عمل النعمة
3: 4- 10
عدد 4 و 5:
4اَللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، 5وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ - بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ
من السحب المتكاثفة التي تلبدت في جو الأعداد الماضية المفصحة بالكلام عن خطايا اليهود والأمم, انتقل بنا الرسول إلى جو صاف تضيء فيه أنوار النعمة الإلهية, وتشرق وتشع فيه أشعة شمس إله النعمة. فما أحلى هذه الكلمة العظيمة التي يستهل بها هذا العدد الرابع: "الله"! ما أشبه هذا الاستهلال بمطلع الرسالة إلى العبرانيين: "الله...!!". وهل من كلمة يمتلئ بها الفم المعبر عن سرور القلب وبهجته, مثيل هذه الكلمة الجليلة الممتازة: "الله"!؟
كما تشرق الشمس بأشعتها النورانية فتشق كبد اليوم إلى ليل حالك ونهار مشرق, كذلك تدخل الله بنعمته في تاريخ المؤمنين ففصل بين ماض مليء بالسيئات والمعاصي, وبين حاضر غمرته النعمة المجانية. تأمل هذه القائمة السوداء:
"أمواتاً بالذنوب والخطايا"... "دهر هذا العالم" ... "رئيس سلطان الهواء" ... "أبناء المعصية" ..."أبناء الغضب" ... وكأن نفس الرسول شعرت بانقباض إذ أطالت التحليق في هذا الجو الخانق, وسرعان ما شعرت بحرية مجيدة وتنفست الصعداء حالما انتقل بولس إلى هذا العدد الرابع فتنسمت نفسه نسيم الحرية والمجد, وطربت لدى سمعها عذب نغم هذه الكلمات:
"الله" ... "غني في الرحمة" ... "محبته الكثيرة" ... "أحيانا" ... "المسيح" , "النعمة", "مخلصون", "أقامنا" ... "أجلسنا" ... "السماويات". ولا شك أن السرور أخذ من نفس الرسول كل مأخذ عندما وصل إلى هذه العبارة المركزية التي تصلح قراراً لأنشودته الجميلة: "غنى نعمته الفائق باللطف علينا في المسيح" !!
-أ-غنى رحمة الله (2: 4 (أ)). هذه صفحة مجيدة في سفر الخليقة الجديدة. فيها يتجلى البون الشاسع بين حالين: حال طبيعية كان عليها المؤمنون قبل إيمانهم, وحال أخرى أوصلتهم إليها النعمة الإلهية. ما أشبهها بأول صفحة يُستهل بها كتاب الخليقة الأولى في غرة سفر التكوين: "كانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة" –هذا هو جانبها المظلم "... وروح الله يرف على وجه المياه. وقال الله ليكن نور فكان نور.. وفصل الله بين النور والظلمة"- هذا جانبها المنير. فما أقرب الشبه بين الصفحتين –صفحة الكون المخلوق بكلمة الله المقولة, وصفحة الإنسان الجديد المخلوق في المسيح كلمة الله المتجسد.
وفي هذا العدد الرابع وما بعده, عاد الرسول إلى إتمام العبارة التي استهل بها هذا الأصحاح: "وأنتم إذ كنتم أمواتاً... الله الذي هو غني في الرحمة... أحيانا مع المسيح". وإذا كان الرسول قد أظهر في الأعداد السابقة سواد الخطية وفسادها, فما ذلك إلا ليظهر في الأعداد اللاحقة جمال النعمة وأمجادها ومثلما كثرت الخطية, ازدادت النعمة جداً. وأي وصف يعبر عن وفرة النعمة أبلغ من قول الرسول: "الله الذي هو غني في الرحمة" من أجل "محبته الكثيرة" ... "ليظهر في الدهور الآتية غنى نعمته".
هذه تعبيرات جليلة متجّمع بعضُها على بعض كما تتجمع أمواج البحر الخضم فوق بعضها البعض: "غنى الرحمة" "كثرة المحبة", "غنى النعمة". لو اقتصر الرسول على استعمال إحدى هذه الثلاث الكلمات وحدها, لكان فيها الكفاية للتعبير عن جلال النعمة وجمالها. لكنه نظم حبات هذا العقد الثلاثي الثمين, بعد أن أحاط كلاً منها بإطار مرصع ليزيدها جمالاً على جمال, فأرانا الرحمة في غناها بل في غنى الله, والمحبة في كثرتها ووفرتها, والنعم في فيضها, فقال: "غني في الرحمة, من أجل محبته الكثيرة", ليظهر "غنى نعمته". فالرحمة وحدها كافية. والمحبة وحدها مقتدرة. والنعمة وحدها فعالة. فما بالك إذا اجتمعت ثلاثتها معاً كما اجتمع الثلاثة الملائكة قديماً في ضيافة إبراهيم عند بلوطات ممرا (تكوين 18: 2)؟ فكم بالحري إذا اجتمعت لها ثلاثة أوصاف جامعة؟. في ختام الأصحاح الثالث عشر من الرسالة الأولى إلى كورنثوس ذكر الرسول ثلاث فضائل: "الإيمان, والرجاء, والمحبة" ثم وازن بين بعضها البعض فرجحت لديه كفة الأخيرة, فقال: "وأعظمهن المحبة" لكنه لو أراد أن يوازن بين هذه الثلاث الفضائل التي نحن بصددها: "الرحمة" و"المحبة" و"النعمة", أترى كان يجد سبيلاً إلى المفاضلة بينها؟! وهل من مفاضلة بين أشعة الشمس الواحدة؟ أليست كلها منبعثة من نبع واحد هو المحبة؟ فالرحمة هي المحبة مترفقة, والنعمة هي المحبة متدفقة.
-ب-عظمة محبة الله (2: 4 (ب)): غنى رحمته, ووفرة محبته, وغنى نعمته- لقد تجلت هذه كلها بصورة واضحة في سفر الفداء. فإذا رأينا قدرة الإله المبدع منقوشة على لوحات سفر الخلق, بحروف صخرية حجرية, وإذا تبينا حكمة الله مرتسمة على صفحات سفر العناية, بحروف من نور ونار, فإننا نلمس رحمته تعالى مطبوعة على سفر الفداء بحروف من دم. نعم قد يُتاح لبعض الناس أن يروا آثار خطوات الله موجودة في سفر الخلق, وأن يتبينوا آيات يديه مطبوعة على سفر العناية, إلا أنهم يحسون بنبضات قلبه المحب متى تصفحوا سفر الفداء. إن لغة محبته سهلة المأخذ لدى الأطفال, بل هي سر غامض لا يفهمه إلا الأطفال! ألم يقل فادينا المجيد: "أحمدك أيها الآب رب السماء والأرض, لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال"؟
"الله الذي هو غني في الرحمة". أن إلهنا غني في القدرة, والعظمة, والجلال, والحكمة. فهو غير محدود في ذاته وفي صفاته, لكن الرسول يحدثنا بنوع خاص عن غنى الله في الرحمة, فأيد بذلك قول إشعياء: "ليترك الشرير طريقه ورجل الإثم أفكاره, وليتب إلى الرب فيرحمه وإلى إلهنا لأنه يكثر الغفران" (إشعياء 55: 7), وقول مرنم إسرائيل الحلو: "الرب رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة" (مزمور 102: 8).
"الله الذي هو غني في الرحمة" –في الأصحاح الأول, عرَّفنا الرسول إن علة اختيارنا للتبني هي مسرة مشيئة الله, لكنه في هذا الأصحاح الثاني أظهر أن علة خلاصنا هي "محبة الله المتفاضلة". على أنها علة ثانوية. لكن العلة الأساسية هي الله نفسه, بدليل قول الرسول: "الله الذي هو غني في الرحمة" فنحن مدينون كثيراً لرحمة الله, ومحبته, ونعمته. لكن ديننا لإله الرحمة, والمحبة, والنعمة, أجلّ وأكبر. فالرحمة لم تخلصنا, لكن الله الذي هو غني في الرحمة, هو الذي خلصنا, وأحيانا بعد أن كنا أمواتاً بالذنوب والخطايا. فوراء التبني, الاختيار. ووراء الاختيار, مسرة المشيئة الإلهية. وراء المشيئة الإلهية, النعمة المجانية. ووراء النعمة المجانية, المحبة الإلهية. ووراء المحبة الإلهية, الله المحب.
إن محبة الله الموصوفة هنا, ليست محبته العامة لجميع الناس المعبّر عنها بإحسانه ولطفه (تيطس 3: 4), وإنما هي عاطفته القلبية التي اختص بها أبناءه المؤمنين به, الذين هم اسرايئله الروحي المختار "إياك قد اختار الرب إلهك لتكون له شعباً أخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض. ليس من كونهم أكثر من سائر الشعوب التصق الرب بكم واختاركم لأنكم أقلّ من سائر الشعوب. بل من محبة الرب إياكم وحفظه القسم الذي أقسم لآبائكم أخرجكم الرب بيد شديدة وفداكم من بيت العبودية من يد فرعون ملك مصر" (تث 7: 6- 8). لقد أحبنا لأنه أراد, وأراد لأنه أحب. فهو لا يعرف علة خارجة عن نفسه, ولا محركاً سوى ذاته, فهو الكائن بذاته, الذي يكون بذاته. وبهذا الاسم عُرف لإسرائيل قديماً:
هذا هو المثلث الرئيسي الذي يقوم عليه صرح التعاليم الإنجيلية –ضلعه الأول: رحمة الله الواسعة. والثاني: محبته المتفاضلة. والثالث: نعمته المجانية. وكلها تشير إلى حقيقة واحدة أساسية- هي أن الله يسرّ بالعطاء. لأن الإحسان من طبعه, وهو لا ينتظر من البشر إلا أن يقبلوا عطاياه بروح الشكر. وهو يسر بالعطاء أضعاف سرورنا نحن بالأخذ. فالإحسان من صفاته, والبذل من ميزاته. (تكلم الرسول عن إحدى نواحي غنى الله في 1: 18, فاطلب تفسيرها على صفحة 92).
عدد 5:
5وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ - بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ
-ج-ماهية عمل نعمة الله: "ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح". عبر الرسول عن الحجر الأساسي في بناء عمل النعمة بكلمتين متماثلتين –إحداهما: "الحياة", والثانية: "الخلاص". وقد استعملت كل منهما في مناسبة خاصة فأولاهما: "الحياة" استُعملت على اعتبار أننا كنا أمواتاً. والثانية: "الخلاص" استُعملت على اعتبار أننا كنا قبل إيماننا بالمسيح هالكين. وقد أبان الرسول في هذا العدد ثلاث حقائق –الأولى خاصة بالعامل الأولى في خلاصنا: "ونحن أموات بالخطايا أحيانا ...", والثانية خاصة بالقياس الأعلى لخلاصنا: "... مع المسيح" والثالثة تتعلق بالعلة الثانوية في خلاصنا: "بالنعمة أنتم مخلصون" في نور الحقيقة الأولى نعلم أن الخلاص من عمل الله أولاً وآخراً لأننا نحن البشر لم نفكر في هذا الخلاص, ولم نطلبه, ولم نسع إليه, لأن "الله خلصنا ونحن أموات بالذنوب والخطايا". والحقيقة الثانية ترينا أن قياس خلاصنا هو التمتع بالحياة الجديدة مع المسيح "... أحيانا مع المسيح". والحقيقة الثالثة تظهر لنا أن هذا الخلاص مجاني لأننا نلناه بالنعمة لا على سبيل الأجرة: "بالنعمة مخلصون" وجدير بالملاحظة أن كلمة "مخلصون" قد وردت في خاتمة هذا العدد بالصيغة الحالية التي تفيد الاستمرار المتجدد, على اعتبار أن الخلاص عملية مستمرة تتم على خطوات متتابعة, ولو أنها تبدأ في لحظة (1كو 15: 2, 2كو 2: 15). هذا هو الخلاص الذي يعتبر في بدايته تبريراً, وفي مجراه تقديساً, وفي كماله تمجيداً. فنحن إذاً متبررون بالنعمة, ومقدسون بالنعمة, وممجدون بالنعمة: إن دَيننا للنعمة التي أوصلتنا إلى منطقة الخلاص لا يزيد عن دَيننا للنعمة التي تحفظنا الآن لتوصلنا إلى ديار المجد.
عجيبة حقاً هذه المحبة السامية التي وجهها الله إلينا. وبها أحيانا ونحن أموات بسبب خطايانا. وأعجب منها. أن هذه المحبة لم تقف بنا عند حد الحياة المجردة, لكنها رفعتنا وسمت بنا إلى الحياة في أسمى مراتبها, وأرفع درجاتها إلى حياة المسيح نفسه "أحيانا مع المسيح". إنه لشرف عظيم لنا, أن يحيينا الله بواسطة المسيح, أو في المسيح, ولكن أن يحيينا مع المسيح –هذه نعمة ممتازة تشتهي الملائكة أن تتطلع عليها!!
هذا اختبار يحصل عليه المؤمن عند الولادة الجديدة التي هي انتقال من الموت إلى الحياة ومع أن المؤمن يكون في هذه الحياة عائشاً على هذه الأرض إلا أنه يكون شرعاً وحقاً, حياً مع المسيح في السماء: "لأنكم قدمتم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله". على أن كمال هذه الحال,لا يتحقق إلا عند التمجيد: "ومتى أظهر المسيح حياتنا, فحينئذٍ تظهرون أنتم أيضاً معه في المجد". في هذا تُعتبر قيامة المسيح من الأموات أساساً, ورمزاً, وقياساً, لقيامتنا الروحية: "إن كنتم قد قمتم مع المسيح" (كو 3: 1- 3, 2: 11- 15).
فإذا كان موت المسيح قد أعتقنا من الموت الذي هو أجرة الخطية, فإن قيامة المسيح قد أدخلتنا إلى جدة الحياة التي يسودها الفرح, والرجاء والنصرة. إذاً لم تكن حياتنا الأولى التي كنا نحياها قبل إيماننا بالمسيح, سوى الموت بعينه (رومية 6: 4- 11, متى 16: 24- 26, يوحنا 12: 23- 26).
إن كلمة: "مع" تعني اتحادنا الحي بالمسيح, باعتبار كوننا أعضاء في جسده الروحي, وهي تعينّ صلتنا الشرعية باعتبار كونه ضامن عهدنا وولينا. فبموته قد متنا معه, وبقيامته قمنا معه. هذا يؤيد قول المسيح لتلاميذه في خطابه الوداعي: "إني أنا حي فأنتم ستحيون" (يوحنا 14: 19).
استعمل الرسول كلمة "مخلَّصون" بصيغة الفعل التام المتواصل لتفيد الاستمرار المتجدد لا بالصيغة الحاليَّة (كما في 1كو 1: 18, 15: 2, 2كو 2: !15, أعمال 2: 47) :"الذين يخلصون", ولا بصيغة الماضي التام كما لو كان الخلاص فعلاً تم من جانب الله وحده دفعة واحدة كما في رومية 8: 4- "خلَصنا".
الخلاص عملية كملت لكنها تتم على درجات متتابعة حتى تكمل في المجد. كصورة تمَّ التقاطها في لحظة لكنها تستغرق وقتاً حتى يظهر جمالها. هذا هو الخلاص الذي يعتبر عند التبرير بذرة, وفي التقديس شجرة, وفي التمجيد ثمرة ناضجة (1بطرس 1: 5, رومية 13: 11).
أما الواسطة الثانوية لهذا الخلاص فهي النعمة. أوضحنا معنى هذه الكلمة في تفسير العدد الثاني من الأصحاح الأول. وجدير بالملاحظة, أن الله ما كان يريد أن يخلصنا بالنعمة لو كان في الإمكان أن نخلّص أنفسنا بقوتنا أو مجهودنا الذاتيّ. أما عجزنا عن تخليص أنفسنا, فظاهر من حالنا التي كنا عليها: "أمواتاً بالذنوب والخطايا", ومن الحال التي صرنا إليها: "أحيانا مع المسيح". فلا حياة أصلية فينا, لكنها مستمدة من نبع "حياة المسيح".
"بالنعمة أنتم مخلصون" –مرتين كرر الرسول هذه العبارة العذبة المرة الأولى في هذا العدد, والثانية في العدد الثامن, بعد أن أضاف إليها كلمة: "بالإيمان" ليبين أن الإيمان ليس عملاً نأتيه من جانبنا فنصير به مستحقين الخلاص كأجرة, وإنما هو بمثابة اليد المفتوحة التي تقبل عطايا الله. وأنَّى لميت أن يفتح يده! فإذاً نحن مدينون للنعمة الإلهية بالإيمان الذي هو اليد المفتوحة التي تقبل من المسيح هبة الخلاص. ولعل بولس كرر هذه العبارة ليجعل منها قراراً عذباً لأنشودة الخلاص المجاني. هذه هي الأنشودة التي مطلعها: "لستُ مستحقاً", وختامها: "مستحق أنت ... أن تأخذ الغنى والمجد والكرامة والقدرة", وقلبها النابض "ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد"!
وهل من فضل لمتسوّل يمد يده ليقبل نعمة مقدمة إليه من مُحسنٍ كريم؟!
عدد 6:
6وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ،
(3) قوة عمل إله النعمة (2: 6)
(أ) "أقامنا" .. (ب) "أجلسنا"
إن الحياة التي وهبنا الله إياها بالنعمة ليست مجرد حياة هزيلة ضعيفة نقضيها على هذه الدنيا, لكنها حياة نتمتع بها مع المسيح يسوع في السماويات. فهي معه وإليه.إنه لجلي واضح أن كلمة: "أقامنا" ترجع بنا إلى قيامة المسيح من الأموات. وكلمة: "وأجلسنا معه" ترفع أفكارنا إلى صعود المسيح. فنحن إذاً شركاؤه في القيامة والصعود باعتبار كونه رأسنا, ورئيسنا, وفادينا, وولينا, ونائبنا. ولأجلنا مات وقام وعاش, وفيه متنا نحن وقمنا ونعيش, فأرواحنا عائشة معه في السماويات ظافرة منتصرة, وأجسادنا تتمشى على وجه هذه الدنيا, الملطخ بالدماء والدموع.
في العدد الثاني رأينا المؤمن في ماضيه سالكاً "حسب دهر هذا العالم" والآن نراه جالساً متربعاً على عرش المسيح في الأعالي.
هذه حالة, وإن تكن مستقبلة في تمامها, إلا أنها حاضرة في فعلها فهي تعيّن موقف المؤمن كظافر منتصر فوق رئيس سلطان هواء, الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية.
إن قوله "في المسيح" يبين أن قيامة المسيح وصعوده وتمجيده, لها صلة حية بكنيسته على الأرض, إذ هي عربون! وحجة, وضمان, وأساس قيامة الكنيسة, صعودها, وتمجيدها.
(قابل هذا بما جاء في لوقا 10: 18و 19).
لقد أوضحنا معنى كلمة: "في السماويات" في سياق تفسير العدد الثالث من الأصحاح الأول فاطلبها في موضعها.
- عدد الزيارات: 5715