الدرس الثالث عشر
"15فَمَاذَا إِذاً؟ أَنُخْطِئُ لأَنَّنَا لَسْنَا تَحْتَ النَّامُوسِ بَلْ تَحْتَ النِّعْمَةِ؟ حَاشَا! 16أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي تُقَدِّمُونَ ذَوَاتِكُمْ لَهُ عَبِيداً لِلطَّاعَةِ أَنْتُمْ عَبِيدٌ لِلَّذِي تُطِيعُونَهُ إِمَّا لِلْخَطِيَّةِ لِلْمَوْتِ أَوْ لِلطَّاعَةِ لِلْبِرِّ؟ 17فَشُكْراً لِلَّهِ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ عَبِيداً لِلْخَطِيَّةِ وَلَكِنَّكُمْ أَطَعْتُمْ مِنَ الْقَلْبِ صُورَةَ التَّعْلِيمِ الَّتِي تَسَلَّمْتُمُوهَا. 18وَإِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ صِرْتُمْ عَبِيداً لِلْبِرِّ. 19أَتَكَلَّمُ إنسانيّاً مِنْ أَجْلِ ضُعْفِ جَسَدِكُمْ. لأَنَّهُ كَمَا قَدَّمْتُمْ أَعْضَاءَكُمْ عَبِيداً لِلنَّجَاسَةِ وَالإِثْمِ لِلإِثْمِ هَكَذَا الآنَ قَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ عَبِيداً لِلْبِرِّ لِلْقَدَاسَةِ. 20لأَنَّكُمْ لَمَّا كُنْتُمْ عَبِيدَ الْخَطِيَّةِ كُنْتُمْ أَحْرَاراً مِنَ الْبِرِّ. 21فَأَيُّ ثَمَرٍ كَانَ لَكُمْ حِينَئِذٍ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي تَسْتَحُونَ بِهَا الآنَ؟ لأَنَّ نِهَايَةَ تِلْكَ الأُمُورِ هِيَ الْمَوْتُ. 22وَأَمَّا الآنَ إِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ وَصِرْتُمْ عَبِيداً لِلَّهِ فَلَكُمْ ثَمَرُكُمْ لِلْقَدَاسَةِ وَالنِّهَايَةُ حَيَاةٌ أبديةٌ. 23لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أبديةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا" (رومية 6: 15-23).
لا يزال الرسول بولس يعمل على تفسير الأمور المتعلقة بعقيدة الإنجيل الأساسية: أي التبرير بالإيمان. وقد تعلّمْنا في الدرس السابق أن هناك قوم يسيئون فهم هذه العقيدة ويعلنون بأنها ضارة بالحياة الأخلاقية. وقد أجاب الرسول على جميع الاعتراضات التي قد تصوب ضد التبرير بالإيمان بإفهامنا أن التبرير ليس عبارة عن أمر خارجي أو سطحي يحدث في مخيلة أو عقل الإنسان بل إنه واقع قلبي يجعل المؤمن متحداً مع ربّه يسوع المسيح ومشاركاً له في الموت والقيامة. المؤمن بيسوع يموت عن الخطية ويحيا لله، إن حياته الماضية قد ولّت وحياته الجديدة هي للمسيح وبالمسيح. وقد أنهى الرسول كلامه عن وحدة المؤمن مع مخلصه بالقول: فإن الخطية لن تسودكم لأنكم لستم تحت الناموس بل تحت النعمة. وهذا التعليم الرسولي يمكن أيضاً إساءة فهمه أو تحويره أو تحريفه من قبل الناس ولذلك فإن الرسول يبدأ بالسؤال "فَمَاذَا إِذاً؟ أَنُخْطِئُ لأَنَّنَا لَسْنَا تَحْتَ النَّامُوسِ بَلْ تَحْتَ النِّعْمَةِ؟ " هذا الموضوع حساس لدرجة كبيرة ولذلك يجدر بنا أن نكون على حذر كبير ونحن نبحث فيه. ما معنى كلمات تحت الناموس وتحت النعمة؟
كل إنسان هو تحت الناموس حسب طبيعته البشرية أي أن كل إنسان خاضع لناموس أو شريعة الله مثلما يخضع المواطن لشرائع وقوانين بلاده. وعندما نأتي إلى الناموس الإلهي فإننا نلاحظ أن الإنسان يتعدى على نصوصه بشكل مستديم. فالإنسان إذاً هو خاطيء وشريعة الله تدينه وتحكم عليه بالموت. ليس هناك أي خلل في الشريعة ولا يمكننا أن نلومها لكن الإنسان الخاطيء لا يجد حياته في الشريعة لأنها تحكم عليه ولا تساعده على الخلاص من دينونتها.
كيف يمكن للإنسان أن يخلص من دينونة الشريعة؟ جواب الرسول هو أن الله قد أعد تدبيراً فعّالاً للخلاص بإرسال ابنه إلى العالم للقيام بالنيابة عن الإنسان بجميع متطلبات الشريعة وللتكفير عن جميع خطايا الإنسان. ينال الإنسان فوائد عمل يسوع المسيح بالإيمان ويعده الله باراً. لم يستحق الإنسان الخلاص ولكن الله أعد ذلك لمحبته العظمى ووهب الإنسان الخلاص بصورة مجانية. هذا ما يدعوه الرسول بالنعمة. الإنسان الذي نال بره بالإيمان بيسوع المسيح يكون إذاً قد انتقل من الحياة تحت الناموس إلى الحياة تحت النعمة. هذا يعني أن الخالص لم يعد ملزماً على كسب الحياة الأبدية بالقيام بجميع أوامر الناموس – وهذا أمر مستحيل نظراً لسقوط الإنسان – بل إنه ينال الحياة كهبة مجانية بواسطة يسوع المسيح. لكن الإنسان الذي لم يؤمن بيسوع المسيح فهو لا يزال تحت الناموس أي أنه مرغم على القيام بجميع متطلبات الناموس لكسب الحياة الأبدية، ولكن بما أن هذا أمر مستحيل فإن هذا الإنسان هو تحت دينونة الناموس وليس أمامه سوى الموت الأبدي.
يمكننا الآن أن نأتي إلى البحث في علاقة المؤمن المتبرر بالناموس. إنه يعلم علم الأكيد أن خلاصه هو من نعمة الله المجانية وإنه ليس تحت الناموس ولكن هل يستنتج من ذلك بأنه يستطيع أن يتمادى في الخطية وأن ينجو من الدينونة لأنه ليس تحت الناموس بل تحت النعمة؟ كلا، إن المؤمن يقول مع الرسول بكل شـدة "حاشا". لماذا يستبعد المؤمن هكذا فكرة عن أفق تفكيره وحياته؟
ينظر المؤمن إلى الحياة بأسرها كعبودية أي أن الإنسان هو إما عبد للخطية أو للبر والقداسة. عندما كان المؤمن في حياته السابقة أي قبل أن ينال بره من المسيح كان عبداً للخطية ولكنه حالما آمن بيسوع المسيح تحرر من عبوديته للخطية وصار عبداً للمسيح. طبعاً هذا لا يعني أن الإنسان الذي نال بره من المسيح هو عبد بنفس الطريقة التي نتكلم بها عن عبودية الإنسان العائش في الخطية. إن عبد المسيح هو حر ينعم بكل امتيازات البنوة والملكوت ولكننا نتكلم عن علاقة المؤمن بيسوع لاجئين إلى مثل العبودية لفهم موضوعنا فقط ونظراً لضعفنا البشري.
هل يمكن للذي تحرر من الخطية أن يستمر في الخطية وفي عبوديتها؟ طبعاً هذا أمر مستحيل. فالإنسان هو في أحد حالتين: إما هو مستعبد للخطية أو للمسيح يسوع. وكما أن الإنسان قبل إيمانه بيسوع كان مستعبداً للخطية يقوم بجميع رغباتها وشهواتها النجسة، وكان بذلك غير مهتم بإرضاء الله، هكذا يصبح المؤمن مطيعاً لله وراغبا في القيام بجميع ما يطلبه منه.
ليس المؤمن تحت الناموس ولكنه لا يحيا بدون الناموس لأن الناموس يبقى دوما إعلان الإرادة الإلهية لحياة الإنسان ودستورها الذي يجب أن تسير عليه. لكن الناموس لم يعد يدين المؤمن لأن المؤمن نال بره من المسيح الذي قام بجميع متطلبات الناموس، وهكذا فإن المؤمن لا يسعى لكسب حياته الأبدية بواسطة الناموس بل إنما ينال ذلك كهبة مجانية من الله تعالى.
خلاصة الأمر أن الخطية تستعبد الإنسان وإذا لم يتخلص منها فإن نهايته الموت ولكن الله تعالى يهبنا الحياة الأبدية بالإيمان بيسوع المسيح مخلصنا الوحيد.
- عدد الزيارات: 6583