Skip to main content

كيف تُجري تأثيراً؟ - الإخلاص القلبي

الصفحة 2 من 4: الإخلاص القلبي

الإخلاص القلبي

إن المبدأ الأول في إجراء تأثير يرضي الله هو الإخلاص القلبي. "وكل عمل ابتدأ به في خدمة بيت الله وفي الشريعة والوصيّة ليطلب إلهه أنما عمله بكل قلبه وأفلح" (2 أيام 31: 21).

إن بولس الرسول يحضّنا للسير في هذا الاتجاه. "وكل ما فعلتم فاعملوا من القلب، كما للرب ليس للناس" (كولوسي 3: 21). وقد قال سليمان كذلك "كل ما تجده يدك لتفعله فافعله بقوَّتك، لأنه ليس من عمل ولا اختراع ولا معرفة ولا حكمة في الهاوية التي أنت ذاهب إليها" (جامعة 9: 10). وعندما نقرأ هذه المقاطع نبدأ نرى أن الله يريد أناساً متشوّقين غيورين. لكن ماذا نجد في روح العصر الحاضر؟ هل الاتجاه الأغلب هو للإخلاص القلبي؟ بل ما أكثر ما نسمع قولاً يتردَّد في كل يوم: "على مهل" أو "لا تتعب كثيراً" أو "لا تجهد نفسك". إن خطورة هذا التراخي وعدم العمل بكل القلب هي في أنه داء قد يصاب به القائد المسيحي فيقصّر عمله عن الجودة ويتعرض للفشل.

كان مَثَلي الأعلى أثناء دراستي الثانوية زميلاً أكبر مني كانوا يلقبونه بالكرة الطائرة، فقد كان متفوِّقاً في الرياضة وطالباً ناجحاً. كنت أحب محاكاته في مشيته وتصرفاته. بل لقد تعلَّمت توجيه كرة السلة كما يفعل هو وقذفها بقوة تضاهيه تقريباً. لقد كان رامي الكرة في الفريق، وصرت أحاكيه في كل شيء حتى في الطريقة التي يلبس بها قبَّعته. وصممت أن أصبح الرامي في الفريق بعد تخرُّجه.

وفي السنة التي تلت تخرُّجه تقدمت لامتحان لاعبي الفريق. وعندما سألني المدرِّب إن كنت أرغب في الاشتراك في اللعب أجبته: أتسألني إن كنت أرغب؟ إني أحب ذلك بكل قواي، بل أشعر أن لا رغبة لي في شيء أكثر من هذه اللعبة.

وبكل طريقة أعرفها حاولت أن أبيِّن له حماستي وتصميمي. فسرّ بهذا ودعاني للاشتراك ومحاولة إبراز مقدرتي. وقد عملت وتوصَّلت فعلاً إلى مركز الرامي في الفريق.

ماذا تظنون أنه كان سيحدث لو أني أجبت المدرب مثلاً "لا أدري. لقد فكرت في هذا ولكني غير متأكد... ربما أحاول، مع أن هذا لا يهمني كثيراً". في هذه الحال كان من الممكن أن يلقي المدرّب إلي بنظرة ثانية وينصرف في سبيله. وقد تكون تلك خاتمة المطاف في ما يتعلق بقصة لعبتي المفضَّلة.

هل تظنون أن لدى الله مقاييس أوطأ من مقياس مدرِّب كرة القاعدة (بيس بول)؟ لا البتَّة. إن الله يبحث عن أناس يتعهدون بالإخلاص القلبي في خدمته. إن الإنسان السهل، المتهاون، الذي يسير على نهج هذا العصر ليس من مقياس الله في شيء. ومن الصعب الاحتفاظ بمستوى كتابيّ في عصر لا انضباطي. يجب أن يكون مقياس تصرّفاتنا عالياً.

في عامي الأول من خدمتي في الغرب الأوسط في الولايات المتحدة تصادفت مع شاب يدعى جوني ساكيت. كنا نشترك في درس الكلمة والصلاة، وربط الله بين قلبينا. بدأ يظهر من جوني ما يدلّ على أن له مستقبلاً في عمل المسيح. وسألني يوما ًإن كان يستطيع الانضمام إلى فريقنا. فشرحت له مقدار ما في ذلك من التزام فأظهر حماسة وانضمَّ إلينا. وكان مساعداً قوياً مملوءاً من النشاط والاندفاع.

استمر التقدم لعدة أشهر. وفي أحد أواخر الأسبوع خطّطنا للقيام بنشاط تبشيري في حرم جامعة ولاية أيوا. وعندما حان وقت الذهاب بالسيارة لاحظت غياب جوني. سألت أحد الشبان عنه فأجابني بأن جوني قرَّر عدم الذهاب. عندها حاولت أن أعرف لماذا قرَّر ذلك، هل لكثرة الدروس، أم أنه غير مرتاح لسبب ما، أم أنه يلقى معارضة من والديه؟ اتضح أخيراً أنه قرَّر عدم مرافقتنا دون أي سبب.

يومها ذهبنا بدونه، وكان عملنا مثمراً. وقد التقينا عدداً وافراً من الطلاب الذين كانوا متحمسين للتحدُّث عن الرب وعن تكريس حياتهم له، ورجعنا مملوئين من الفرح والشكر لله.

في يوم الاثنين التالي استعرت سيارة أحد الأصدقاء وذهبت لأرى جوني. وبعد أن تحدثنا قليلاً سألته إن كان قد فهم المقاييس التي اتخذها الفريق لعمله فأجاب بالإيجاب وبأنه كان سعيداً في انضمامه إلينا. فأعربت له عن سعادتي بانضمامه إلى الفريق وأسفي لقراره الأخير بألا يساهم في العمل معنا. فأصيب بصدمة وسألني ماذا أعني بذلك. وهنا شرحت له أن أهم مبادئنا في الخدمة هو أن يكون كلٌّ منا مستعداً وحاضراً عندما يتقرَّر القيام بخدمة مشتركة. هنا بدأ يبكي، وبعد برهة هدأ وترك السيارة وعاد إلى غرفته.

صلَّيت من أجل جوني يومياً لمدة أسبوعين. وبعد ذلك وصلتني منه رسالة يشكرني فيها على اهتمامي بالإيضاح له عن معنى انضمامه للفريق، ثم ذكر 13 سبباً لوجوب اعتباره عضواً عاملاً. فاتصلت به في الحال هاتفياً وأبديت له فرحي الشديد بعودته. إنه الآن يُعتبر أكثر الأخوة إنتاجاً، وقد خدم الرب في قارتين منذ ذلك الحين. وكانت المشكلة في البدء أنه لم يكن لديه أية فكرة عمَّا كنت أعنيه بمقاييس الالتزام والإخلاص القلبي. لا يكفي أن نشعر بالأسى والأسف عند مواجهة وضع خاطئ، بل علينا أن نعمل بمحبة وعطف واهتمام.

عندما قال يسوع "إن أراد أحدٌ أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني" فقد كان يعني ذلك فعلاً. وإني عندما أنظر إلى العشرين سنة الماضية أرى أنه كان عليّ أن أعالج الأمور بشكل مختلف. كان عليّ أن أظهر حنوّ المسيح ولطفه، ولكن المبدأ يبقى ثابتاً لا يتغيَّر.

كان مدرِّبي في معسكر مشاة البحريَّة يصرّ دائماً على ضرورة تأدية أعمالنا بأعلى مستوى. ولم يفعل ذلك رغبة في إزعاجي وإتعابي ولكن لعلمه بأني سأذهب إلى جبهة القتال، وعليه أن يعوِّدني على عادات يمكن أن تنقذ حياتي. فهو إذن لم يكن يؤذيني بل كان يسدي إليّ خدمة لا تثمَّن. وعندما وصلت إلى ساحة المعركة، وأحاطت بي النيران واكتنفني الموت والدمار شعرت بعرفان الجميل نحوه، بسبب كل ما علمني إياه. إن على القائد للسبب نفسه أن يعمل بروح الإخلاص القلبي لكي يجعل أتباعه يخلصون بقلوبهم للعمل. فلو لم يُبدِ حزقيا تلك الروح، روح الإخلاص القلبي، لما تاب الشعب عن الخطيئة بتلك الطريقة البارزة. إن قيادته هي التي رسمت الطريق التي سار عليها الآخرون.

كنت مرة في مدينة مينيابوليس أعمل في رفع الأثقال مع صديق اسمه بيل كول. انضم إلينا شاب آخر لفترة وجيزة. وبينما كان يغادر القاعة، كنت أرفع تسعين كيلوغراماً فوق رأسي، فالتفَتَ نحوي وقال "على مهلك". فلو كنت تمهَّلت في تلك اللحظة لكنت قضيت على نفسي. بالطبع لم يكن الشاب يعني ما قاله ولا استهدف أَذيَّتي، لكنها طريقته في قول "إلى اللقاء". ولقد فكَّرت طويلاً في تلك الجملة، فنحن نقولها كثيراً دون أن نفكر بأنها لا تنطبق على ما نودّ الإعراب عنه. إني شخصياً لا أشعر بأية رغبة في إتِّباع نصيحة كهذه إذ أني بطبعي أكثر ميلاً للحركة. ولعل طبيعتي الجامحة هي سرّ ذلك. وكلما شعرت بالتحدّي ازددت اندفاعاً إلى الأمام.

على القائد أن يأخذ بعين الاعتبار الحقيقة التالية. أنه لا يبني للحاضر فقط بل للمستقبل أيضاً. فإن كان قلبه فاتراً فماذا يخبّئ له المستقبل؟ وماذا تكون حال هؤلاء الذين درّبهم؟ هل تشتعل قلوبهم حماسة من أجل الرب؟ لا أظن ذلك إذا كان قلبه هو فاتراً. فالنار هي التي تشعل النار. عندما طهّر يسوع الهيكل تذكّر تلاميذه ما ورد في أسفار العهد القديم "غيرة بيتك أكلتني" (يوحنا 2: 17- انظر مزمور 119: 139). في كلتا الآيتين ذكر للغيرة الآكلة المتَّقدة من أجل الرب. متى كانت آخر مرّة ذكرت فيها أحدهم بآية في الكتاب المقدس تتكلم عن الاشتعال بنار الغيرة المقدَّسة؟ أم هل أصبحت الروح الحماسيّة المشتعلة غير متناسبة مع روح العصر كالعربات التي تجرها الخيول؟ وهل أصبح منظِّمو فريق الهتاف في المباريات الرياضية هم كل ما بقي في عصرنا الحاضر ممّن يقومون بأعمالهم بحماسة وحيوية بالغة؟ إن القائد المسيحي الحقيقي مفروض فيه إبداء الحماسة والحرارة نفسيهما اللتين أبداهما المسيح.

إن الإخلاص القلبي والحماسة هما تعبير عن الحب الذي يشتعل في قلب القائد، ومن هناك ينتشر في قلوب وحياة الآخرين الذين تصيبهم عدوى تلك الروح المشتعلة. يشعر بعضهم أن على القائد أن يقلّل من حماسته قليلاً لئلا ينفر الناس. إن هذا غير صحيح، إذ لو لعب القائد لعب الرجال فإن الرجال سيأتون ليلعبوا أيضاً. إن الوصيّة العظمى لا تزال في الكتاب المقدس: "الرب إلهنا ربٌ واحد، وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك" (مرقس 12: 29- 30).

ثبات العزم
الصفحة
  • عدد الزيارات: 9884