الفَصلُ الثَّانِي قيامُ وسقوط المملكة - المَلِك الصَّالِح حزقِيَّا
المَلِك الصَّالِح حزقِيَّا
كان حزقيَّا أحَدَ أعظَم مُلُوكِ يَهُوَّذا المُتأخِّرين (أُنظُرْ 2 مُلوك 18- 20). فَهُوَ الذي أنقَذَ وطَنَهُ من عبادَةِ الأوثان التي كانت قد تأصَّلَت بينَ شعبِ الله، ووَثِقَ بالرَّبِّ وإتَّكَلَ عليهِ. بالحقيقة، لم يَكُنْ يُوجَدُ بينَ المُلوكِ لا قَبلَهُ ولا بعدَهُ من هُوَ أقرَبُ من الملكِ حزقِيَّا إلى الله. من هُنا يُقدِّمُ لنا حزَقِيَّا مِثالاً صالِحاً يُحتَذى، ولكنَّهُ يُوفِّرُ لنا أيضاً تَحذِيراً يُتفادَى.
فعندما مرِضَ حزقيا، تكلَّمَ اللهُ إليهِ من خِلالِ النبي إشعياء وقالَ لهُ، "أُكتُبْ وصيَّتَكَ ورتِّبْ أمورَكَ لأن كلمةَ الرب هي أنَّكَ ستموت." (2مُلوك 20: 1- 11) فأدارَ حزقيا وجهَهُ نحو الحائط وبكَى، وصلَّى للهِ ليُنقِذَ حياتَهُ. ومن ثمَّ نسمع تلكَ الرسالة الجميلة التي أرسَلَها اللهُ إلى حزقيَّا من خِلالِ إِشعياء النبي، "لقد سمِعتُ صلاتَكَ ورأيتُ دُموعَك." (5) اللهُ يرى الدُّموع. وهذا لهُ أهميَّتُهُ ومَغزاهُ. ثمَّ أضافَ اللهُ بقولِه، "وسوفَ أزيدُ على عُمرِكَ خمسَ عشرةَ سنةً." وهذا نموذجٌ رائعٌ لنا. فلقد صلَّى هذا الرجُل إلى الله، رُغمَ أنَّهُ قِيلَ لهُ أنهُ سوفَ يموت، من قِبَلِ النَّبيِّ العظيمِ إشعياء، الذي جاءَ وكلَّمَهُ بالنِّيابَةِ عنِ الله.
على أيَّةِ حال، وفي حادِثَةٍ مُرتَبِطَةٍ بهذه المُعجِزَة، أصبحَ حزقيَّا تحذيراً لنا، ينبغي أن نتَفاداه. فذاتَ يوم، زارَ البابِليُّون حزقيا. فأراهُم بكِبرياء كُلَّ ما في خزائنِه، الأسلحة والذخائر والكُنوز. فقالَ النبي إشعياء لحزقيا، "ماذا أَرَيتَ هؤلاء الرجال في قَصرِكَ يا حزقيَّا؟" (15) فأخبَرَ حزقيا إشعياء عَمَّا أراهُم إيَّاه، فقالَ لهُ إشعياء إن هذه غلطةٌ فادِحة. وقالَ لهُ "هُوَّذا تأتي أيَّامٌ يُحمَلُ فيها كُلُّ ما في بَيتِكَ وما ذخَرَهُ آباؤُكَ إلى هذا اليوم إلى بابِل. لا يُترَكُ شَيءٌ يَقُولُ الرَّبُّ." (2مُلوك 20: 17) لقد كانَ إشعياءُ يتنبَّأُ عن الإحتِلالِ البابِليِّ لأُورشَليم. فبِحَسَبِ نُبُوَّةِ إشعياء، كانَ بَنُو حزَقِيَّا "سيُصبِحون خِصياناً ويُؤخَذون أسرى إلى بابل." (18)
وماذا كانت رَدَّةُ فعلِ الملِك؟ لَقَد سُرَّ بأن يعلَمَ أنَّ نُبُوَّةَ إشعياء كانت تعني أنَّ كُلَّ هذه الأُمُورِ الرَّهيبَة ما كانت ستحدُثُ في عهدِه. "فقَالَ حزَقِيَّا لإِشَعيا جَيِّدٌ هُوَ قَولُ الرَّبِّ الذي تكَلَّمتَ بهِ. ثُمَّ قالَ فكَيفَ لا إن يَكُنْ سلامٌ وأَمانٌ في أيَّامِي." (19) وهكذا قَبِلَ حزقيَّا كلِمَةَ الرَّبِّ، لأنَّهُ آمنَ أنَّ السَّنواتِ الخمسة عشر التي أضافها اللهُ إلى عُمرِهِ كانت ستَكُونُ أيَّاماً صالِحَةً. ويبدُو أنَّهُ لم يهتَمَّ كثيراً لما كانَ سيحدُثُ لأبنائِهِ وأحفادِهِ من بَعدِهِ. ومنَ الواضِحِ أنَّ أنانِيَّةَ حزقيَّا لم تجعَلْ منهُ نمُوذجاً أو مثالاً صالِحاً عنِ الأبِ، أو عن شَخصيَّةٍ كِتابِيَّةٍ يُمكِنُ تقديمُها كَمِثالٍ يُقتَدى في عظةٍ كتابِيَّة، عن كيفَ يكُونُ الأبُ الصَّالح. بِسَببِ هذا المَوقِف، أصبَحَت حياةُ حزقِيَّا تحذِيراً لنا نحنُ الآباء.
- عدد الزيارات: 10866