Skip to main content

الانقياد بحسب تيموثاوس الثانية أصحاح 2

ومهما عظم الخراب في الكنيسة، فإن الذين يريدون أن يسروا الرب ويطيعوا كلمته لا يلزمهم أن يفشلوا. فالله الذي سمح بالفساد والتشويش أن يبدأ في الكنيسة منذ أيام الرسل، هو الذي أعطانا أيضاً بواسطة رسله إرشاداً متسعاً ونوراً كافياً لنعرف طريقه في زمان الخراب. فمن رسالتي تسالونيكي، ورسالتي بطرس، وثلاث رسائل ليوحنا، ورسالة يهوذا - كل هذه الرسائل تعطينا قيادة وعوناً في زمان الانحراف والارتداد. وبالإضافة إلى ما ذكرناه فإنه لنا توجيهاً خاصاً ومحدداً ليومنا هذا في الرسالة الثانية إلى تيموثاوس التي تتعامل بصفة خاصة مع هذه الحالة من الخراب والأيام الأخيرة للكنيسة. وفي هذه الرسالة نجد نور الله يضيء حولنا مع ازدياد الظلمة والتشويش في الكنيسة المعترفة فيعلن طريقه للنفس المتدربة وسط كل هذا الخراب.

في الرسالة الأولى إلى تيموثاوس نجد الترتيب الذي كان يجب أن يسود في الكنيسة وكيف يلزم أن يتصرف المرء في بيت الله الذي هو كنيسة الله الحي. ولقد كتبت الرسالة الثانية إلى تيموثاوس عندما أصاب التشويش والشر بيت الله خارجياً، ولم تعد هناك قوة في الكنيسة للتعامل معه. وفي الرسالة يقال لتيموثاوس كيف يسلك وما الذي يفعله في تشويش كهذا، وشر وتحول عن كلمة الله.

عندما كتبت الرسالة الأولى إلى تيموثاوس كانت الكنيسة خارجياً هي بيت الله، ولكن عندما كتبت الرسالة الثانية إلى تيموثاوس كانت الكنيسة على الأرض قد أصبحت بيتاً كبيراً يضم أواني للكرامة وأواني للهوان. وأصبح من الضروري لمن يريد أن يطهر نفسه أن ينفصل عن أواني الهوان هذه، إذا أراد أن يكون إناء للكرامة وأن يكون نافعاً لخدمة السيد. هذا ما يوجهه الرسول في هذه الرسالة الأخيرة لتيموثاوس.

وموضوع البيت الكبير للمسيحية المعترفة مع أواني الكرامة وأواني الهوان، وكذلك الطريق الإلهي للنفس التقية والأمينة، مشروح بوضوح في الرسالة الثانية إلى تيموثاوس أصحاح 2 ومن أعداد 19 - 26. ولأن هذه الرسالة هي الأخيرة من الربعة عشر رسالة الموحى بها والتي كتبها الرسول بولس (وهذه الرسالة الخيرة كتبت قبل استشهاده). فهي بصفة خاصة، وكما ذكرنا في الأعداد المشار إليها سابقاً، تتضمن التعليمات الأخيرة من الله تجاه الحق الكنسي أو الشركة الكنسية من رسول خاص إلى الكنيسة.

وهذا الجزء من الكتاب في غاية الأهمية ويلفت انتباهنا بشكل خاص. هذه الأعداد تعطينا تعليماً إلهياً وقيادة في الطريق للمؤمن الفرد وكيف يواصل مسيره عندما تصبح الكنيسة في تشويش وخراب وارتداد.

الأساس الراسخ

قبل إعطاء التعليمات للطريق الإلهي الذي على المؤمن المتدرب لأن يتبعه في أيام الشر، فإن الرسول بولس يتكلم عن أساس الله الراسخ "ولكن أساس الله الراسخ قد ثبت، إذ له هذا الختم، يعلم الرب الذين هم له. وليتجنب الإثم كل من يسمي اسم المسيح (أو الرب)" (ع 19). إن الأمور في حالة رديئة جداً في الكنيسة المعترفة عندما كتب بولس هذه الرسالة إلى تيموثاوس. ولقد تحولت الكنائس عن الإيمان، وبعض الأشخاص كانوا يعلمون تعاليم شريرة وبذلك قبلوا إيمان قوم، كما فعل هيمينايس وفيليتس اللذان تكلم الرسول عنهما في عددي 17 و 18.

إن الأعمال الشريرة والتعاليم الشريرة كثرت وستزداد، ولكن في وسط التشويش وحالة الأشياء التي تزداد هبوطاً، هناك كلمة معزية ومبهجة. فأمكن لبولس أن يتب: "ولكن أساس الله الراسخ قد ثبت". ففي مواجهة الارتداد وتشويشه فإنه يتحول إلى الأمور الراسخة والباقية، أساس الله الراسخ. فما أقامه الله يبقى بلا تغيير، وهو الأساس الذي يركن عليه. إن ما تسلمه الإنسان قد فشل فيه، ولكن ما هو من الله يبقى دون أن يمس، ويستطيع المؤمن أن يستريح هادئاً على هذا الأساس، ولا يهم كيفما عظم الخراب في الكنيسة المعترفة.

سبق أن كتب بولس للكورنثيين: "فإنه لا يستطيع أحد أن يضع أساساً آخر غير الذي وضع الذي هو يسوع المسيح" (1 كو 3: 11). إنه هو ابن الله الأزلي وابن الإنسان، هذا هو الأساس الراسخ، الصخرة التي بنيت عليها الكنيسة الحقيقية، والتي لا تستطيع أبواب الجحيم أن تقوى عليها (متى 16: 16 - 18). فالمسيح هو حجر الأساس الذي تنبأ عنه أشعياء: "هاأنذا أؤسس في صهيون حجراً، حجر امتحان، حجر زاوية كريماً، أساساً مؤسساً" (أش 28: 16).

ولكن هنا في تيموثاوس الثانية لم يخبرنا بما هو الأساس. وربما لغرض ما فإن روح الله تركها كتعبير عام. وبلا شك فهو المسيح يسوع والذي يتضمن معه أيضاً كل هذه الأشياء التي أعطانا إياها الله فيه. فإنها غير متغيرة وباقية. ويا لها من تعزية لنا في زمان الارتداد عندما تتقوض وتدمر أساسيات الإيمان بواسطة أناس أشرار. "كل مواعيد الله فيها النعم وفيها الآمين" (2 كو 1: 20). إن المسيح ومواعيده يصبحان الأساس اليقيني للمؤمن لكي يستقر عليه.

وبينما نجد أن أشياء كثيرة عجيبة ومضمونة لنا في المسيح، فهناك ثلاثة أشياء منها بارزة وثمينة بصفة خاصة. 1 - حضور المسيح الدائم مع خاصته بكل ملئه وكفايته هو الضمان لنا "ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر" (متى 28 : 20). "حيثما جمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم" (مت 18: 20). هذا هو الوعد الثمين بحق في زمان الخراب. 2 - السكنى الدائمة لمحضر الروح القدس والذي يتيقن للمؤمن "وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد.. لأنه ماكث معكم ويكون فيكم" (يو 14: 16 و 17). 3 - كلمة الله تبقى لنا "السماء والأرض تزولان، لكن كلامي لا يزول" (متى 24: 35). فيا لها من تعزية ومؤازرة للمؤمن في زمان الخراب يجدها في الحضرة الدائمة لابن الله، وروح الله، وكلمة الله. ولذلك فإن البقية في زمان حجي قد تشجعت أيضاً "إني معكم يقول رب الجنود: حسب الكلام الذي عاهدتكم به منذ خروجكم من مصر، وروحي قائم في وسطكم. لا تخافوا" (حجي 2: 4 و 5).

ومضافاً إلى أساس الله الراسخ نجد الختم بوجهيه الإلهي والإنساني - "إذ له هذا الختم، يعلم الرب الذين هم له". هذا هو الجانب الإلهي. ففي وسط التشويش والشر في المسيحية فإن الرب يرى ويعرف كل واحد ممن له علاقة حية به شخصياً وهم بالحق ملكه. نحن لا نعرف جميع المؤمنين حتى في مكان محدد، ولكنه هو يعرف. إن معرفة الرب هذه هي الباقية لنا لكي نستند عليها كمصدر في وقت خراب الكنيسة الحاضر.

إن سلوك بعض المسيحيين المعترفين يجعل المرء منا غير قادر أن يتحقق من حقيقة اعترافهم. فمثل هؤلاء يلزم أن نترك أمرهم مع الرب الذي يعرف من هم خاصته، والذي سيظهر في الوقت المعين من هم له بحق، والذين ليسوا له.

ومن ناحية أخرى، فالذين هم مؤمنون حقيقيون وأمناء للرب غالباً ما يساء فهمهم، ويفترى عليهم ويضطهدون من العالم أو من هؤلاء المعترفين بالمسيحية الذين يتصفون بالروح العالمية، وذلك لكونهم لا يسيرون مع العالم أو مع الكنيسة المعترفة في أعمالهم الشريرة. إن المركز الكنسي قد يدان ويتكلمون عليه بالشر. وربما يقف هذا الشخص وحيداً ويفترى عليه من الجماعات المسيحية. ولكن يا لها من تعزية حقيقية وقوة راسخة أن نعرف أن الرب يعلم كل من هو له ويعلم أيضاً كل ظروفهم. إنه يعرف عندما يشك الآخرون فينا.

ولكن هناك جانب آخر من ختم الله، وهو جانب المسئولية الإنسانية. "وليتجنب الإثم كل من يسمي اسم الرب". فكل من يسمي اسم الرب ويدعي أنه مسيحي فهو تحت التزام حقيقي أن يتبع المسيح بالبر وأن يجنب نفسه من كل شر. فمتى اعترف واحد باسم الرب فيجب عليه أن يسلك بحسب هذا الإسم المقدس وأن لا يربطه بالإثم أو بأي صورة من صور الشر والخطأ. فإن الرب يطالب بالطاعة والخضوع لسلطانه.

إن الانفصال عن الشر هو الموضوع الذي يلح عليه الكتاب كله. ويؤكد عليه كضرورة أساسية للنفس التقية في أيام الخراب. ولهذا عليه أن يعطي برهاناً منظوراً لنشاط الطبيعة الإلهية التي تكره الشر وتحب الخير وترغب في طاعة الرب وإكرامه. "كفوا عن فعل الشر، تعلموا فعل الخير" (أش 1: 16 و 17). هذا هو ترتيب الله الدائم. فالخطوة الأولى هو الانفصال عن الشر، وعندئذ يعلم الله هذا الشخص إرادته ويريه الخطوة التالية.

وكل ما لا يخضع لإرادة الله الكاملة فهو إثم. فقد يكون الشر شيئاً معيناً أو ربما نظاماً دينياً، يلزم الانفصال عنه. وأحياناً يبدو أن الشر محبب وجذاب للقلب البشري ولكن لو كان في مواجهة ومقاومة لمشيئة الله المعلنة ومضاد لكلمته فهو شر ويلزم الانفصال عنه.

البيت الكبير

"ولكن في بيت كبير ليس آنية من ذهب وفضة فقط، بل من خشب وخزف أيضاً، وتلك للكرامة وهذه للهوان" (ع 20). والرسول يستخدم هنا تصوير البيت الكبير بما فيه من أواني متنوعة، أواني كرامة وأواني هوان. وهذه هي صورة الكنيسة المعترفة لما أصبحت عليه عندما كتب بولس هذه الرسالة. إنها لم تعد توصف بأنها "بيت الله.. كنيسة الله الحي، عمود الحق وقاعدته"، كما كانت عند كتابة الرسالة الأولى إلى تيموثاوس (ص 3: 15). فقد كانت الكنيسة وقتها تتمسك بالحق أمام العالم، فهي عمود الحق، أما الآن فالتعاليم الخاطئة تعلم من البعض فيها، وغير المخلصين يوجدون ويستمرون فيها، وهناك الخلط الكبير والتشويش الزائد، والشر في بيت الله كدائرة للمعترفين فيها.

أما الادعاء بأنه بيت الله فقد أصبح شبيهاً بما هو بين الناس على الأرض - بيت كبير بأواني مختلطة - ولم يعد يحمل الختم الإلهي لكونه بيت الله متصفاً بالقداسة والبر. لقد فقد صفة القداسة والبر. هذه هي حالة الكنيسة المعترفة في نهاية حياة بولس، وقد تغيرت حالة الأشياء وتطورت بشدة من ذلك الوقت، حتى أن المسيحية المعترفة اليوم صارت أكثر من كونها بيت كبير به أواني مختلطة بعضها للكرامة والبعض الآخر للهوان.

إن أواني الذهب والفضة هي أواني مجهزة ونافعة لخدمة بيت الله. ومرة أخذ نبوخذ نصر أواني الذهب والفضة من الهيكل في أورشليم وحملها معه إلى بابل (دا 5: 2 - 3) أما أواني الخشب والخزف فلا يجب أن تكون في بيت الله. ومن روميه 9: 21 - 23 نتعلم أن أواني الهوان هي "آنية غضب مهيأة للهلاك"، وأن أواني الكرامة هي "آنية رحمة معدة للمجد". ولذلك بصفة عامة فإن أواني الذهب والفضة تمثل المسيحيين الحقيقيين، فهم أواني كرامة - "أواني رحمة"، بينما أواني الخشب والخزف ترمز للمعترفين غير المتجددين في الكنيسة - أواني للهوان وللغضب.

وعلى كل حال، فقد يستخدم الإناء الذهبي للهوان، مثلما فعل بيلشاصر عندما استخدم أواني الهيكل المقدسة في عيده الوثني. وذات الشيء يحدث في البيت الكبير للمسيحية، حيث أن الأواني تمثل الأشخاص، فإن مؤمناً حقيقياً في الرب قد يفعل أشياء تهين الرب أو أنه يرتبط بأواني الهوان فيصبح إناء للهوان. إن الرب لا يصادق على خدمة شخص مرتبطاً بالشر، ولذلك فإن الانفصال عن أواني الهوان موجودة في عدد 21 باعتبارها ضرورة أن نصبح أواني للكرامة.

هذا هو التصوير الإلهي للكنيسة المعترفة والتي تجمع الخليط غير المقدس للمخلصين وغير المخلصين، للمؤمنين الحقيقيين والكذبة. وهذه هي حالتها في يوم خرابها. إن انتسابها للمسيحية منظور إليه كبيت كبير بأواني مختلطة. وكل مسيحي فيها يكتفي بالدائرة الخارجية بدلاً من أن يظهر حقيقة قلبه وأغراضه من نحو الرب، ولذلك فإن البيت الكبير يكتفي بادعاء المسيحية من الناحية الخارجية. أما المؤمن الجاد والأمين فهو مدعو ليطهر نفسه شخصياً من كل أواني الهوان التي في البيت، ولكنه لا يمكنه أن يخرج خارج هذا البيت ذاته.

تطهير الفرد نفسه

"فإن طهر أحد نفسه من هذه (بانفصال نفسه عن أواني الهوان)، يكون إناء للكرامة، مقدساً، نافعاً للسيد، مستعداً لكل عمل صالح" (ع 21). إنه عندما لم تعد المسيحية المعترفة قادرة على أن تطابق نفسها مع خصائص الكنيسة التي أقامها الله، صار التأكيد على الدعوة للأمانة الفردية ومسئولية الفرد المؤمن لكي يفصل نفسه من كل ما هو مضاد لكرامة المسيح. ويخاطب الفرد هنا ويدعى أن يطهر نفسه من أوني الهوان بالانفصال عنها.

فإذا أراد شخص ما أن يكون إناء للكرامة ومعداً لخدمة السيد، وجب عليه أن ينفرز ولا ينجس نفسه بالأمور الفاسدة والخاطئة والتي تضاد كلمة الله. ولا يمكن البقاء في ارتباط مع الذين يهينون المسيح فينكرون لاهوته أو كمال ناسوته، أو يحتفظون بتعاليم شريرة أخرى أو يسمحون للشر في حياتهم، وفي ذات الوقت يجتهد أن يكرم الرب في مسلكه، ويكون إناء مقدساً لخدمة السيد. ولا يمكن لمؤمن أن يخدم الرب حقاً بينما هو في ارتباط بالشر أو يحتفظ بعلاقة مع نظام ديني خاطئ أو يرتبط بطائفة أو جماعة تسمح بالشر أو يصبح فيها أشخاص غير مخلصين (وهم أواني للهوان) أعضاء بها. يلزم للفرد أن يكون إناء طاهراً قبل أن يستخدمه الرب، والحالة الضرورية ليكون مقدساً، ونافعاً للسيد، وإناء معداً للخدمة، هذه كلها تتقرر بوضوح هنا في الانفصال عن أواني الهوان.

وإذا حدث أن كنيسة لم تنزع الشر من وسطها، كما أوصى في 1 كورنثوس 5، فإن المؤمن الأمين بعد تقديم التحذيرات الواجبة وبعد تدريب كافي على الصبر، عليه أن يطهر نفسه بالانفصال عنها. ولا يمكن لشخص أن تكون له شركة مع الشر، ويصبح إناء طاهراً. "خميرة صغيرة تخمر العجين كله". "وليتجنب الإثم كل من يسمي اسم الرب". إنه عندما ينفصل عن الشر يمكن للمرء أن يفهم ما هي قداسة الله، وما هي مطاليبه من نحونا، وكيف لا تتوافق طبيعته مع الشر.

وبالطبع فإن الذين يسعون لطاعة أمر الله بالانفصال عن أواني الهوان، وعن الإثم، وعن كل ما هو مضاد لكلمة الله، غالباً ما يواجهون مقاومة كثيرة وإدانة. وكما في يوم أشعياء هكذا الآن "الصدق (أو الحق) سقط في الشارع.. وصار الصدق معدوماً، والحائد عن الشر يسلب" (أش 59: 14 و 15). إن الانفصال التقوي يكلف كثيراً، ولكنه أيضاً يربح كثيراً. إن آلام الانفصال وتعييره يجب أن نحمله إذا أردنا أن نسر الرب فوق كل الأمور الأخرى، ولكي نكون إناء نافعاً لخدمة السيد. ولذلك يتعلم المرء "الطاعة أفضل من الذبيحة، والإصغاء (الاستماع) أفضل من لحم الكباش" (1 صم 15: 22). إن النفس الطائعة ستجد أنها أتت إلى البركات الغنية والقوة المنعشة لها.

إن البعض يتهاونون بالشر تحت دعوى وحدة الكنيسة وعدم كسر تلك الوحدة أو إحداث الانقسام، ولكن مثل هذه الأفكار يجب مقاومتها واستبعادها بكلمات الرسول الآمرة ذات السلطان "إن طهر أحد نفسه من هذه".

وعندما يجد الفشل والشر مكانه داخل الكنيسة، يأتي الخطر من وجود الرغبة لإبقاء الوحدة الخارجية التي تقنع حتى المؤمن الأمين أن يقبل الشر ويسير في الشركة معه عن كسر تلك الوحدة. ولكن 2 تيموثاوس 2: 21 تقرر مبدأ الأمانة الفردية والمسئولية الفردية للانفصال عن الشر، وتضعها فوق كل الاعتبارات الأخرى. إن الوحدة لا يمكن أن تكون على حساب الحق أو البر فهي مضادة لطبيعة الله ذاتها التي هي نور. وفي زمان الخراب فإن الانفصال عن الشر يؤكد عليه فوق الوحدة الخارجية.

البعض يعلم ويدافع عن وجوب بقاء الشخص في كنيسة، (حتى ولو كانت الأمور فيها ليست صحيحة ومخالفة لكلمة الله) وأن يعمل قدر ما يستطيع من الخير حتى يتحسن الموقف، أو أن الشخص يقف كشاهد للرب في ذات المكان. ولكن بحسب الكتاب كما كنا نتكلم قبلاً، وكما هو ظاهر لقرائنا كيف أن هذا التعليم خاطئ ومضاد لفكر الله. إن المرء يمكن أن يكون إناءاً طاهراً ومعداً لخدمة السيد، ومستعداً لكل عمل صالح، إذا عمل هذا فقط، إذا انفصل عن أواني الهوان. وعندئذ يمكن للرب أن يستخدم المرء لبركة النفوس. إن الشخص يجب أولاً أن يخرج من المستنقع الراكد قبلما يمكنه أن يساعد غيره الذي في ذات المستنقع.

وفي أيام الشر التي عاشها أرميا، قال الله له "إن رجعت أرجعك فتقف أمامي، وإذا أخرجت الثمين من المرذول فمثل فمي تكون، هم يرجعون إليك وأنت لا ترجع إليهم" (أر 15: 19). كان أرميا يتمتع بكلمة الله في قلبه وقال: "لم أجلس في محفل المازحين مبتهجاً. من أجل يدك جلست وحدي لأنك قد ملأتني غضباً" (أر 15: 16 و 17). ولذلك أمكن لله أن يستخدمه لكي يفصل النفوس الثمينة عن شر اسرائيل وأن يستخدمه كفمه ليتكلم بكلمته. ولكن لا يجب أن يعود إلى الأمور التي انفصل عنها "هم يرجعون إليك".

وهناك وصية أخرى قوية للانفصال موجودة في 2 كورنثوس 6: 14 - 18 "لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين لأنه أية خلطة للبر والإثم؟ وأية شركة للنور مع الظلمة؟.. لذلك اخرجوا من وسطهم واعتزلوا (أي انفصلوا) يقول الرب، ولا تمسوا تجساً فأقبلكم، وأكون لكم أباً وأنتم تكونون لي بنين وبنات يقول الرب القادر على كل شيء". ليت كل قارئ يلتفت إلى تلك الكلمات التحريضية والتشجيعية ويسير بأمانة للمسيح في وسط شر المسيحية المعترفة.

السلوك الشخصي

"أما الشهوات الشبابية فاهرب منها، واتبع البر والإيمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقي" (ع 22). لقد رأينا في العدد السابق أن الانفصال عن أواني الهوان في البيت الكبير للمسيحية المعترفة أمر ضروري، إذا أراد الفرد أن يكون إناءاً طاهراً ومعداً لكل عمل صالح. والآن يحذر الرسول ضد الأخطار الشخصية إذا ابتلع بالشرور العلنية وعليه أن ينشغل بالانفصال الضروري عن هذه الأخطار. ويحرض المؤمن الفرد تجاه مسلكه الفردي، إذ عليه أن يتبع مسالك النعمة كإناء منفصل. وليس علينا أن ننشغل فقط بالجانب السلبي للانفصال، بل أيضاً أن نحافظ على الجانب الإيجابي لاتباع البر والإيمان والمحبة والسلام مع المؤمنين الآخرين الذين لهم نفس الفكر والمسلك معنا.

إنه في غاية الأهمية لمن انفصل عن الشرور الكنسية، أن يلاحظ مسلكه جيداً وأن يحافظ على سلوكه العملي لكي يتصف بالبر ويتشبه بالمسيح. فإذا فشل واحد في مسلكه الشخصي وساءت سمعته مثل غير المسيحيين الذين يسقطون في فخاخ الشرور فباطلاً تصبح شهادته ضد الشر وانفصاله عنها. ولهذا كان الرسول يستحث تيموثاوس بكل اجتهاد، ويستحث أيضاً كل مؤمن يريد أن يكون أميناً لكي يتحذر من كل ما يعوق ويبطل شهادة الشخص بانفصاله عن الشر.

لابد من تجنب الشهوات الشبابية. وليست فقط الشهوات الجسدية والعالمية التي نتجنبها، ولكن الشهوات التي تميز الشباب، كالثقة في الذات والخفة وقلة الصبر والتهور والاستقلالية وإظهار المعرفة والميل إلى المجادلة، كل هذا يلزم أن ننأى عنه. فهذه الأشياء جميعها هي أمور طبيعية جداً للشاب، أما إذا صعدت إلى مؤمن متقدم في السن فإنها تفسد شهادته. إن إناء الكرامة لا يجب أن يتصف بهذه الشهوات التي تميز الشاب في اكتفائه بذاته. إذ عليه أن يهرب من أي ميل يفسح مجالاً لتلك الشهوات الشبابية ويتجنب كل ما من شأنه يظهر نقصاً في وقاره ووداعته وتواضع روحه التي تميز من يسير مع الله.

إن المؤمن المنفصل يجب أن يتبع البر والإيمان والمحبة والسلام. وعلى المرء أن يسلك في البر العملي الذي فيه إتباع لكل ما هو صحيح أمام الله والناس ويعمل في ثبات. ونلاحظ أن البر يأتي أولاً في البداية، وبعد ذلك الإيمان، ثم المحبة، وآخر القائمة هي السلام. لكن البر أول الاعتبارات وليست المحبة والسلام. فإذا ظن واحد أن المحبة والسلام تتصدر هذه الاعتبارات فسيصبح في خطر أن يساوم على الحق ويضحي بالبر. قد يحدث تساهل مع الشر تحت ذريعة المحبة ورغبة السلام. إننا نتبع المحبة والسلام، ولكن لا يمكن أن يكون سلام على حساب البر، ولهذا يلزم أن نتبع البر أولاً وفي البداية. ولا يمكن أن يكون سلام مع الشر أو مع أعداء المسيح.

ويجب أن نتبع الإيمان كذلك الذي يرافق البر، فالإيمان يحفظ صاحبه في شركة مع الله وفي استناد عليه لكي يؤازر القلب في طريق البر والانفصال عن الشر. إن الإيمان يجعل الله أمام النفس ويحفظ الفرد من التطلع إلى الأشياء من الزاوية النفعية ومنطق الجدل والعقلانية - فالإيمان ضرورة للاحتمال في طريق البر. قيل عن موسى أنه تشدد أو تحمل "كأنه يرى من لا يرى" (عب 11: 27).

إنه بدون الإيمان والمحبة فإن اتباعنا للبر يصبح شيئاً بارداً ومتطلباً قانونياً وله رائحة الفريسية. ولهذا فإن الإيمان والمحبة يلزم اندماجهما معاً برباط البر. والإيمان يأتي قبل المحبة في العدد الذي أمامنا، لأن العين يجب أن تثبت على الله مصدر المحبة، قبل أن يظهر نشاط المحبة المسيحية الحقيقية. ويجب أن تحرس المحبة بالبر والإيمان. فليست هناك محبة حقيقية بعيدة عن الطاعة. إن المحبة الحقيقية للمسيح وللنفوس تجعل الشخص يسير في البر وفي الإيمان.

وعندما يكون الإيمان نشيطاً فإن الله يبقى أمام النفس، ومحبته تملأ القلب، ومسلك الشخص يتصف بالمحبة الإلهية. وهذا ضروري جداً لإناء الكرامة. إنه يجب أن يتبع المحبة ويظهر محبة المسيح في كل تعاملاته.

وعندئذ تصبح نتيجة اتباع البر والإيمان والمحبة وهي السلام - السلام على قاعدة البر. إن المؤمن المنفصل لا يجب أن يدفع إرادته الذاتية ولا أن يثير المشاكل والنزاعات، بل "لنعكف (أو لنتبع) إذاً على ما هو للسلام". و "إن كان ممكناً فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس" (رو 14: 19، 12: 18). إن الشخص الكثير الخصام والميال للنزاع هو يهين المسيح، ولا يظهر أنه يتبع البر والإيمان والمحبة والسلام.

في ع 23 - 25 يعطينا التعاليم بالنسبة للسلوك الشخصي الذي يجب أن يميز الإناء المقدس الذي هو للكرامة. إن عليه أن يتجنب المباحثات الغبية والسخيفة التي تثير النزاع فلا يجب أن يخاصم أحداً "بل يكون مترفقاً بالجميع، صالحاً للتعليم، صبوراً، مؤدباً بالوداعة المقاومين". إن المناقشات والمنازعات على الحق أو المباحثات الغبية هي بلا فائدة أو نفع. إن حق الله يجب أن يكون واضحاً ومستقراً ويعلم بكل صبر ولطف ووداعة حتى لهؤلاء المقاومين. وعبد الرب لا يجب أن ينازع ويخاصم الذين يقاومون الحق.

إن مثل هذه التعليمات هي ما يميز المؤمنون في سلوكهم الشخصي وهم يسعون لإرضاء الرب وأن يكونوا مقدسين وأواني نافعة للكرامة وللخدمة وسط خراب البيت الكبير للمسيحية المعترفة. ليت الرب يعطينا نعمة لنتميز بهذه الصفات.

مع من أرتبط وأكون في وحدة

بالرجوع إلى عدد 22 نلاحظ أن المؤمن المنفصل لا يتبع فقط البر والإيمان والمحبة والسلام فردياً بل "مع الذين يدعون الرب من قلب نقي". إنه يتشجع باتباع هذه النعم في ارتباطاته الشخصية وشركته مع الآخرين الذين يسلكون في ذات الطريق مثله ويدعون الرب من قلب نقي.

إن المؤمن الأمين له أن يتوقع الشركة مع الآخرين في طريق انفصاله عن أواني الهوان. إنه بحاسة إلهية يحب الشركة مع القديسين، وبموجب هذا القانون يبتهج بالشركة مع بقية المسيحيين في الطريق الجديد حيث دعى إلى الأمانة لله ولكلمته.

لسنا بحاجة إلى الخوف من العزلة كنتيجة للانفصال عن الشر، ولا يجب على المؤمن أن يختار البقاء بمفرده. إن الله يعمل في قلوب الآخرين ويقودهم كذلك إلى الانفصال عن الشر واتباع البر والإيمان والمحبة والسلام، وأن يدعو الرب من قلب نقي. ونحن قد دعينا لكي نربط أنفسنا في الدائرة المسيحية مع الذين يفعلون كذلك. هذا هو الطريق ودائرة الشركة بحسب فكر الله للمؤمن المجتهد في زمان الخراب.

ربما يكون فقط اثنان أو ثلاثة في مكان ما الذين يتجاوبون مع هذه الملامح الأدبية. فإذا كان الأمر كذلك فلا يجب أن يحتقروا، بل يعترف بأن الرب قد وضع قلوب هؤلاء الرغبة والغرض لتتميم إرادته، إنه مع هؤلاء الذين يجب أن نسير في شركة سعيدة. وكما كتب واحد بحق [إن الذي ليس له قلب لاثنين أو ثلاثة، لو وضعته بين عشرة آلاف يصبح قلبه ميتاً] (وليم كيلي). إن الأعداد قد تبدو عظيمة للروح العالمية، ولكنها لا يجب أن تؤثر في واحد يريد أن يكون أميناً للمسيح.

لقد سبق الرب ورأي أن يمدنا بنعمته لمثل هذه الحالات التي تبرز في الأيام المظلمة للشر في الكنيسة المعترفة. ولهذا وعد "حيثما جمع اثنان أو ثلاثة معاً إلى اسمي، فهناك أكون في وسطهم" (مت 18: 20). لقد عرف أن الأمور ستهبط إلى تلك الحالة - فيصبح اثنان أو ثلاثة فقط في مكان ما، وهم يريدون مصادقته ويطيعون كلمته - ولذلك يضمن لهم بمحبة ولطف حضوره بينهم متى اجتمعوا لاسمه وحده. ويا لها من تعزية ثمينة! فماذا نريد أكثر من ذلك؟

ونريد أن نؤكد هنا أن العزلة والبقاء بالانفراد بدون ارتباط وشركة مع المؤمنين الآخرين ليس هو طريق الله لأي مسيحي في أي وقت. فليس على المرء أن يستمر مع الشر ولا أن يقف بمفرده ويرفض الارتباط والتوافق مع المؤمنين الآخرين. ويعلمنا 2 تيموثاوس 2: 22 بوضوح هذا الأمر. إن إرادة الله أن "نتبع البر والإيمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقي". ربما لا يجد المرء واحداً في المكان الذي يقيم فيه لكي يجتمع معه بحسب الكتاب، ولكن الرب بالتأكيد سيمده ببعض المؤمنين في مكان آخر حيث يمكنه أن يسلك في شركة البر.

إن البعض عندما يجدون أن الأحوال هكذا ساءت جداً في الكنيسة حتى أنهم لا يوجد واحد في المكان ليقيم شركة معه في البر، فيظن البعض أن عليهم البقاء منفردين وبعيدين عن كل شيء. وبالتأكيد فإن هذا الفكر مضاد لكلمة الله، ونخشى أن يظهر هذا روح الكبرياء التي تجعل الشخص يظن في نفسه أنه متفوق على الجميع وعلى كل من حوله. وعندما ظن إيليا أنه هو الوحيد الذي يقف في صف الله، كان عليه أن يتعلم أنه يوجد سبعة آلاف ركبة لم تنحن لبعل (1 ملوك 19: 14 - 18). إن الله يحتفظ دائماً ببقية أمينة من المؤمنين كشهادة لنفسه في كل عصر.

وكمؤمن منفصل، فإنه يكون في شركة مع هؤلاء الذين يتميزون باتباع البر والإيمان والمحبة والسلام وهم يحتفظون بنقاوة قلب مشتركة. هذه هي الشركة التي على المؤمن المخلص أن يسير فيها. والذين يدعون الرب من قلب نقي هم الذين يظهرون بوضوح السمات المذكورة قبلاً. ونستطيع أن نميز فقط القلب بالحياة العملية.

كتب آخر في العدد الذي أمامنا كما يلي: [ما هو في فكر روح الله هنا هو النقاوة الجماعية، وهي نقاوة تميز هذا الارتباط. فالذين اجتمعوا معاً في هذه الوحدة وهذا الارتباط الذي تكلمنا عنه هنا هم الذين يلتقون على أساس كلمة الله في تكريس وعواطف صادقة للرب يسوع المسيح، وهم يجتهدون في الحفاظ على اسمه وحقه وكرامته وعدم التساهل في كل أمر لا يتوافق معه. وهذا كما أظن ما يتكلم عنه الرسول عندما قال "مع الذين يدعون الرب من قلب نقي". إن نقاوة القلب واستقامته والتقوى والتكريس الشخصي للمسيح، هي سمات مميزة للارتباط الذي عليّ أن أسعى فردياً لتطهير نفسي] (و. ت. تيربن).

وإذا وجدنا هذه الشركة الكتابية، فإن هذا المركز يجب أن نحافظ عليه بصبر ولطف ووداعة كما يتقرر في أعداد 23 - 25 والتي سبق أن تكلمنا عنها بالارتباط مع المسلك الشخصي.

إنه بحق لنا قيادة كافية ومعزية من تيموثاوس الثانية الإصحاح الثاني تجاه طريق الله في زمان الخراب. ليت القارئ والكاتب معاً يسيران في ذات الطريق حتى يجيء.

  • عدد الزيارات: 3873