظنُّونَ أنهُ إن لم يكُنِ الخلاصُ مُعقَّداً، فهو ليسَ ذو قيمة. هكذا يظنُّ الأشخاص الأكاديميُّون. فعندما يَسمعون بساطةَ الإنجيل، التي يُسمِّيها الرسول بولس، "جَهَالة الكِرازة،" يجِدون أنهُ لا يُمكِنُهُ تَصدِيقُهُ أوِ الإيمانُ بهِ. ولكنَّ الإنجيلَ هو بسيطٌ بِبَساطَةِ الغَطسِ في نهرِ الأُردُنِّ سَبعَ مرَّاتٍ، ولا يحتاجُ الإنسانُ إلى مُؤَهِّلاتٍ فكريَّةٍ خاصَّة ليقبَلَ هذا الإنجيل. هُنا نَجِدُ أنَّ أليشَع هُوَ مِثالٌ لنا في كَونِهِ لم يُسايِر توقُّعاتِ نُعمان، رُغمَّ أنَّ مُسايَرتَهُ لنُعمان كانت ستَنفَعُهُ كَثيراً. هذه هي التَّطبيقاتُ الأَوَّلِيَّةُ لقِصَّةِ نُعمانِ السِّرياني الأبرَص وأليشَع النَّبِيّ.
قَبلَ أن نترُكَ هذه الأسفارِ التَّاريخيَّة التي تُرَكِّزُ على مَلَكُوتِ الله، دَعُونا ننظرُ إلى هؤلاء الأنبياء ثانيةً ونُقدِّمُ مُلاحظةً أُخرى عنهم. فهؤلاء الأنبياء لم يكونوا فقط رجالاً تكلَّموا بإسمِ الله، وتكلَّمَ اللهُ من خِلالِهم، ولم يكونوا فقط رجالاً وقفوا أمامَ كلمةِ الله وجعلوها تشعُّ بِالنور، بل أيضاً كانوا رجالاً ظَهَروا في وسطِ المشاكِل. فبطريقةٍ أُخرى يمكِنُكَ القول، "إن لم تكُن هُناكَ مُشكِلة، فلن يكونَ هُناكَ نبي." ولكن سُرعان ما تظهرُ المشاكل، فتِّش عن النبي الذي سُرعانَ ما سيظهَر.
سوفَ ترى هذا عندما تقرأُ أن عمل الله تعرقَلَ أمامَ حاجِزٍ ما، وفي مثلِ هذه الأوقات، يُقيمُ اللهُ نبيَّاً. أحدُ أدوار نبي الله هو أن يُركِّزَ وعظَهُ على تلكَ المُشكِلة التي عرقَلت عملَ الله حتَّى تزول، ويُتابعُ عملُ الله تقدُّمَه. وهكذا فإن الدور الرئيسيّ لهؤلاء الأنبياء هو إزالة العقبات التي تعترضُ سبيلَ عملِ الله.
بالإختِصار، كما نقرَأُ في مُلوك الأوَّل والثَّانِي، لِنُلاحِظْ قيامَ وسُقُوطَ المَملَكَة. وبينما ندرُسُ عن هذه المملكة، سنتمكَّنُ مِن تمييزِ ما يُريدُ أن يعمَلَهُ اللهُ اليومَ في كنيستِهِ. ثُمَّ لنَنْتَبِهْ إلى المُلوكِ أنفُسِهم. فمُعظَمُ سِيَرِ حَياتِهم كانت تحذيراتٍ لنَتفادَاها؛ قَليلٌ منها كانت نماذجَ يُقتدَى بِها. ثُمَّ لنَتَتَبَّعْ أثرَ الأنبِياءِ عن كَثَب، لأنَّ مُعظَمَهُم يُقدِّمُونَ لنا نماذِجَ صالِحَةً يُقتَدَى بها.
إنَّ أدبَ سفري الملوك الأول والثاني يتطلَّبُ الكثير من القراءة؛ وفي دراسَةٍ من هذا النَّوع، يُمكِنُنا فقط أن نبقى في العُموميَّات، مُحاوِلِينَ أن نضعَ هذه الأسفار في إطارِها الصَّحيح، حتَّى عندَما نَقرأُها، نأخُذَ منها الكثير. فهاكُم بعضَ المُلاحظاتِ الإضافِيَّة عنِ المُلوك.
- عدد الزيارات: 10868