الدرس الثاني عشر
"1فَمَاذَا نَقُولُ؟ أَنَبْقَى فِي الْخَطِيَّةِ لِكَيْ تَكْثُرَ النِّعْمَةُ؟ 2حَاشَا! نَحْنُ الَّذِينَ مُتْنَا عَنِ الْخَطِيَّةِ كَيْفَ نَعِيشُ بَعْدُ فِيهَا؟ 3أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ 4فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ بِمَجْدِ الآبِ هَكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضاً فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ. 5لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ نَصِيرُ أَيْضاً بِقِيَامَتِهِ. 6عَالِمِينَ هَذَا: أَنَّ إنساننَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضاً لِلْخَطِيَّةِ. 7لأَنَّ الَّذِي مَاتَ قَدْ تَبَرَّأَ مِنَ الْخَطِيَّةِ. 8فَإِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَ الْمَسِيحِ نُؤْمِنُ أَنَّنَا سَنَحْيَا أَيْضاً مَعَهُ. 9عَالِمِينَ أَنَّ الْمَسِيحَ بَعْدَمَا أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ لاَ يَمُوتُ أَيْضاً. لاَ يَسُودُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَعْدُ. 10لأَنَّ الْمَوْتَ الَّذِي مَاتَهُ قَدْ مَاتَهُ لِلْخَطِيَّةِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْحَيَاةُ الَّتِي يَحْيَاهَا فَيَحْيَاهَا لِلَّهِ. 11كَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضاً احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتاً عَنِ الْخَطِيَّةِ وَلَكِنْ أَحْيَاءً لِلَّهِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا. 12إِذاً لاَ تَمْلِكَنَّ الْخَطِيَّةُ فِي جَسَدِكُمُ الْمَائِتِ لِكَيْ تُطِيعُوهَا فِي شَهَوَاتِهِ 13وَلاَ تُقَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ إِثْمٍ لِلْخَطِيَّةِ بَلْ قَدِّمُوا ذَوَاتِكُمْ لِلَّهِ كَأَحْيَاءٍ مِنَ الأَمْوَاتِ وَأَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ بِرٍّ لِلَّهِ. 14فَإِنَّ الْخَطِيَّةَ لَنْ تَسُودَكُمْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ تَحْتَ النَّامُوسِ بَلْ تَحْتَ النِّعْمَةِ" (رومية 6: 1-14).
ليست هناك من عقيدة إلا ويمكن لها أن تتغير متى أساء الناس فهمها، بغض النظر عن كونهم محبّذين لها أو معارضين لها من البداية. وهكذا نجد أن عقيدة التبرير بالإيمان بدون أعمال الناموس قد أسيء فهمها من قبل العديد من الناس وكذلك حرفت من قبل بعض الغيورين المتحمسين الذين ينقادون للعواطف البشرية الرجراجة ولا يهتمون بالخضوع دوما لكلمة الله ولتعاليمها المتوازنة.
كان الرسول بولس قد علّمنا في مجرى بحثه لعقيدة التبرير بالإيمان أن الناموس دخل لكي تكثر الخطية ولكن حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدا. وكان يشير في تلك الكلمات إلى دخول الشريعة المكتوبة أو ناموس موسى إلى العالم. كان العالم يتعدى على شريعة الله المنقوشة على القلب ولكن الخطية ازدادت إلى هكذا درجة حتى أن الناس لم يعودوا يعرفون مقدار ضلالهم ولا فظاعة شرورهم. ولما أعطى الله شريعته بواسطة عبده موسى فإن ذلك الوحي لم يكن قادراً على إصلاح حالة البشرية الساقطة، بل على العكس أظهرت الشريعة المكتوبة مقدار ابتعاد الناس عن الله وكذلك أضرمت ناراً شديدة في قلوب الناس لأنهم متى عرفوا محتويات الشريعة لم يعملوا على التقيّد بها بل ازدادوا شروراً وخطية. لكن نعمة أو عطية الله الخلاصية كانت أقوى من الخطية بكثير حيث أنها لما ظهرت في عمل يسوع الفدائي كانت كافية للقضاء على الخطية وعلى سائر نتائجها الوخيمة.
وهنا قد يعترض أحدهم على بولس قائلاً: إن العقيدة التي تدافع عنها والتي تنشرها في رحلاتك التبشيرية هي عقيدة خطرة ومضرة بالحياة الأخلاقية. إن الخطر يكمن في تعليمك بأن النعمة ازدادت جداً حيث كثرت الخطية، إذ قد يؤول تعليمك إلى البقاء في الخطية لكي تكثر النعمة. هذا اعتراض خطير للغاية وجواب الرسول عليه هو: حاشا. نحن الذين متنا عن الخطية كيف نعيش بعد فيها؟
الإنجيل الذي نادى به الرسول والذي يعلّم بأن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس يعلّم أيضاً بأن المؤمن بيسوع المسيح يتّحد مع مخلصه بشكل يختبر ضمن حياته عمل يسوع الفدائي على الصليب. وهذا أمر هام للغاية يجب ألا ننساه وهو أن التبرير أمام المحكمة الإلهية لا يحدث بمفرده بل إن الله يقوم بتنفيذ بقية نقاط التدبير الخلاصي الذي أعده منذ الأزل، ضمن حياة المؤمن. فانتقاد الرسول والعقيدة التي بشّر بها عن التبرير لا يحدث إلا متى عزلت هذه العقيدة بطريقة خاطئة عن بقية العقائد التي تعلمها الكلمة الإلهية.
1. لا يتخذ المؤمن بيسوع المسيح شعاراً لحياته الجديدة: لنبقَ في الخطية لكي تكثر النعمة. إنه عندما ينظر إلى حياته الماضية التي عاشها خارج نطاق نعمة الله الخلاصية يختبر قول الرسول في أنه لما كثرت الخطية في حياته إلى درجة أنه كان عبداً لها، أتى الله إلى نجدته بنعمته المخلّصة التي كانت أشد قوة من الخطية. لكن حياته الحاضرة والمستقبلة هي حياة جديدة غير خاضعة للخطية كما كانت حياته السابقة.
2. المعمودية المسيحية تعني أن الإنسان الذي أخذ رمز وختم التبرير قد شارك الرب يسوع المسيح في اختبارات الفداء التي جرت على الصليب حتى أنه يستطيع أن يقول بأنه دفن معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا يسلك في جدة الحياة. الإنسان العتيق أو الحياة الماضية التي عاشها الإنسان بدون معرفة الله معرفة حقيقية وبدون محبته ومحبة القريب، ذلك الإنسان إنما صلب أي مات لكي يبطل جسد الخطية. وبما أن ذلك قد جرى في حياة المؤمن فإنه أصبح حراً من طغيان وعبودية الخطية. هكذا إنسان متحرر لا يعيش في الخطية وإن كان عليه أن يستمر في محاربتها إلى أن ينال النصر النهائي لدى انتقاله من هذه الحياة الفانية إلى حياة النعيم الكاملة.
3. ليس المؤمن بيسوع المسيح وبعمله الفدائي على الصليب بالإنسان الذي يتّخذ عقيدة عقلية أو سطحية للسير عليها في حياته بل إنما هو الإنسان الذي يختبر واقعاً حقيقياً ضمن حياته والذي هو من عمل الله الذي لا يمكن إنكار وجوده. وهكذا فإن المؤمن الذي شعر بثمار التبرير في حياته هو في نفس الوقت الإنسان الذي يحسب نفسه مائتاً بالنسبة للخطية ولكن حياً لله بواسطة ربه ومخلصه يسوع المسيح. إنه لا يعترف بسلطان الخطية والشيطان على حياته لأن حياته القديمة قد ولّت وحياته الجديدة هي لله ولمجده تعالى ولخيره وسعادته الحقيقية.
4. لن تسود الخطية على من ذاق خلاص الرب. ولماذا؟ لأن المتبرر بإيمانه بيسوع لم يعد يعيش تحت نطاق أو سلطة الناموس بل ضمن نطاق النعمة، وهذه النعمة قد حررته من سلطة الخطية ومن الخوف الذي كان عالقاً به نظراً لعدم تمكّنه من القيام بجميع أوامر الناموس. هذا لا يعنى أن المؤمن يعيش بدون شريعة لأن ذلك غير ممكن ولكن المؤمن قد انتقل من حالته الأولى التي كانت مدانة من الناموس إلى حالته الجديدة التي تبررت بالإيمان.
- عدد الزيارات: 8174