Skip to main content

كيف تُجري تأثيراً؟ - ثبات العزم

الصفحة 3 من 4: ثبات العزم

ثبات العزم

والشيء الثاني الواجب ملاحظته في حياة حزقيا هو إخلاصه. فقد باشر العمل بالإصلاح واستمرّ فيه. "هو في السنة الأولى من ملكه في الشهر الأول فتح أبواب بيت الرب ورمَّمها، وأدخل الكهنة واللاويين وجمعهم إلى الساحة الشرقية. وقال لهم اسمعوا لي أيها اللاويون، تقدَّسوا الآن وقدّسوا بيت الرب آله آبائكم وأخرجوا النجاسة من القدس" (2 أيام 29: 3- 5). فهو لم ينصرف عن غايته إلى الأمور التافهة والمهازل أو المعارضة.

هناك ثلاثة من كتّاب الكتاب المقدس. يعطوننا أسباباً لثبات العزم. فبطرس يقول: "ولكن سيأتي كلصّ في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السموات بضجيج وتنحلّ العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها" (2 بطرس 3: 10). إن كل شيء في العالم هو وقتيّ وعابر. هناك شيئان فقط يسموان فوق العالم ويبقيان إلى الأبد وهما كلمة الله ونفوس الناس. فعندما يكرّس القائد نفسه لخدمة هذين الشيئين فقد التزم بقيمٍ أبدية. إن الأشياء الدنيوية تحاول جذب اهتمامه إليها، لكنه يحدّق بعزم ثابت إلى الأشياء الأبدية.

والسبب الثاني لثبات العزم هو ما تقترحه كلمة يعقوب "أنتم الذين لا تعرفون أمر الغد، لأنه ما هي حياتكم؟ إنها بخارٌ يظهر قليلاً ثم يضمحلّ" (يعقوب 4: 14). إن الحياة قصيرة ولا يجوز أن نضيعها. وعندما يرى الإنسان هذه الحقيقة فإنها تساعده على أن يبقى على الطريق القويم، رغم محاولة العالم جذبه لتحويل نظره عن المسيح. إن كلمة الله تبيّن لنا أين يجب أن ننظر. "لذلك نحن أيضاً إذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا، لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة، ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا، ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمّله يسوع، الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستعيناً بالخزي، فجلس في يمين عرش الله" (عبرانيين 12: 1- 2).

والسبب الثالث لثبات العزم بيَّنه بولس. "إذن يا أخوتي الأحباء كونوا راسخين غير متزعزعين مكثرين في عمل الرب كل حين عالمين أن تعبكم ليس باطلاً في الرب" (1 كورنثوس 15: 58). فعندما نكون سائرين في الطريق الضيق المستقيم وعيوننا على المسيح نحصل على اليقين بأن عملنا ذو قيمة. ويا لها من فرحة تلك التي يشعر بها القائد عندما يرى أنه بينما يضيع كثيرون حياتهم في أعمالٍ لا قيمة لها يعرف هو أن خدماته للمسيح ذات قيمة أبدية.

إن الكتاب المقدس مملوء من الأمثال عن رجال كانوا ثابتي العزم في عملهم مع الله، ولعل موسى هو نموذج لذلك. "بالإيمان موسى لمّا كبر أبى أن يدعى ابن ابنة فرعون، مُفضِّلاً بالأحرى أن يذلّ مع شعب الله على أن يكون له تمتّع وقتي بالخطيّة حاسباً عار المسيح غنىً أعظم من خزائن مصر، لأنه كان ينظر إلى المجازاة" (عبرانيين 11: 24- 26).

وبولس الرسول ضرب على الوتيرة ذاتها: "أيها الأخوة، أنا لست أحسب نفسي أني قد أدركت، ولكني أفعل شيئاً واحداً إذ أنسى ما هو وراء وأمتدّ إلى ما هو قدَّام، أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع" (فيلبي 3: 13- 14).

ولكن أعظم مثل هو مثل يسوع نفسه. "وحين تمَّت الأيام لارتفاعه ثبّت وجهه لينطلق إلى أورشليم" (لوقا 9: 51). وحين رأى تلاميذه ذلك تعجبوا "وكانوا في الطريق صاعدين إلى أورشليم ويتقدَّمهم يسوع. وكانوا يتحيَّرون، وفيما هم يتبعون كانوا يخافون. فأخذ الإثني عشر أيضاً وابتدأ يقول لهم عما سيحدث له" (مرقس 10: 32). لماذا تحيَّروا؟ لقد كان يسوع يعرف بالتمام ما كان سيواجهه ومع ذلك فإنه كان يسير إلى الأمام بلا تردُّد وقال: "ها نحن صاعدون إلى أورشليم، وابن الإنسان يُسلَّم إلى رؤساء الكهنة والكتبة، فيحكمون عليه بالموت ويسلِّمونه إلى الأمم" (مرقس 10: 33).

لقد رأى الإثنا عشر في ملامح وجه يسوع شيئاً جعلهم يتحيَّرون ويقلقون. كانوا يخافون ما تخبّئه لهم الأيام المقبلة، وقد حيَّرتهم شجاعة قائدهم. فقد كان يسوع المسيح يسير بخطوات متَّزنة وعزم نحو الصليب. إنه كان يعرف مهمته ويتقدَّم بعزم نحو إتمامها. وعلينا نحن أن نعمل على هذا النحو. العالم يضايقنا لكي نقع في هذا الشرك أو تحت ذلك الحمل. ولكن كلمة الله تدعونا لكي نتجرَّد من كل شيء ونطرح عنا كل حمل ونجدّ في السير نحو الهدف. ثبات العزم ليس سهلاً ولكنه ضروري.

عاش دوسون تروتمان مؤسس حركة "الملاّحين" حياة تضحية ومات كذلك، وعندما مات ابنه الواعظ بيلي غراهم فقال وهو يشير إلى ثبات عزم تروتمان:

هنا رجل لم يقل "أمامي أربعون مهمة أحاول أن أُتمّمها" بل قال كما قال بولس: "أفعل شيئاً واحداً... أسعى نحو الغرض".

يمكن للإنسان أن يضيع حياته بإحدى هذه الطرق الثلاث. الأولى هي بالاسترخاء والكسل وعدم القيام بأي عمل. ولكم رأيت شباناً يعملون ذلك، فيشترون قيثارة ويلبسون سراويل قصيرة، ثم يذهبون إلى شواطئ كاليفورنيا المشمسة، حيث يقضون أوقاتهم منطرحين على الرمال الساخنة. والطريقة الثانية لإضاعة الحياة هي أن تتخذ لنفسك هدفاً وتعمل جادّاً لبلوغه ثم تكتشف آخر الأمر أنك أخطأت في اختيار الهدف. ولقد عرفت كثيرين ممن أصابهم ذلك وقد رووا قصَّتهم بأسفٍ مرير ودموع.

أما الطريقة الثالثة فهي ما كان يتكلم عنه الدكتور غراهم، أي الارتباك في مجموعة من المهامّ ومحاولة إتمامها دون إنجاز أيّ منها تماماً.

لقد حذَّر الله يشوع من الارتباك والتردُّد إذ قال له: "كن متشدّداً وتشجّع جداً لكي تتحفَّظ للعمل حسب كل الشريعة التي أمرك بها موسى عبدي. لا تمِل عنها يميناً ولا شمالاً لكي تفلح حيثما تذهب" (يشوع 1: 7). لم يكن هذا تحذيراً من السير في الطريق بل من الترجُّح بين ناحية وأخرى في الطريق الصائب.

ولكم راقبت أناساً يعملون هذا. فحيناً يبدؤون في الاتجاه الصحيح، ولكن شيئاً ما يحدث، فيعرقل سيرهم وإذ بهم يميلون عن طريق الصواب. ثم يرون خطأ ذلك فيعودون إلى الطريق الصحيح لكنهم لا يلبثون أن يميلوا إلى هذا الجانب أو ذاك. إنه من المفجع حقاً أن يرى المرء أناساً طيّبي القلوب يدورون في الحياة حول أنفسهم. لماذا؟ لسهولة تحوّلهم عن عزمهم؟ ليس لديهم ثبات عزم والإصرار على المواصلة نحو الهدف الذي كان في موسى أو بولس أو يسوع.

قد يتذّمر البعض ويقولون "هذا الأمر صعب". إنه صعب فعلاً. قال بولس الرسول "أسعى نحو الغرض" إنه سعيٌ وسيرٌ حثيث نحو الهدف الواحد بعزم ثابت. ليس في الأمر سهولة العوم أو التزلُّج. وفي قول بولس "أسعى نحو الغرض" دليل على وجود صعوبات في الطريق. فإن العالم يحاول إغراءك والشيطان يحاربك، لكن نظرك المتواصل إلى يسوع يتيح لك القوة لمواصلة السعي وبلوغ الهدف.

إن شهادة بولس تبيّن ذلك بوضوح "ولكنني لست أحتسب لشيء ولا نفسي ثمينة عندي، حتى أُتمّم بفرحٍ سعيي والخدمة التي أَخذتها من الرب يسوع، لأشهد ببشارة نعمة الله" (أعمال 20: 24). إنه يقول "سعيي" إن أعظم فرح في الحياة هو أن تعرف بأنك تسعى كما يريد الرب وفي الطريق الذي اختاره لك.

إن لكل منا طريقاً يسلكه ومهمّة يتمِّمها وهدفاً يسعى إليه. "قولوا لأرخبُّس انظر إلى الخدمة التي قبلتها في الرب لكي تتمِّمها" (كولوسي 4: 17).

أتذكَّر حدثاً مصيرياً في حياتي. لقد اختبرت أنا وزوجتي الإيمان من خلال قراءة الكتاب المقدس. ولم يكن حولنا كثير من الذين يمكن أن يقدِّموا لنا النصح الروحي، ومع هذا فقد قرَّرنا أن نسير مع الله بعزم ولغرض واحد. وأخبرنا صديق لنا من هارلان، أيوا، هو القس آرلان هالرسون عن مدرسة للكتاب المقدس في مدينة مينيا بوليس، حيث نستطيع أن نتعلَّم كلمة الله. كنا يومها جديدين في الإيمان ولدينا رغبة في النمو، لذا قررنا الذهاب إلى تلك المدرسة وتكريس حياتنا كلها لخدمة المسيح. وكنت في ذلك الوقت ناجحاً في عملي، وعندما بدأت أُخبر زملائي في العمل كما كنت أنوي القيام به لم ألقَ منهم إلا المعارضة والانتقاد. لقد حسب بعضهم تصميمي غباوة أو تطرُّفاً. إن من الجنون في رأيهم أن يترك المرء عملاً يدرُّ عليه دخلاً ويؤمّن له العيش. أما نحن فكنا نعرف ما يجب أن نفعل.

لقد تركت عملي وأَعددت ما يلزم لمغادرة مدينة كونسل بلوفز إلى كليّة نورث وسترن. بعنا بعض ممتلكاتنا ووزَّعنا أكثر ما بقي منها وأصبحنا أحراراً في الذهاب. وضعنا بعض ملابسنا وحاجياتنا على عربة أطفال واتجهنا نحو المحطة. كانت فرجينيا زوجتي تجرّ العربة وأنا أدفعها من الخلف في طريق مغامرتنا. ولقد قرَّرنا أل ننظر قط إلى الخلف، بل ولا نلتفت يميناً أو شمالاً بل نُبقي عيوننا متَّجهة نحو يسوع فنتبعه أينما وجَّهنا. وها قد مرَّ خمسة وعشرون عاماً منذ ذلك الوقت فواجهنا خلالها معارضة وتجارب، إنما لا يزال يسوع يسير معنا ويُرينا الطريق.

يبحث الرب هذه الأيام عن أناس لا يهتمون قط بالمديح الفارغ واللذات الدنيوية في الحياة. إنه يبحث عن رجال ونساء يهتمون فقط بحاجة العالم للمسيح، ويتحمَّسون لإتِّباعه ولهم عزم وهدف. إن شهادة بولس مشجّع لنا، وقد كتب إلى تيموثاوس يقول: "فإني أنا الآن أُسكب سكيباً ووقت انحلالي قد حضر. قد جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان، وأخيراً قد وُضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديّان العادل، وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضاً" (2 تيموثاوس 4: 6- 8).

الروح المناضلة
الصفحة
  • عدد الزيارات: 9881