موقف القائد من الآخرين - له قلب الخادم
له قلب الخادم
لقد أعطانا يسوع المسيح الخلاصة الأساسية لحياته عندما قال: "لأن ابن الإنسان أيضاً لم يأتِ ليُخدَم بل ليَخدُم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مرقس 10: 45). لقد كان بيننا كالذي يخدم (لوقا 22: 27).
لقد مضى الزمن الذي كانت العبادة تجري فيه بأن يأخذ الإنسان ثوراً أو خروفاً إلى المذبح ويحرقه فوق حطب المذبح قرباناً ومحرقة لله. لقد أصبحت عبادة الله وخدمته بتقديم المؤمن نفسه لله، كما فعل يسوع، وتقديم الخدمة للآخرين. على القائد أن يشتعل بنار المحبة لله وللناس. "بهذا قد عرفنا المحبة أن ذاك وضع نفسه لأجلنا، فنحن ينبغي لنا أن نضع نفوسنا لأجل الأخوة" (1 يوحنا 3: 16).
وهذا بالطبع يتنافى مع معظم التقاليد المدنية. فإنك إذا اطّلعت على النظام الداخلي لأية مؤسسة فستجد أسماء المسؤولين فيها مرتّبة بحسب رتبهم في قائمة تبدأ بإسم الرئيس أو القائد أو المدير ثم أسماء المساعدين وبعدهم من هم دونه رتبة. في هذه الحال يتلقى أصحاب الرتب العالية الخدمة ممن هم دونهم رتبة.
جاء يسوع فعكس هذا النظام دون أن يتخلّى عن سيادته، وقال لتلاميذه "تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم والعظماء يتسلّطون عليهم فلا يكون هذا فيكم. لأن من أراد أن يكون فيكم عظيماً فليكن لكم خادماً ومن أراد أن يكون فيكم أولاً فليكن لكم عبداً، كما أن ابن الإنسان لم يأت ليُخدم بل ليَخدُم، وليبذل نفسه فديةً عن كثيرين" (متى 20: 25- 28).
كان معظم تعاليم المسيح ثورياً وغريباً على السامعين في أيامه. فإن تعاليمه المتعلقة بالإرادة تستمر في إطلاق نغمة غير مألوفة في عصر يدعونا أن نتسلق مراكزنا صعوداً. فالكتاب المقدس يعلّم بأن القيادة تعني الخدمة. وفي أرقى مراحلنا الروحية نقرّ بصحة هذا المفهوم ونتجاوب معه بحرارة وإيجابية. لكن المشكلة تنشأ في أغلب الأحوال في التصرّف اليومي. فإنه من السهل أن نقبل بأن يقوم الآخرون بخدمتنا. ولنسأل أنفسنا الآن: "كم مضى علينا من الوقت منذ نظّفنا آخر مرة حذاء شخص آخر، ولا نقول غسلنا رجليه؟"
في إحدى الأمسيات قمت مع زوجتي باستقبال حوالي عشرين مدعواً لعشاء من السمك. إذ أن بعضهم ذهب إلى البحيرة واصطاد ما يقرب من أربعين سمكة كبيرة من السلمون المرقّط. وبعد العشاء تناولنا كمية كبيرة من المثلجات. ثم اقترح بعض الحاضرين أن نتعاون جميعاً في تنظيف الصحون، وكانت فكرة طيِّبة.
وبينما نظّم البعض فرقاً لإعادة ترتيب الأثاث وتنظيف الأرض وجمع النفايات وغسل الصحون رأيت منظراً يصعب تصديقه. إذ أن شاباً من الذين استمتعوا بأكبر نصيب، ترك كرسيّه واتَّجه نحو النافذة وهناك توارى خلف الستار.
وبعد أن قام الباقون بالعمل على أتم وجه، خرج الشاب من خلف الستار وتقدم نحو كرسيّ فجلس عليه، وبدأ يقرأ في إحدى المجلات. نتذكر هنا كلمة يسوع لتلاميذه: "ولكني أنا بينكم كالذي يخدُم" لوقا 22: 27) لقد قلب ذلك الشاب الآية وعمل عكس ما قاله يسوع.
هناك دائماً حاجة لخادم آخر. فالمساحة الصغيرة حيث تتركّز الأضواء، يمكن أن تضيق بمن فيها، ولكن يبقى هناك مركز في الظلال لشخص راغب في أن يَخدُم ولا تهمّه الأضواء. كان استفانوس رجلاً مملوءاً من الإيمان والقوة الروحية، ولم يكن أعداء المسيح قادرين على مقاومة الحكمة والروح الذي كان يتكلم به. فقد كان متمكناً من كلمة الله مملوءاً بروحه فنادى بالبشارة باقتناع وجرأة. وفي أحد الأيام طلب منه الرسل أن يخدُم بعض الأرامل اللواتي كنَّ يُهمَلن أثناء توزيع الطعام.
لقد كان بإمكان استفانوس أن يقول: "هل أقوم أنا بخدمة الموائد؟ يبدو أنكم لا تقدِّرون ما فيّ من حكمة ومواهب روحية وقدرة تبشيرية. ابحثوا عن آخر غيري يقف في الظل ويخدم الموائد. وأنا متأكد من أنكم ترون جيداً أني مؤهل للوقوف تحت الأضواء في المشهد الأمامي".
ولكن نحمد الله على أن هذا لم يكن موقف استفانوس. لقد تقدَّم بلهفة وأخذ مكانه بين ستة خدّام آخرين، وخدم الموائد. وأنا متأكد من أن هذا هو أحد الأسباب الرئيسة التي جعلته يحتل مركزاً مرموقاً في التاريخ المسيحي عبر القرون حتى اليوم. هناك شخص واحد اشتُهِرَ بكونه الأول في قافلة الشهداء للمسيح، وهذا الشخص هو استفانوس، ولا يمكن لأحد آخر أن يأخذ مكانه.
الكتاب المقدس يعلمنا أن الطريق إلى العلى هي في التواضع "وأكبركم يكون خادماً لكم، فمن يرفع نفسه يتَّضع ومن يضع نفسه يرتفع" (متى 23: 11- 12).
- عدد الزيارات: 9418