تشجيعات ووعود
اَلأَصْحَاحُ الرَّابِعُ عَشَرَ
1«لاَ تَضْطَرِبْ
ترتبط فاتحة هذا الأصحاح, بخاتمة الأصحاح السابق, ارتباطاً مكيناً لأن الكلام لم ينقطع بين الأصحاحين, لدرجة يخيل إلينا فيها, أنهما أصحاح واحد.
ودعنا الأصحاح السابق وداعنا لليل داج ظلامه – فالعقول حائرة, والعواطف ثائرة. العواصف عنيفة, والسحب كثيفة, والصواعق مخيفة. فقد أنبأ المسيح تلاميذه, بأن ساعة افتراقه عنهم قد دنت, وأن واحداً منهم سيخونه, وبأن بطرس سوف ينكره ثلاثاً. فخابت آمالهم الوطنية التي عقدوا لواءها على مسيا المنتظر. وملأ الاضطراب قلوبهم. وما هي إلا هنيهة, حتى طلع عليهم المسيح بنور الرجاء المتلألئ في غرة هذا الأصحاح. معزياً إياهم ومشجعاً, بالقبول: "لا تضطرب قلوبكم".
في استهلال هذا الأصحاح, تابع المسيح وعده الذي صرح به لبطرس في خاتم الأصحاح السابق: "ولكنك ستتبعني أخيراً". فأبان له وللتلاميذ: أنه وإن كان افتراقه عنهم, أمراً لا مفر منه, فإن لحاقهم به, أمر لابد منه. وأنهم سيقيمون معه, في بيت أبيه حيث المنازل الكثيرة (عدد 2). بذلك قدم المسيح خير جواب على سؤال بطرس: "يا سيد إلى أين تذهب" (13: 36).
عدد 1. ترياق اضطراب القلوب: في هذا العدد وضع طبيب القلوب, يده على موطن الداء في التلاميذ, فبين لهم أن الداء دفين في القلب:
قُلُوبُكُمْ. أَنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
"لا تضطرب قلوبكم". إن مرض القلب من أخطر الأدواء الجسدية التي يمنى به الإنسان. فبعض القلوب الجسدية مصاب بخفقان, والبعض الآخر مبتل بلغط في شريان القلب الرئيسي. فكم يكون حال من يمنى بهذين المرضين أو ما يماثلهما في قلبه المعنوي؟! على أن طبيب القلوب والأرواح, لم يكتف بأن وضع مبضعه على الداء, بل تقدم فوصف الدواء: "أنتم تؤمنون بالله. فآمنوا بي". يجوز أن تترجم هذه الكلمات. كما وردت في الأصل – إلى إحدى هذه الأربع صيغ:
1- "أنتم تؤمنون بالله, فطبعاً أنتم تؤمنون بي أيضاً" – فالجملتان خبريتان.
2- "آمنوا بالله تؤمنون بي أيضاً" – فالجملة الأولى أمرية والثانية خبرية.
3- "أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي" – فالجملة الأولى خبرية, والثانية أمرية.
4- "آمنوا بالله. وبي أيضاً آمنوا" – فالجملتان في صيغة الأمر. هذا رأي أحدث
المفسرين. على هذا الاعتبار يكون الجزء الأول من العدد – حيث وصف الداء – مفرغاً في صيغة نهي: "لا تضطرب قلوبكم". والجزء الثاني منه – حيث وصف الدواء – مفرغاً في صيغة أمر: "آمنوا بالله. وبي أيضاً آمنوا". من هذا نلاحظ: (1) أن الإيمان بالله, هو ترياق لغط القلوب واضطرابها. (2) أن الإيمان بالله يقود حتماً إلى الإيمان بالمسيح. (3) أن الإيمان بالمسيح يدعم الإيمان بالله. هذه حجة لاهوت المسيح, ووحدانيته مع الله. وإلا كان الإيمان به شركاً بالله. (4) مع أن التلاميذ كانوا
فَآمِنُوا بِي. 2فِي بَيْتِ أَبِي مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ
مؤمنين بالله وبالمسيح, إلا أن المسيح دعاهم إلى إيمان أرقى نوعاً, وأقوى فاعلية, وأوسع مدى من إيمانهم الذي كانوا عليه مرة, فقالوا فيه: "يا رب زد إيماننا". وهل يقوى شخص غير المسيح أن يقول "آمنوا بالله فبي أيضاً آمنوا", مع أن بينه وبين الموت يوماً واحداً؟! فإذا لم يكن المسيح إلهاً تاماً, فمن المحال أن يكون إنساناً كاملاًً. لأن صدور مثل هذا القول من مجرد إنسان يعتبر تجديفاً.
لاحظ الألقاب التي وصف بها المسيح اسم الجلالة: "الله" (عدد 1). "أبي" (عدد 2), "الآب" (عدد 6).
عدد 2. ضمان, وتطمين, وتشجيع.
ضمان: "في بيت أبي منازل كثيرة". يراد بالمنازل, تلك المساكن الخالدة التي كان الهيكل الزائل رمزاً لها (2: 16). قابل هذا بما جاء في 8: 36. إن في قوله "منازل" مجازاً مبنياً على ما في قصور ملوك الأرض: من محال كثيرة و"أجنحة" لهم, ولذريتهم, وحاشيتهم, وضيوفهم. ويقول وستكوت إن هذا المجاز مبني على ما كان في الهيكل اليهودي من غرفات و"أروقة" وطباق كثيرة (1 ملوك 6: 5 و6 و10 وحزقيال 41: 6). ومع أن السماء حالة روحية, إلا أنها أيضاً مكان علوي معد لأناس معدين له. ويكفينا أن نعرف عن موضع هذا المكان أنه حيث يوجد المسيح. "اليوم تكون معي في الفردوس" (لو 23: 43), "أن أكون مع المسيح ذاك أفضل جداً" (فيلبي 1: 23), "نستوطن عند الرب",
وَإِلاَّ فَإِنِّي كُنْتُ قَدْ قُلْتُ لَكُمْ.
2 كو 5: 8. وأن المسيح موجود حيث الآب: "أبانا الذي في السموات". أما عمل المؤمن هناك فقد عبر عنه يوحنا نفسه في رؤياه: "وعبيده يخدمونه, وهم سينظرون وجهه" (رؤيا 22: 3 و4).
كلمة: "منازل" – كما جاءت في الأصل – لا تعني الدرجات التي يكون عليها المؤمنون, لكنها تعني المساكن المستديمة. فهي جمع "منزل", لا "منزلة". هذا المعنى يتفق تماماً وغرض المسيح في سياق كلامه. فإن خوف التلاميذ لم يكن من عدم وجود درجات في السماء, بل من عدم وجود أمكنة كافية لهم جميعاً. مثلما كان يحدث عادة في فنادق أورشليم سيما في أيام الأعياد كما يدل عليه المكان الذي وضعت فيه أم المخلص ابنها البكر: "إذا لم يكن لهما موضع في المنزل". ويقول وستكوت: إن كلمة: "منازل" كما وردت في الأصل, قد تعني "المحطات" أو "الأبراج" التي عندها يستريح المسافرون, وفيها يجدون عزاء وغذاء – مما يدل على أن هذه الكلمة تنطوي على عنصرين: - الراحة, والتقدم. ويقول لانجي إن المسيح فاه بهذه الكلمات وهو شاخص إلى السماء المتلألئة بالنجوم.
تطمين: "وإلا فإني كنت قد قلت لكم" – أي لو كنت سأفترق عنكم فراقاً لا لقاء من بعده في المساكن السماوية – حيث تكونون معي, لكنت قد أعلمتكم بهذا من قبل, لأني لا أرضى لنفسي بأن أترككم معلقين أنفسكم إلى الآن, برجاء غير وطيد. ويعتقد دافيد سمث, وكايل, بأن قول المسيح: "وإلا فإني كنت قد قلت لكم", راجع إلى قوله: "في
أَنَا أَمْضِي لِأُعِدَّ لَكُمْ مَكَاناً 3وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَاناً
بيت أبي منازل كثيرة". أي لو لم يكن للتلاميذ منازل كافية, لكان المسيح قد سبق فأنبأهم بهذا من قبل. على إننا نعتقد بالرأي الأول. لأن التلاميذ لم يكونوا خائفين من قلة المنازل, وإنما كانوا يخشون تعذر لحاقهم بسيدهم أنى ذهب.
تشجيع: "أنا أمضي لأعد لكم مكاناً". يتضمن هذا الوعد جواباً صريحاً على سؤال بطرس الذي عبر به عن أشواقه وأشواق سائر التلاميذ (13: 36).
إن أيمانهم بالله يضمن لهم حق دخول المنازل السماوية, وإيمانهم بالمسيح يفتح لهم الطريق إلى تلك المنازل. لأن المسيح بموته, وقيامته, وصعوده, فتح طريق السماء, ودخل كسابق لنا. وهل من كلمات, تصف محبة المسيح لتلاميذه, ورغبته ي خدمتهم وإراحتهم, أبلغ من قوله: "أنا أمضي لأعد لكم مكاناً"؟ عادة يمضي الخادم ليعد مكاناً للسيد. ولكن في هذه الحال, ذهب السيد ليعد مكاناً للعبيد. إن القلب ليهتف من سويدائه قائلاً: ما أعجب الفادي, وحبه الشديد. إذ بالرضى السامي ابتغى, أن يخدم العبيد.
"أنا أمضي لأعد لكم مكاناً" – تذكرنا هذه الكلمات بما جاء في سفر العدد 10: 33 "فارتحلوا (بنو إسرائيل) من جبل الرب مسيرة ثلاثة أيام وتابوت عهد الرب راحل أمامهم مسيرة ثلاثة أيام ليلتمس لهم منزلاً".
عدد 3. وعد, فلقاء, فبقاء. "وإن مضيت ....".
وعد: "وإن مضيت وأعددت لكم مكاناً آتي أيضاً". هو إذاً وعد بعودة المسيح إلى تلاميذه. وقد تم هذا الوعد تدريجياً على دفعات متتابعة.
آتِي أَيْضاً وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا
فتم في معناه الابتدائي للتلاميذ وقت ظهور المسيح لهم في الفترة التي بين القيامة والصعود. وتم لهم روحياً في مجيء المسيح إليهم في شخص الروح القدس يوم الخمسين, وتم لهم اختبارياً بمجيء المسيح لهم ساعة موت كل منهم, وسيتم لهم وللمؤمنين كمالياً بمجيء المسيح ثانية ليملك, ويحكم, ويدين. وبنفس هذه الأدوار المتعاقبة – إلا أولهم – يتم هذا الوعد لجميع المؤمنين. إن أظهر وجه في هذا الوعد, هو مجيء المسيح بشخصه إلى التلاميذ والمؤمنين, وقد كان في إمكانه أن يكل هذه المهمة إلى ملاك أو رسول. إن قوله: "إن مضيت وأعددت" يتمشى مع قوله في العدد السابق: "أنا أمضي لأعد".
لقاء: "وآخذكم على". لا ينم هذا اللقاء إلا بعد أعداد المكان, كما أن ذهاب التلاميذ إلى المساكن السماوية لا يتأتى لهم إلا وشخص المسيح معهم, ليتقدم بهم إلى الآب: "ها أنا والأولاد الذين أعطيتني". وهذا تم أما عند موت كل منهم, أ, يتم في مجيء المسيح الثاني. إن قوله "وآخذكم إلى" يفيض رقة وحناناً, فيه نتمثل أباً محباً عائداً إلى صغاره ليأخذهم معه حيث كان, فيضمهم إلى صدره الحنون, ثم يتقدم حاملاً إياهم طيلة مدة السفر.
بقاء: "حتى حيث أكون أنا, تكونون أنتم أيضاً". هذه هي الشركة الدائمة بين المسيح وتلاميذه. إننا لا نعلم بالضبط موقع السماء, ولا نريد أن نعلم. ويكفينا أن نعرف أن السماء هي حيث يكون المسيح, فهو منبع الفرح والمجد. فوجهه نور السماء, وابتسامته بهجة السماء, وصوته موسيقى
تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً 4وَتَعْلَمُونَ حَيْثُ أَنَا أَذْهَبُ وَتَعْلَمُونَ الطَّرِيقَ».5قَالَ لَهُ تُومَا: «يَا سَيِّدُ لَسْنَا نَعْلَمُ أَيْنَ تَذْهَبُ
السماء, وشخصه سماء الآب. "حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً". ألا يحمل هذا القول إشارة ضمنية إلى مشاركة المؤمنين للمسيح في طبيعته الممجدة على اعتبار أنه صعد إلى المجد حاملاً معه جسم بشريتنا؟ (انظر 1 يو 3: 2 ويوحنا 7: 34 و36).
عدد 4. التلاميذ يعلمون بالغاية وبالطريق, وهم لا يعلمون: " وتعلمون حيث أنا أذهب. وتعلمون الطريق". وهل كان التلاميذ يعلمون حقاً؟ نعم. ولا. أما نعم, فلأنهم كانوا يعرفون المسيح, الذي هو الطريق. وأما لا, فلأنهم ما كانوا يعلمون بعد أن المسيح هو الطريق. لأن أفكارهم عن المسيح, لم تزل أرضية كأفكار سائر اليهود (12: 34), ولأن آمالهم لم تنتقل بعد من الرجاء المنظور, إلى الملكوت الغير المنظور. ومن الجائز, أن المسيح صرح بهذا القول لكي يحرض شهية التلاميذ انتظاراً إعلانات أجل.
المحادثة الثانية: بين توما والمسيح: المسيح هو الطريق (14: 5 و6)
عدد 5. التلاميذ يصرحون بلسان توما بأنهم لا يعلمون أنهم يعلمون "قال له توما يا سيد لسنا نعلم أين تذهب فكيف نقدر أن نعرف الطريق". ثلاث مرات نواجه توما في هذه البشارة. لأولى في 11: 16, والثانية في هذا العدد, والثالثة في 20: 26. وفي هذه الثلاث المرات نرى فيه الرجل الصريح, المحكوم بحواسه, والمتحمس لما "يلمسه" من الحق. ي خاتمة الأصحاح الثالث عشر, رأينا بطرس في اندفاعه وهو يريد أن يتبع المسيح
فَكَيْفَ نَقْدِرُ أَنْ نَعْرِفَ الطَّرِيقَ؟» 6قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ
حالاً, فصب المسيح مياهاً باردة أخمد بها حماسه غير المهذب, وأفهمه أنه سيتبعه – ولكن فيما بعد. فجاءت فرصة توما ليستعلم عن "المكان" الذي يذهب إليه المسيح, والطريق إلى هذا المكان, فصاغ سؤاله في نفس الكلمة, القصيرة البصر, التي سمعناها من نيقوديموس (3: 4و 11), والسامرية (4: 9), واليهود (6: 52) – "كيف"!؟ كانت الغاية مجهولة من توما – حسب نظره القصير – فكيف يقدر أن يعرف الطريق؟ على أننا مدينون لتوما بهذا السؤال الذي فاز من السيد بالجواب الخالد, الذي حفظ لنا في العدد التالي.
عدد 6. جواب المسيح: "أنا هو ...". هذا جواب جامع: "أنا هو الطريق ..." مانع: "ليس أحد .... إلا بي". في الشطر الأول منه, أجاب المسيح صراحة على قول توما: "كيف نعرف الطريق". وفي الشطر الثاني, أجاب ضمناً على قوله: "لسنا نعلم أين تذهب".
"أنا هو الطريق ....". إن الكلمة الرئيسية في جواب المسيح, هي: "الطريق". وقد ذكر "الحق" و"الحياة" توضيحاً لها. "فالحق" هو الله معلناً في قداسته ومحبته (عدد 9), و"الحياة" هي الله متصلاً بالنفس في قوته وغبطته. فالمسيح هو الطريق لأنه هو الحق والحياة. يقول كالفن ولوثر إن هذه الثلاث الكلمات: "الطريق. والحق. والحياة".منسقة تنسيقاً بديعاً. فالطريق هي البدء, والحق هو الوسط, والحياة هي الختام.
"أنا هو الطريق. والحق. والحياة" – هذا تصريح خطير لا يقوى
وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ
على النطق به إلا المسيح. فهو لم يقل إنه يدل على الطريق, ويقول الحق, ويهدي إلى الحياة, بل قال بصورة قاطعة: "أنا هو الطريق" – فلا طريق إلاه. وأنا هو "الحق" – فلا حق سواه. وأنا هو "الحياة" – فلا حياة بغيره. أمام هذه الكلمات الجليلة يستد كل فم. قد يقول غير المسيح أنه هو الطريق فتظهر الأيام بطلان ادعائه. لكن المسيح هو الطريق والحق. وقد يقول غير المسيح أنه هو الطريق وأنه يأتي بالحق, فيأتي الموت في نهاية الأمر ويسحقه بين يديه. أما المسيح فهو وحده الطريق, والحق, والحياة. في هذه الثلاث الكلمات تجد البشرية رياً لعطشها في كل زمان ومكان. فالباطني المتصوف يجول هائماً في مجاهل العبادة قائلاً: "أين الطريق"؟ والعالم المتفلسف يهيم باحثاً في فيافي الفلسفة العقلية قائلاً: "أين الحق"؟ وجميع الناس يصرخون سواء بسواء قائلين: "أين الحياة"؟ فيقول المسيح للأول: "أنا هو الطريق", وللثاني: "أنا هو الحق", وللآخرين: "أنا هو الحياة".
المسيح هو الطريق لأنه هو الوسيط الأوحد بين الله والناس. وهو الحق لأنه هو كلمة الله. وهو الحياة لأنه هو الفادي الذي مات وقام.
النفس تائهة – فالمسيح طريقها. النفس في وادي البطل – فالمسيح حقها. النفس ميتة, فالمسيح حياتها.
المسيح هو "الطريق" الحي الحقيقي بين الناس والله.
المسيح هو "الحق" لأنه يعلن لنا كل ما يلزمنا معرفته عن نفوسنا, وعن الله.
يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي. 7لَوْ كُنْتُمْ قَدْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضاً.
المسيح هو "الحياة" لأنه اشترى لنا الحياة بموته, ووهبنا إياه بروحه (عب 10: 20 وإش 35: 8 – 10 ويو 11: 25 و6: 57 و10: 10).
"أنا هو الطريق": هذا جواب المسيح على المتسائلين: "أين الطريق"؟.
"أنا هو الحق": هذا جواب المسيح على القائلين: "كيف نعرف"؟.
"أنا هو الحياة": هذا جواب المسيح على المتسائلين: "إلى أين تذهب"؟.
"ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي" – هذا هو الجانب المانع في هذا الجواب الخالد. والكلام فيه منصرف إلى العبارة الرئيسية: "أنا هو الطريق". فكل طريق غيره ضلال. وكل حق عداه بطل. وكل حياة سواه موت.
"أنا هو الطريق" – هذا موضوع كلام المسيح ي عدد 7 – 14. "أنا هو الحق" – هذا هو موضوع الكلام في عددي 17 و18 – عن "روح الحق". "أنا هو الحياة". هذا هو موضوع الكلام في عدد 19 – 21 "إني أنا حي. فأنتم ستحيون".
عدد 7. حث, وتبليغ, وتحقيق:
الحث: "لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبي أيضا" – في هذا القول لا ينكر المسيح على التلاميذ معرفتهم به, وإنما أراد أن يستحثهم لمعرفة أرقى, وأعمق, وأدق. هذا على مثال قولهم في عدد 28 "لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون", وقوله لهم في لوقا 17: 6 "لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل", جواباً على طلبهم منه أن يزيد إيمانهم.
وَمِنَ الآنَ تَعْرِفُونَهُ وَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ». 8قَالَ لَهُ فِيلُبُّسُ:
التبليغ: "ومن الآن تعرفونه" – يعتقد يوحنا الذهبي الفم أن كلمة "من الآن" تعني وقت حلول الروح القدس يوم الخمسين. ولكن هذا الرأي يطوح بكلمة "الآن" أكثر مما تحتمل, فيجعلها في حكم "سوف", ويعتقد ماير أن معناها "منذ تصريحي الذي أفضيت به إليكم في عدد 6". ولكننا نعتقد أنها تعني "من الوقت الذي شرع فيه المسيح يخاطبهم بهذا الخطاب الوداعي".
التحقيق: "وقد رأيتموه" – هذه هي الرؤية الروحية التي امتاز بها التلاميذ عن أحبار اليهود الأقدمين. بما أن المسيح هو صورة الله غير المنظور, وطبيعته وطبيعة الآب كلتاهما شيء واحد, وليس الإثنان إلا إلهاً واحداً ولكن يتميزان بالأقنوم, فينتج من هذا أن من رأى المسيح فقد رأى الآب. على أن التلاميذ لم يكونوا قد تحققوا هذا الامتياز بعد, لأنهم لم يكونوا يعرفون ذلك معرفة جليلة, لغلبة الحواس عليهم.
"وقد رأيتموه" – كما أن قول المسيح للتلاميذ "وتعلمون حيث أنا أذهب وتعلمون الطريق" (عدد 4), وقد استحث توما إلى أن يسأل قائلاً: "كيف نقدر أن نعرف الطريق"؟ كذلك كان قول الفادي للتلاميذ: "وقد رأيتموه", محرضاً فيلبس على أن يطلب الطلبة المدونة في العدد التالي.
المحادثة الثالثة: بين فيلبس والمسيح: المسيح في الآب, والآب فيه (14: 8 – 10).
عدد 8. طلبة فيلبس: "قال له فيلبس يا سيد أرنا الآب وكفانا".
«يَا سَيِّدُ أَرِنَا الآبَ وَكَفَانَا». 9قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا مَعَكُمْ زَمَاناً هَذِهِ مُدَّتُهُ
تعذر على بطرس أن يتبع المسيح حالاً, وعز على توما أن يعرف الطريق تماماً, فجاء دور فيلبس الرجل العملي الذي يكتفي بعمل حساب للمنظور (6: 7), فعبر عن أمنية قلبه, التي هي أمنية الأجيال بأسرها: "أرنا الآب وكفانا" – فإن هذه الرؤية تكفينا مؤونة الأسئلة الكثيرة, وتمنع عنا اضطراب القلوب. قديماً كانت هذه أمنية موسى, لكنها عزت عليه (خروج 33: 18 – 23). وفيما بعد تغنى بها داود, ومات على رجاء توقعها: "أما أنا فبالبر أنظر وجهك" (مزمور 17: 15). غالباً جداً كان فيلبس ينتظر استعلاناً لمجد الله مصحوباً بآيات وقوات وعلامات من السماء. فكانت طلبته هذه شبيهة بطلب اليهود آية من المسيح. وقد فاتهم أن الله محبة, وأنه قدوس, لذلك فإن تجلياته لا تكون على أتمها, في مظاهر القوة الجامدة, بل ي شخصية حية, أدبية, كاملة, تنطق بلغة الله وتعمل أعمال الله – هذه هي شخصية المسيح الحي, الكامل, الأوحد, الذي رآه التلاميذ.
عدد 9 – 14. جواب المسيح: "قال له يسوع أنا معكم ....". يعتقد بنجال أن جواب المسيح على قول فيلبس "أرنا الآب", واقع في عدد 9 – 11, وأن جوابه على قوله: "وكفانا" متضمنة في عدد 12 – 14. ويلوح لنا أن جواب المسيح في الأعداد 9 – 14 شبيهة بكنانة ذات خمسة سهام:
السهم الأول – عتاب لطيف: "قال له يسوع أنا معكم .... ولم تعرني يا فيلبس"؟ في هذه الكلمات تذكير, يمازجه عتب لطيف, موجه
وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ أَرِنَا الآبَ؟ 10أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا
إلى فيلبس باسمه – كنائب عن التلاميذ – ليرفعه وإياهم إلى الحالة الروحية الراقية التي يريدهم المسيح أن يكونوا عليها. ولا تخلو هذه الكلمات من رنة حزن, كأن تعب السيد طوال هذه المدة قد ذهب ضياعاً, لأن فيلبس بإنكاره معرفته بالآب, أنكر ضمناً معرفته بالمسيح. لأن المسيح في الآب والآب فيه.
السهم الثاني – تصريح خطير: "الذي رآني فقد رأى الآب". إن نفس الإنسان تطبع تأثراتها, وصفاتها, وإرادتها, على صحيفة جسده, كذلك صفات الله, وإرادته, ومقاصده, تجلت في المسيح الذي هو "صورة الله غير المنظور". على أن جوهر الله لا يرى.
لو لم يكن المسيح إلهاً, لما جاز له أن يفوه بهذا التصريح.
السهم الثالث – توبيخ خاص: "فكيف تقول أنت ألانا الآب"؟ النبرة في هذه الكلمات, واقعة على كلمة "أنت". كأني بالمسيح يقول لفيلبس: لو صدرت هذه الكلمة من غيرك, لكان وقعها هيناً, أما أن تصدر منك أنت يا من أطعت أمري منذ بدء خدمتي (1: 43 و44), فوجدت في شخصي ملتقى نبوات الله ومواعيده (1: 45)؟! فهذا لا يطاق. إذ كيف تلجأ أنت, عند ختام خدمتي, إلى طلب آية منظورة لتتحقق بها من صدق أقوالي (1: 46)؟.
عدد 10. السهم الرابع – توضيح صريح: "ألست تؤمن أني أنا في الآب, والآب في"؟ إن في طلب فيلبس من المسيح, أن يريه الآب,
فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ؟ الْكلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي لَكِنَّ الآبَ الْحَالَّ فِيَّ
اعترافاً ضمنياً من فيلبس بأن المسيح في الآب, والآب فيه. وإن لم يكن المسيح ذلك, فلن يبقى في طاقته أن يجيب يلبس إلى طلبه. هذا مفاد قول المسيح لفيلبس: "ألست تؤمن"؟ بل هذا ما كان يجب أن يؤمن به فيلبس, حتى ولو لم يطلب هذه الطلبة, لأن المسيح سبق فقرر هذه الحقيقة على مسمع من جميع تلاميذه, بما فيهم فيلبس.
"أنا في الآب, والآب في". إن الآب والابن أقنومان متميزان. وأن الاتحاد بينهما, تام في القصد, والعمل, ولا يجوز فيه الانفصال, لأن لهما جوهرً واحداً. وأن موضوع الإيمان الذي توقعه المسيح من فيلبس, له ركنان: أولهما: "أنا في الآب" – أي المسيح أخلى نفسه, ليحيا في الآب. ثانيهما: "الآب في" – أي أن الآب قد أودع كل ملء قدرته, وحكمته في المسيح الذي: "فيه يحل كل ملء اللاهوت" (كو 2: 9).
وعلى كل من هذين لركنين تبنى نتيجة مهمة, كما يظهر من باقي العدد, فالركن الأول – أي إخلاء المسيح نفسه ليحيا في الآب, تبنى عليه النتيجة الأولى وهي: "الكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي". والركن الثاني – أي إبداع قوات اللاهوت في المسيح, تبنى عليه النتيجة الثانية وهي: "الآب الحال في هو يعمل الأعمال". فالنتيجة الأولى خاصة بأقوال المسيح كلها. والنتيجة الثانية تتعلق بأعماله وكل أعمال معجزاته.
هُوَ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ. 11صَدِّقُونِي أَنِّي فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ وَإِلاَّ فَصَدِّقُونِي لِسَبَبِ الأَعْمَالِ نَفْسِهَا. 12اَلْحَقَّ
النتيجة الأولى سلبية: مفادها أن كل كلماته ليست من عندياته. والثانية إيجابية: مفادها أن كل معجزاته مصنوعة بإصبع الله.
عدد 11. السهم الخامس – مطالبة حقة: "صدقوني ....". بناء على الحجتين اللتين أوردهما المسيح في العدد السابق, تقدم مطالباً تلاميذه, بأن يصدقوه: (1) يحق كلامه: "صدقوني إني في الآب والآب في". (2) لسبب أعماله: "صدقوني لسبب الأعمال". إن كلامه يحمل في ذاته برهان صدقه. فكان من الواجب على التلاميذ أن لا يحتاجوا مع كلامه إلى برهان آخر. ولكن إذا لم يقتنعوا بحجة كلامه, عليهم أن يقتنعوا بحجة أعماله, المنبئة بطبيعة أقواله, والمؤيدة لصدقها. فمن لا يقنع بسمع أذنيه, عليه أن يقتنع بمرأى عينيه. لأن جلال أعمال المسيح, يشهد لكمال أقواله, وكمال أقواله يشهد لسمو طبيعته.
عدد 12 – 21 وعود التلاميذ: ثلاث مزايا تعود عليهم (14: 12– 21)
بعد أن أجاب المسيح على سؤالي توما وفيلبس, عاد إلى مواصلة كلامه الذي استهل به هذا الأصحاح, مشجعاً التلاميذ ومواسياً إياهم في اضطرابهم الذي أصابهم بسبب توقع افتراقه عنهم. فذكر لهم في هذه الأعداد ثلاث مزايا سيتمتعون بها متى غاب عنهم. الأولى – أن التلاميذ سيواصلون القيام بالأعمال التي ابتدأها المسيح, ويقومون بأعمال أعظم (14: 12 – 14).
الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ:
والثانية – أن المسيح سيرسل إليهم معزياً آخر يمكث معهم (14: 15 – 17)
والثالثة – أن المسيح يأتي إلى التلاميذ بذاته (14: 18 – 21).
عدد 12 – 14. الميزة الأولى التي تعود على التلاميذ من افتراق المسيح عنهم – مواصلتهم أعماله وقيامهم بأعمال أعظم (14: 12 – 14). هذه الأعداد تصف: (1) طبيعة الأعمال التي تجري بعد صعود المسيح: "الحق الحق" – فاه المسيح بهاتين الكلمتين تقريراً للتصريح الممتاز الذي يعقبها (اطلب شرح 3: 3 و5) – "أقول لكم.... الأعمال" – أي المعجزات – "التي أنا أعملها" – كانت هذه المعجزات ماثلة أمام المسيح والتلاميذ, كما لو كانت في حكم الحاضر, لا الماضي. "يعملها هو أيضا", ويعمل أعظم منها" ليست هذه الأعمال أعظم من أعمال المسيح في مظهرها ولا في فخامتها. – إذ لا تفاضل في المعجزات – بل في طبيعتها ومداها, لأنها في دائرة الروح: مثل تخليص ثلاثة آلاف في يوم واحد على يدي بطرس يوم الخمسين, لأن تخليص النفوس الهالكة, أعظم من إبراء الأجسام المريضة, وإقامة الأجساد الميتة. ولأن أعمال المسيح, كانت غالباً قاصرة على اليهود, لكن الأعمال التي أجريت على أيدي التلاميذ تمت في الأمم أيضاً. ويعتقد بنجال أنها أعمال أعظم في مظهرها أمام عيون الناس, مشيراً بذلك إلى المرضى الذين كانوا يستشفون بظل بطرس (أعمال 5: 15), وبالمناديل التي كان يمسها جسد بولس (أعمال 19: 12).
مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَالأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا يَعْمَلُهَا هُوَ أَيْضاً وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا لأَنِّي مَاضٍ إِلَى أَبِي.
(2) العامل الثانوي الظاهر في هذه الأعمال الأعظم – هو التلميذ المؤمن بالمسيح: "من يؤمن بي". هذا هو إيمان الثقة, والاتكال, والتسليم. وهو أرقى من إيمان التصديق الذي تحدث عنه المسيح في عدد 11, بقوله: "صدقوني ..وإلا فصدقوني". وهل يكون التلميذ أعظم من معلمه, والعبد أكثر اقتداراً من سيده؟ إن الجواب على هذا السؤال نجده في الحقيقة التالية:
(3) العامل الأول الخفي المحرك – هو المسيح الممجد "لأني ماض إلى أبي" (عدد 12). "فذلك أفعله" (عدد 13) .... "فإني أفعله" (عدد 14). فما نصيب أيدي التلاميذ في هذه المعجزات, بأكبر من نصيب يد الصبية الصغيرة التي تمسك بها يد أبيها فترسم بها أبدع الصور, أو توقع بها أجمل الألحان. لم يكن في الإمكان القيام بهذه المعجزات الأعظم إلا بعد ذهاب المسيح إلى الآب. عند ذاك تكون ذبيحة المسيح الفدائية قد قبلت بقبول السماء إياه, ويكون حائط السياج المتوسط بين الأمم واليهود, قد أزيل. ويكون المسيح قد تمجد, فيرسل الروح القدس ليملأ التلاميذ والكنيسة فيتم اتحاد التلاميذ بالمسيح, ويكون في استطاعتهم حينئذ أن يواصلوا عمله الذي بدأه على الأرض (أعمال 1: 1). (انظر أيضاً يوحنا 7: 39) وكما أن الأغصان الشجرة لا تقوى على الإتيان بثمار إلا إذا اتحدت اتحاداً حيوياً بالكرمة, كذلك لا تجود الكرمة بثمرها إلا عن طريق الأغصان الحية 13وَمَهْمَا سَأَلْتُمْ بِاسْمِي فَذَلِكَ أَفْعَلُهُ لِيَتَمَجَّدَ الآبُ بِالاِبْنِ. 14إِنْ سَأَلْتُمْ شَيْئاً بِاسْمِي
المتحدة بها. (4) نصيب التلاميذ في القيام بهذه الأعمال الأعظم – الصلاة باسم المسيح: "مهما سألتم باسمي" (عدد 13) ... "إن سألتم شيئاً باسمي" (عدد 14). هذه أداة الاتصال بين العامل الثانوي والعامل الأولي في هذه المعجزات. على أن الصلاة باسم المسيح, لا يراد بها مجرد ذكر اسم المسيح في نهاية الصلاة أو في بدايتها, وإنما يراد بها الصلاة في روح المسيح, واستحقاقاته, بل في شخصه, كما لو كانوا هم هو – كل هذا في نور الإعلانات الجليلة التي أفضى بها إليهم عن شخصه وعمله, لأن اسم شخص ما, لا يعبر عن الحروف التي يتركب منها هذا الاسم وكفى, بل يشتمل الذات, والصفات, والمقام, والمؤهلات, المعروفة عنه. في صلبه عنا, قام مقامنا, ليحق لنا أن نقوم مقامه متى طلبنا شيئاً لأجل ملكوته. (5) الغاية القصوى من إتيانه هذه الأعمال الأعظم: "ليتمجد الآب بالابن". ذلك لأن المسيح لم يؤسس ملكوتاً لأجل مجد الآب. فالإيمان به, يدعم الإيمان بالآب (14: 1), وتمجيد اسمه, تمجيد للآب, فهو والآب واحد (10: 30).
في عدد 14, قرر المسيح مؤكداً ما سبق فقاله في عدد 13. ولعل النبرة واقعة على كلمة: "أفعله". فمع أن الصلاة مقدمة إلى الآب, إلا أن المجيب عنها هو المسيح العامل
باسمه وسلطانه. فالتلاميذ يصلون باسم المسيح, والمسيح يعمل باسم الآب.
فَإِنِّي أَفْعَلُهُ.15«إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا
كرر المسيح هذا الوعد: (أ) للتوكيد. (ب) لبيان مدى اتساع الوعد: فإن كلمة "مهما" لا حد لها. (ج) لبيان أن المجيب هو المسيح.
عدد 15 – 17. الميزة الثانية – المسيح يرسل معزياً آخر ليمكث معهم: هذه هي ميزة المزايا, فهي أس كل المزايا التي يتمتع بها التلاميذ بعد صعود سيدهم عنهم. في هذه الأعداد أبان المسيح لتلاميذه:
(1) الشرط الأدبي لخطواتهم بهذا المعزي الآخر: "إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي وأنا أطلب" (عدد 15). يتضمن هذا الشرط بذرة وثمرها, أما البذرة فهي محبة التلاميذ للمسيح, وأما الثمرة فهي حفظهم وصاياه. أو قل أن هذا الشرط يتضمن أساساً هو المحبة, والبناء هو الطاعة, وعلى هذا الأساس بني الكلام في عدد 17. إن الوصايا التي يطالبهم المسيح بحفظها هي التزامات المحبة التي وضعها المسيح عليهم مدة اتباعهم إياه, وبخاصة في هذه الليلة الأخيرة. وبما أنها التزامات,فلا يستطيعون القيام بها إلا بقوة المحبة التي أفاضها السيد عليهم, فجاءت محبتهم له صدى صوت محبته لهم, ولا فضل لهم. لأن الفضل للمتقدم. لقد أحبنا هو حتى الموت, أفكثير علينا إذا نحن أحببناه حتى الحياة؟!
ليس في قول المسيح لهم "إن كنتم تحبونني ...." إنكار لمحبتهم له, ولا إظهار لتشككه في هذه المحبة, بل حض على المزيد منها. زكما سبق فحضهم على المزيد من الإيمان به (عدد 1), استحثهم هنا على المزيد من المحبة له.
وَصَايَايَ 16وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ
وقد كرر المسيح هذا القول – ولكن بصورة أخرى – في عدد 21. فالكلام في عدد 15 يبدأ بالبذرة ويصل منها إلى الثمرة – فالبذرة الحية تجود بثمر حتماً, والكلام في عدد 21 يتناول الثمرة ويرجع بها إلى البذرة – فالثمرة تنم عن البذرة: "من ثمارهم تعرفونهم".
عدد 16. (2) العلة الفعالة لخطوة التلاميذ بالمعزي الآخر – شفاعة المسيح. "وأنا أطلب من الآب" – هذا ركن من أركن شفاعة المسيح. وموضوع هذه الشفاعة: عطية الروح القدس للتلاميذ. على أن كلام المسيح في هذا العدد, لا يتعارض مع قوله في 16: 26 "في ذلك اليوم تطبون باسمي ولست أقول لكم إني أنا اسأل الآب من أجلكم". فالكلام هنا يشير على ما قبل يوم الخمسين. لكن الكلام في 16: 26 يشير إلى ما بعد يوم الخمسين حين يكون الروح القدس قد حل بملء في التلاميذ ليمكث فيهم إلى الأبد. فلا يبقى بعد مجال لأن يتشفع المسيح عن التلاميذ بشأن عطية الروح القدس لهم.
(3) أوصاف المعزي الآخر. في عددي 16 و17 وصفه المسيح وصفاً سداسياً – أ – في عمله: "معزياً" – الكلمة المترجمة "معز" وردت في الإنجيل خمس مرات – في أربع منها, قيلت عن الروح القدس (14: 16 و26 و15: 26 و16: 7) وفي الخامسة عن المسيح(1 يوحنا 2: 1). الكلمة الأصلية "باركليتوس" تتضمن ثلاثة معان: "المستعان" و"المعزي" و"الوكيل" - في القضاء - أو الأفوكاتو. وليس فيها على الإطلاق شيء من
لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ
معنى الحمد. نقول هذا بمناسبة زعم بعضهم أن المسيح إنما أنبأ في هذه الآية بمجيء نبي العرب, مرتكنين فعلاً إلى ما جاء في سورة الصف آية 6 "ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد". ورداً على هذا نكتفي بإيراد حجتين – أولاهما: أن الأوصاف المنسوبة إلى المعزي في يزحنا 14: 16 و17, تتناقض كلياً والأوصاف المعروفة عن نبي العرب في: (1) أن المعزي روح لا يراه العالم ولا يعرفه وأما نبي العرب هو إنسان رآه العالم وعرفه. (2) أن المعزي يمكث بشخصه مع المؤمنين, على الأبد, وأما نبي العرب فقد مات, وقبره معروف أمره, وإليه يحج كثيرون من أتباعه في كل عام مرة. (3) أن المعزي أرسل إلى تلاميذ المسيح وهم يهود جنساً وأما نبي العرب فقد جاء إلى العرب. (4) أن الغاية القصوى من رسالة الروح هي تبكيت العالم عن خطية عدم الإيمان بالمسيح (يوحنا 16: 9), والشهادة للاهوت على محاولة هدم لاهوت المسيح.
والحجة الثانية هي: أن معنى الكلمة الأصلية المترجمة "المعزي" ينقض هذا الرأي من أساسه. ذلك لأن معناه الأساسي: "الوكيل". وواضح من سورة الإسراء آية 54, أن نبي العرب ليس بالوكيلً: "وما أرسلناك عليهم وكيلاً", كما أنه يتضح جلياً من سورة النساء آية 80, أن الله وحده هو الوكيل: "وكفى بالله وكيلاً", وبما أن كلمة "الوكيل" قد نسبت في الإنجيل إلى الروح القدس, وإلى المسيح (1 يوحنا 2: 1), فهذه شهادة ضمنية من القرآن للاهوت المسيح.
إِلَى الأَبَدِ 17رُوحُ الْحَقِّ
وفوق هذا, فإننا نهمس في آذان أخوتنا الذين يزعمون هذا الزعم, مسرين إليهم بأن حسبانهم ما جاء في الإنجيل عن "المعزي" منطبقاً على نبيهم, يعتبر اعترافاً ضمنياً منهم بأن نبيهم هو رسول المسيح. لأن المسيح يقول فيه "ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم" (يوحنا 15: 20), فينتج عن هذا أن المسيح هو الله, الذي يرسل الأنبياء والمرسلين.
ولنعد الآن إلى الوصف الثاني الذي به وصف المسيح المعزي: (ب) في أقنومية: "آخر" – فالمسيح هو المعزي الأول الذي مكث مع التلاميذ بالجسد مدة خدمته على الأرض (لوقا 2: 25). هذا دليل على أن الروح القدس أقنوم([1]) ذاتي لا مجرد تأثير. فهو الأقنوم الثالث في اللاهوت القائم مقام المسيح في الكنيسة, بعد صعوده. (ج) في مدة عمله: "ليمكث معكم إلى الأبد" – على خلاف مدة إقامة المسيح معهم بالجسد. فإنها كانت قصيرة. وأما إقامته معهم بالروح, فإلى جيل الأجيال (متى 28: 20). هذه الإقامة الروحية, تمت للتلاميذ, وتتم للكنيسة بواسطة الروح القدس.
عدد 17. (د) في لقبه, وطبيعته, ومصدره – "روح الحق" – أي الروح الذي يبلغ الحق إلى روح الإنسان, ويرشد إلى الحق (15: 26 و26: 13 و1 يو 4: 6) – مقابل روح الضلال الذي يبث الضلال في الأذهان والقلوب. ويراد أيضاً بـ"روح الحق", روح المسيح الذي هو"الحق" (14:
الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ. 18لاَ أَتْرُكُكُمْ يَتَامَى.
6), فكلمة: "الحق" تصف الروح في طبيعته, وفي مصدره (هـ) في موقف العالم إزاءه – الذين هم في الضلال: "الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه". بما أن العالم مشبع بروح الضلال فمن الطبيعي أن لا يقبل روح "الحق". ولأنه مغلوب بالمادة, فقد عميت عيناه عن أن يرى "روح" الحق. ولأنه "قد وضع في الشرير", فلا يقدر أن يعرف "روح الحق". يراد "بالعالم" الناس الذين باعوا أنفسهم للعالم, وتشبعوا من روحه, فصاروا ماديين أو طبيعيين (1 كو 2: 14 و1: 21 و2 كو 4: 4). من أجل ذلك "لا يستطيع العالم أن يقبل" الروح القدس – قبول الإيمان (1: 11 و12) "لأنه لا يراه" – لأن البصيرة الروحية منعدمة فيه. "ولا يعرفه" – معرفة التمييز, والتحقق, والاختبار. (و) في موقف التلاميذ تجاهه – الذين هم في النور: "وأما أنتم فتعرفونه" – مذ أن عرفتموني فعرفتموه من كلامي, وأعمالي, واختبرتموه يوم ولدتم الولادة الجديدة (3: 5 و6). "لأنه ماكث معكم" – الآن, للعون والتعضيد. "ويكون فيكم" – بعد أن تمتلئوا به يوم الخمسين, للتقوية. والتعزية. قبل يوم الخمسين كان الروح مع التلاميذ ليسندهم, وبعد يوم الخمسين صار في التلاميذ نبع قوة فياض.
الميزة الثالثة: المسيح يأتي إلى التلاميذ بذاته: (14: 18 – 21).
عدد 18. (ا) وعد جليل – إتيان المسيح إلى التلاميذ: "لا أترككم.
إِنِّي آتِي إِلَيْكُمْ. 19بَعْدَ قَلِيلٍ لاَ يَرَانِي الْعَالَمُ أَيْضاً وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَرَوْنَنِي.
إني آتي". إن لهذا الوعد جانبين – أولهما سلبي: "لا أترككم يتامى". هذه كلمة والد يفيض قلبه حنواً على أولاده, قبيل تركه إياهم (13: 33). إن كلمة: "يتامى", لها وجهان أحدهما
مظلم – يصف حالة التلاميذ التاعسة بعد مبارحة المسيح لهم. والآخر منير – يرفع التلاميذ إلى مصاف الأبناء. أما الجانب الثاني من هذا الوعد فهو إيجابي: "إني آتي إليكم". في اعتقادنا أن هذا الوعد منصرف إلى مجيء المسيح إلى تلاميذه بالروح القدس يوم الخمسين. على أن بعض المفسرين يميلون إلى الاعتقاد بأن هذا المجيء تم تدريجياً على دفعات, كما في 14: 3. فاطلب شرحه في موضعه. ومع أن الروح القدس معز آخر, إلا أن مجيئه إلى التلاميذ, يعتبر مجيئاً روحياً للمسيح بذاته. هذا وان مجيء المسيح روحياً لا يمنع كونه مجيئاً ذاتياً أيضاً, لأن "الرب (لمسيح) هو الروح" (2 كورنثوس 3: 1). وهذا لا يمنع كون المسيح أقنوماً, والروح القدس أقنوماً آخر, حال كونه أيضاً "روح المسيح".
عدد 19. (ب) امتياز خاص – غروب شمس المسيح عن العالم, وشروقها على التلاميذ: "بعد قليل" - هذا القليل ينقص عن يوم. لأن المسيح قال هذا الكلام ليلة النهار الذي رفع فيه على الصليب, ومن ثم رفع إلى المجد. "لا يراني العالم أيضاً وأما أنتم فترونني". إن هذا الوعد الجليل, الذي حرم منه العالم, قد تم للتلاميذ, على صورة جزئية ابتدائية يوم قيامة المسيح من الأموات, حين ظهر لخاصته – دون العالم. وقد تم أيضاً على
إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ. 20فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا فِي أَبِي
صورة أبقى وأوفى, يوم الخمسين, حين رأى التلاميذ سيدهم بعيون الإيمان. هذا اليوم الثاني هو المقصود بقوله: "في ذلك اليوم".
إن المسيح الممجد, والآتي إلى تلاميذه سيكون لهم أيضاً مصدر قوة وحياة: "إني أنا حي فأنتم ستحيون". من المهم أن نلاحظ الفرق بين الكلمة التي قالها المسيح عن نفسه: "أنا حي", وتلك التي عبر بها عن اختبار التلاميذ: "ستحيون". فالمسيح "حي" في الماضي, والحال, والاستقبال. فالموت الذي اعترى جسده, لم يجد إلى إماتته سبيلاً, ولكن التلاميذ سيتمتعون بفيض الحياة الروحية عندما يمتلئون من روح المسيح. إن كون المسيح حياً, مكن التلاميذ من رؤيته. ورؤية التلاميذ إياه, بعثت في نفوسهم الحياة.
إن حياة المسيح ضمان لحياة المؤمنين, فهي عربونها. وإن حياة التلاميذ مستمدة من حياة المسيح, فهي ثمرتها.
عدد 2. (ج) علم يقيني – النور الذي سيصيبهم من إشراق المسيح عليهم: "في
ذلك اليوم" – يوم الخمسين حين يأتي إليهم المسيح بروحه الأقدس متمماً ما وعدهم به في عدد 18, "تعلمون" – علم اليقين والاختبار لا بسمع الأذان (قابل هذا بما جاء في 16: 25). هذا العلم مثلث: (1) علمهم بأن المسيح في الآب: "أني أنا في أبي" – أي أن المسيح يحيا في الآب. ويتكلم باسمه و يعمل بسلطانه. فهو متحد وإياه اتحاداً حيوياً (10: 38). (2) علمهم بأنهم هم في المسيح: "وأنتم في" – أي
وَأَنْتُمْ فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ. 21اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي
أنهم أحياء في المسيح, ومتحدون به, وثابتون يه. هذا أكبر ضمان لأمنهم, ومصدر قداستهم, وأساس قبولهم لدى الآب. (3) علمهم بأن المسيح فيهم: "وأنا فيكم" – ومورد شجاعتهم, وضمان نجاحهم. هذه بعض "عظائم الله" التي تكلم بها بطرس يوم الخمسين (أعمال 2: 11). (قابل هذا بما جاء في يوحنا 17: 21 و23 و1 يو 3: 24).
عدد 21. (د) شرط تمتعهم بإشراق المسيح عليهم: "الذي عنده وصاياي ...". إن الكلمة المركزية في هذه الآية هي "يحبني". ومن هذه الكلمة يمتد الجزء الأول من هذه الآية, ويتفرع الجزء الثاني. فالجزء الأول خاص بعلامة المحبة أو برهانها: "الذي عنده وصاياي ويحفظها". والجزء الثاني متعلق بمكافأة المحبة المطيعة: "يحبه أبي. وأحبه أنا. وأظهر له ذاتي". أما الجزء الأول فقد سبق المسيح وصرح به في عدد 15 – ولكن بصيغة أخرى. في عدد 15, أبان لهم أن حفظهم وصاياه شرط لازم لطلبه الروح القدس ليمكث معهم, وفي عدد 21 أوضح لهم أن حفظهم وصاياه شرط لازم لإظهاره ذاته لهم. بإرساله الروح القدس إليهم. "الذي عنده وصاياي" – كذخر في أعماق نفسه, "ويحفظها" – عملياً كنبراس لحياته
فقد برهن بذلك على أنه يحبني. هذا برهان محبة التلميذ للمسيح.
أما مكافأة محبة التلميذ للمسيح, فهي مثلثة: (1) إنها تجعله موضوع
يُحِبُّنِي وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي وَأَنَا أُحِبُّهُ وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي».22قَالَ لَهُ
محبة الآب الخاصة: "يحبه أبي". بما أن المسيح, هو موضوع مسرة الآب, فكل من يحفظ وصاياه, يصير موضوع محبة الآب الممتازة, وهي غير تلك المحبة العامة المذكورة في 3: 16 "هكذا أحب الله العالم". تلك تمثل بمحبة جار لجاره الذي اعتدى عليه وأساء له. وأما هذه فهي محبة الأب لأبناء بيته. تلك عامة. وهذه خاصة. (2) إنها تصيره موضوع محبة المسيح الممتازة: "وأحبه أنا". ن المحبة الممتاز التي يختص الله بها حافظي وصايا المسيح, تربط المسيح وإياهم برابطة قوية متينة, وتزيد حب المسيح لهم بعد إذ صاروا موضوع عناية الآب الخاصة.
من النتيجتين السابقتين اللتين تكافأ بهما محبة التلميذ للمسيح, تتفرع نتيجة ثالثة, وهي: (3) إظهار المسيح ذاته لتلميذه. من أجل ذلك يستطيع التلميذ أن يرى المسيح ويعرفه, في الوقت الذي لا يستطيع العالم أن يراه فيه. هذا هو التجلي الروحي الذي لم يفهمه "يهوذا الاسخريوطي" فسأل وتساءل. وعلى الرغم من سؤال يهوذا وغيره, لم يتحول المسيح عن قصده الذي رسمه في هذا الخطاب الوداعي, ب اتخذ من كل سؤال أداة لمتابعة كلامه, فكان كربان سفينة ماهر اقتاد سفينته من غير أن تؤثر في اتجاهها التيارات المعاكسة, بل استعانت بهذه التيارات على بلوغ غرضه.
المحادثة الرابعة – بين المسيح ويهوذا الاسخريوطي" المعلنات المسيحية: شرطها, وأستاذها, وأسلوب أستاذها في التعليم: (14: 22 – 26).
عدد 22. (ا) سؤال يهوذا ليس الاسخريوطي: "قال له يهوذا
يَهُوذَا لَيْسَ الإِسْخَرْيُوطِيَّ: «يَا سَيِّدُ مَاذَا حَدَثَ حَتَّى إِنَّكَ مُزْمِعٌ أَنْ تُظْهِرَ ذَاتَكَ لَنَا
ليس الاسخريوطي". عرف هذا التلميذ باسمه "يهوذا" في هذه البشارة وفي كتابات لوقا (لوقا 6: 16 وأعمال 1: 13). وعرف بلقبيه: لباوس وتداوس – أي الشجاع والمعزز – في كتابات متى (مت 10: 3). ومرقس (مر 3: 18). ولقد حرص يوحنا على أن يحفظ لهذا الاسم – ومعناه المحمود – نقاوته التي دنسها الاسخريوطي بفعلته الشنعاء, فقال البشير: "يهوذا ليس الاسخريوطي". ولعله ذكر هذه العبارة ليبعد عن فكر القارئ احتمال عودة الاسخريوطي إلى زمرة التلاميذ بعد أن خرج "وكان ليلاً" (13: 30). وربما أورد البشير هذه العبارة, لأن يهوذا الاسخريوطي كان اكثر شهرة من يهوذا الآخر – للأسف! وهكذا يشتهر الناس بأعمالهم البارزة, إن في قائمة الخير أو الشر. أما الذين لا يتحمسون لا لهذا ولا لذاك, فهؤلاء يصيرون نسياً منسياً.
لقد دل سؤال هذا اليهوذا الغير الاسخريوطي على ما كان في قلبه من انتظارات خاطئة من جهة "مسيا المنتظر". فقد كان يتوقع مع كثيرين غيره من التلاميذ, أن المسيح سيظهر ذاته لخاصته وللعالم معاً, بأن يقيم نسه ملكاً أرضياً, سياسياً, مادياً. وإذ سمع يهوذا قول المسيح: "بعد قليل لا يراني العالم. وأما أنتم فترونني"..."والذي يحبني أظهر له ذاتي" 14: 19 و21), شعر كأن آماله وانتظاراته في المسيح قد خابت, وأحس أن برنامج المسيح قد تغير فجأة لسبب ما, فأراد أن يسأل عن هذا السبب
وَلَيْسَ لِلْعَالَمِ؟» 23أَجَابَ يَسُوعُ: «إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كلاَمِي وَيُحِبُّهُ أَبِي وَإِلَيْهِ نَأْتِي
قائلاً: "ماذا حدث حتى أنك مزمع أن تظهر ذاتك لنا" – وحدنا – "وليس للعالم"؟ كان سؤال يهوذا مؤلفاً من شطرين: أحدهما اختصاص المسيح تلاميذه بهذا الإعلان الممتاز. وثانيهما حرمان العالم منه. على أن يهوذا, بدلاًً من أن يشكر سيده على امتياز نعمته, لوى عنقه سائلاً: "ماذا حدث؟!" وكذلك الإنسان بوجه عام!
عدد 23 و24. (ب) جواب المسيح "أجاب يسوع وقال له ....". في جواب المسيح على سؤال يهوذا, واصل كلامه الذي انتهى إليه قبل أن يسأل يهوذا سؤاله, فكرر في عدد 23 الشرط الذي وضعه في عدد 21 – يكاد هذا خير جواب على الشطر الأول من سؤال يهوذا "ماذا حدث حتى ..؟. تظهر ذاتك لنا؟. وفي عدد 24 قرر بصيغة سلبية ما سبق فصرح به في عدد 23 بصورة إيجابية – هذا جوابه على الشطر الثاني من سؤال يهوذا: "وليس للعالم؟".
عدد 23 شرط التمتع بالمعلنات المسيحية: "إن أحبني أحد يحفظ كلامي, هذا هو الشرط الذي تفرضه محبة التلميذ لسيده. حفظ كلام المسيح في أعماق القلب, لا في الذاكرة على ظهر القلب. على أن محبة التلميذ لسيده, وإن كانت تفرض شيئاً على التلميذ, فإنها تجلب له مكافآت وامتيازات. فمنها: (1) محبة الآب له: "يحبه أبي". راجع عدد 21. (2) إتيان الابن والآب إليه: "وإليه نأتي". إن في قول المسيح عن نفسه وعن الآب "نأتي" لأكبر دليل على لاهوت المسيح. (قابل هذا مع 10:
وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً. 24اَلَّذِي لاَ يُحِبُّنِي لاَ يَحْفَظُ كلاَمِي. وَالْكلاَمُ الَّذِي تَسْمَعُونَهُ لَيْسَ لِي بَلْ لِلآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي. 25بِهَذَا كَلَّمْتُكُمْ
30 و20: 17). (3) سكن الابن والآب مع التلميذ المحب المطيع, سكناً دائماً: "وعنده نصنع منزلاً". هذا يماثله كلام المسيح في لوقا 17: 2 "ها ملكوت الله داخلكم", وعلى نسق قوله في رؤيا 3: 20 "إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي". إن قول المسيح "نصنع منزلاً", يعيد إلى ذاكرتنا كلامه في غرة هذا الأصحاح: "في بيت أبي منازل كثيرة" (14: 2). هنا على هذه الأرض, يصنع الله "منزلاً" عند المؤمنين ويسكن معهم. في السماء, يسكن المؤمنون مع الله في "المنازل" السماوية. فالحل الأولى إعدادية للثانية, وفي كلتيهما تنازل من الله ومجد للمؤمنين. (لمزيد الإيضاح, راجع تفسير 1: 14).
عدد 24. علة حرمان العالم من المعلنات المسيحية, ومسئوليته. أما علة الحرمان فهي: "الذي ر يحبني لا يحفظ كلامي". لأنه لا يستطيع, ولا يريد. ذلك لأنه في واد ووصايا المسيح في واد آخر. أما مسؤولية العالم في عدم حظ كلام المسيح, فهي: أن كلام المسيح ليس من عندياته, وإنما هو كلام الآب الذي أرسله. "والكلام الذي تسمعونه" – الآن وفي كل المناسبات السابقة – ليس لي" أي لم ابتدعه أنا من ذاتي – "بل للآب الذي أرسلني".
عدد 25 و26. المعلنات المسيحية – أستاذها وأسلوبه في التعليم: في عدد 25, قرر المسيح لتلاميذه أنه في الوقت الحاضر, كلمهم هو بشخصه: "بهذا كلمتكم وأنا عندكم", وفي عدد 26, أبان لهم أن "المعزي" سيكون
وَأَنَا عِنْدَكُمْ. 26وَأَمَّا الْمُعَزِّي الرُّوحُ الْقُدُسُ الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ
العامل في هذه المعلنات في المستقبل. فالمسيح تكلم في الحال, والمعزي سيعلم ويذكر في الاستقبال. المسيح تكلم "بهذا" أي بكلمات مركزة قد لا تكون مفهومة تماماً, لكن الروح القدس سيعلمهم "كل شيء" ويذكرهم بكل ما قاله لهم.
على أن المعزي ليس منفصلاً عن المسيح بل متحداً به اتحاداً وثيقاً:
(1) في شخصه لأنه سيأتيهم مرسلاً من الآب "باسم المسيح". فكما أن المسيح متحداً اتحاداً تاماً بالآب, وجاء باسمه (5: 43 و10: 25), هكذا المعزي متحداً اتحاداً تاماً بالمسيح وسيأتي باسمه. إن مهمة المسيح هي إظهار الآب للناس. ومهمة المعزي هي إظهار المسيح للكنيسة وللعالم. ويراد بـ"اسم" المسيح: - ذاته, ومقامه, وصفاته, وكل ما يتصل بهذا الاسم المبارك, من سلطان وأعمال. ويجوز أن يكون معنى كلمة بـ"اسمي" أن الآب سيرسل الروح القدس إجابة لشفاعة المسيح (عدد 16).
أما اسم المعزي فقد ذكره المسيح كاملاً في هذه الآية: "الروح القدس". كلمة "القدس" تصف طبيعة الروح, وتعين نوع عمله – فهو مقدس الكنيسة ومهيأ إياها للمسيح. هذه هي المرة الوحيدة التي ورد فيها هذا الاسم كاملاً في هذه البشارة. وقد ورد في مواضيع عدة في سائر البشائر (مت 12: 32 ومر 3: 29 ولوقا 12: 10 و12 ومر 13: 11 ومت 28: 19).
(2) في أسلوبه: "فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته
وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ.27«سلاَماً
لكم". مع أنه يظهر كأن عمل الروح القدس أوسع من عمل المسيح, إذ قيل "يعلمكم كل شيء", إلا أن الروح, في الواقع, لا يأتيهم بشيء لم يكن موجوداً, بل يعلمهم كل شيء عن طريق تذكيره إياهم بكل ما قاله لهم المسيح. إن عماد أسلوبه, هو الاكتشاف, وليس الاختراع. فالتعليم والتذكير يسيران معاً ويغذي أحدهما الآخر, لأنه إذ يعلمهم ويذكرهم, وكلما ذكروا, ازدادوا علماً.
إن كلام المسيح لهم شبيه بالبذار, لكن تعليم الروح لهم, شبيه بتغذية هذه البذار, وإنمائها حتى تستحيل إلى ثمار.
عدد 27 – 31. كلمة ختامية للشطر الأول من الخطاب الوداعي – سلام المسيح في وجه العواصف والمهاجمات (14: 27 – 31).
عدد 27. سلاماً! – بهذه الكلمة تستهل التحية, ويختتم الوداع. على أنها في فم المسيح أضحت أكثر من تحية وأجمل من وداع, فاستحالت إلى بركة, وتركة, وعطية: "سلاماً أترك لكم. سلامي أعطيكم". في عددي 25 و26 قدم المسيح لتلاميذه نوراً جلا به ما غمض عليهم من كلامه, وفي الأعداد التي أمامنا أخلف لهم تركة مجيدة, ومنحهم منحة خالدة, لمواجهة العواصف التي تصادمهم, والصعاب التي تصادفهم في مستقبل الأيام.
السلام خير ميثاق عقده الله قديماً مع فينحاس ونسله من بعده: "هاأنذا أعطيه ميثاقي, ميثاق السلام" (عدد 25: 12). وهو خير ما ترك المسيح لتلاميذه وكنيسته. قال ماثيو هنري: "قبل أن يغادر المسيح هذا العالم, رتب
أَتْرُكُ لَكُمْ. سلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا.
وصيته. فترك روحه للآب, وجسده ليوسف الرامي ونيقوديموس. وثيابه للجنود الذين صلبوه. وأمه ليوحنا الحبيب, وأما التلاميذ, فلم يترك لهم ذهباً ولا فضة, وإنما ترك لهم ما هو أثمن وأنقى وأبقى – إذ ترك لهم سلامه".
السلام هو اطمئنان القلب, على رغم ما يحيط به من عوامل القلق. أساس هذا السلام, المصالحة مع الله. وشعاره التسامح مع الناس. ورمزه, راحة الضمير. هذا هو السلام الذي اشتراه لنا المسيح بموته على الصليب, إذ صالحنا مع الله, ووضع لنا المثل الأعلى في التسامح, ووهبنا راحة الضمير.
"سلاماً أترك لكم" – هذا هو السلام العام الذي أنتجته كفارة المسيح. "سلامي أعطيكم" – هذا هو السلام المشتق من قلب المسيح المطمئن الهادئ, وهو خير هدية منه للمؤمنين به. فهو هبة مستمدة من كنز قلبه الطاهر الصفوح. هنا أعطى المسيح سلامه لتلاميذه, وفي لوقا 10: 5 و6. قلد تلاميذه سلطان إعطاء السلام للناس.
"سلاماً أترك لكم سلامي أعطيكم" – وهل في قلب الحزن المخيم, وفي مواجهة الصليب, وأما العواصف المقبلة, يليق التحدث بالسلام؟ أي نعم! وإن لم يكن السلام ذلك, وجب أن يكون كذلك. هذا هو الفرق بين السلام الذي يهبه المسيح, والسلام الذي يعطيه العالم: "ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا". إن العالم يكتفي بأن "يلقى" السلام بكلمة جوفاء لا شيء فيها من الاطمئنان أو السلام. لكن المسيح يعطي السلام حقاً. العالم يعطي السلام
لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ. 28سَمِعْتُمْ أَنِّي قُلْتُ لَكُمْ أَنَا أَذْهَبُ ثُمَّ آتِي إِلَيْكُمْ. لَوْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي لَكُنْتُمْ تَفْرَحُونَ
- كمجرد أمنية. لكن المسيح يهب سلامته لتلاميذه هبة أكيدة. العالم يعطي سلاماً ظاهرياً, بمحاولته أن يحسن الظروف المحيطة بالإنسان – وهيهات! لكن المسيح بعطي سلاماً عميقاً قلبياً وسط كل انزعاج واضطراب, كالواحة في قلب الصحراء القاحلة الجرداء. ومن المهم أن نذكر أن للمسيح سلاماً يعطيه – فهو إذاً يعطي مما يملك: "سلامي". وأما العالم فلا سلام له. فهو يحاول أن يعطي مما لا يملك. فالسلام محذوف من عطية العالم: "سلامي أعطيكم ليس كما يعطي العالم". فأي شيء يعطيه العالم؟ إنه يعطي الصدفة من غير اللؤلؤة. والقشور مجردة من اللب. والمصباح خالياً من النور. أما المسيح, فانه يعطي النبع الفياض وسط الصخور والأحجار. لذلك أردف كلامه بالقول: "لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب". فردد النغمة التي بها استهل هذا الأصحاح, مؤكداً ومقرراً: "لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب" فالرهبة وليدة الاضطراب. أما سبب عدم اضطرابهم وعدم رهبتهم, فقد أوضحه المسيح في العددين التاليين:
عدد 28 و29. انطلاق المسيح عن التلاميذ, ينبغي أن يكون موضوع فرحهم, وعزاء إيمانهم: "... لكنتم تفرحون .. وتؤمنون". لم يكتف المسيح بأن أوصى تلاميذه بعدم الاضطراب, وعدم الرهبة, بل انتظر منهم فرحاً إيجابياً, وإيماناً قوياً: "لكنتم تفرحون .. حتى متى كان تؤمنون". "سمعتم إني قلت لكم أنا أذهب ثم آتي إليكم" – (عدد 2 و12
لأَنِّي قُلْتُ أَمْضِي إِلَى الآبِ لأَنَّ أَبِي أَعْظَمُ مِنِّي. 29وَقُلْتُ لَكُمُ الآنَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ حَتَّى مَتَى كَانَ تُؤْمِنُونَ. 30لاَ أَتَكَلَّمُ أَيْضاً مَعَكُمْ كَثِيراً لأَنَّ رَئِيسَ هَذَا الْعَالَمِ يَأْتِي
و18) - "لو كنتم تحبونني" - محب مجردة من حب ذواتكم. على مثال محبتي لكم - "لكنتم تفرحون" – لأجلي, ولأجل أنفسكم بالتالي - "لأني قلت أمضي إلى الآب. لأن أبي أعظم مني". ليست المقارنة هنا بين الآب والابن في الطبيعة, فهما فيها متساويان, ولا في الجوهر فان لهما جوهراً واحداً, ولا في المقام فمقامهما واحد. لكنه قارن بين ذاته في حال الاتضاع والتجسد, وبين الآب في مجده الأعلى. أو قل إن المقارنة قائمة بين المسيح في حال اتضاعه وبينه هو نفسه في حال الارتفاع والمجد, لأن الابن ذاته سيعود إلى الآب ليتمتع بالمجد الذي أخلى نفسه منه عند التجسد, ويسترد السلطان الذي تنحى عنه طوعاً واختياراً, أثناء وجوده على الأرض. من أجل ذلك رغب المسيح إلى تلاميذه أن يجعلوا عودته إلى المجد موضوع فرحهم, وغذاء إيمانهم (1: 1- 18).
عدد 30 و31. نظرة إلى قلب المسيح – برارته, ومحبته, وطاعته, وشهامته: "لا أتكلم أيضاً معكم كثيراً" – فالوقت ليس وقت الكلام, بل وقت الصراع الذي ينتظرني. غير أني لا أخشى هذا الصراع فأنا واثق من النصرة قبل دخولي المعمعة "لأن رئيس هذا العالم" – أي الشيطان – "يأتي وليس له في شيء". هذا دليل قويم على شعور المسيح ببرارته التامة وخلوه من كل شبه شر. وهل يجرؤ أقدس قديس على القول: "ليس له في شيء"؟!
وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ. 31وَلَكِنْ لِيَفْهَمَ الْعَالَمُ أَنِّي أُحِبُّ الآبَ وَكَمَا أَوْصَانِي الآبُ هَكَذَا أَفْعَلُ. قُومُوا نَنْطَلِقْ مِنْ هاهنا».
وهل يقوى المسيح نفسه على أن يقول هذا القول لو كان مجرد إنسان؟! "ليس له في شيء" – أي ليس له سلطان, ولا رياسة, ولا ملكية, لأي شيء في. ولو كان للشيطان أي شيء في المسيح, لكان له عليه حق الموت,وبهذا الحق كان يذهب المسيح إلى الصليب جبراً واضطراراً, لا طوعاً واختياراً "لأن أجرة الخطية هي الموت". أما وأن المسيح أبر من البر نفسه, فلم ذهب إلى الصليب إذاً؟ الجواب في هذه الكلمات: لكن ليفهم العالم أني أحب الآب, وكما أوصاني الآب هكذا أفعل".. إذاً رغبة المسيح في تفهيم العالم مقدار كمال محبته وولائه للآب, هي التي تقدمت به إلى الصليب. فليست حبال الجند الرومان, هي التي أوثقت يدي المسيح, بل هي حبال محبته للآب, وطاعته الكاملة له. إذ كان في إمكانه أن لا يصلب لو لم يرد!
أما شهامة المسيح فقد تجلت في قوله لتلاميذه "قوموا ننطلق من هنا" وهو عالم أنه منطلق لمواجهة يهوذا الخائن, ورؤساء الكهنة الأشرار, وبيلاطس المراوغ, وهيرودس اللاهي, والجنود القساة القلوب. على أنه لم يذكر شيئاً عن هؤلاء. إنما ذكر الشيطان. لأنهم كانوا آلات يحركها الشيطان.
"قوموا ننطلق من هنا" – لم يترك المسيح تلاميذه وحدهم, بل ذهب وإياهم – ما خلا يهوذا – إلى وادي قدرون – وإلى جثسيماني, ومنها ذهب وحيداً إلى الجلجثة – وإلى القبر – وإلى المجد!.
(1) كلمة "أقنوم" سريانية الأصل: "قناماً" ومعناها شخص أو ذات.
- عدد الزيارات: 5497