Skip to main content

مَصْدَر قوَّة القائد

قد يكون ضعف الطاقة كارثة في بعض الأحيان. فالمستشفيات وغيرها من المؤسسات الحيوية تقتني أشياء احتياطية كمولّدات الطاقة بقصد تشغيلها في حالة انقطاع التيار الكهربائي. ويجب أن تبقى هذه المولّدات صالحة للعمل وفي حالة تأهُّب، إذ أن أرواح البشر متعلقة بها. فالطاقة وطرق استعمالها يمثّلان نقطة الحرج في المجتمع الصناعي.

يعاني العالم أجمع من أزمة الطاقة أو الوقود في أيامنا هذه. فالناس يقودون سياراتهم بسرعة مخفَّضة. ولم يعودوا يصرّون على تدفئة كاملة شتاءً أو على تبريد كامل في بيوتهم صيفاً، وكل ذلك رغبة في الإقتصاد. إن صفوف طائرات الجمبو 747 متوقفة في مرابض صحراوية، لقلة عدد الرحلات التي تقوم بها، وذلك بسبب ارتفاع أسعار الوقود. فهذه العجائب العملاقة لعصر الفضاء، والتي صنعت كي تعبر القارات والمحيطات في ساعات، نجدها تجثم على الأرض بلا حراك. إذ عندما يجف ينبوع الوقود أو الطاقة تقلّ الحركة بل تتوقف كلياً.

على القائد إذن أن يكون شديد الإنتباه لكل ذلك، إن عليه أن يتحقَّق من الإحتفاظ ببرنامجه وبمساعديه وبنفسه في حركة مستمرَّة. وهنا نتساءل: ما هو مصدر القوة أو الطاقة لكل ذلك؟ والجواب: الله.


الشركة:

قال بولس الرسول في رسالته إلى فيلبي: "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقوّيني" (فيلبي 4: 13). وسبق داود فقال "الإله الذي يعززني بالقوة ويصيِّر طريقي كاملاً" (2 صموئيل 22: 33). إذن الله هو مصدر قوَّتنا. ولكن الشركة مع الله هي التي توصِّل التيّار وتجعل الطاقة عاملة ومؤثرة في حياتنا. ويعتبر أعظم استعداد لوصول داود إلى سدَّة الملك ذلك الوقت الذي قضاه مع الله، عندما كان يرعى قطعان الغنم في مرتفعات بيت لحم.

إن السنوات التي قضاها داود مع الله أتمَّت استعداده للقيادة تحت إشراف الله. ولعله، بالدرجة الأولى، راقب عمليات القيادة عندما كان شاباً يحيا في القصر. ولكن حياته مع الله، كانت ذات قيمة أعلى من حياته مع البشر. وكقائد للجيش ومنظِّم للشعب كان تهيُّؤه ضعيفاً من وجهة نظر الإنسان. فهو لم يتلقَّ دروساً جامعية، ولا حصل على دبلوم في إدارة الأعمال، لكنه كان يعرف الله.

في هذه النقطة بالذات، يكمن شر هجوم الشيطان. فهو يهتم بعملية انتسابك إلى قسم العلوم بالكلِّية، أو التحاقك بالجامعة. وعندما تصبح جادَّاً في معرفة الله، خلال شركة حيوية معه، يحاول الشيطان أن يشنّ أقسى هجماته ليمنع بلوغك الهدف. وعندئذ تجد جدول أعمالك معطَّلا ًوعدداً من المواضيع الهامّة معلّقة، فتصبح كثير المشاغل ولا وقت لديك للشركة مع الله.

لماذا يحاول عدو نفوسنا محاربة الوقت مع الله بهذه الضراوة؟ لأن للوقت قيمة أساسيَّة في حياة القائد. قد نسأل عن ماهيَّة المكافآت الروحية التي تنتظرنا كنتيجة لسيرنا بأمانة مع الله. وللإجابة عن هذا السؤال، يجب طرح سؤال آخر: ما هو الهدف النهائي للإنسان على الأرض؟ والجواب هو "بكلّ من دعي بإسمي، ولمجدي خلقته وجبلته وصنعته" (أشعيا 43: 7). "إن هدف الإنسان النهائي هو أن يمجِّد الله وينعم به إلى الأبد". إن هذا مقطع مشهور من تعليم وستمنستر الديني، ونجد أن كثيراً من الناس يحفظونه غيباً دون أن ينتبهوا لمعنى محتوياته وما يعني لحياتهم اليومية.

أذكر أني ناقشت مرة هذا الأمر مع بعض طلبة اللاهوت، وكانوا يعرفون أن هدف حياتنا على الأرض هو تمجيد الله. وكنت قد سألت أحدهم عما يجب على الإنسان القيام به من عمل، وكيف يمكنه أن يمجِّد الله. وهنا بدت على وجهه علامات الدهشة والخجل، وبابتسامة صفراء اعترف بأن ليس لديه أية فكرة عن الطريقة المثلى. فتصوَّروا أن يقف أمامكم عدد من الطلاب المتخصّصين في دراسة القيادة الروحية دون أن يكون لديهم فكرة محدَََّدة عن هدفهم المبدئيّ في الحياة.

دعوني أقدم درساً تعلَّمته في بداية حياتي كمسيحي. خلق الله الإنسان في البداية لكي يمجِّد إسمه. خلق الإنسان على صورته لكي تكون له شركة معه. وقد كان للرب صلة بالإنسان في جنة عدن، ولكن الإنسان أَخطأ وعَصَى الله. وهذا جلب العار على إسمه، وانطمست الصورة وفسدت الشركة. وعندما حان الوقت المناسب، قرَّر الله أن يجدِّد القوة الكامنة في الإنسان، كي يعود فيمجِّد إسم الله.

فهل كان هناك إنسان اجتمعت أفكاره وأقواله وأعماله لتمجيد إسم الله في كل ساعة من كل يوم من كل سنة في حياته؟ نعم، هناك إنسان واحد، هو الرب يسوع المسيح. ففي صلاة يسوع إلى الآب يقول عن نفسه: "أنا مجَّدتك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته" (يوحنا 17: 4). لذلك، إن كنت أرغب في بلوغ هدفي النهائي في الحياة، والذي هو تمجيد الله، فعليَّ أن أتحوّل أكثر فأكثر إلى صورته. أي أن أصير مشابهاً المسيح.

إن رغبة قلب الله هي أن يجعلنا مثل ابنه. "لأن الذين سبق فعرفهم، سبق فعيَّنهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه، ليكون هو بكراً بين أخوة كثيرين" (رومية 8: 29). وهكذا يتمجَّد الله.

كيف أصير مثل المسيح؟ كيف يمكن لإنسان أن يصير مشابهاً لإنسان آخر؟ إن خير ما يفعله، هو أن يبقى قريباً منه، يتكلَّم معه ويعمل معه. هل عرفت زوجين عاشا معاً خمسين عاماً في محبة ووئام، واحتفلا بعيد زواجهما الذهبي؟ إنك لتجدهما يسلكان ويتصرفان بطريقة واحدة، ولهما ذوق واحد. وأن ما يسرَّ الواحد يسرَّ الآخر، بل قد ترى أنهما متشابهان في الهيئة أيضاً.

إني أذكر اليوم الذي تزوَّج فيه الملازم آل فايل، في البحرية الأميركية، بالآنسة مارجي أغو، وهي الفتاة اللطيفة الذكيّة، خريجة جامعة ستانفورد. لقد إلتقيا في مؤتمر مسيحي في كولورادو، وكان الملازم فايل قد أُعجب بالفتاة، وصار يكاتبها بعد انتهاء المؤتمر وأخيراً طلب يدها. وبعد بضعة أشهر اطمأنت مارجي إلى أن تلك خطة الله لحياتها فقبلت، واتفقا على موعد لزواجهما وتزوَّجا. وبعد ما يقرب من سنة، قمت بزيارتهما في منزلهما بفرجينيا.

عندما وصلت اعتذرت مارجي عن تأخيرها إيَّاي بضع دقائق إذ كانت تقوم بتنسيق غرفتي. وسمعتها تستخدم كلمة تستخدم عادة في البحريّة وتعجَّبْتُ. إذ كيف يهتم من تخرَّج من جامعة ستانفورد أن يستخدم تعبيراً كهذا. ثم تذكَّرت أن خريجة ستانفورد هذه قد أمضت سنة من الحياة الزوجية مع زوجها الملازم في البحرية. لقد أخذت عن زوجها أسلوب التنسيق وصارت تتصرَّف في حياتها ضمن هذا الإطار.

ثم عاد آل زوجها إلى المنزل ففوجئت إذ رأيته هو أيضاً قد تأثَّر كثيراً بزوجته. لقد عاشا معاً في شركة، وأصبحا يشبهان أحدهما الآخر.

إن هذا بالضبط ما يحدث معنا في علاقتنا بالله. ولكي نصير مشابهين صورة يسوع المسيح، يجب أن نمضي الكثير من وقتنا على إنفراد معه في شركة شخصية. فالقائد الذي يعيش حياة تعبُّدية ثابتة بدلاً من سلوك الطريق المتعرِّج يجد نفسه على اتصال حيّ بالله ويستخدمه الله بقوة. الواقع أن الله يريد أشخاصاً من هذا النوع، كما جاء في الكتاب المقدس "وطلبت من بينهم رجلاً يبني جداراً، ويقف في الثغر أمامي عن الأرض لكيلا أخربها فلم أجد" (حزقيال 22: 30). إن هذا البحث جديد كالطفل الذي لم يولد بعد، وقديم مثل فجر الإنسانية. وعندما يجد الله إنساناً يكون همّه الأوّل في الحياة العلاقة الحميمة الشخصية للشركة مع الله، فإنه، أي الله، يوجِّه قوَّته وإرشاده وحكمته نحو ذلك الإنسان. يكون الله بهذا قد وجد إنساناً يمكن بواسطته تغيير العالم.


كلمة الله:

هناك ثلاثة عناصر رئيسية تميّز الشركة مع الله. فهو يتَّصل بنا أولاً بواسطة الكلمة. "كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البرّ، لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهّباً لكل عمل صالح" (2 تيموثاوس 3: 16- 17). كلمة الله هي العنصر الأول.

وعليه يجب أن نكون في الكلمة، وأن تكون الكلمة فينا. أن نكون في الكلمة يعني أن نسمعها إذ تُلقى علينا، وأن نقرأها، وندرسها، ونحفظها. وأن تكون الكلمة فينا يعني أن نتأمل فيها. فعندما نتأمل فيها تتخلَّل أفكارنا وتغيِّر حياتنا الروحية. إنها كالغذاء الطبيعي، فليس كل ما نبلعه ينفع أجسامنا بل ما نهضمه ونستوعبه. هذا هو التأمُّل، إذ أن التأمل هو أن نتعمَّق في معنى الكلمة، وأن نقلِّبها في ذهننا مليَّاً، تاركين ما هو سطحيّ ومتمسكين بما هو عميق. "كم أحببت شريعتك، اليوم كلَّه هي لهجي" (مزمور 119: 97).

ذهبت سنة 1963 إلى لندن في دورة تبشيرية، وكان البرنامج يتضمَّن يوماً لزيارة معالم المدينة. لقد كلّف دافيد لايمبير، أحد أفراد الجامعة ليكون دليلنا، فكان متشوِّقاً ليطوف بنا ويرينا معالم المدينة. لقد حضر في الصباح الباكر، ومعه لائحة بالمواقع التاريخيّة، وخطوط القطار النفقي. ولقد خطَّط مواعيد وصول القطار إلى كل موقع، وكم سنقضي من الوقت، ومتى علينا الإنتقال إلى المحطة التالية.

أما أنا فقد اندمجت في زيارة المعالم بنوع من الإثارة جدير بشاب مثلي يشاهد مدينة كبرى. وكان دافيد شاباً رياضيَّاً في حالة ممتازة جعلتنا ننطلق في حركة دائمة، فهرولنا داخل الكاثدرائيّات، وأسرعنا عبر المتنزّهات، ووقفنا قليلاً أمام التماثيل، وألقينا نظرات خاطفة على الأبنية التي ترشح بالعظمة والتاريخ. رأينا لندن، ولكن هل رأيناها حقاً؟

ذهبت بعد ذلك ببضع سنين إلى لندن ومعي زوجتي في مهمّة مماثلة. وأمضينا اليوم الأخير مع بعض الأشخاص في رؤية المعالم. سرنا هذه المرة متمهّلين، فشاهدنا على راحتنا متأملين جمال تلك الكاثدرائيات وجلالها، وهي نفسها التي هرولنا حولها قبل ذلك بسنوات. لقد كان لديّ هذه المرة الوقت الكافي للتأمل والإعجاب بما رأيت، وتقدير المعاني السامية الكامنة في الأعماق.

إن هذا بالذات ما يشعر به الإنسان وهو يتأمل كلمة الله. فإذا أسرعنا في قراءة السطور في الكتاب المقدس، أو حضرنا درساً مستعجلاً لمقاطع من الإنجيل في إحدى مدارس الأحد، أو كنا في اجتماع كنسيّ للعبادة وواصلنا التطلُّع إلى ساعتنا، متشوِّقين لبلوغ الخدمة نهايتها كي نمضي إلى شأن آخر، فإننا لن نحصل على شيء ذي قيمة لحياتنا الروحية، ونكون كمن يهرول داخل الكاثدرائية فيلقي نظرة سريعة ولكنه لا يراها حقاً. أما إذا فتحنا الكلمة وأخذنا الوقت الكافي كي يؤثر روح الله في حياتنا، واستوعبنا ما فيها فإننا نرى جمال الكلمة وعظمتها ونكون في شركة حقيقية مع الله.

إن الله يرغب في الإتصال بنا من خلال كلمته. فلو خصَّصنا وقتاً كافياً للتأمل، فسوف نختبر عمق الرسالة وعظمتها، وبذا يكلِّمنا روح الله ويؤثر في حياتنا، وهنا نقطة هامة جداً: إن الذي يؤثر فينا هو الله نفسه، أما الكلمات المطبوعة التي نقرأها فليست إلا وسيلة، إنها الأداة التي يستخدمها الله ليتَّصل بنا: "لصقت بالتراب نفسي فأحيني حسب كلمتك" (مزمور 119: 25). لاحظ أن الله نفسه هو الذي يقدر أن ينفح الحياة في المرنِّم صاحب هذا المزمور. إنه يستخدم كلمته كأداة للقيام بالعمل.

إننا في حاجة لأن ننمِّي في حياتنا حبَّاً لكلمة الله. "كم أحببت شريعتك، اليوم كلَّه هي لهجي" (مزمور 119: 97). لقد كان الحب لكلمة الله هو الذي حثَّ المرنم على التأمل في الكلمة. وهذه هي نقطة البداية كي تطلب من الله فيعطيك حبَّاً وبهجة في كلمته. "درِّبني في سبيل وصاياك لأني به سررت" (مزمور 119: 35) "هلّلويا، طوبى للرجل المتَّقي الرب المسرور جداً بوصاياه" (مزمور 112: 1) "وأتلذَّذ بوصاياك التي أحببت" (مزمور 119: 47). فالقائد الذي يستحق أن يكون قائداً ومرشداً روحياً للآخرين يجب أن يكون رجل الكلمة.


الصلاة:

إن العنصر الذي تتألف منه الشركة مع الله هو الصلاة. إذ أن الله يتكلم معنا من خلال كلمته، ونحن نتكلم معه من خلال الصلاة، على أن نتذكر أن هناك صلوات تحِّك يد الله، وأن هناك صلوات لا تأثير لها إطلاقاً. فما هو الفارق؟

لقد قدَّم يسوع مثلاً على أنواع الصلاة المختلفة فقال: "إنسانان صعدا إلى الهيكل ليصلّيا، واحد فرّيسيّ والآخر عشّار. أما الفرّيسيّ فوقف يصلي في نفسه هكذا: "اللهم إني أشكرك أني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة، ولا مثل هذا العشّار. أصوم مرتين في الأسبوع، وأعشّر كل ما أقتنيه". وأما العشّار فوقف من بعيد لا يشاء أن يرفع عينيه نحو السماء، بل قرع على صدره قائلاً: "اللهمّ ارحمني أنا الخاطئ". أقول لكم أن هذا نزل إلى بيته مبرِّراً دون ذاك، لأن "كل من يرفع نفسه يتَّضع ومن يضع نفسه يرتفع" (لوقا 18: 10- 14).

أتيحت لي الفرصة في أحد أيام الصيف لحضور حفلة موسيقية على نهر باتوماك في واشنطن. وكانت الفرقة الموسيقيّة تؤدي الافتتاحية المسماة "1812". في أحد المقاطع أطلقت طلقة مدفع. وطبعاً لم تكن طلقة المدفع لإصابة هدف بل فقط لإيجاد تأثير صوتيّ، الأمر الذي يضفي على الموسيقى إثارة عنيفة.

وعلى نقيض هذا تذكرت أياماً قضيتها في البحرية خلال الحرب العالمية الثانية، وكنت أعمل كمراقب في المدفعيّة. كانوا يطلقون طلقة من أحد المدافع حيث أراقب موقع سقوطها بالنسبة للهدف، وعندئذ كنت أبرق رسالة أحدّد بها الإتجاه المطلوب: أهو أبعد أم أقرب، أو بالإنحراف يميناً أو يساراً. ثم بعد كل طلقة كنت أعطي تعليمات إضافية حتى نصل أخيراً إلى النتيجة، فأبرق بعدها "أطلقوا للتدمير". كانت المدفعية هنا تصب نيرانها كلها على الهدف لتجعله أثراً بعد عين.

وهكذا كان المثل الذي قدَّمه يسوع عن الصلاة، فإن الفريّسيّ كان يصلّي للمظهر الخارجي. وقال يسوع عنه أنه كان يصلّي وكأنه كان يخاطب نفسه. أما العشار فكان يتكلم من الأعماق في صلاته. لم يهمَّه الظاهر بل كان منشغلاً بالداخل كان يتمِّم عملاً جدِّياً. هذه هي الصلاة المثلى التي ينبغي تقديمها إلى الله. "طلبة البار تقتدر كثيراً في فعلها" (يعقوب 5: 16). لأن الصلاة يجب أن تكون حارّة لتصبح فعّالة.

وقد توّضح ذلك بحدث في الكنيسة الأولى (انظر أعمال 12: 1- 12). بدأ هيرودس الثالث حكمه بالإرهاب اضطهاد المسيحيين، فقتل يعقوب أخا يوحنا، وكان على وشك أن يقتل بطرس أيضاً. كان بطرس في السجن، تحت حراسة ستة عشر جندياً. ولكن المسيحيين صلّوا في تلك الليلة من أجله. استجاب الله للصلاة إذ أرسل ملاكاً ففتح باب السجن وأطلق بطرس.

هناك ترجمات عديدة استعملت كلمات مختلفة لوصف الصلوات التي قُدِّمت، جدِّية، متحمسة، حارّة. إن الكلمة المستعملة لوصف حرارة الصلاة، هي الكلمة المستعملة لوصف شدّة الشعور الذي يشعر به الإنسان عندما تتمزَّق أطرافه على أداة التعذيب.

إن السبب لهذه الصلاة الحارّة واضح. أولاً كان هرب بطرس من السجن مستحيلاً من الوجهة المادّية. والشيء الأساسي الذي حثّ على تلك الصلاة المتحمّسة كان ماضي بطرس. فقد عُرف عنه أنه أنكر المسيح في ساعة الخطر. فهل سينكره الآن؟ هل سمع الله لصلواتهم؟ نعم بوفرة. ففي الليلة السابقة لموعد تنفيذ حكم الإعدام كان بطرس نائماً في السجن كطفل وهو مقيّد بالسلاسل بين جنديّين. إن الصلاة الحارّة الفعّالة التي قدّمها جماعة من المسيحيين من أجل بطرس في تلك الليلة كانت ذات قيمة. فقد نجا بطرس من الموت.، بل كان خروجه من السجن، على الرغم من الحراسة المشدّدة، حادثاً معجزياً عجيباً.

ذهبت لزيارة أحد الأطباء قبل عدة سنوات فوجدته يفحص مريضاً. وبعد أن انتهى وانصرف المريض قال لي: "هذا الرجل مصابٌ بقلبه". ولقد سألت نفسي: كيف عرف ذلك؟ لقد كان الرجل يقول أنه في أحسن حال، وأنه لا يحسّ بأي ألم أو تعب، لكن على الرغم من كل ما قاله المريض فقد عرف الطبيب أن ذلك الرجل مصابٌ بقلبه. كيف؟ إن الأمر بسيط للغاية. كان الطبيب يسمع قلب الرجل بالسمّاعة الطبيّة، ولم يهتم بما كان يدّعيه من كمال الصحة.

هذه هي حالنا مع الله. فإننا عندما نصلّي لا تنطلق صلاتنا إلى الله عبر تموُّجات هوائية أو لاسلكية فيسمعها بالأساليب التي يسمع بها البشر بعضهم بعضاً. إن الله يهتم بل يعرف ما تختلج به قلوب المصلّين. "يقترب إليّ هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه، وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً" (متى 15: 8). ودعوة أرميا في مراثيه" اسكبي كمياه قلبك قبالة وجه السيد" (مراثي 2: 19). إن الصلاة التي من القلب يستمع إليها الله.

هل سمعت بعض المسيحيين يقولون بعضهم لبعض عند الافتراق "سأصلّي من أجلك"؟ هذا عظيم لو كانوا يصلّون فعلاً. ولكن أكثر هذه العبارات ليس إلا نوعاً من المجاملة اللطيفة كالقول "إلى اللقاء". كم يختلف هذا عما قاله بولس الرسول "فإن الله الذي أعبده بروحي في إنجيل ابنه شاهد لي كيف بلا انقطاع أذكركم في صلواتي" (روميه 1: 9).

لكي تكون الصلاة حارّة، يجب أن تكون محدّدة، فغالباً ما نقع في التقليد اللفظيّ فنصلّي طالبين أن يبارك الله الكنيسة أو أن يقوّي الواعظ أو أن يبارك أفراد الصف. يجب أن تكون صلاة القائد محدّدة من ناحيتين، أولاً- يجب أن تكون صلاة القائد مركّزة على نموّ كل من الأفراد الذين يرشدهم وعلى تقدّمهم. لقد أعطانا بولس المثال على ذلك. "من أجل ذلك نحن أيضاً منذ يوم سمعنا، لم نزل مصلّين وطالبين لأجلكم أن تمتلئوا من معرفة مشيئته في كل حكمة وفهم روحيّ، لتسلكوا كما يحق للرب في كل رضى، مثمرين في كل عمل صالح ونامين في معرفة الله" (كولوسي 1: 9- 10). تأملوا كذلك صلاة أبفراس "يسلم عليكم أبفراس، الذي هو منكم عبدٌ للمسيح، مجاهد كل حين لأجلكم بالصلوات لكي تثبتوا كاملين وممتلئين في كل مشيئة الله" (كولوسي 4: 12).

ثانياً- يجب أن يصلي القائد من أجل النضج الروحي لأتباعه حتى يقيم الله من بينهم عُمَّالاً ليذهبوا إلى حقول العالم.

إن يسوع نفسه علَّمنا أن نفعل ذلك. "ولما رأى الجموع تحنَّن عليهم إذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها. حينئذ قال لتلاميذه: "الحصاد كثير ولكن الفعلة قليلون، فاطلبوا من ربّ الحصاد أن يرسل فعلة إلى حصاده" (متّى 9: 36- 38).


الطاعة:

والعنصر الأخير في الشركة هو الطاعة، فلا شركة مع رئيس دون طاعته. ويسوع المسيح رئيسنا إلى حدٍّ بعيد.

قبل أن أسلِّم حياتي للمسيح قضيت فترة في جزيرة بافوفو مع الفرقة الأولى للبحرية، خلال الحرب العالمية الثانية. وكانت تلك الجزيرة منتجعنا، فكنا بعد كل حملة عسكرية نرجع إليها لنستريح فيها، ويا لها من منتجع. كانت تلك الجزيرة ملأى بالحشرات من ذباب ونمل أحمر وبعوض، وكانت خيامنا ترشح ماءً من كثرة الرطوبة، وكثيراً ما كنا نجد في الصباح سرطان الأرض في أحذيتنا. كانت الحرارة دائماً مرتفعة خانقة، والمطر اليومي مصدر إزعاج دائم. ولم يكن لدينا ما نأكله سوى جراية الميدان. ولكي تجعل الحياة مقبولة نوعاً ما، جادت البحرية بعلبة بيرة لكل جندي مرة في الشهر، لإدخال البهجة إلى قلوب الجنود. طبعاً رحَّبنا بتلك المعاملة الكريمة، مع أن علبة البيرة في الشهر لا تعتبر ذات قيمة لمن تعوَّدوا شرب البيرة باستمرار. وعليه فقد وضعت خطة بالإتفاق مع بعض زملائي الذين لا يشربون البيرة إطلاقاً، على أن يبيعوني حصتهم. وكان ذلك بالطبع ضد الأنظمة. ولكن كان من المتعارف عليه في كتيبتنا أن وسام حسن السلوك يعطى للمجنَّد إذا لم يُقبض عليه مُتلبِّساً بأية مخالفة للأنظمة.

كنت في كل مرة أجمع عدداً من علب البيرة الساخنة، فأختلي بها في خيمتي لأفتحها وأشرب محتوياتها. وفي يوم حارّ دخلت خيمتي ومعي أكثر من عشر علب بيرة. أخذت أفتحها واحدة واحدة بطعنها بحربة صدئة كانت معي. شربت محتويات عدة علب، وبدأت أشعر بتأثيرها في أعصابي. ثم طعنت علبة أخرى لأفتحها. وبعد عدة طعنات انفتحت أخيراً، وتدفقت منها البيرة الساخنة باتجاه باب الخيمة. وإذا بقائد مجموعتنا يدخل الخيمة في تلك اللحظة فيقع رشاش البيرة على وجهه وملابسه. وليس ذلك فقط، بل وجدني ثملاً وحولي كل تلك العلب التي لا يحق لي أن أشربها.

كان ذلك الرئيس صديقي. لكني خالفت الأنظمة. ولم أستطع استرجاع صداقتي وشركتي معه إلاّ بعد عدة أسابيع.

ليس هناك شركة مع رئيس عن غير طريق الطاعة، فقد قال يسوع "الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبُّني، والذي يحبّني يحبّه أبي وأنا أحبّه وأظهر له ذاتي" (يوحنا 14: 21).

إن خطر العصيان قد بيَّنه الله بوضوح في قوله "ولماذا تدعونني يا رب يا رب، وأنتم لا تفعلون ما أقوله. كل من يأتي إليّ ويسمع كلامي ويعمل به أريكم من يشبه. يشبه إنساناً بنى بيتاً وحفر وعمَّق ووضع الأساس على الصخر. فلما حدث سيل صدم النهر ذلك البيت فلم يقدر أن يزعزعه، لأنه كان مؤسساً على الصخر. وأما الذي يسمع ولا يعمل فيشبه إنساناً بنى بيته على الأرض من دون أساس، فصدمه النهر فسقط حالاً وكان خراب ذلك البيت عظيماً" (لوقا 6: 46- 49).

إن حياة القائد مع الطاعة هي الحافز الأقوى المؤثّر على أتباعه. فهم يرون حياته فيغمرهم التّحدّي الكبير لإبراز انتمائهم وطاعتهم.

إن العناصر الثلاثة للشركة هي الكلمة والصلاة والطاعة، وهي للقائد واجب إلزامي مطلق، إنه بحاجة لإختبار قوة الله في حياته وخدمته على أساس يوميّ. فالشركة مع الله هي الموصِّل الذي يجعل تلك القوة فاعلة، وبدونها يصبح القائد مجرد منظّم للجهود البشرية. إلاّ أنه يصبح بها أداة بين يديّ الله يستعملها لإتمام مقاصده على هذه الأرض.

  • عدد الزيارات: 11806