Skip to main content

الفَصلُ الحادِي عشَر اللهُ الذي يُسَيطِرُ على الوضع

لقد درَسنا حتَّى الآن حياةَ إبراهيم، الذي علَّمنا عنِ الإيمان. ولقد نظَرَنا إلى حياةِ يَعقُوب، الذي أظهَرَ لنا نعمَةَ الله. والآن نَصِلُ إلى حياةِ يُوسُف، الذي تُغَطِّي قِصَّتُهُ الإصحاحات الأربعة عشر الأخيرة من سفرِ التَّكوين.

يبدُو أنَّ يُوسُف هُوَ صاحِبُ أنقَى شَخصِيَّةٍ في الكتابِ المُقدَّس. ففي حالِ مُعظَمِ شَخصِيَّاتِ الكتابِ المُقدَّس، يُرينا اللهُ نُقاطَ ضَعفِهم، كما ويُرينا نُقاطَ قُوَّتِهِم، أمَّا يُوسُف فهُوَ واحِدٌ منَ الإستِثناءاتِ على هذه القاعِدة (الآخرُ هُوَ دانيالُ الذي سَندرُسُهُ لاحِقاً.) 


قِصَّةُ يُوسُف

تدُورُ قِصُّةُ يُوسُف بالحقيقَةِ حولَ العِنايَةِ الإلهِيَّة. رِسالَةُ هذه القِصَّة تَتَلَخَّصُ في عَدَدٍ واحِدٍ في العهدِ الجديد، هُوَ رُومية 8: 28، والذي يَقُولُ، "ونحنُ نَعلَمُ أنَّ كُلَّ الأشياءِ تعمَلُ معاً لِلخَيرِ للذينَ يُحِبُّونَ الله، الذين هُم مَدعُوُّونَ حسبَ قَصدِهِ." لقد إضطَّرَبَ إخوَةُ يُوسُف كَثيراً عندما إكتَشَفُوا من كانَ أخُوهُم، ولكنَّهُ تجاوبَ معَهُم بهذه الكلماتِ المُعَزِّيَة – كَلِماتٍ تُؤَكِّدُ لنا كونَ اللهِ يعمَلُ خلفَ السِّتارِ في حياتِنا أيضاً: "والآن لا تَتَأسَّفُوا ولا تغتاظُوا لأنَّكُم بِعتُمُوني إلى هُنا. لأنَّهُ لإستِبقاءِ حَياةٍ أرسَلَني اللهُ قُدَّامَكُم... لِيجعَلَ لكُم بَقِيَّةً في الأرضِ وليَستَبقِيَ لكُم نجاةً عظيمة. فالآن ليسَ أنتُم أرسَلتُمُوني إلى هُنا بَلِ اللهُ." (تَكوين 45: 5، 7- 8).

في قِصَّةِ يَعقُوب، أبي يٍُوسف، رأينا رَجُلاً كانت حياتُهُ تسيرُ على ما يُرام، ولكن ليسَ لأنَّهُ هُوَ الذي جعلَها كذلكَ. بلِ اللهُ كانَ هُوَ المُسَيطر طِوالَ الوَقت. يُوضِحُ يُوسُف هذه الحقيقة نفسَها، ولكن من زاوِيَةٍ أُخرى. ففي قِصَّتِهِ، نَجِدُ رَجُلاً لم تَبدُ حياتُهُ أنَّها تَسيرُ على ما يُرام. فلقد بِيعَ عَبداً من قِبَلِ إخوَتِهِ؛ ثُمَّ إتُّهِمَ زُوراً بجريمَةٍ لم يقتَرِفْها؛ ونُسِيَ من أُولئكَ الذين وعدُوا بأن يُساعِدُوهُ. ولكن أيَّاً من تلكَ الظُّروف لم تحدُثْ نتيجَةً لتَصَرُّفاتِهِ هُوَ. لقد كان يجتازُ في مشاكِلَ وظرُوفٍ صعبَةٍ لِلغايَة، ليسَ لأنَّهُ إستَحَقَّها، بَل لِكَي يتمجَّدَ اللهُ ولكي تستَمِرَّ خُطَّتُهُ. 


تَطبيقاتٌ لِعَصرِنا الحاضِر

تُقدِّمُ لنا القِصَّةُ بِضعَ تطبيقاتٍ لحياتِنا الشَّخصِيَّة. أوَّلاً، تأمَّلُوا بالعلاقاتِ التي كانت بينَ يُوسُف وأبيهِ وإخوتِهِ. لقد كان هذه العلاقاتُ بَعيدَةً عن أن تَكُونَ نَمُوذَجِيَّة! فواضِحٌ أنَّهُ لم يَكُنْ يَعقُوبُ والِداً مِثالِيَّاً. فتَحَيُّزُهُ تجاهَ يُوسُف جلبَ على إبنِهِ هذا ألماً وعذاباً أكثَرَ منَ الرَّاحة – وبالطَّبعِ لم يَكُنْ هذا عادِلاً بالنِّسبَةِ لباقي الأولاد. ولكن مَنْ منَّا لديهِ والدين كامِلين؟ وكم منَّا لدينا علاقاتٍ كامِلَةٍ معَ أشِقَّائِنا؟ فنَحنُ لم نَختَرْ العائِلة التي تَرَبَّينا فيها، ورُغمَ ذلكَ فأعضاؤُها يُشَكِّلُونَ حياتَنا. كَثيرُونَ منَّا لديهم أجنِحَة مُتَكَسِّرَة أو قُلوب مَجرُوحَة أو مصاعب في حياتِنا، نتيجَةً لهذه العلاقات. ولكنَّ الرِّسالَةَ التي تُقدِّمُها لنا قِصَّةُ يُوسُف هي التَّالِيَة: اللهُ يسُودُ على ظُرُوفِ حياتِنا، ولا توجَدٌ أوضاعٌ سَيِّئَةٌ لِدَرَجَةِ أنَّ اللهَ لا يستَطيعُ فِداءَها وإستِخراجَ الخيرِ منها. فاللهُ يستَطيعُ أن يستَخدِمَ تأثيرَ والِدَيكَ حتَّى ولو كانا مُذنِبَين. واللهُ قادِرٌ أن يستخدِمَ تأثيرَ أشِقَّائِكَ وشقيقاتِكَ  حتَّى ولو كانُوا مُذنِبين. لقد إستَخدَمَ اللهُ عداوَةَ عائِلَةِ يُوسُف، لِكَي يَضَعَهُ بمُوجَبِ عنايتِه ِالإلهِيَّة في مِصر، ولكَي يُنقِذَ هذه العائِلة المُختارَة منَ المَوتِ جُوعاً، التي منها سوفَ يأتي المَسِيَّا إلى هذا العالم. وبإمكانِ اللهِ أن يستَخدِمَ تجاوُبَكَ معَ عداوَةِ عائِلَتِكَ، لكَي يُشَكِّلَ من خلالِ ذلكَ حياتَكَ. ويوماً ما، سوفَ ترى كيفَ تنظَّمَت ظُرُوفُ حياتِكَ بِواسِطَةِ العنايَةِ الإلهيَّة، لِكَي تُحَضِّرَكَ لتلعَبَ الدَّور الذي أرادَهُ لكَ اللهُ.

  • عدد الزيارات: 6986