إعداد العدّة للنجاح - خطّط للعمل
خطّط للعمل
عندما يُعهد إليك القيام بمهمة ما يكون أول ما يجب عليك عمله هو أن تُمضي وقتاً لتكتشف بالضبط ماهية مهمتك الجديدة؟ دعني أقترح بأنها مبدئياً تنقسم إلى هدفين مختلفين ولكنهما مرتبطان. أحدهما أن تدمج من خلال العمل شيئاً يؤدي لتقدُّم قضية المسيح، والثاني هو أن تجعل كل عضو من أعضاء فريقك تصبح حياته أو حياتها متعمّقة في الرب وأن يكونوا فعلاً أعضاء مثمرين في كنيسة المسيح.
لنتناقش أولاً في كيفية بلوغ هدف تقدُّم قضية المسيح، وقد يتخذ شكل وضع الهدف لتبشير المنطقة التي توجد فيها كنيستك، وأن توصل نبذة توضح طريق الخلاص إلى كل بيت في المدينة. ثم أن تحوِّل هذا الهدف إلى وحدات عملية، وأن تجد الأشخاص ذوي الكفاءة لملء المراكز الهامّة. أعطهم الصلاحية لاتخاذ التدابير، على أن تشرف عليهم بدورك من وقت لآخر للتأكد من استمرارهم في العمل الرئيسي.
إننا في عملنا ننفِّذ مخططاً ذا أربع خطوات وهي تخطيط- تنظيم- قيادة- تقويم. وقد يبدو لكم ذلك جامداً آلياً إلاّ إذا نظرتم إليه بترتيب واقعيّ. لنفرض مثلاً أنه أحد أيام السبت قرر أحدكم مع فريق من الأخوة القيام بعملية تنظيف مبنى الكنيسة وما حولها. هذا هدفكم، واليوم هو يوم لطيف من أيام الربيع. وهناك الكثير مما يجب عمله بعد شتاءٍ قاسٍ.
قررتم اللقاء في التاسعة صباحاً والعمل حتى الظهر. كما طُلِبَ من أعضاء الفريق إحضار أمشاط ودِلاء ومماسح و فُرَش دهان ومكانس ومنافض وغير ذلك مما يستلزمه العمل.
ثم تجتمعون وتؤدون الصلاة وتسلمون عملكم لله. ثم تقسِّمون العمل على فِرَقْ. يوسف يأخذ شخصين ويبدأ العمل في المدخل، بينما يبدأ وليد وهاني بغسل الشبابيك. وتقوم أنت مع أربعة أشخاص بتنظيف الطابق الأرضي، وإضافة الدهان حيث يلزم.
ويأتي يوسف بعد ساعة ليقول أن العمل في المدخل يسير على ما يرام من تمشيط الأرض وتهذيب الشجيرات، ويفكّر أن كان يلزم الذهاب إلى المشتل لأخذ بعض شتلات الزهور وزرعها. وتذهب لترى ما يجري ويتضح لك في الحال أنهم لو بدأوا ذلك العمل الإضافي من زرع الأزهار فلن يتمكنوا من إنجاز العمل الأساسي عند الظهر. وعليه تقترح أن يبقوا في العمل الأساسي. ثم إذا ما أتمُّوه في وقت مناسب فلا بأس، إن سمح الوقت، من زرع بعض الشتلات. وبذا يُسَرّ يوسف ويعود إلى عمل التنظيف.
كما أن هناك طرقاً أخرى قد يخطر لك أن تتصرف بموجبها مع يوسف. أحدها أن تؤنبه على تحوّله وتقول له أن عليه إطاعة الأوامر والقيام بما أُسند إليه من عمل. لكن هذا قد يؤدي إلى نتيجتين: الأولى إبعاد العمل عن قلب يوسف. والثانية تجميد كل فكرة قد تبدو له في المستقبل. حين تكونون منهمكين في البحث عن طريقة تبشير في الجوار لا يعود يجد الجرأة للتكلم خشية أن يُجابَه برفضٍ قاسٍ.
وفي الساعة 11 تقوم بجولة لترى كيف يسير المشروع. فتلاحظ أن وليد وهاني لن يتمكّنا من غسل كل الشبابيك. وأن فريقك قد يُنهي العمل قبل الوقت المحدَّد. وعندئذ تسحب اثنين من فريقك وترسلهم لمساعدة الذين يغسلون الشبابيك. وعند الظهر تجمع الكل وتلقي نظرة على ما تم إنجازه. لقد انتهت المهمة، وجُمِعَت الأدوات ونُظِّفت. فتشتركون في صلاة قصيرة لتشكروا الرب على معونته لكم في ذلك اليوم، وتركبون سياراتكم متَّجهين نحو بيتكم.
إن أية مهمة يمكن القيام بها ضمن هذا النطاق، أي التفكير بها ووضع مخطَّط لها، ثم تنظيمها بحيث يعرف كل عضو من أفراد الفريق دوره في العمل والشخص المسؤول عنه. وعلى القائد طبعاً أن يرشد ويقدِّم نفسه قدوة بأن يشمِّر عن ساعديه ويعمل. ثم أن إعادة التقويم بشكل دوري قد تؤدي إلى تصحيح السير. وعندما ينتهي العمل يستحسن الجلوس وإعادة تقويم المشروع لرؤية أين يمكن التحسين. هذا طبعاً يؤدي إلى تخطيط أفضل في المستقبل.
والآن لنأخذ نقطتين من هذه النقاط ولننظر إليهما بانتباه أشدّ: وهما اختيار الأشخاص المتقدّمين، وانخراطك معهم كقائد.
أولاً، الاختيار. إن أحسن عامل دهان ليس دائماً أحسن رئيس فريق. إن على من يرأس المشروع أن يكون مُلمَّاً بعمل الدهان. ولكن ذلك بالإضافة إلى كونه قادراً على أن يبث في الفريق نشاطاً وروح مشاركة عالية.
قبل أن يختار يسوع رسله الإثني عشر "قضى الليل كله في الصلاة" (لوقا 6: 12- 13). قال بولس الرسول لتيموثاوس "وما سمعته مني بشهود كثيرين أودعه أناساً أمناء يكونون أكفاء أن يعلِّموا آخرين أيضاً" (2 تيموثاوس 2: 2). يجب إذن البحث عن أناس أمناء لهم القدرة على التعليم.
هناك شيء آخر يجب ملاحظته. عندما يبدأ المؤمن بذكر عمل فريق فيقول عنه "عملنا" فمن الواضح أنه أصبح منخرطاً. إذ عندما ينضم شخص جديد إلى فريق يكون مجرَّد "متفرِّج" بعض الوقت. يتطلَّع ويشاهد، لكنه بعد ذلك يبدأ في الإشتراك جزئياً. وهنا يصبح هدف القائد تحويله من متفرِّج إلى مساهم، إلى منخرط في الفريق، وعلى القائد أن يبحث من ضمن هذا الفريق عن أفراد هامّين ليرئسوا المشاريع.
تأكد من أهلية الشخص قبل أن تنيط به الإشراف على عمل. وأنا تعلمت من هذا درساً قاسياً. لقد وجدت أن من السهل أن تضع شخصاً في مركز قياديّ، لكن من الصعب أن تخرجه منه. قال بولس "لا تضع يداً على أحد بالعجلة" (1 تيموثاوس 5: 22)، ويقصد بوضع اليد تنصيب المرشدين، وتحذير بولس هذا مفيد جداً. وسنلقي نظرة فيما بعد على الصِّفات التي يجب أن يتَّصف بها الأشخاص المختارون ليساعدوا على إتمام العمل بواسطة الفريق.
والآن في ما يختص بانخراطك في العمل الذي تشرف عليه، هل أنت مستعد للتشمير عن ساعديك والإشتراك مع بقية الفريق؟ بلا شك. إذ أن قوة المثل لا يمكن المبالغة في تقديرها. وقد قال بطرس للشيوخ الأولين في الكنيسة "ارعوا رعيَّة الله التي بينكم نظَّاراً، لا عن اضطرار بل بالإختيار، ولا لربح قبيح بل بنشاط، ولا كمن يسود على الأنصبة بل صائرين أمثلة للرعية" (1 بطرس 2: 2-3) ونحن أيضاً ينبغي أن نكون أمثلة لهم وليس أسياداً عليهم. فلدى المسيحيين سيدٌ هو الرب وفيه الكفاية.
كن منخرطاً في العمل الذي تريد قيادة الآخرين للقيام به. أذكر أني اتفقت مرة على القيام بتعليم صف في مدرسة الأحد خلال الصيف. وصرت أحاول زيادة عدد الحضور في الصف الذي كان يتألف من حوالي عشرين شاباً من سن طلاب الجامعة. وكان هؤلاء يحضرون إلى الصف بانتظام.
وخلال الأسابيع الثلاثة الأولى شجعت بعضهم على إحضار شخص ما في الأسبوع التالي ولكن لم يحضر أحد. ولقد جعلت ذلك موضوعاً للصلاة. وفي خلال إحدى صلواتي تذكَّرت أني أنا نفسي لم أحضر طالباً جديداً للصف.
وبدأت أفكر في كيفية الإلتقاء بشبان مماثلين في السن للطلبة وإحضار أحدهم إلى الصف. وقد لاحظت في أحد أيام الأحد فريقاً من الشبان يتريّضون في حديقة بجوار الكنيسة ونبهّني الله لفكرة.
في الأحد التالي ذهبت مع زوجتي وأولادي الإثنين إلى مدرسة الأحد قبل الميعاد بنصف ساعة وتمشينا في الحديقة ذاتها ودعَونا بعض أولئك الشبان للحضور معنا إلى مدرسة الأحد. بالطبع ليس هناك ما يثير الشبهة في رجل وزوجته مع أولادهما. وعليه فقد حضر بعضهم، إذ لم يكن لديهم شيء آخر يعملونه. وعندما حان الوقت لتقديم الزوار قدمت الشبان الثلاثة أو الأربعة الذين حضروا معنا.
وتكرَّر هذا لأسبوعين. وبعدها اقترب أحد الطلاب وسألني من أين أتيت بأولئك الشبان، فأخبرته بما فعلناه قبل موعد المدرسة. فاهتم بذلك وسألني إذا كنت لا أمانع في مرافقته لي. والتقينا في الأحد التالي وتعرفنا في أنحاء الحديقة ببعض الشبان. ثم قام بعض أفراد الصف باقتباس الفكرة وبدأوا بتطبيقها.
في أواخر ذلك الصيف اختبر الإيمان بالمسيح عشرات من الشبان، وبلغ الحضور في الصف حوالي المائة والثمانين أسبوعياً. لقد تعلَّمت درساً بسيطاً. فقد كان عملي يتلخص في تعليم الصف وقيادتهم. وهذا نجده ملخَّصاً في (أمثال 4: 11) "أريتك طريق الحكمة، هديتك سُبُل الاستقامة".
بالإضافة إلى رؤية فريقك يقوم بالعمل يلزم أن يتعمق الأفراد في علاقتهم الشخصية بالرب روحياً. فإن المحكّ الحقيقي لنجاح قيادتك هو إن كان ظهر في وسط الفريق قادة جدد في طريق النمو أم لا. يجب أن يكون أحد أهدافك ظهور الخُلُق المسيحي في الناس الذين تحمل مسؤولية قيادتهم. ونظراً لعظم أهمية هذه النقطة فإننا سنبحثها بإسهاب في الفصل الحادي عشر.
ولقد كان في ما سبق بعض النصائح التي غالباً ما يتعلمها المرء- بطريقة شاقة- في كيفيَّة أن تبدأ عملك وأن تقوم به حتى النهاية وإني واثق بأنك سوف تستفيد منها خلال نموَّك في القيادة الروحيّ.
- عدد الزيارات: 8161