Skip to main content

الإنسان العتيق والإنسان الجديد

الجانب الإيجابي-خلاصة الحق الذي في يسوع: خلع الإنسان العتيق ولبس الإنسان الجديد(4: 22-24).

عدد: 22:

22أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ، -2- كل عبارات الرسول المركّزة في هذا الفصل، كالبنيان المرصوص، يشدّ بعضها بعضاً. فالسابقة منها ممهدة للاّحقة، واللاحقة موضحة ومفسرة للسابقة. فالعبارة: " ما هو حق في يسوع" مفسرة للعبارة السابقة لها: "إن كنتم قد سمعتموه وعلمتم فيه"، وممهدة للعبارات التالية لها: " أن تخلعوا..."، كما أن هذه العبارات مفسرة للعبارات السالفة، إن ما تعلمه المؤمنون من المسيح، وما سمعوه وعُلّموه فيه، هو "ما هو حق في يسوع". فما هو إذاً حق عملي، لأنه يتناول التصرف.

23وَتَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ، 24وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ.

ذكر الرسول في هذه الأعداد، الواردة ضمن 4: 22-24، ثلاث كلمات رئيسية، بنى عليها مطاليب الحياة الجديدة:الكلمة الأولى: "أن تخلعوا" (عدد 22)، والثانية: "تتجددوا" (عدد23) والثالثة: "تلبسوا" (عدد24). وكل كلمة منها مطلع استهلاك للآية القائمة على رأسها."الخلع": فعل يتم دفعة واحدة."والتجديد": عملية تتكرر مراراً."واللبس": فعل يتم دفعة واحدة."بالخلع" نتخلص من العتيق، و"بالتجديد" نتهيأ للجديد. هذه كلها تتم في وقت واحد، لا يسبق أحدها الآخر، لأن الإنسان لا يمكنه أن يخلع العتيق ما لم يتجدد ولا يمكنه من غير أن يكون قد لبس الجديد. فالشجرة لا تخلع أوراقها الصفراء الذابلة إلا إذا تولدت فيها الحياة الجديدة، فألبستها ثوباً قشيباً. فهذه الخطوات الثلاث:الخلع، والتجديد، واللبس، تتم اختبارياً في آن واحداً، وإن كنا نتكلم عنها منطقياً كأنها تحدث في أدوار متعاقبة: الخلع، فالجديد، ثم اللبس.

قد يستنتج القارئ الساذج من الكلمة الأولى: "تخلعوا"، فكرة غير صائبة، فيخيل إليه أن الحياة المسيحية رداء يلبس في الظاهر، لكن الكلمة الوسطى: "تتجددوا" كافية لإزالة هذا الوهم، لأنها ترينا بجلاء ووضوح، أن المسيحية روح تتناول الجوهر، وتصل إلى العمق، فتجدد القلب، وتنير اللب، وتغير الروح.

في هذه الثلاثة الأعداد، انتهى الرسول إلى عمق الطلبات التي أرادها من المكتوب إليهم. في بدء هذا الأصحاح تقدم إليهم بطلب عام يكاد يكون مبهماً: "أطلب إليكم أن تسلكوا كما يحق للدعوة التي دعيتم بها" (4: 1)، ثم انتقل من التعميم إلى التخصيص، فناشدهم أن لا يشاطروا الأمم مسلكهم (4: 17). وهنا تقدم إليهم أن يقلعوا عن تصرفاتهم السابقة، بأن يخلعوا الإنسان العتيق، ويتجددوا بروح ذهنهم، ويلبسوا الإنسان الجديد. فكلامه في هذه الأعداد،يتناول الإجابة على ثلاثة أسئلة:

أولاً: ماذا يخلعون؟ "الإنسان العتيق الفاسد، بحسب شهوات الغرور".

ثانياً: بماذا يتجددون؟"بروح ذهنكم".

ثالثاً: ماذا تلبسون؟"الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله...".

وجدير بالملاحظة، أن الأوصاف التي خلعها الرسول على الإنسان". الذي يجب أن يخلع، تتعارض مع الأوصاف التي خلعها على "الإنسان" الذي يجب أن يلبس!.

ماذا نخلع:الإنسان "العتيق" ماذا نلبس: "الإنسان الجديد"

تاريخه: "العتيق" تاريخه: "الجديد"

طبيعته: "الفاسد" طبيعته: "المخلوق بحسب الله"

أسلوبه: "بحسب شهوات الغرور" أسلوبه: " في البر وقداسة الحق"

فالرسول يصف كلاً منها:

-ا- وصفاً يتناول تاريخه: فأولهما: "عتيق". والثاني : "جديد".

-ب- وصفاً يتناول طبيعته فأولهما: "فاسد". والثاني: "مخلوق حسب الله".

-ج-وصفاً يتناول أسلوبه:فأولهما: "حسب شهوات الغرور".

والثاني: "في البر وقداسة الحق".

ماذا نخلع ؟: "الإنسان العتيق". وردت كلمة "تخلعوا" في الأصل اليوناني بصيغة المصدريّة- في الماضي؛ على اعتبار أن هذا هو الحق الذي تعلموه في يسوع منذ التجديد: خلع الإنسان العتيق، وهو فعل مفروض أنه تم في الماضي دفعة واحدة، وقت أن قبلوا المسيح مخلصاً وفادياً.

فما هو "الإنسان العتيق"؟ وما هو"الإنسان الجديد"؟ استعمل الرسول هاتين العبارتين في رومية6: 6 كولوسى 3: 9. في رومية أرانا هذا الإنسان العتيق" وقد صلب مع المسيح". وفي كولوسي أرانا إياه" وقد خلعه المؤمنون مع أعماله". فالإنسان العتيق هو الحالة العتيقة التي كان عليها المؤمن قبل أن يعرف المسيح، وهي تتناول موقفه الأول باعتبار كونه وليد آدم الأول، وذاته الأولى بسريرتها وسيرتها، وحياته الأولى بجوهرها ومظهرها. وهو يختلف نوعاً عن الطبيعة القديمة التي تظل في المؤمن حتى بعد تجديده.

والإنسان الجديد هو المؤمن بعد تجديده- بما في ذلك القلب الجديد الذي خلق التجديد، والروح الجديدة التي أنشاها الله في داخله، والموقف الجديد الذي يقفه أمام الله في داخله، والحياة الجديدة التي يحياها بعد الإيمان- بسريتها وسيرتها، والذات التي خلقها الله فيه بروحه.

وفي اعتقادنا أن "الإنسان العتيق"، " والإنسان الجديد" تعبيران يتمشيان في نسبة أحدهما إلى الآخر، مع التعبيرين اللذين استعملهما بولس: "آدم الأول" و"آدم الثاني". (رومية5:12-19و1كو15: 21-58). ولكننا لا نستطيع أن نقول أن الإنسان العتيق هو آدم الأول، ولا أن "الإنسان الجديد" هو المسيح، لأن الإنسان الجديد مخلوق. لكن المسيح غير مخلوق، وكلاهما يتناول موقف الإنسان شرعياً وعملياً.

-ب- أما طبيعة "الإنسان العتيق". فقد وصفها الرسول بكلمة جامعة: "الفاسد". وقد وردت بصيغة الاستمرار المتجدد. أي أنه يتدرج من فساد إلى فساد، حتى يستهلك نفسه بالانحلال، فينتهي إلى العدم. وطبيعة الإنسان الجديد طاهرة في قوله: "المخلوق بحسب الله"-أي على صورة الله الأدبية والروحية.

-ج- إن أسلوب"الإنسان العتيق" هو: "حسب شهوات الغرور". فالغرور يستهوى بالمواعيد الخلابة الخادعة- والشهوات لهل خداع كالسراب لكنها تودي بالمرء إلى الموت الروحي.

أما أسلوب الإنسان"الجديد" فهو"في البر وقداسة الحق". ف"الحق" ضد "الغرور". و"القداسة" ضد الشهوات. "البر" يعين صلة الإنسان بالناس، و"القداسة" تعين صلته بالله.

كلمة "بحسب" - تعني أن الفساد والانحلال هما نتيجة طبيعية لشهوات الغرور (2بط2: 18). وقول الرسول: "شهوات الغرور" يتضمن إشارة خفية إلى الغرور الذي انخدع به آدم الأول فأضاع الفردوس وحكم عليه بالموت. ومن الطبيعي جداً بأن نعتقد أن قصة آدم كانت ماثلة في ذهن الرسول وقت كتابة هذا الفصل. فمن آدم الأول، رفع فكره وفكرهم إلى آدم الثاني.

-ب- بماذا نتجدد: "وتتجددوا بروح ذهنكم". وردت كلمة "تتحدوا" بالصيغة الحالية المستمرة لتفيد التقدم والنمو. فهي مماثلة للصيغة التي وردت بها كلمة: "الفاسد"، فإذا كان الفساد يتزايد حتى يصل إلى الانحلال والعدم، فإن التجديد يتكرر، وينمو، ويتقدم. هذه هي عملية "التقديس" التي يتقدم فيها المؤمن فينال نعمة فوق نعمة (يوحنا1: 16). وفي هذا يقول بولس: "لذلك لا نفشل بل وإن كان إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يوماً فيوماً" (2كو4: 16).

أما موطن التجديد فهو "روح الذهن"- الذي هو الحياة الروحية في الإنسان هو خلاصة الملكات العقلية والاتجاهات النفسية التي هي جوهر الإنسان الباطن. هذا هو موطن عمل الروح القدس ومقره في الإنسان عند التجديد وبعد التجديد. هذا يوافق قول الرسول في رسالة سابقة."فأطلب إليكم أيها الأخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم... عبادتكم العقلية (رومية12: 2و1). إن حرف الباء في قوله "بروح"، يعنى "فيما يختص" بروح ذهنكم. أو "من جهة" روح ذهنكم. أو "في" روح ذهنكم.

يجوز أن نلخص حجة الرسول في الثلاثة الأعداد التي مرت بنا، في عبارة أخرى، ها قد قطعتم كل صلة تربطكم بآدم الأول. ودخلتم في عهد جديد مع آدم الثاني. فقد أسمى كل منكم شخصاً جديداً، بعد أن طوى تلك الشخصية القديمة، وصارت في خبر كان.

ثانياً: تصرفات عتيقة، وتصرفات جديدة (4: 25-32).

25لِذَلِكَ اطْرَحُوا عَنْكُمُ الْكَذِبَ وَتَكَلَّمُوا بِالصِّدْقِ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ قَرِيبِهِ، لأَنَّنَا بَعْضَنَا أَعْضَاءُ الْبَعْضِ.

تابع الرسول في الأعداد التالية، كلامه الذي انتهى إليه في الثلاثة الأعداد السالفة، فتقدّم من المبادئ العامة إلى الحقائق الخاصة، وانتقل من أصل الشجرة إلى الثمر، ومن الأساس إلى البناء، ومن الحياة إلى التصرف، فذكر التصرفات العتيقة التي يريدهم أن يقلعوا عنها ويخلعوها، والتصرفات الجديدة التي يريدهم أن يمارسوها. لأن الكلمة المترجمة: "طرحوا" في غرة عدد 25، هي من اشتقاق الكلمة التي ترجمت "تخلعوا" في مطلع عدد 22.

  • عدد الزيارات: 12755