أبناء الغضب بالطبيعة
"وكنا بالطبيعة أبناء الغضب" – تنطوي هذه العبارة على إشارة ضمنية إلى الخطية الأصلية التي يولد بها كل إنسان غير متجدد, وبسببها يدخل في عداد أبناء الغضب. وليس من الضروري أن تبرز خطية الإنسان إلى حيز الفعل, حتى تُوجب عليه غضب الله. إذ يكفي بقاؤها كامنة في طبيعته لإثارة غضب الإله الذي "عيناه أطهر من أن تنظرا الشر" (حبقوق 1: 13). فالأسد الرابض في قفص من حديد, ليس حَملاً لكنه أسد عاجز عن إيقاع الأذى. وكذلك الخطية الكامنة في طبيعتنا إنما هي خطية حقيقية حتى في الأوقات التي لا تجد فيها مجالاً للظهور. فالخطية الأصلية هي خطية عامة. يولد فيها كل إنسان, لا على سبيل المصادفة, ولا من قبيل الحظ العاثر, بل بحكم ناموس عام لا يتخطاه زرع بشر ولا يتحداه. وبحكم هذا الناموس العام المشترك أضحت الخطية طبيعة أصلية في الإنسان, وأضحت طبيعته البشرية خطية أصلية فيه. فكل ما يصدر عن هذه الطبيعة ليس سوى خطأ في خطأ. وأن أقدس أعمالها فساد في فساد- حتى الصلاة التي نرفعها تحسب مكرهة لدى الله. فبحكمها وبموجب نواميسها وأنظمتها تصبح كل أعمال الإنسان الطبيعية التي تصدر عنه عفواً, خاطئة, بل خطية متمثلة في صورة أعمال, وتصبح الخطية حالة طبيعية, أصيلة فيه. بهذه الطبيعة الخاطئة, وهذه الخطية الطبيعية الأصلية, يولد الإنسان, وفيها ينمو, وفيها يسلك, فيستعذب مرارتها, وبها يصير له المر حلواً والحلو مراً؛ ما لم تتداركه النعمة الإلهية فتخلق منه إنساناً جديد.
يقول الدكتور ارمتاج روبنسون- إن كلمة: "بالطبيعة" تصف البشر كما هم في ذاتهم وفي حالتهم الأصلية من غير أن تتداخل في أمرهم قوة خارجة عنهم أو تتداركهم نعمة أرفع منهم. مثال ذلك قول بولس: "لأن الأمم الذين ليس عندهم الناموس متى فعلوا بالطبيعة –أي بدون إعلان إلهي خارج عنهم- ما هو في الناموس. فهؤلاء إذ ليس لهم الناموس, هم ناموس لأنفسهم" (رو 2: 14).
أما قول الرسول: "أبناء الغضب" فهو على مثال قوله في عدد سابق "أبناء المعصية" وهو يصف الواقعين تحت الغضب طبعاً واستحقاقاً فأبناء المعصية لا يمكن إلا أن يكونوا "أبناء الغضب" كما قال الرسول نفسه: "...بسبب هذه الأمور يأتي غضب الله على أبناء المعصية فلا تكونوا شركاءهم لأنكم كنتّم ظلمة. وأما الآن فنور في الرب".
فالغضب المقصود هنا هو غضب الله في الحال وفي يوم الدين. و"أبناء الغضب" هم موضوع هذا الغضب ومقضي عليهم به, وإياه يستحقون سواء أكانوا يهوداً أم أمميين, "لأن غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم... وأما الذين من أهل التحزب, ولا يطاوعون للحق, بل يطاوعون للإثم, فسخط وغضب... على كل نفس إنسان يعمل الشر, اليهودي أولاً ثم اليوناني" (رومية 1: 18و 2: 5و 8).
هذا ما بينه الرسول, إن الأمم واليهود, على السواء, هم أبناء الغضب بالطبيعة إذا ما تركوا على حالهم الطبيعية التي فيها ولدوا ونشأوا, ونموا ما لم تنتشلهم النعمة الإلهية المخلصة.
- عدد الزيارات: 4134