Skip to main content

الفَصلُ السَّادِسُ وِلادَةُ الجنسِ البَشَريّ

لقد ناقَشنا سابِقاً أُصُولَ الكَون؛ والآن دَعُونا نبحَثُ في أُمُورٍ شَخصيَّةٍ. في هذا الإصحاح، سوفَ نتأمَّلُ في ما يَقُولُهُ سِفرُ التَّكوين عن بداياتِ الإنسان. تَذَكَّرُوا، إنَّ القَصدَ من سفرِ التَّكوين هُوَ أن يُخبِرَنا عن حالَةِ الكَونِ كما كانَ من زَمانٍ، لكَي نستطيعَ أن نفهَمَ كيفَ هُوَ الآن. وبينما نقتَرِبُ من مَوضُوعِ بِدايَةِ الجنسِ البَشَريّ، فهذا يعني أنَّنا نقتَرِبُ من مَوضُوعِ نُفُوسِنا. فماذا لدى سفر التَّكوين ليَقُولَهُ عَنِ مقصَدِ اللهِ في خَلقِ الإنسان؟ دَعُونا نبدَأُ بِقِراءَةِ وصفِ كيفيَّةِ ظُهُورِ الرَّجُلِ والمرأَةِ للوُجُود.

وقالَ اللهُ، نعمَلُ الإنسان على صُورَتِنا، كَشَبَهِنا. فيَتَسَلَّطُونَ على سَمَكِ البَحرِ وعلى طَيرِ السَّماء... فخَلَقَ اللهُ الإنسانَ على صُورَتِهِ. على صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَراً وأُنثَى خَلَقَهُم. وبارَكَهُم اللهُ وقالَ لهُم أثمِرُوا واكثُرُوا واملأُوا الأرضَ... وقالَ الرَّبُّ الإلهُ ليسَ جَيِّداً أن يكُونَ آدَمُ وحدَهُ. فأَصنَعُ لهُ مُعيناً نظِيرَهُ... فأَوقَعَ الرَّبُّ الإلهُ سُباتاً على آدَم فنَامَ. فأخذَ واحِدَةً من أضلاعِهِ ومَلأَ مكانَها لَحماً. وبنى الرَّبُّ الإلهُ الضِّلعَ التي أخَذَها من آدم إمرأَةً وأحضَرَها إلى آدَم... لذلكَ يترُكُ الرَّجُلُ أباهُ وأُمَّهُ ويلتَصِقُ بإمرأَتِهِ ويَكُونانِ جَسداً واحِداً. (تكوين 1: 26- 28؛ 2: 18، 21-24)


 على صُورَةِ اللهِ

 الأمرُ الأوَّلُ الذي يظهَرُ جَلِيَّاً في هذا المقطَع، هُوَ كَونُ الإنسانِ مَخلُوقاً على صُورَةِ اللهِ ومِثالِهِ. إنَّ هذه الكَلِمات مألُوفَةٌ لَدَينا، ولكنْ ماذا تَعني بالحقيقة؟ بما أنَّ اللهَ رُوحٌ، وأنَّ ليسَ لهُ جَسَدٌ، فهذا لا يُشيرُ على الأرجَح إلى شَكلِنا الخارِجِيّ. بل يُشيرُ إلى إمكانِيَّتِِنا على أن نَكُونَ رُوحِيِّين. بهذه الطريقة نحنُ نُشبِهُ اللهَ. بالطَّبعِ، في تَكوين 3، نرى كيفَ تشَوَّهَ هذا التَّشابُهُ معَ اللهِ عندما أخطأَ آدَمُ وحَوَّاءُ. ومنذُ تلكَ المرحلة، أصبَحَت المُشكِلَة الأساسيَّة التي يتعامَلُ معَها الكتابُ المُقدَّسُ هي "إعادَة خلق" صُورَة اللهِ في الإنسان. يُرينا الإصحاحان 1 و2 من سفرِ التَّكوين الإنسانَ كما خُلِقَ في البَدء، وكما كانَ مقصُوداً لهُ أن يَكُون. تَكوين 3 يُرينا الإنسان كما هُوَ عليهِ آنذاك.


 الذَّكَرُ والأُنثَى

مُلاحَظَةٌ أُخرَى يُمكِنُنا تقدِيمُها فيما يتعلَّقُ بِخَلقِ الإنسان، هي أنَّ اللهَ خلقَهُ ذَكرَاً وأُنثَى. هُنا نَجِدُ أوَّلَ نَمُوذَجٍ عنِ الجِراحَةِ معَ البنج. فأوَّلُ طَبيبِ بَنجٍ كانَ الله! فلقد أوقَعَ اللهُ سُباتاً عميقاً على آدم؛ ثُمَّ أخذَ ضِلعاً من أضلاعِهِ، وصنعَ المرأةَ من هذا الضَّلع. هُنا نَجِدُ صُورَةً رَمزِيَّةً جَميلة. فاللهُ لم يأخُذْ المرأَة من رأسِ الرَّجُل، حتَّى لا تَتَسلَّطَ عليهِ، ولم يأخُذْها من قَدَمِهِ حتَّى لا يستَعبِدَها كخادِمَةٍ لهُ. بل أخذَ اللهُ المرأَةَ من ضِلعِ الرَّجُل، لكَي تَكُونَ قَريبَةً من قَلبِهِ.

لماذا خلقَ اللهُ المرأَةَ؟ من الأفضَل ترجَمَة كلمة "وَحْدَهُ" بالعبريَّة، بِكلمة "غير كامِل، أو ناقِص"، أو "أكثَر كمالاً." إذا دخَلتَ إلى مجالِ قواعِدِ اللُّغَةِ العبرِيَّة، تَجِدُ أنَّهُ عندما جمعَ اللهُ هذا الرَّجُل وهذه المرأة في ما يُسمَّى بِرِباطِ الزَّواجِ المُقدَّس، أو بالإتِّحادِ الجِنسيّ، فإنَّ هذا الرَّجُل وهذه المرأة المُتَّحِدانِ في جسدٍ واحِدٍ أصبَحا إنساناً واحداً.

من المُهِمِّ أن نُلاحِظَ هُنا أنَّهُ عندما جمعَ اللهُ ذلكَ الرَّجُل وتلكَ المرأة معاً، أوجدَ اللهُ أهمَّ مُؤسَّسَةٍ على الأرضِ اليَوم، والتي نُسمِّيها العائِلة أو البَيت. لقد كانت خُطَّةُ اللهِ عندما خلَقَهُما ذَكَراً وأُنثَى، كانت خُطَّتُهُ أن يأخُذَ هذينِ الشَّخصَين ويجعَلَ منهما مُتَّحِدَينِ في علاقَةٍ ليكُونَ بِوُسعِهِما أن يُصبِحا والِدَين. ثُمَّ، كَوَالِدَين، يُنجِبانِ بِدَورِهِما أولاداً سيُصبِحُونَ بِدورِهم أزواجاً لآخرينَ ومن ثَمَّ والِدِينَ يُنجبُونَ أشخاصاً يُصبِحونَ هُم أيضاً أزواجاً ووالِدين. هذا هُوَ نامُوسُ الطَّبيعَةِ العَظيم، الذي منحَ الحياةَ والنُّمُوَّ والإتِّجاهِ للعائِلَة البَشَرِيَّة جَمعاء.

إنَّ الشَّراكَة بينَ الرَّجُل والمرأَة هي جزءٌ هامٌّ جداً من نامُوس اللهِ الأساسيّ للحَياة. لهذا خلقَ اللهُ الإنسانَ ذكراً وأُنثَى. تَصَوَّرْ مُثَلَّثاً، حيثُ يُوجَدُ اللهُ على رأسِ الهَرم، والرَّجُلُ على الزَّاوِيَةِ السُّفلَى اليُسرى والمرأَةُ على الزَّاوِيَةِ السُّفلَى اليُمنَى منَ المُثَلَّث. إن كانَ الرَّجُلُ على علاقَةٍ باللهِ، وإن كانَتِ المرأَةُ أيضاً على علاقَةً باللهِ نفسِه، فبِمقدارِ ما يقتَرِبُ هذا الرَّجُلُ وهذه المرأة منَ اللهِ، بمقدارِ ما يقتَرِبانِ تِلقائِيَّاً من بَعضِهما البَعض.

بَينَما تدرُسُ مَوضُوعَ الزَّواجِ في سفرِ التَّكوين، ستَجِدُ أنَّ الزَّواجَ ينبَغي أن يكَونَ علاقَةً حَصرِيَّةً بمعنَيَين. فمِن أجلِ الزَّواج، يترُكُ الرَّجُلُ أباهُ وأُمَّهُ. فهُوَ يستَقصِي العائِلة التي قضى معها عشرينَ أو خمسةً وعشرينَ عاماً. وأيضاً بسببِ الزَّواج، عليهِ أن ينسَى كُلَّ الآخرين. وعليهِ أن يحيا معَ زوجَتِهِ حصرِيَّاً، لباقِي حياتِهِ. وعلى المرأةِ أن تتَّخِذَ نفسَ هذه الخُطُواتِ والإلتِزام الحَصريّ تجاهَ زَوجِها. هذه هي خُطَّةُ اللهِ للزَّواج.

  • عدد الزيارات: 8627